بين سايكس بيكو وبلفور.. أوروبا تحاول تصحيح إرثها الاستعماري بالاعتراف بدولة فلسطين
تاريخ النشر: 5th, August 2025 GMT
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا تناول فيه تأثير التاريخ الاستعماري الأوروبي، وخاصة اتفاقية سايكس-بيكو، في تشكيل الشرق الأوسط، وذلك بعد إعلان بريطانيا وفرنسا مؤخرًا نيتهم الاعتراف بدولة فلسطين.
ونقلت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمتها "عربي 21"، عن وزير الخارجية البريطاني التي أدلى بها الأسبوع الماضي؛ حيث قال إن حكومته ستعترف بدولة فلسطين إذا لم توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار مع حماس، مضيفًا أن البريطانيين عندما يفعلون ذلك "نُدرك أن التاريخ يضع على عاتقنا مسؤولية جسيمة".
وذكرت الصحيفة أن نظيره الفرنسي استشهد بالعامل التاريخي في تفسير سبب اتخاذ فرنسا الخطوة نفسها قبل أسبوع، مشيرًا إلى أن القادة الفرنسيين، منذ عهد شارل ديغول، دعوا إلى إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس "اعتراف كل دولة من الدول المعنية بجميع الدول الأخرى".
وأضافت الصحيفة أن أي منهما لم يتطرقا إلى اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916، التي قسّمت بريطانيا وفرنسا بموجبها المشرق العربي إلى مناطق نفوذ، رغم أنها شكّلت أساسًا للواقع السياسي الحالي.
وأشارت الصحيفة إلى أن اتفاقية سايكس بيكو تُعد مثالا بارزا على الغطرسة الإمبريالية الغربية، إذ رسمت حدودًا قطعت أوصال مجتمعات دينية وعرقية وقبلية في المشرق، ما خلّف إرثًا من الصراع والدماء في نظر كثير من العرب الذين رأوا فيها خيانة كبرى.
وتابعت، "لا شك أن أزمة غزة الحالية - الأطفال الجائعون والقيود الإسرائيلية على المساعدات واستشهاد الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على الطعام - أثّرت بقوة على قرارات ستارمر وماكرون، غير أن تلك القرارات أعادت تسليط الضوء على الأدوار الاستعمارية لبريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط".
وأكد البروفيسور يوجين روغان من جامعة أكسفورد أهمية تصحيح أخطاء الماضي، مشيدا بخطوات الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ولفت إلى أن إسرائيل، بمسارها الحالي، تفتح الباب لممارسات خطيرة بحق الفلسطينيين، معتبرا أن الاعتراف بدولتهم قد يساهم في تحقيق تعايش مستدام.
وأفادت الصحيفة أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أشار في كلمته بالأمم المتحدة إلى أن الاعتراف بدولة فلسطين يُصحح ظلمًا تاريخيًا سببه وعد بلفور سنة 1917، الذي دعم إقامة وطن قومي لليهود بشرط عدم الإضرار بحقوق السكان غير اليهود في فلسطين.
وقال لامي إنه بعد 21 شهرا من الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على غزة، وفي ظل شبح المجاعة الذي يخيم على القطاع، فإن بريطانيا تتحمل مسؤولية اتخاذ موقف لصالح الشعب الفلسطيني الذي عانى طويلا من القمع.
وقال البروفيسور روجان إن لامي يستخدم التاريخ لمنح شرعية لخطوته، معتبرًا أن الوقت قد حان للوفاء بجزء الوعد المتعلق بحقوق الفلسطينيين، الذي أُغفل منذ صدور وعد بلفور سنة 1917.
وأضاف لامي، أن بريطانيا يمكن أن تفخر بدورها في تأسيس وطن لليهود، لكن المؤرخ يوجين روجان أشار إلى أن الدافع كان استراتيجيا، إذ أرادت لندن منع سقوط فلسطين في أيدي أعدائها وحماية قناة السويس.
وعلاوة على ذلك، تراجعت بريطانيا عن موقفها المؤيد للصهيونية عندما وجدت صعوبة في التوفيق بين قيام دولة يهودية والحفاظ على علاقاتها مع العالم العربي. وفي "الكتاب الأبيض" الصادر سنة 1939، اقترحت بريطانيا إنشاء وطن لليهود ضمن دولة فلسطينية ذات أغلبية عربية، مع تقييد الهجرة اليهودية إلى فلسطين بـ75 ألفًا لمدة خمس سنوات.
وذكرت الصحيفة أن محللين يجادلون بأنه لو لم تكن لهذه الخطوات تأثير فعلي، لما أثارت ردود الفعل الغاضبة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، مشيرا إلى أنه مع انضمام بريطانيا وفرنسا، إلى جانب كندا ومالطا اللتين أعلنتا الأسبوع الماضي دعمهما للاعتراف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، فإن أكثر من ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في المنظمة - وعددها 193 - ستكون قد اعترفت بالدولة الفلسطينية.
وكان لفرنسا مصلحة أقل مباشرة في فلسطين مقارنةً ببريطانيا، بعدما تخلّت عن مطالبها هناك بموجب اتفاقية سايكس بيكو، لكن خطوتها نحو الاعتراف بدولة فلسطين تمثّل منعطفًا مصيريا آخر في علاقتها مع إسرائيل.
ومن سنة 1945 حتى سنة 1967، كانت فرنسا الداعم الأكبر لإسرائيل في الغرب ويرتبط جزء من ذلك بتجربتها المؤلمة مع إنهاء الاستعمار. ففي سنة 1954، واجهت فرنسا انتفاضة مناهضة للاستعمار في الجزائر، وكان القوميون الجزائريون يتلقون الدعم من الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
وقالت الصحيفة إن فرنسا رأت في إسرائيل حصنًا في مواجهة جمال عبد الناصر، فتقرّبت منها، وزوّدتها بمقاتلات "ميراج" وتقنية نووية أصبحت لاحقًا أساس برنامجها غير المُعلن للأسلحة النووية، لكن في سنة 1967، وقبل أيام من شن إسرائيل ضربة عسكرية ضد مصر، فرض الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول حظرًا على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ووجّه اهتمامه نحو الدول العربية.
ومن خلال دعمها لإسرائيل في حرب سنة 1967، كانت الولايات المتحدة قد حلّت محل فرنسا كأهم حليف لها. أما فرنسا، فقد أصبحت لاحقًا أول دولة غربية تطوّر علاقات وثيقة مع منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمثل الفلسطينيين على الساحة الدولية ويرأسها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
واختتمت الصحيفة بالإشارة إلى ما قاله السفير الفرنسي السابق لدى إسرائيل، جيرار أرو، إن اعتراف ماكرون بدولة فلسطينية يحمل مخاطر سياسية كبيرة، نظرًا لوجود أكبر جاليتين يهودية ومسلمة في فرنسا، ولسجل البلاد في التعرض لهجمات إرهابية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية فلسطين غزة وعد بلفور فلسطين غزة أوروبا الاحتلال وعد بلفور صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاعتراف بدولة فلسطین بریطانیا وفرنسا الصحیفة أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
ديمقراطيون يوجّهون رسالة إلى إدارة ترامب تطالب بالاعتراف بالدولة الفلسطينية
تأتي هذه المطالبات على وقع تقارير متزايدة عن المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة، والتي تسببت بإحراج بالغ للعديد من الساسة الأميركيين، إلى جانب تنامي الضغوط الدولية على واشنطن. اعلان
في خطوة تعكس تحوّلًا متزايدًا داخل أروقة السياسة الأميركية، وقع أكثر من 13 نائبًا ديمقراطيًا في مجلس النواب الأميركي رسالة موجهة إلى الرئيس دونالد ترامب، تطالبه بالاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، في ظل التدهور الإنساني في غزة وتصاعد الدعم الدولي لمبدأ حل الدولتين.
الرسالة، التي بادر بتقديمها النائب رو خانا (ديمقراطي – كاليفورنيا)، قالت إن "هذه اللحظة المأساوية سلطت الضوء أمام العالم على الحاجة المُلحة منذ زمن طويل للاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم"، وفق ما نقلته شبكة "أكسيوس".
ومن بين الموقعين على الرسالة النائب أندريه كارسون (ديمقراطي – إنديانا)، وهو أحد ثلاثة أعضاء مسلمين في الكونغرس الأميركي، في مؤشر على الدعم المتنامي داخل الحزب الديمقراطي للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
Related "ضم الضفة قد يُسرّع الاعتراف بفلسطين".. الخارجية الألمانية: إسرائيل تزداد عزلة على الصعيد الدبلوماسيعقوبات واشنطن قد تحرم مسؤولين فلسطينيين من حضور مؤتمر نيويوركالجوع يحصد أرواح 162 فلسطينيا بينهم 92 طفلًا واليونيسف تحذرّ: غزة تجاوزت عتبة المجاعة المجاعة في غزة تضغط على الساسةوتأتي هذه المطالبات على وقع تقارير متزايدة عن المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة، والتي تسببت بإحراج بالغ للعديد من الساسة الأميركيين، إلى جانب تنامي الضغوط الدولية على واشنطن لتعديل موقفها التقليدي من القضية الفلسطينية.
وأشار خانا إلى أن أكثر من 150 دولة حول العالم اعترفت بالفعل بدولة فلسطين، محذرًا من عزل الولايات المتحدة عن "بقية العالم الحر". كما لفت إلى أن جامعة الدول العربية أقرت الأسبوع الماضي خطة تؤكد على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وجاء في نص الرسالة: "نشجع حكومات الدول الأخرى التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين، بما في ذلك الولايات المتحدة، على القيام بذلك".
موجة اعترافات دولية مرتقبةالتحركات داخل الكونغرس الأميركي تتزامن مع تغيرات سريعة في الموقف الدولي. فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة عبر منصة X (تويتر سابقًا) في أواخر يوليو، أن فرنسا ستعترف رسميًا بدولة فلسطين، على أن يتم تقديم الإعلان بشكل رسمي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر.
وتبعت فرنسا في موقفها كل من كندا ومالطا والمملكة المتحدة، التي أكدت أنها ستقوم بخطوة مماثلة خلال الشهر نفسه، بينما أعلنت ألمانيا أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية "عند التوصل إلى نهاية للمفاوضات المتعلقة بحل الدولتين"، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز".
وأعلنت الحكومة البرتغالية، الخميس 31 تموز/يوليو، أنها تعتزم الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة في نيويورك في أيلول/سبتمبر، في خطوة تنسجم مع تحرك دبلوماسي دولي متسارع يدعو إلى إعادة إطلاق حل الدولتين. يأتي هذا التطور في سياق ما بات يُعرف بـ"نداء نيويورك"، وهو إعلان سياسي جماعي تقوده فرنسا بمشاركة دول من خارج الاتحاد الأوروبي، وبدعم من السعودية.
رد أميركي رسمي.. وتحذيرات من "شرعنة حماس"في المقابل، شن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو هجومًا حادًا على الدول التي أعلنت أو تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين، قائلاً في مقابلة مع فوكس نيوز خلال يوليو: "إنهم لا يستطيعون حتى تحديد مكان هذه الدولة الفلسطينية".
وأضاف روبيو: "دعم الدولة الفلسطينية يعني الوقوف في صف حماس. هؤلاء لا يكترثون بعدد القتلى في غزة، ويعتبرون الرهائن دروعًا بشرية، والآن نشهد دولًا تصطف بجانبهم".
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة