خلال الذكرى26 لعيد العرش، تضمن الخطاب الملكي فقرة تبدو صغيرة وفق عدد الكلمات لكنها كبيرة وغنية من حيث الدلالات، وهي تخص الجزائر، شعبيا ورسميا، على المستوى الاول، وخلال هذه المناسبة، أقر الملك بأواصر الأخوة والصداقة التي تربط الشعبين المغربي والجزائري، أما على المستوى الرسمي، وفي يشبه التحية الأخيرة لحكام الجارة الشرقية، بادر عاهل البلاد إلى إعادة سياسة اليد الممدودة في سياق مغاير ومخالف للحقائق وموازين القوى ، سياق عنوانه الابرز العداء والقطيعة بل هو سياق يؤشر على وشك وقوع الحرب في كل لحظة وحين.
لماذا اختار الملك محمد السادس هذا التوجه الذي قد يراه البعض » حكيما واخويا ونبيلا » فيما قد يراه البعض بمثابة » محاولة مستحيلة لايقاظ الموتى » سيما وأن سياسات وتوجهات النظام العسكري الجزائري مغرقة في عقيدة العداء للمغرب، وعلى الأرجح بأنها باتت على شاكلة » الزواج الكاتوليكي »، إذ يعتنق قادة الجزائر عقيدة العداء كطقس للخلاص، بالنسبة لهم ، فناء المغرب هو خلاص الجزائر، وهي معادلة باتت تتجاوز المنطق والحسابات الجيوسياسية وصارت أقرب إلى » الحالات النفسية التي عادة ما تلجأ الى « التعاويذ المقدسة » بعد نزول البلاء. لكن، لماذا أجل جلالة الملك خطاب النصر رغم أن كل المؤشرات التي باتت تجعل من النزاع حول الصحراء في حكم الماضي؟؟ ما هي خلفيات اليد الممدودة عبر الزمن لنظام لا ينظر الا بمنظار العداء والحرب والحقد ؟؟ أسئلة ترتبط أساسا بحيزا قد يبدو طارئ أو غير أساسي على مستوى الخطاب الملكي، لكنه يحمل دلالات عمقية ومعبرة، ويمكن تفكيك الاشارة الملكية من خلال ثلاث مستويات وذلك لمحاولة فهم الرسائل والغايات من ذلك:
اولا، السياق الراهن يؤشر على تفكك واندحار اطروحة الانفصال، والإشارة الملكية إلى الروابط التاريخية والدينية واللغوية التي تجمع الشعبين المغربي والجزائري هي بمثابة رسالة تأكيدية على أن الشعب الجزائري غير معني بهذا الصراع بالنسبة للمغرب، وهو معتقد أو عقيدة يدركها المغاربة حكومة شعبا، بالتالي، فهذه الاشارات المشفرة تعيد التأكيد على متانة وعمق روابط الأخوة بين الشعبين رغم الحملة الدعائية الشرسة التي يحاول من خلالها حكام الجيش الجزائري » شيطنة النظام الملكي المغربي » وتسميم العلاقة وخلق حالة من التوتر والتعصب والفرقة بين الشعبين. هي إشارة واضحة، على التمييز بين « سياسات نظام يعيش على انقاض الماضي السحقيق »و » ميولات شعب يتقاسم مع جاره التاريخ والحاضر والمستقبل.
ثانيا؛ إشارة الملك إلى التمسك بالاتحاد المغاربي، والتأكيد على أنه لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر مع باقي الدول الشقيقة، تؤشر على رغبة المملكة في إحياء هذا » الكيان الجامد » بفعل مجموعة من الفواعل والخيانات والاصطفافات الهجينة والطارئة، كما تؤكد هذه الدعوة على فشل كل المحاولات الجزائرية التي كانت ترمي إلى تشكيل اتحاد مغاربي بدون المغرب، وفي نفس الوقت، هي إشارة على تجاوز الاشكالات العابرة والمؤقتة والثانوية مع باقي الدول المغاربية مثل تونس.
ثالثا، يتعلق الأمر بالفقرة الأخيرة التي تهم العلاقة المغربية الجزائرية والنزاع حول الصحراء، إذ أكد الملك الحرص على إيجاد حل توافقي لا غالب فيه ولا مغلوب يحفظ ماء وجه جميع الأطراف. وهو تأكيد أو إقرار قد يكون منافيا للتحولات والمؤشرات على الارض، إذ شكلت هذه الفقرة من هذا الخطاب » دعوة ضمنية » للحوار مع كل من الجزائر وقيادة البوليساريو، فكيف يستقيم والحالة هاته أن يجالس المنتصر(المغرب) الطرف الاخر المنهزم بدون شروط!! على الارجح، يحاول الملك أن يعطي الفرصة الأخيرة لخصوم وحدته الترابية، يبدو أن الامر وكأنه يتعلق » بخطاب الفرصة الأخيرة » إن جاز التوصيف، بمعنى أن خطاب العرش قد يكون مغاير لخطاب الذكرى » الخمسين » للمسيرة الخضراء المرتقب يوم 6 نونبر من هذه السنة، إذ على الارجح ومن المحتمل أن تكون الثلاثة شهور القادمة فاصلة ومفصلية قد يتغير كل شيء قبلها أو بعدها بحسب التحولات الجيوسياسية والتوازنات الدولية، لكن، يحاول الملك اليوم أن يؤجل لغة الانتشاء والانتصار، وبحكمة ودعوة صادقة يرسل من خلالها رسائل الود والاخوة، بل يرمي بطوق النجاة للطرف الاخر_الذي بات في حكم المنهزم بلغة الواقع » الذي لم يعد في رصيده سوى الشعارات واجترار نفس المفردات و والسرديات. لربما هو « حبل الود الملكي الأصيل » المطوق بمحاذير التاريخ والجغرافيا والمستقبل، هي محاذير الاجداد والاباء المؤسسين لهذه الامبرطورية الممتدة عبر الزمن لقرون، إذا، دون شك، هي دعوة لحفظ ماء الوجه لهؤلاء، ومن المحتمل أن تكون الاشارة الملكية بمثابة رغبة أو خطوة ذكية لرفع الحرج و لجعل أطراف النزاع فاعلة ومساهمة » ظاهريا » _وفي الوقت بدل الضائع_ في صناعة المصير المحتمل الذي لا محيد عنه بعد سلسلة الاعترافات لطي ملف الصحراء تحت السيادة المغربية.
المصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
التجمع الوطني للأحرار يعلن أنه مستعد لتنزيل وتنفيذ رؤية الملك من مختلف المواقع والمسؤوليات
أعلن حزب التجمع الوطني للأحرار متزعم الأغلبية الحكومية، انخراطه الكامل لتنزيل وتنفيذ رؤية الملك من مختلف المواقع والمسؤوليات، داعيا كل القوى الحية للشعب المغربي للارتقاء إلى مستوى تحديات ورهانات هذه المرحلة، من خلال تعزيز الجبهة الداخلية والالتفاف القوي وراء الملك، لربح مختلف التحديات.
ويأتي موقف حزب الأحرار، في سياق تثمينه ما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش.
وفي هذا الإطار، نوه « التجمع الوطني للأحرار » الذي يقود الحكومة في بلاغ له، بدعوة الملك إلى إحداث نقلة حقيقة، في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتوجيهه الحكومة إلى اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، ترتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية.
كما حيا حزب الحمامة عاليا استمرار الملك في نهج سياسة اليد الممدودة تجاه الجزائر وشعبها الشقيق، وتأكيده مجددا في إطار موقف واضح وثابت عن « استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين »، وتمسك جلالته، في ذات السياق، بالاتحاد المغاربي.
وقال حزب التجمع الوطني للأحرار إنه يستحضر دعوة الملك محمد السادس في خطاب العرش إلى الأخذ بعين الاعتبار نتائج الإحصاء العام للسكان 2024، في إعداد وتنفيذ السياسات العمومية، وهو الإحصاء الذي أبان عن مجموعة من التحولات الديمغرافية والاجتماعية والمجالية، على غرار تراجع نسبة الفقر متعدد الأبعاد ببلادنا، الشيء الذي ينعكس من خلال مجموعة من المؤشرات الدولية، من بينها تجاوز المغرب هذه السنة عتبة مؤشر التنمية البشرية، الذي يضعه في فئة الدول « ذات التنمية البشرية العالية ».
وفي الوقت الذي استحضر فيه الحزب المكتسبات العديدة التي تحققت في عهد الملك محمدالسادس، كثمرة للمبادرات الرائدة والأوراش الكبرى التي أطلقها، سواء على المستوى الديمقراطي والحقوقي والمؤسساتي، أو على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتنموي، وهو ما مكن البلاد من تحقيق تنمية شاملة وتقدم ملموس على كافة الأصعدة. فإنه نوه في المقابل أيضا بـحرص الملك على النهوض بالتنمية الاقتصادية والبشرية الشاملة، وكذا تعزيز مكانة المغرب ضمن نادي الدول الصاعدة، مرتكزا على عدد من المؤشرات الإيجابية التي يعكسها اليوم تحقيق الاقتصاد الوطني لنسبة نمو هامة ومنتظمة خلال السنوات الأخيرة، رغم توالي سنوات الجفاف وتفاقم الأزمات الدولية.