الأنظمة التي باركت فض رابعة لن تنقذ الفلسطينيين
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
مع لحظة إعلان إطلاق طوفان الأقصى، كان واضحا أن المنطقة أمام حادثة لن يكون ما قبلها كما بعدها، فهناك جُدُر هائلة تحطمت أمام رجال يمتلكون إيمانا وعزما أكثر مما يمتلكون من مُعَدَّات تناسب الحدث، وهذه الجُدُر المحطَّمَة ستحتاج إلى إعادة بناء لتكرار صورة الردع الوهمي الذي تحطم يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وبات وضع التغيرات في المنطقة مرهونا بمن سيفقد القدرة على التحمل أولا.
تنوَّعت المواقف العربية على مدار الأشهر الاثنين وعشرين، بين ضغوط دبلوماسية علنية على الجانب الصهيوني، أو تجاهل المجزرة لحين انتهاء "المهمة المعلنة للجانب الإسرائيلي، وهي القضاء على المقاومة" وفقا لتصريح السيسي في مؤتمره مع المستشار الألماني في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وأحيانا بمواقف صلبة تخص قضية التهجير، لكن المواقف المجافية للسلوك الصهيوني ظلت سطحية ولا تمس العمق الصهيوني، فلم يشعر بضغط كافٍ يدفعه إلى وقف عدوانه الوحشي غير المسبوق في التاريخ المعاصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
استمر الكيان المُعادي في عدوانه لأن العرب أوصلوا رسائل غير علنية بوجوب تدمير الحركات المقاوِمة، فكتب دينيس روس في صحيفة "نيويورك تايمز" في بدايات الحرب أن "إسرائيل ليست الوحيدة التي تعتقد أن عليها هزيمة حماس"، مضيفا "خلال الأسبوعين الماضيين، عندما تحدثت مع مسؤولين عرب في أنحاء مختلفة من المنطقة أعرفهم منذ فترة طويلة، قال لي كل واحد منهم إنه لا بد من تدمير حماس في غزة".
أما الرسائل العلنية "الوقحة" فكانت في جانب عسكري، مثل رسوِّ سفن أسلحة في موانئ عربية، أو مرورها في قناة السويس، أو نقلها في سفن عربية، كما في حالة السفينة السعودية التي فضحها الإيطاليون.
وجانب اقتصادي، نشرته صفحة "إسرائيل بالعربية" في شباط/ فبراير الماضي، فذكرت الصفحة: "وفقا للبيانات الإسرائيلية، بلغ حجم التبادل التجاري الاسرائيلي مع الدول العربية الخمس الرئيسة (مصر، والأردن، والإمارات، والمغرب، والبحرين) 4.524 مليار دولار في العام الماضي، ما يعني زيادة بنسبة 15 في المئة عن العام السابق. وشهدت هذه التجارة نموّا مستمرّا منذ عام 2020، تصدرت الإمارات القائمة بتجارة بلغت 3.2 مليار دولار، تليها مصر (579 مليون دولار حسب البيانات الاسرائيلية، لكن البيانات المصرية تشير إلى 2.672 مليار دولار بسبب واردات الغاز الطبيعي). كما زادت تجارة البحرين بنسبة 843 في المئة، والمغرب بنسبة 39 في المئة. وتشير البيانات إلى وجود تجارة غير معلنة مع دول عربية وإسلامية أخرى، بقيمة 14.7 مليار دولار".
والسطر الأخير شديد الدلالة على مدى الانحطاط الذي وصل إليه قادة دول عربية وإسلامية يقيمون تجارات سرية مع الاحتلال، ما يؤدي إلى دعم اقتصاده، في الوقت الذي يدمِّر فيه أقوات وحياة الفلسطينيين ومستقبلهم لسنوات قادمة. وجدير بالذكر أن هذا التقرير صدر قبل أشهر من توقيع نظام السيسي اتفاقية توريد غاز -تسرقه دولة الاحتلال- بلغت قيمتها 35 مليار دولار، وفيما يبدو أن السيسي يريد منافسة الإمارات في نيل الرضا الصهيو-أمريكي.
هذه الصفقة المخزية والمتواطئة مع الاحتلال، تأتي في سياق تبدو فيه أمارات على تغيّر الموقف المصري في الآونة الأخيرة من الموقف الفلسطيني، والتوجه نحو الضغط على الفلسطينيين بكثافة أكبر، وتقليل التوجه إلى الاتصالات الدولية مع الأنظمة المخالفة للسياسة الأمريكية، وذلك بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة التي كادت أن تتوج بتوقيع اتفاقية وقف نار مؤقت. ويبدو أن هذا التغير كان السبب في توجيه حركة حماس نداءها إلى المؤسسات المصرية على لسان الدكتور خليل الحية، وقابَلَه هجوم مصري إعلامي حاد على الحركة واتهامها بأنها سبب الدمار في القطاع، تكرارا لخطاب صهيوني جاهد السيسي كثيرا ليخرجه إلى العلن، منذ بدء العدوان؛ لكن الأجهزة الوطنية المصرية كانت حائط صد أمامه لفترة طويلة، ونرجو أن تستعيد زمام السيطرة، بعد هذا التحول الذي نبع من ضغط أمريكي قاسٍ فيما يبدو.
في سياق متصل، تهل هذه الأيام ذكرى فض اعتصام رابعة العدوية في مصر صيف عام 2013، وهي أكبر مجزرة لمدنيين في مصر المعاصرة، وقد أدَّت تبعاتها إلى تغيير توجهات الدولة المصرية المشرفة من القضية الفلسطينية خلال عاميْن وخمسة أشهر مثَّلوا عمر الثورة المصرية، وكانت مشاعر المصريين حيَّة وطبيعية وصادقة تجاه العدو التاريخي لمصر والمنطقة، ولم يكن نزْع علم الاحتلال من على سطح المبنى الذي تدنسه السفارة هو ذروة الغضب الشعبي، فلو كان نظام الحكم الديمقراطي مستمرّا حتى اليوم، لما استطاع الحاكم المصري المنتخَب أن يصم آذانه عن معاناة الفلسطينيين على الحدود الشمالية، ولا أن يقبل بالعربدة الصهيونية في فلسطين وسوريا ولبنان واليمن وإيران، ولكانت هناك مواقف حقيقية وصلبة توقف العدوان مبكرا، لكن الانقلاب العسكري الذي جاء بتمويل عربي ودعم صهيوني كامل، أوصلنا إلى ما نحن فيه من مهانة.
ربما يكون الربط بين حادثة محلية وأخرى إقليمية، تباعَدَ الزمن بينهما، ضربا من ضروب إقحام حوادث في سياق واحد، بغرض الترويج لخطورة أحد الحدَثيْن، لكن الرابط هنا ليس بين تأثير الحادثة الأولى في الثانية. ورغم وجود هذا الأثر بدرجة ما، فإن الرابط الملموس أن أنظمة الحكم التي نفَّذت المجزرة المحلية أو دعمتها أو باركتها، هي الأنظمة التي لا تعنيها قضايا الشعوب، ولا تفهم معاني الكرامة ما دام الممسك بأطواقها في أمريكا راضيا عنها، حتى وإن عنَّفها أو أهانها أمام وسائل الإعلام، فهذه الأنظمة الدموية بطبعها، والمتشبثة بمقاعدها، لا يعنيها أن يموت كل الفلسطينيين أو أن تزول حتى فلسطين، بل ربما لا يعنيها احتلال أوطانها ما دامت ستظل ممسكة بمقاليد المال والسلطة باعتبارها ولاة للقوى العظمى، مثل عباس القابع في رام الله ويهينه الاحتلال في كل لحظة؛ لكنه لا يمانع في أن يستأسد على الفلسطينيين إذا غضبوا لدماء ذويهم في غزة.
طينة عباس هي طينة باقي الحكام العرب، فهم مستعدون لتسليم أوطانهم مقابل البقاء في سلطة ظاهرية تمنحهم قوة لا حدود لها أمام الضعفاء من بني جلدتهم؛ هكذا يقول لنا عدوان غزة، وهكذا قال لنا فض رابعة من قبل، وسنظل نسمع قصص المهانة والخزي إلى أن تزول أنظمتنا السياسية، وتتولى الحكمَ أنظمةٌ ديمقراطية منتخَبَة تلبي طموحات شعوبها، أيّا كانت خلفية هذه الأنظمة الفكرية أو السياسية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الفلسطينيين المجزرة غزة مصر رابعة مصر رابعة فلسطين غزة مجزرة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
أنس الشريف.. صوت غزة الذي اغتاله جيش الاحتلال
أنس الشريف صحفي فلسطيني وُلد عام 1996 في مخيم جباليا بقطاع غزة، عمل مراسلا لدى شبكة الجزيرة الإعلامية أثناء العدوان الذي بدأته إسرائيل على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
اشتهر الشريف بتغطية المجازر والكارثة الإنسانية رغم التهديدات التي تلقاها، حتى استُشهد يوم 10 أغسطس/آب 2025 باستهداف مباشر من جيش الاحتلال الإسرائيلي لخيمة صحفيين قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة، الأمر الذي لاقى استنكارا واسعا.
المولد والنشأةوُلد الصحفي أنس جمال محمود الشريف في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 1996، ونشأ في مخيم جباليا شمال شرقي قطاع غزة. تزوج من السيدة بيان السنوار، ولديه طفلة تُدعى شام وطفل يُدعى صلاح.
الدراسة والتكوين العلميتلقى الشريف تعليمه في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وكذلك المؤسسات التعليمية لوزارة التربية والتعليم والفلسطينية. التحق بقسم الصحافة والإعلام في جامعة الأقصى عام 2014 ودرس تخصص الإذاعة والتلفزيون.
التجربة العمليةبدأ الصحفي أنس الشريف عمله متطوعا في شبكة الشمال الإعلامية، وكان يُعد تقارير عن الأوضاع في قطاع غزة لصالح شبكات عديدة.
أصيب الشريف في 23 سبتمبر/أيلول 2018 بشظية عيار ناري في البطن أثناء تغطيته مسيرة نُظمت شرق تلة أبو صفية شمال شرقي مخيم جباليا.
انتقل للعمل مراسلا لدى شبكة الجزيرة بعد بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنات غلاف غزة.
عمل الشريف يوميا على إعداد تقارير عن المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي والأوضاع الاجتماعية في القطاع، وتعرض للتهديد من قوات الاحتلال بسبب تغطياته للعدوان.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، كشف الشريف عن تلقيه تهديدات ورسائل عبر تطبيق "واتساب" من ضباط إسرائيليين تهدف إلى إجباره على وقف تغطيته للحرب الإسرائيلية على القطاع، مؤكدا عدم مغادرته الميدان وبقاءه مستمرا في التغطية الإعلامية بشمال القطاع.
ويوم 11 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزل الصحفي الشريف، مما أدى إلى استشهاد والده، موضحا أنه اضطر إلى دفنه في ساحة مدرسة تابعة لوكالة "الأونروا"، وتعهد بالاستمرار في تغطية جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين في القطاع.
إعلانومع تواتر الأنباء عن قرب الإعلان عن وقف إطلاق النار في قطاع غزة منتصف يناير/كانون الثاني 2025، خلع الشريف خوذته قائلا أثناء البث المباشر إنها أثقلت كاهله، وإن بزته الصحفية أصبحت جزءا منه على مدى 15 شهرا.
وأواخر يوليو/تموز 2025، تعرض الشريف وصحفيون آخرون للتهديد من جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي لاقى استنكارا من شبكة الجزيرة الإعلامية ومؤسسات دولية.
اغتيالهاغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي في وقت متأخر من مساء يوم الأحد 10 أغسطس/آب 2025 الصحفي أنس الشريف و5 آخرين، بعدما استهدف خيمة للصحفيين قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة.
وفي بيان نشره بعيد الغارة، أقر جيش الاحتلال باستهداف أنس الشريف ووصفه بأنه "إرهابي تنكر بزي صحفي في قناة الجزيرة"، مدعيا أنه كان قائد خلية في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وروّج لإطلاق الصواريخ على إسرائيل.
ولقي اغتيال الشريف وزملائه استنكارا دوليا واسعا، إذ نددت شبكة الجزيرة الإعلامية بجريمة اغتياله واعتبرتها هجوما جديدا سافرا ومتعمدا على حرية الصحافة.
وحمّلت الجزيرة جيش الاحتلال وحكومته مسؤولية استهداف واغتيال فريقها.