الطفلة مسك… جريمة تجويع جديدة تفتك بأجساد أطفال غزة وسط صمت العالم (شاهد)
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
في أحد الأزقة المنسية بحي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، ترقد الطفلة مسك بلال المدهون (6 أعوام) بلا حراك. جسدها الهزيل لا يكاد يُرى من تحت غطاء رقيق، عظامها بارزة، ونظراتها ساكنة، تتابع ما حولها بصمت موجع. لا تستطيع النطق ولا الجلوس، وقد أصبحت شاهدا حيا على جريمة تجويع ممنهجة تُرتكب بحق أطفال غزة في وضح النهار.
تعاني مسك من ضمور دماغي منذ الولادة، وكانت حالتها مستقرة نسبيا قبل الحرب، وفق ما تؤكده جدتها، السيدة أم بلال المدهون. لكن مع اشتداد الحصار الإسرائيلي ومنع دخول الغذاء والدواء منذ أشهر، انقلبت حياتها إلى مأساة يومية. تقول الجدة بحرقة لـ"للأناضول": "كانت تضحك وتلعب مثل بقية الأطفال، واليوم أصبحت شريطا من الألم.. لا تتحرك ولا تستجيب، فقط تنظر إلينا ونحن عاجزون عن مساعدتها".
⚠️الجوع وضمور الدماغ لم يبقيا من طفلة في #غزة سوى 4 كلغ فقط
في حي الشيخ رضوان، تصارع مِسك المدهون (6 أعوام) مرض ضمور الدماغ وتعاني من سوء تغذية حاد نتيجة نقص الطعام والمكملات الأساسية
حياتها اليوم في خطر حقيقي، كحال آلاف الأطفال في القطاع المحاصرhttps://t.co/UsFryXSPJn pic.twitter.com/1nQkmGpvei — Anadolu العربية (@aa_arabic) July 31, 2025
وزنها أربعة كيلوغرامات فقط
في سنّ يفترض أن تكون فيه الطفلة نشطة، يزن جسد مسك أربعة كيلوغرامات فقط. فقدت قدرتها على تناول الغذاء العادي، وتحتاج إلى حمية خاصة ومكملات غذائية غير متوفرة.
ومع تصاعد الأزمة الإنسانية والإبادة الجماعية في غزة بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فُرضت عليها عزلة قسرية داخل قطاع محاصر، لا يُسمح فيه بدخول الدواء أو الغذاء إلا نادراً، ووفق معايير انتقائية صارمة تفرضها سلطات الاحتلال.
وتتابع الجدة بألم: "منذ إغلاق المعابر لا تصلنا مساعدات. نحاول أن نطعمها ما يتوفر، لكن حتى هذا لم يعد كافيا. إنها تذبل أمام أعيننا، وكل يوم يمر هو موت بطيء جديد".
أرقام المجاعة تتصاعد
بحسب وزارة الصحة في غزة، ارتفعت حصيلة وفيات التجويع في القطاع، حتى الاثنين، إلى 180 حالة، بينها 93 طفلاً، جراء الإصابة بسوء التغذية وغياب الرعاية الطبية.
ويُقدر أن أكثر من 100 ألف طفل وامرأة يعانون من سوء التغذية الحاد في القطاع، وسط تحذيرات أممية من انفجار كارثي وشيك.
ووصف المسؤول الأممي روس سميث الوضع الإنساني، أن "ثلث سكان غزة لم يأكلوا منذ أيام"، مؤكداً أن الجوع بلغ مستوى غير مسبوق من اليأس.
ورغم ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي السماح بإدخال شاحنات مساعدات منذ 27 تموز/يوليو الماضي، فإن الواقع على الأرض يشير إلى ما هو عكس ذلك. فوفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، تحتاج غزة إلى ما لا يقل عن 600 شاحنة مساعدات يومياً لإنقاذ حياة المدنيين، بينما لا يصلها سوى القليل، في ظل انتشار عمليات نهب للمساعدات برعاية جيش الاحتلال، وفق البيان.
مجزرة صامتة ضد الأطفال
الطفلة مسك ليست سوى وجه من وجوه المجزرة الصامتة التي تُرتكب بحق أطفال غزة. 40 ألف رضيع على الأقل مهددون بالموت الفوري، بحسب تحذيرات سابقة لحركة "حماس"، في ظل استمرار منع دخول الحليب والعلاجات الغذائية. كما أن آلاف الأطفال الآخرين، ممن يعانون من أمراض مزمنة أو إعاقات، يعيشون ظروفا مشابهة دون أي تدخل دولي يُذكر.
تقول الجدة: "إسرائيل تحارب أطفالنا، تقتلهم بالرصاص أو بالجوع.. وأين العالم؟ لماذا لا يتحرك أحد؟"، مضيفة أن غياب المساعدات لا يترك للعائلات الغزية سوى الانتظار والمشاهدة والعجز.
ورغم تقارير وتحذيرات عشرات المنظمات الحقوقية والإنسانية، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يفرض قيودًا مشددة على دخول المساعدات. ومع إعلان محكمة العدل الدولية أن ما يجري في غزة يرقى إلى جريمة إبادة جماعية، تستمر الانتهاكات بدعم غربي وأمريكي، فيما تقف الأنظمة العربية عاجزة أو صامتة.
في هذه الأثناء تبقى الطفلة مسك رمزا صارخا لطفولة مسحوقة تحت الحصار، ولصورة تكثف الجريمة المركبة التي تتعرض لها غزة منذ أشهر. فبين القصف والجوع، تنهار الأجساد الصغيرة، في صمت يُفترض أن يهز ضمير العالم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية غزة أطفال الحصار المجاعة غزة أطفال حصار مجاعة المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
نقمة معالجة الفوسفات تفتك بالبيئة والسكان في قابس التونسية
يقف البحار الصادق الغول على حافة أحد الشواطئ في قرية غنوش الواقعة بخليج قابس جنوب شرق البلاد التونسية. يتشبث رفقة ابنه وقلة من البحارة بمهنة الصيد، رغم تضرر الناس والبحر والثروة السمكية، جراء تسرب المواد الكيميائية من المجمع الكيميائي بالمنطقة.
ويشير الغول إلى البحر، حيث تظهر المواد السامة على شكل أمواج بيضاء، من مخلفات مادة الجبس الفوسفوري، أو "الفوسفوجيبس"، التي تلقى في البحر، مؤكدا حجم التلوث والضرر الذي لحق الأهالي جراء إلقاء النفايات السامة في البحر، ويقول: "هنا لا حياة مع التلوث وانتشار الأمراض والاختناق بالهواء السام".
اقرأ أيضا list of 3 itemslist 1 of 3كيف تسلل البلاستيك لأكثر الأسماك التونسية استهلاكا؟list 2 of 3هل يدفع التونسيون ثمن تلوث الماء والهواء؟list 3 of 3"الهواء يقتلنا".. سكان قابس التونسية يطالبون بوضع حد للتلوث الصناعيend of listوأضاف أن المجمع يلقي أيضا "الأسيد" و" الأمونيا" التي تفرزها وحدات إنتاجه، من دون تصرف فيها، وهي مواد حارقة تتسبب في تهيج الأعين، وأمراض عديدة وحساسية مفرطة، كما أنها تقتل كل نبات وحيوان وتتسبب في أمراض خطيرة ظهرت حالات عديدة منها في أجساد سكان المنطقة، حسب قوله.
من جهته، يقول يسري عمارة، وهو شاب في أواخر العشرينيات للجزيرة نت، إن متساكني محافظة قابس يعانون من أمراض جلدية وتنفسية، وتتكرر عمليات الاختناق لدى الكثيرين منهم.
ويضيف أن "مسؤولي المجمع الكيميائي بالمنطقة يستغلون عدم جدية الرقابة ويبثون سموم المجمع على الشاطئ وداخل البحر غير عابئين بما سيتسبب ذلك من ضرر للأهالي وللبحارة".
تقع محافظة قابس في الجنوب الشرقي للبلاد التونسية (نحو 415 كيلومترا) عن العاصمة، ويتذمر سكانها إلى حد الاحتجاج المتكرر من المجمع الكيميائي الواقع في منطقة غنوش، الذي أقيم بمدينة قابس منذ عام 1972. ويطالبون بإغلاقه ووقف التلوث الذي يسببه، لكن السلطات التي وعدت بوقف المصنع منذ عام 2017، لم تف بوعدها بعد.
وعلى مدى عقود، بقي مجمع غنوش ينفث النفايات والأبخرة السامة للفوسفات ومخلفاته في الهواء ويصبها في البحر، بينما تتزايد الإصابات بالأمراض التنفسية والجلدية والسرطانية، والتشوهات الخلقية، ومشاكل الكلى والكبد، كما تفيد دراسات وتقارير حول التأثيرات الصحية الخطيرة للمجمع، في حين تغيب البيانات الرسمية المتعلقة بذلك.
إعلانوفي هذا المجمع الصناعي الضخم بمنطقة غنوش، تتم معالجة الفوسفات، الذي يأتي من مناجم محافظة قفصة المجاورة، لتصنيع الأسمدة وغيرها من المواد الكيميائية، وتؤكد أبحاث وتقارير بيئية أن مخلفاتها تتضمن ملوثات، كيميائية وإشعاعية أيضا.
وأشارت دراسات إلى وجود معادن ثقيلة، مثل اليورانيوم، والثوريوم، والراديوم بجرعات عالية في الجبس الفوسفوري، وهو منتج ثانوي كيميائي مشع لإنتاج حمض الفوسفوريك ينتج عن معالجة وتحويل الفوسفات. وتتسرب مثل هذه العناصر الثانوية في مياه الصرف الصحي والبحر، والهواء على شكل أبخرة سامة، مثل ثاني أكسيد الكبريت.
وتشير التقديرات، إلى أن المجمع الكيميائي ينتج 6 آلاف طن من مخلفات الجبس الفوسفوري يوميا، يتم صرف جزء منها في البحر دون معالجة أولية خصوصا في شاطئ قرية شط السلام الذي لا يبعد كثيرا، وهو ما يؤدي إلى تلوث بحري، وتدهور الثروة السمكية في خليج قابس، وفق ما يؤكد البحار الصادق الغول، والأهالي، وتقارير كثيرة محلية ودولية.
على بعد كيلومترات عن قرية غنوش تقع قرية شط السلام المتاخمة للمجمع الكيميائي بالمحافظة، وهناك التقت الجزيرة نت عائلة الحمروني التي تضرر أكثر من فرد فيها، إثر استنشاقهم لغازات وأبخرة سامة، منبعثة من أحد مصانع المجمع الكيميائي.
وتقول هدى الحمروني، والدة إحدى ضحايا حادث الاختناق الأخير بالمنطقة إنها اضطرت وزوجها لإسعاف ابنتها والتوجه بها للمستشفى المحلي بعد تأخر سيارة الإسعاف الوحيدة، بينما قارب عدد الذين تعرضو لحالات الاختناق في الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول الماضي نحو 50 حالة.
وأوضحت الحمروني أن ابنتها تعاني صعوبة في التنفس وارتخاء في القدمين منذ وقوع حادثة الاختناق بالغازات السامة المنبعثة من وحدات إنتاج الفوسفات بالمجمع الكيميائي.
وطالبت العائلة بوضع حد للتلوث البيئي الذي يتعرضون له منذ سنوات، حتى لا يضطروا لمغادرة منازلهم على غرار عائلات كثيرة بالمنطقة، كما انتقدوا النقص المسجل في معدات الحماية والأكسجين لمعالجة حالات الاختناق.
وتشهد كل من قريتي غنوش وشط السلام حالات اختناق متكررة بسبب التلوث الناجم عن انبعاثات المجمع الكيميائي وتسرباته، إذ تجاوز عدد المصابين الذين نقلوا للمستشفيات بالجهة نحو 100 حالة خلال شهر سبتمبر/أيلول المنقضي.
ويؤكد نائب المجلس المحلي بالجهة والناشط البيئي أحمد قفراش للجزيرة أنه كان شاهدا على أعراض خطيرة لم يرها من قبل، جراء التلوث بمخلفات المجمع ونفاياته، وأوضح أن تسرب الغازات من وحدات الإنتاج بالمجمع هذه المرة تجاوز كل الحدود.
ويشير قفراش إلى أن صلوحية الوحدات الصناعية في المجمع الكيميائي انتهت عمليا، وطالب بإيقاف دورة الإنتاج فيها فورا تجنبا لمزيد من الكوارث، كما انتقد افتقار المحافظة لمستشفى جهوي يليق بالمنطقة، ويخفف من عبء التنقل للعلاج خارج المحافظة في ضوء زيادة معدلات الأمراض.
إعلانواعتبر قفراش أيضا أن تركيز المجمع الكيميائي بالجهة كان "خطأ إستراتيجيا" ارتكبته الدولة التونسية، مؤكدا الضرر الكبير لمحافظة قابس من النفايات الكيميائية التي يلقيها.
وعلى وقع الاحتجاجات المتكررة، جراء حوادث الاختناق المتعددة، وتراكم مشاكل التلوث البيئي أجرت لجنة من مسؤولين من وزارة الصحة ووزارة الصناعة ووزارة البيئة؛ زيارة للمجمع الكيميائي في الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول؛ لامتصاص غضب السكان بالمحافظة، في حين ينتظر الأهالي النتائج والمقررات الفعلية للزيارة.
ويقول ناشطون بيئيون وحقوقيون إن مسؤولي الإنتاج بالمجمع أوقفو خلال الزيارة التفقدية إنتاج الوحدات السامة وقتيا في حين ركزت وزارة الصحة معدات طبية عاجلة لتخفيف وطأة الأزمة خاصة بعد زيادة وتيرة عمليات الاختناق.
وفي حين يواصل المشرفون على المجمع الصمت، ويختارون عدم التصريح لوسائل الإعلام المحلية والدولية تحدث رئيس الدولة قيس سعيد خلال اجتماع بالقصر الرئاسي عما سماه "اغتيال البيئة"، مشيرا إلى أنه تم القضاء على كل مظاهر الحياة لمدينة قابس، لكن من دون أن ينتج عن ذلك تحرك جدي، لإيقاف مأساة التلوث كما يقول ناشطون.
ويجسد المجمع الكيميائي بمدينة قابس تلك المعضلة أو الرهانات "الموجعة" التي اعتمدتها الدولة منذ السبعينيات في تحقيق العوائد الاقتصادية واستثمار الثروات وإغفال الأضرارعلى صحة الإنسان والبيئة.
فالمجمع، الذي يوفر نحو 4 آلاف فرصة يشكل عصبا اقتصاديا تغاضت كل الحكومات المتعاقبة عن مخاطره، في حين سئم أهالي المنطقة الوعود، واضطر العديد منهم للمغادرة بحثا عن هواء نظيف وحياة أفضل لأبنائهم، وتنتظر الغالبية منهم حلا لم يأت بعد.