ورقة الأقليات.. من جبال السويداء إلى خرائط الهيمنة
تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT
منذ أن دوّى صدى الثورة السورية الكبرى في عشرينيات القرن الماضي، بقيادة سلطان باشا الأطرش، تحولت جبال السويداء إلى رمز للمقاومة والكرامة الوطنية. كانت صخورها السوداء تُخفي خلفها قرى صغيرة متماسكة، وبيوتًا تحتضن ضيوفها كما تحضن الجبال الينابيع.
في تلك الأرض، حيث تتعانق الحقول مع الكروم، وحيث يختلط وقع حوافر الخيل بأصوات الحصادين، لم يكن الانتماء مجرد هوية طائفية أو عرقية، بل عقد شرف مع الأرض والحرية.
تقع محافظة السويداء في الجنوب الشرقي من سوريا، على السفوح الشرقية لجبل العرب، متاخمةً لمحافظة درعا غربًا، وبادية الشام شرقًا، والأردن جنوبًا، هذا الموقع يجعلها حلقة وصل بين بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، ونقطة تماس حساسة مع الجولان المحتل، ما يفسر حضورها الدائم في معادلات الصراع الإقليمي.
واليوم وبعد قرابة قرن على ذلك المشهد، تعود السويداء إلى واجهة الأحداث، لكن الرايات المرفوعة ليست رايات الاستقلال، بل شعارات «الحماية» التي ترفعها إسرائيل على حدودها، ذريعةً للتوغل في العمق السوري، وكأن الجغرافيا تحولت إلى مسرح يعيد تمثيل مشاهد من الماضي، لكن بأدوار وأزياء جديدة.
حين تتحول الكنائس والمفاتيح إلى مدافعفي القرن التاسع عشر، كانت بيت لحم شاهدة على نزاع ديني حول مفاتيح كنيسة المهد، بين الكاثوليك والأرثوذكس، ما بدا شأنًا لاهوتيًا تحوّل إلى صراع بين أساطيل فرنسا وروسيا على إرث الدولة العثمانية.
اندلعت حرب القرم، وارتفعت راية «حماية الأقليات» لتغطية مدافع البحر، اليوم، تتكرر المشاهد على حدود الجولان، لكن اللاعبين يرفعون أعلامًا مختلفة، ويتحدثون لغات أخرى، فيما الجوهر واحد: الأقليات تتحول إلى أوراق على طاولة الجغرافيا السياسية، تُسحب عند الحاجة وتُترك عند انتهاء الدور.
المواطنة المشروطة في الداخل الإسرائيليحين تُعلن إسرائيل أنها حامية الدروز في السويداء، فإنها تتناسى واقع مواطنيها من الدروز والعرب فالمواطنة داخل الكيان ليست عقدًا متكافئًا، بل سلّمًا يصعده اليهودي أولًا، بينما تبقى الأقليات على درجاته الدنيا.
منذ النكبة، عاش الفلسطينيون الباقون في أراضيهم تحت حكم عسكري لسنوات، محاصرين في قراهم، محرومين من التنمية وحتى الدروز، رغم خدمتهم في الجيش، لم ينالوا مساواة حقيقية، لا في الموارد، ولا في التمثيل، ولا في الاعتراف بهويتهم الثقافية.
جاء قانون «الدولة القومية» ليحسم المسألة، بإعلانه أن تقرير المصير حق حصري لليهود، وأن العربية مجرد لغة «خاصة»، في إقصاء رمزي يعكس إقصاءً ماديًا مستمرًا.
من البلقان إلى غزة.. الذريعة ذاتهافي البلقان قبل الحرب العالمية الأولى، كانت روسيا ترفع راية حماية الأرثوذكس، والنمسا-المجر تدعي حماية الأقليات الأخرى، فكانت النتيجة تفكك الإمبراطوريات واشتعال الحروب.
وفي الثلاثينيات، استخدم هتلر ذريعة حماية الألمان في إقليم السوديت ليبرر الضم اليوم، وفي غزة، تتساقط المدارس والمستشفيات تحت القصف، فيما يخرج الخطاب الإسرائيلي ليحدث العالم عن «القلق على الأقليات» في جبهات أخرى، وكأن الإنسانية يمكن أن تُقسّم، وكأن الموت في حي عربي أقل شأنًا من الخطر المزعوم في جبل درزي.
الجغرافيا لا تكذبالسويداء، بجبالها وأوديتها، لم تكن يومًا في حاجة إلى حماية غريبة، بل إلى سلام عادل يحفظ نسيجها الداخلي ويصون سيادة أرضها، أما من يرفع راية الحماية على فوهة دبابة، فهو يكرر لعبة قديمة، تبدأ بالذرائع ولا تنتهي إلا على خرائط جديدة تُرسم بالدم.
في منطق الجغرافيا السياسية، الأقليات ليست أرقامًا في الإحصاءات، بل مفاتيح للبوابات، ومبررات للغزو، وأدوات لإعادة توزيع النفوذ. وإسرائيل، كغيرها من القوى التي سبقتها، تعرف أن أسهل طريق لشرعنة التدخل هو أن تتحدث بلسان «الحماية»، بينما عيونها معلقة على الأرض والممرات.
إن السلام الحقيقي لا يأتي على جناح مقاتلة، ولا الحماية تُقاس بمدى سيطرة الحامي على حدود المحمي، بل بقدرة الشعوب على أن تحمي نفسها بنفسها، وأن تُكتب خرائطها بمداد السيادة لا بمداد البنادق.
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية
اقرأ أيضاًالذكرى الـ 73 لثورة يوليو 1952
ثورة 30 يونيو.. 12 عامًا على الانطــلاق «الرهان الكبير»
الجولان يا جولاني
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إسرائيل غزة الحرب العالمية الأولى الفلسطينيون الأرثوذكس كنيسة المهد محافظة السويداء الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش
إقرأ أيضاً:
مؤشر بورصة مسقط يغلق مرتفعا عند 4893.61 نقطة
صعد اليوم مؤشر بورصة مسقط بـ 30.3 نقطة وأغلق عند 4893.61 نقطة وبلغت قيمة التداول 28.394 مليون ريال عُماني منخفضة بنسبة 1.7 % مقارنة بآخر جلسة تداول والتي سجلت 28.876 مليون ريال عماني، في حين ارتفعت القيمة السوقية بنسبة 0.355 % وبلغت ما يقارب 29.57 مليار ريال عماني .
واكتست جميع القطاعات باللون الأخضر مرتفعة، إذ ارتفع مؤشر قطاع الخدمات 1.06%، ومؤشر القطاع الصناعي 1.03 %، والمؤشر الشرعي 0.98 % والقطاع المالي 0.10 %.
وجرى خلال الجلسة تداول 68 ورقة مالية صعدت منها 29 ورقة مالية، وتراجعت 19 ورقة مالية، فيما حافظت على مستوياتها السابقة 20 ورقة مالية.
وساد توجه نحو الشراء بين شركات الاستثمار العمانية، بينما فضل المستثمرون غير العمانيين البيع، وانخفض صافي الاستثمار غير العماني إلى 92 ألف ريال عماني بعد بيع بقيمة 1.545 ألف ريال عماني وشراء بقيمة 1.453 ألف ريال عماني .
وتصدرت أس أم أن باور القابضة صدارة الأسهم الرابحة بارتفاع سهمها 9.5% وأغلق عند 218 بيسة، ومسقط للغازات 6.6% وأغلق سهمها عند 112 بيسة، والصفاء للأغذية 6%، وأغلق سهمها عند 530 بيسة، والجزيرة للمنتجات الحديدية بنسبة 4.2% وأغلق سهمها عند 490 بيسة، وأبراج لخدمات الطاقة 4% وأغلق سهمها عند 280 بيسة.
واستحوذ بنك مسقط على قيم التداول خلال الجلسة 30% أي ما يعادل 8.6 مليون ريال عماني، تلته أوكيو للاستكشاف والإنتاج 21.5 % أي ما يعادل 6.1 مليون ريال عماني، وبنك صحار الدولي 12% أي ما يعادل 3.4 مليون ريال عماني، وأوكيو للصناعات الأساسية – المنطقة الحرة بصلالة 9% أي ما يعادل 2.6 مليون ريال عماني، وأبراج لخدمات الطاقة 6.9% أي ما يعادل 1.9 مليون ريال عماني.
وفي قائمة الأسهم الأكثر انخفاضا، تصدرت القائمة المتحدة للتمويل 2.9% واغلق سهمها عند 65 بيسة، والوطنية للتمويل 2.9 % وأغلق سهمها عند 131 بيسة، وصناعة مواد البناء 2.94% وأغلق سهمها عند 66 بيسة، وظفار للأغذية والاستثمار 2.7 % وأغلق سهمها عند 70 بيسة، ومدينة مسقط للتحلية 2.6 % وأغلق سهمها عند 73 بيسة .