جوبا- على تخوم جنوب السودان الملاصق لأوغندا، عادت نيران التوتر لتشتعل مجددا بعد حادث دموي أسفر عن مقتل 7 أشخاص ونزوح آلاف السكان من بلدة نياينقا-مودا بمقاطعة كاجو كيجي، إثر توغل للقوات الأوغندية في عمق الأراضي المتنازع عليها.

أعادت الحادثة شبح المواجهة العسكرية بين البلدين لتسلط الضوء على غياب ترسيم واضح ونهائي للحدود المشتركة، وتكشف عن صراع متجدد على الأرض والموارد يهدد الاستقرار الهش في المنطقة.

وإذ بلغت حد المواجهات العسكرية فهي تفتح الباب أمام تصاعد توترات جديدة ونزاعات على الأراضي الزراعية والمناطق السكنية التي تعتبرها المجتمعات المحلية جزءا من أراضيها التاريخية.

محافظ مقاطعة كاجو كيجي، واني جاكسون مولي، وصف الحادثة بأنها تصعيد خطير للانتهاكات التي تقوم بها القوات الأوغندية، متهما إياها بالسعي للسيطرة على أراض محلية وإبعاد السكان عنها.

وقال مولي في حديث للجزيرة نت "نواجه محاولات متكررة لإجبار مجتمعاتنا على مغادرة أراضيها التاريخية تحت تهديد السلاح، وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها توغل مماثل".

أحد التعزيزات العسكرية الأوغندية في شوارع جوبا (الجزيرة)السبب الجوهري

وأكد المحافظ أن غياب الترسيم الرسمي للحدود هو السبب الجوهري وراء تصاعد التوترات، مشددا على أن السلطات المحلية تواصل مطالبة الحكومة المركزية في جوبا بالتدخل العاجل سياسيا وإنسانيا قبل أن تتفاقم الأزمة.

وترجع جذور هذه النزاعات الحدودية إلى ما قبل استقلال جنوب السودان في 2011، لكنها تصاعدت منذ 2015 مع بدء الجيش الأوغندي تنفيذ توغلات متكررة داخل المناطق المتنازع عليها، خصوصا في بوكي وإيكوتوس وكاجو كيجي. وعلى الرغم من توقيع اتفاق لترسيم الحدود في العام نفسه، فإن عدم تنفيذه ميدانيا أبقى الوضع هشا، وأتاح المجال لادعاءات سيادية متضاربة بين البلدين.

إعلان

وفي محاولة لخفض التصعيد، أعلنت قوات دفاع جنوب السودان سلسلة من الإجراءات المشتركة مع الجيش الأوغندي لوقف الاشتباكات ومنع تجددها. وفي بيان بتاريخ 29 يوليو/تموز الماضي، قال الناطق باسم الجيش، اللواء لول رواي كونغ، إن اشتباكا مسلحا وقع بين الجيشين في منطقة نياينقا-مودا وأسفر عن خسائر بشرية للطرفين من دون تحديد الأعداد.

خريطة جنوب السودان (الجزيرة)

وأشار إلى أن رئيس هيئة الأركان العامة في جنوب السودان، الفريق أول داو أتورجونق نيول، تواصل مباشرة مع نظيره الأوغندي، الجنرال موهوزي كاينيروغابا، وتم الاتفاق على 3 خطوات أساسية:

الوقف الفوري لجميع الأعمال العدائية. تشكيل لجنة تحقيق مشتركة لتقصّي أسباب الاشتباكات. مواصلة عمل اللجنة الفنية لترسيم الحدود وتقديم حلول سلمية للنزاعات المتكررة.

وأكد رواي التزام الجيش بضبط النفس والتعاون مع الجانب الأوغندي لتفادي مزيد من التصعيد في المناطق الحدودية الحساسة.

جنود أوغنديون في جوبا عاصمة جنوب السودان (الجزيرة)تحالف سياسي

ورغم التوتر الميداني، يحرص الجيش في جنوب السودان على عدم الإضرار بالعلاقات السياسية الوثيقة مع كمبالا، إذ يرتبط الرئيس سلفاكير ميارديت بتحالف متين مع نظيره الأوغندي يوري موسيفيني.

هذا التحالف الذي بدأ سياسيا تحول إلى تعاون عسكري مباشر منذ 2013، حين تدخل الجيش الأوغندي لدعم جوبا في مواجهة تمرد رياك مشار، مستخدما الطيران والجنود في معارك بارزة مثل بور وملكال. كما شارك الطيران اليوغندي مؤخرًا في عمليات ضد المتمردين قرب الناصر بأعالي النيل في يوليو/تموز 2025.

ويرى الباحث في العلاقات الدولية تيكواج بيتر أن العلاقة بين جنوب السودان وأوغندا تقوم على تحالف سياسي قوي ودعم عسكري حاسم قدمته كمبالا لجوبا منذ الحرب الأهلية في 2013، مشيرا إلى أن التوترات الأخيرة تعود غالبا إلى استفزازات ميدانية وليست توجيهات عليا.

خريطة أوغندا (الجزيرة)

وقال بيتر للجزيرة نت إن "أوغندا حليف أساسي للحكومة الحالية، وما جرى في كاجو كيجي يمكن النظر إليه على أنه سوء تفاهم ميداني، وليس قرارا سياسيا لاستخدام القوة".

أما المحلل السياسي والصحفي أبراهام مكواج، فيرى أن هذه التوترات تعكس "تحالفا شكليا يخفي علاقة تبعية غير متكافئة لمصلحة أوغندا"، معتبرا أن التصعيد الأخير ليس حادثا عابرا بل "تعبير عن صراع على الأرض والموارد والسيادة الوطنية، ويكشف عن هشاشة الدولة في الجنوب واحتدام التناقضات بين التابع والمتبوع".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات جنوب السودان

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة تهدد بتقليص مساعداتها لجنوب السودان

أكدت واشنطن عبر بيان حاد بشكل غير معتاد، صدر بعنوان “حان الوقت للتوقف عن استغلال الولايات المتحدة”، أن حكومة جنوب السودان تفرض رسوماً باهظة على الشحنات الإنسانية..

التغيير: الخرطوم

هددت الولايات المتحدة، اليوم الخميس، بتقليص مساعداتها الخارجية لجنوب السودان ما لم تقم جوبا بإلغاء ما وصفته بالرسوم غير المشروعة المفروضة على الشحنات الإنسانية.

وأكدت واشنطن عبر بيان حاد بشكل غير معتاد، صدر بعنوان “حان الوقت للتوقف عن استغلال الولايات المتحدة”، أن حكومة جنوب السودان تفرض رسوماً باهظة على الشحنات الإنسانية وتعرقل عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وجاء في البيان أن هذه الإجراءات تشكل انتهاكات جسيمة لالتزامات جنوب السودان الدولية، مضيفاً أن الحكومة الانتقالية مطالبة بوقف هذه الإجراءات فوراً، وإلا ستبدأ الولايات المتحدة مراجعة شاملة لمساعداتها الخارجية في جنوب السودان مع احتمال إجراء تخفيضات كبيرة.

وتُعدّ الولايات المتحدة، التي نفّذت خلال العام الجاري تخفيضات سريعة وكبيرة في مساعداتها الخارجية، أكبر مانح للمساعدات الإنسانية لجنوب السودان.

ويعاني البلد، الذي يبلغ عدد سكانه 12 مليون نسمة، من ويلات الصراع منذ استقلاله عن السودان عام 2011، فيما اعترض المانحون الأجانب مراراً على محاولات سلطات جنوب السودان تحصيل الضرائب على الواردات الإنسانية.

وكان محققو الأمم المتحدة قالوا في تقرير صدر في أيلول الماضي إن الفساد الذي تمارسه النخب السياسية يشكل المحرك الأكبر للأزمة الإنسانية التي يواجه فيها معظم سكان جنوب السودان مستويات جوع كارثية. بينما رفضت جوبا هذا الاستنتاج، وعزت الأوضاع الإنسانية إلى الصراع وتغير المناخ والاضطرابات التي أصابت صادرات النفط بسبب الحرب في السودان المجاور.

الوسومالولايات المتحدة دولة جنوب السودان

مقالات مشابهة

  • مقتل 6 مدنيين على الأقل في قصف مبنى الأمم المتحدة بجنوب السودان
  • الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لإخلاء قرية في جنوب لبنان قبل القصف
  • النفط يُحمى.. والشعب السوداني يترك للمجهول!
  • الجيش السوداني يُدمر ارتكازات ومعدات عسكرية للدعم السريع
  • الجيش السوداني: ماضون في مسيرة تحرير الوطن والدفاع عن سيادته
  • بعد سلسلة من الغارات على جنوب لبنان.. تعليق من الجيش الإسرائيلي
  • جيش جنوب السودان يحمي حقل هجليج واشتباكات في كردفان
  • جنوب السودان يتولى أمن حقل هجليج النفطي بعد سيطرة الدعم السريع
  • الولايات المتحدة تهدد بتقليص مساعداتها لجنوب السودان
  • أميركا تهدد بخفض مساعداتها لجنوب السودان بسبب رسوم الإغاثة