الأسبوع:
2025-12-09@14:44:35 GMT

ورقة الأقليات.. من جبال السويداء إلى خرائط الهيمنة

تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT

ورقة الأقليات.. من جبال السويداء إلى خرائط الهيمنة

منذ أن دوّى صدى الثورة السورية الكبرى في عشرينيات القرن الماضي، بقيادة سلطان باشا الأطرش، تحولت جبال السويداء إلى رمز للمقاومة والكرامة الوطنية. كانت صخورها السوداء تُخفي خلفها قرى صغيرة متماسكة، وبيوتًا تحتضن ضيوفها كما تحضن الجبال الينابيع.

في تلك الأرض، حيث تتعانق الحقول مع الكروم، وحيث يختلط وقع حوافر الخيل بأصوات الحصادين، لم يكن الانتماء مجرد هوية طائفية أو عرقية، بل عقد شرف مع الأرض والحرية.

تقع محافظة السويداء في الجنوب الشرقي من سوريا، على السفوح الشرقية لجبل العرب، متاخمةً لمحافظة درعا غربًا، وبادية الشام شرقًا، والأردن جنوبًا، هذا الموقع يجعلها حلقة وصل بين بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، ونقطة تماس حساسة مع الجولان المحتل، ما يفسر حضورها الدائم في معادلات الصراع الإقليمي.

واليوم وبعد قرابة قرن على ذلك المشهد، تعود السويداء إلى واجهة الأحداث، لكن الرايات المرفوعة ليست رايات الاستقلال، بل شعارات «الحماية» التي ترفعها إسرائيل على حدودها، ذريعةً للتوغل في العمق السوري، وكأن الجغرافيا تحولت إلى مسرح يعيد تمثيل مشاهد من الماضي، لكن بأدوار وأزياء جديدة.

حين تتحول الكنائس والمفاتيح إلى مدافع

في القرن التاسع عشر، كانت بيت لحم شاهدة على نزاع ديني حول مفاتيح كنيسة المهد، بين الكاثوليك والأرثوذكس، ما بدا شأنًا لاهوتيًا تحوّل إلى صراع بين أساطيل فرنسا وروسيا على إرث الدولة العثمانية.

اندلعت حرب القرم، وارتفعت راية «حماية الأقليات» لتغطية مدافع البحر، اليوم، تتكرر المشاهد على حدود الجولان، لكن اللاعبين يرفعون أعلامًا مختلفة، ويتحدثون لغات أخرى، فيما الجوهر واحد: الأقليات تتحول إلى أوراق على طاولة الجغرافيا السياسية، تُسحب عند الحاجة وتُترك عند انتهاء الدور.

المواطنة المشروطة في الداخل الإسرائيلي

حين تُعلن إسرائيل أنها حامية الدروز في السويداء، فإنها تتناسى واقع مواطنيها من الدروز والعرب فالمواطنة داخل الكيان ليست عقدًا متكافئًا، بل سلّمًا يصعده اليهودي أولًا، بينما تبقى الأقليات على درجاته الدنيا.

منذ النكبة، عاش الفلسطينيون الباقون في أراضيهم تحت حكم عسكري لسنوات، محاصرين في قراهم، محرومين من التنمية وحتى الدروز، رغم خدمتهم في الجيش، لم ينالوا مساواة حقيقية، لا في الموارد، ولا في التمثيل، ولا في الاعتراف بهويتهم الثقافية.

جاء قانون «الدولة القومية» ليحسم المسألة، بإعلانه أن تقرير المصير حق حصري لليهود، وأن العربية مجرد لغة «خاصة»، في إقصاء رمزي يعكس إقصاءً ماديًا مستمرًا.

من البلقان إلى غزة.. الذريعة ذاتها

في البلقان قبل الحرب العالمية الأولى، كانت روسيا ترفع راية حماية الأرثوذكس، والنمسا-المجر تدعي حماية الأقليات الأخرى، فكانت النتيجة تفكك الإمبراطوريات واشتعال الحروب.

وفي الثلاثينيات، استخدم هتلر ذريعة حماية الألمان في إقليم السوديت ليبرر الضم اليوم، وفي غزة، تتساقط المدارس والمستشفيات تحت القصف، فيما يخرج الخطاب الإسرائيلي ليحدث العالم عن «القلق على الأقليات» في جبهات أخرى، وكأن الإنسانية يمكن أن تُقسّم، وكأن الموت في حي عربي أقل شأنًا من الخطر المزعوم في جبل درزي.

الجغرافيا لا تكذب

السويداء، بجبالها وأوديتها، لم تكن يومًا في حاجة إلى حماية غريبة، بل إلى سلام عادل يحفظ نسيجها الداخلي ويصون سيادة أرضها، أما من يرفع راية الحماية على فوهة دبابة، فهو يكرر لعبة قديمة، تبدأ بالذرائع ولا تنتهي إلا على خرائط جديدة تُرسم بالدم.

في منطق الجغرافيا السياسية، الأقليات ليست أرقامًا في الإحصاءات، بل مفاتيح للبوابات، ومبررات للغزو، وأدوات لإعادة توزيع النفوذ. وإسرائيل، كغيرها من القوى التي سبقتها، تعرف أن أسهل طريق لشرعنة التدخل هو أن تتحدث بلسان «الحماية»، بينما عيونها معلقة على الأرض والممرات.

إن السلام الحقيقي لا يأتي على جناح مقاتلة، ولا الحماية تُقاس بمدى سيطرة الحامي على حدود المحمي، بل بقدرة الشعوب على أن تحمي نفسها بنفسها، وأن تُكتب خرائطها بمداد السيادة لا بمداد البنادق.

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية

اقرأ أيضاًالذكرى الـ 73 لثورة يوليو 1952

ثورة 30 يونيو.. 12 عامًا على الانطــلاق «الرهان الكبير»

الجولان يا جولاني

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: إسرائيل غزة الحرب العالمية الأولى الفلسطينيون الأرثوذكس كنيسة المهد محافظة السويداء الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش

إقرأ أيضاً:

ديناصورات تخلّف لغزًا عمره ملايين السنين.. ماذا اكتشف العلماء في جبال بوليفيا؟

تُظهر الدراسة أن الديناصورات حاولت السباحة، إذ خلّفت 1,378 خدشًا في قاع بحيرة قديمة.

أعلن فريق من الباحثين توثيق أكبر تجمع معروف عالميًا لآثار ديناصورات "تيروبود" في مرتفعات بوليفيا الوسطى، وتحديدًا في منطقة تورو تورو، حيث سجّلت الدراسة المنشورة في مجلة PLOS One نحو 16,600 أثر خلفتها ديناصورات عملاقة قبل أكثر من 60 مليون عام.

آثار على ضفاف بحيرة عذبة قديمة

وتُظهر الدراسة أن هذه الديناصورات التي عبرت المنطقة لم تكتفِ بالسير، بل حاولت أيضًا السباحة، إذ خلّفت 1,378 خدشًا على طبقات الطين الطرية في قاع بحيرة قديمة. وقد ساهم ارتفاع منسوب المياه لاحقًا في حفظ هذه الآثار ومنع عوامل التعرية من محوها عبر الزمن.

ووصف ريتشارد باتلر، عالم الأحافير بجامعة برمنغهام الذي لم يشارك في الدراسة، حالة حفظ الآثار بأنها "ممتازة"، معتبرًا حجمها ومساراتها المكتشفة في تورو تورو "غير مسبوق"، ومؤكدًا أنها تشكّل "نافذة نادرة على حياة وسلوك الديناصورات في أواخر العصر الطباشيري"، الذي انتهى قبل نحو 66 مليون سنة إثر اصطدام كويكب كبير أدى إلى انقراض الديناصورات و75% من الكائنات الحية.

نشاط بشري يهدّد إرثًا جيولوجيًا

ظلّ الموضع، رغم أهميته العلمية، لسنوات عرضة للتخريب، فقد استخدمه مزارعون لدرس القمح، ودمّرت محاجر قريبة أجزاء من طبقاته الصخرية بحثًا عن الحجر الجيري، كما كادت أشغال طرق عامة أن تقضي على بعض مسارات الآثار قبل تدخل إدارة المنتزه الوطني.

Related دراسة: الكويكب الذي أفنى الديناصورات تسبب في شتاء دام 15 عاماًمن فضلات الديناصورات إلى فك ألغاز الماضي: دليل يعيد كتابة المستقبلشاهد: كأنها هاربة من عصر الديناصورات.. العثور على "سلحفاة تمساح" في المملكة المتحدة

ويرى الباحثون أن هذا النشاط البشري المكثف قد يفسّر غياب العظام والبيض والأسنان في الموقع، بخلاف مناطق أخرى مثل باتاغونيا والبرازيل التي تزخر بهياكل الديناصورات.

ومع ذلك، لا يستبعد الفريق فرضية طبيعية أخرى، وهي أن تورو تورو ربما لم تكن موطنًا دائمًا لهذه الكائنات، بل ممرًا ساحليًا قديمًا يربط بين بيرو والأرجنتين، لعب دور طريق سريع لقطعان التيروبود.

قافلة من الديناصورات بأحجام متعددة

وتكشف الآثار المتنوعة الأحجام، من ديناصورات يصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار إلى أخرى لا يتجاوز حجمها 32 سنتيمترًا، عن مرور قوافل جماعية في المنطقة، ما يشير إلى حركة موسمية أو سلوكات هجرة معقّدة.

ويؤكد عالم الأحافير الأسترالي أنتوني روميلو أن "الآثار تكشف تفاصيل لا تقدّمها الهياكل العظمية، فهي توثّق التوقفات وتغيّر الاتجاهات بدقة".

ولا يزال سبب تجمع هذا العدد الكبير من الديناصورات في موقع واحد غير محسوم.

ويرجّح بعض العلماء أنها كانت تبحث عن المياه، بينما تشير فرضيات أخرى إلى تغيّر بيئي مفاجئ أو نمط هجرة موسمي أكبر لم يُكتشف بعد.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • د. محمد يحاضر عن: “الجغرافيا الثقافية لمنطقة نجد” مساء اليوم
  • صحيفة: تعنت الهجري يعطل تحركات عمّان لحل أزمة السويداء
  • أحمد عبد الرؤوف يرفع راية التحدي أمام كهرباء الإسماعيلية
  • 63 يوما في الظلام… كيف أعاد رجل واحد تعريف الزمن داخل كهف جبال الألب؟
  • ديناصورات تخلّف لغزًا عمره ملايين السنين.. ماذا اكتشف العلماء في جبال بوليفيا؟
  • الضباب يغطي جبال الطائف
  • تصريحات صادمة من محمد صلاح عن أزمته مع ليفربول: أشعر وكأن النادي ألقى بي تحت الحافلة
  • الأمم المتحدة تحذّر من انتهاكات خطيرة تستهدف الأقليات في سوريا وتدعو إلى تحقيقات مستقلة
  • اجتماع أميركي سوري بشأن السويداء في عَمان
  • "تشويش" يرفع راية السينما السعودية عالميًا ويتوَّج في خمس قارات ويدخل Joy Awards بثلاث ترشيحات