هيئة بلا صوت.. من قيود الأمن إلى نبض المخيمات
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
في المخيم، لا تُقاس المسافات بالأمتار ضمن زواريبه وأزقته الضيقة، بل بعدد الأبواب التي تُغلق في وجهك قبل أن تسمع جوابا لمعاناة قاطنيها. وفي حياة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، كان باب الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب واحدا من تلك الأبواب التي بقيت موصدة طويلا، ليس فقط بالسلاسل والحديد، بل بصمت ثقيل وحضور باهت، وكأن المؤسسة التي وُلدت لخدمتهم قد قررت أن تحيا بعيدا عنهم ومعزولة عن احتياجاتهم اليومية.
منذ تأسيسها قبل أكثر من سبعين عاما، بقيت الهيئة عنوانا رسميا كبيرا، لكنّ صورتها في أذهان اللاجئين لم تكن يوما بحجم الاسم أو بحجم المهمة التي أُنشئت من أجلها، خاصة في السنوات الأخيرة، فقد تراكمت وطأة هذه السنوات وقساوتها وتبدلت الظروف، واشتدت الأزمات، ومعها ظلّت الهيئة أسيرة مكتبها، مغلقة الأبواب على نفسها، محاطة بجدران الإجراءات الأمنية، ومحصورة في لغة التقارير المرفوعة للأعلى أكثر من محاورة الناس في المخيمات.
الصوت الغائب
لم يكن غياب الهيئة عن الإعلام مجرد نقص في العلاقات العامة، بل كان انعكاسا لغياب الرؤية في التعامل مع اللاجئ كشريحة مخاطبة، فالمؤسسة التي تُنشأ لخدمة الناس، ثم تتحدث إليهم عبر بيانات مقتضبة إن صدرت، أو عبر وسيط، تفقد بمرور الوقت حقها في التحدث باسمهم، حتى وإن احتفظت بختمها الرسمي.
هذا الغياب الإعلامي فتح فراغا خطيرا ملأته الشائعات والمعلومات المبتورة، وأضاع على الهيئة فرصة أن تكون المرجع الرسمي الأول لكل ما يتعلق بشؤون اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
النكبة الثانية
خلال السنوات الأخيرة، شهد فلسطينيو سوريا ما يمكن تسميته بالنكبة الثانية؛ دمار للمخيمات، تهجير إلى المنافي وموجات نزوح داخلي، فقدان البيوت ومصادر الرزق، اختفاء قسري واعتقالات وتشتت العائلات بين القارات.. كانت هذه كارثة كبرى بكل المقاييس، ليس فقط في حجم الخسارة، بل في عمق الجرح الذي تركته في الهوية والانتماء.
وفي قلب هذه المأساة، كان اللاجئون يتطلعون إلى الهيئة لتمد يد العون، أو على الأقل لتمثلهم وتحمل نتائج نكبتهم إلى كل الأوساط في هذا العالم، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام جسم أمني بامتياز مع تخبط في أجزائه الإدارية وتأرجح بين الفشل والعجز، في ظل غياب خطة واضحة للتعامل مع الأزمة.
قيود الأمن وحدود الثقة
لعل أحد أكبر أسباب هذا الانغلاق كان هيمنة البعد الأمني على إدارة الهيئة، فكانت الأولوية لإبقاء الوضع "هادئا" على الورق، حتى لو كان يغلي على الأرض، هذا المنطق جعل التواصل مع اللاجئين محكوما بالحذر المفرط، والتواصل الإعلامي محكوما بالموافقة المسبقة، وكأن الحوار مع الناس تهمة، أو كأن اللاجئ لا يستحق أن يعرف إلا ما يُختار له أن يعرفه وبالطبع لن نتحدث عن مسلكيات الفساد التي باتت معروفة.
لكن وفي كل الأحوال، العالم اليوم تغيّر، والمجتمعات أيضا تغيّرت نظرتها، واللاجئ اليوم ليس هو لاجئ الأمس، لا في وعيه، ولا في وسائله للتعبير، خاصة بعد ما جرى في سوريا.
الانفتاح.. لا التبديل الشكلي
إعادة هيكلة الهيئة وتشكيل مجلس إدارة جديد يفتحان نافذة أمل، لكنّ النافذة قد تُغلق سريعا إذا اكتفت الهيئة بتغيير الأسماء وترك النهج القديم على حاله، فالإصلاح الحقيقي يبدأ من كسر البعد الأمني كعقلية إدارة، والانتقال إلى عقلية الخدمة والتواصل. اللاجئون لا ينتظرون حفلات استقبال وزيارات شكلية أو تصريحات بروتوكولية، بل ينتظرون أن يروا الهيئة بينهم، تستمع إلى شكواهم في أزقة المخيم، لا من خلف مكاتبها.
قنوات تواصل حيّة
المطلوب اليوم ليس مجرد صفحة فيسبوك باهتة أو صندوق شكاوى يعلوه الغبار، بل شبكة قنوات تواصل حيّة، تبدأ من فرق ميدانية تتواجد بانتظام في المخيمات، وتنقل صوت الناس مباشرة إلى مجلس الإدارة، مرورا بإعلام نشط يشرح، ويجيب، وينشر الحقائق في وقتها.
على الهيئة أن تحاكي هموم اللاجئين اليومية: الإيجار، وإعادة الإعمار، التعليم، والصحة، والعمل.. إلخ، وأن تُظهر في خطابها وممارستها أنها تعرف ما يعنيه أن تكون لاجئا في هذا الزمن.
ختاما:
الهيئة التي لا تسمع ناسها، ولا تتحدث إليهم، ولا تتحرك بينهم، ولا تستجيب لمعاناتهم؛ ستبقى بلا روح مهما غيّرت في هيكلها، وقد آن الأوان أن تتحرر من جدرانها، ومن هواجس الأمن التي كبّلتها، وأن تمشي في أزقة المخيم حيث يعرف الناس أسماءها ووجوهها، لا فقط ختمها على الورق. فالقضية التي صمدت سبعة عقود لا تستحق إدارة تُغلق أبوابها، بل إدارة تعيش بين الناس، من الناس، وللناس.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المخيم اللاجئين الفلسطينيين سوريا الهيئة سوريا فلسطين لاجئين هيئة مخيم قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
قرار جمهوري بمد خدمة أسامة ربيع رئيسًا لمجلس إدارة هيئة قناة السويس
كتب- محمد سامي:
نشرت الجريدة الرسمية في عددها 32 (مكرر) الصادر اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025، قرارين جديدين للرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، وهما القرار رقم 426 لسنة 2025، والقرار رقم 427 لسنة 2025.
القرار رقم 426 لسنة 2025
نصت المادة الأولى من القرار 426 لسنة 2025، على أن تُمد خدمة أسامة منير محمد ربيع، رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس، وعضو مجلس الإدارة المنتدب لمدة عام، اعتبارًا من 2025/8/12.
القرار رقم 427 لسنة 2025
تنص المادة الأولى من القرار رقم 427 لسنة 2025، على أنه يُجدد تعيين وليد محمد سامي محمد جمال الدين رئيسًا للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بدرجة وزير لمدة عام اعتبارا من 12/8/2025.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
أسامة ربيع الرئيس السيسي هيئة قناة السويستابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
أخبار
المزيدالثانوية العامة
المزيدإعلان
قرار جمهوري بمد خدمة أسامة ربيع رئيسًا لمجلس إدارة هيئة قناة السويس
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
41 29 الرطوبة: 25% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك