في "المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية" الذي نظَّمه مجلس حكماء المسلمين، وعُقد في مدينة "أبو ظبي" عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة يوم ٣ شباط/ فبراير 2019 لمدة يوم واحد، وحضره خمسمئة شخص بين رجل دين ومفكر، على رأسهم البابا فرانسيس بابا الفاتيكان رحمه الله، الذي بدأ آنذاك زيارة رسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، والشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر.

. في ذلك المؤتمر الذي يهدف حسب ما ذكر القائمون عليه، إلى "تفعيل الحوار حول الأخوة الإنسانية وأهميتها ومنطلقاتها وسُبل تعزيزها عالمياً، كما يسعى إلى التصدي للتطرف الفكري وسلبياته، وتعزيز العلاقات الإنسانية، وإرساء قواعد جديدة لها، بين أهل الأديان والعقائد المتعدّدة".. قال البابا فرانسيس: "استعمال اسم الله لتبرير الكراهية والبطش ضد الأخ، إنما هو تدنيس خطير لاسمه. لا وجود لعنف يمكن تبريره دينياً. سباق التسلح، وتمديد مناطق النفوذ، والسياسات العدائية على حساب الآخرين، لن تؤدي أبداً إلى الاستقرار".

ولم يشر الحَبْر الأعظم إلى العنصرية ومخاطرها على عدم الاستقرار، ولا إلى أشكال الإبادة المادية والمعنوية التي تنتهجها وتمارسها منذ عقود من الزمن جهة محددة، ضد بشر هُم ضحاياها المسكوت عنهم أو الذين يتم التواطؤ ضدهم، حيث يبادون وفق منهج بطيئٍ مُعْتَمد مستمر على يد مَن يدمنون العنصرية والكراهية ويمارسونهما ضد الآخرين "الغوييم"، وهم الذين "صلبوا المسيح رسول المحبة" عليه السلام في الأرض التي كان "ينادي، يعلُن = يكرِّز "كيريسو Kerysso" فيها. وقداسته يعلم فداحة مخاطر العنصرية في كل مكان يوجد فيه عنصريون وتحكمه ادعاءات تفوق عرقي. ويعلم أن الصهيونية وصفت بقرار أممي رقمه 3379 بأنها حركة عنصرية.

إن القرار الذي اتُّخِذ بإقامة ما سُمي "بيت العائلة الإبراهيمية" كان استجابة لدعوة البابا أو تنفيذاً لطلبه، ولا نشك بالنية الطيبة وراء ذلك من أطراف معنية بالأمر.. لكن ألا يجوز لنا أن نقارب الموضوع من زوايا توسع دائرة الرؤية وتلقي بعض الضوء على الواقع الموضوعي فقد تقلص الظلال ونُنقذ من بعض الضلال؟! وربما أفاد ذلك ويفيد في الاقتراب من الحقائق، وكبح جماح العنف والتطرف والعنصرية، وتعزيز النيات الطيبة، بما يحقق أهدافاً نبيلة تقوم على الحقائق وتنموا وتحقق الغايات.وقال البابا في خطاباته التي ألقاها أثناء زيارته تلك 3 - 5 شباط / فبراير 2019 : "إن المسيحية احتضَنت الإسلام في "نشأته".. ولم يقل احتضنت عدداً من ضعفاء المسلمين هاجروا إلى دولة مسيحية مجاورة كان يحكمها إمبراطور مسيحي عادل هي "الحبشة"، هرباً من أهليهم وذويهم وقومهم الذين اضطهدوهم بسبب إيمانهم بالله. لقد كان أولئك أحد عشر رجلاً وأربع نسوة، وأقاموا أشهراً في الهجرة الأولى. وكانوا في الثانية ثلاثة وثمانين رجلاً وامرأة ثم عادوا إلى بلادهم بعد أن اكتسب الإسلام والمسلمون قوة في موطن الدعوة، وليس باحتضان مملكة "أكسوم = الحبشة" وملكها أَصْحَمَة النجاشي لهم وفرضه عودتهم.

وهناك فرق كبير بين ما قاله قداسته وبين الواقع، لأن الإسلام لم يُحْتَضَن ويَقْوَ وينتصر بدعم من دولة الحبشة المسيحية وإمبراطورها، ولم يأت نصرُ المسلمين من خارج الجغرافيا والتاريخ في الجزيرة العربية. وما كان في تلك الهجرة وذلك اللجوء هو احتضان مسلمين هاربين وليس احتضاناً للإسلام بأي حال من الأحوال، لأن الإسلام الدعوة والرسالة والنبي وصحبه والمسلمون ظلوا في المِحنة والجهاد في مكة، وهاجروا إلى المدينة، وانتصروا بثباتهم وبمناصرة من أسلم من الأوس والخزرج.

واشتد عود الدعوة إلى الإسلام في الأرض العربية، وبجهاد المسلمين وصبرهم وتمكين الله لهم، وليس باحتضان المسيحية لهم ونصرهم. ولم يتابع الحبر الأعظم إشارته إلى التاريخ، فيقول إن اليهود حاربوا الإسلام ونبيَّه، وأن المسيحية شنت حروباً عليه، وزعمَت أن النبي محمد "مسيحيّ مرتد؟!" وحاربته، ولم تعترف برسول الإسلام نبياً.؟! وأن الحملات على الإسلام استمرت وكانت بعض ذراها الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش، والاستعمار لبلاد العرب والمسلمين. وما زال ذلك العداء مستمراً بصور وأشكال وصيغ مختلفة إلى يوم الناس هذا. إن التدقيق والإنصاف من أكبر مهام الحَبْرٍ الأعظم الذي يعرف هذا التاريخ جيداً، ويعرف خفايا لا يعرفُها غيرُه بحكم الاطلاع والموقع والمسؤولية.

في أثناء زيارة البابا فرانسيس للإمارات العربية المتحدة، وتخليداً لذكرى الزيارة، استجابت دولة الإمارات لدعوة أو لطلب قداسته، وقررت إقامة صرح عالمي تحت مسمى "بيت العائلة الإبراهيمية".. وجاء في التوثيق للمناسبة: "يرمز المَعلَم الدينيّ الجديد إلى "حالة التعايش السلمي وواقع التآخي الإنساني الذي تعيشه مختلف الأعراق والجنسيات من العقائد والأديان المتعددة في مجتمع الإمارات"، كما أنه سيستقي نهجه من الوثيقة التاريخية التي وُقِّعت بين شيخ الأزهر وقداسة البابا التي تبشر بعهد جديد للإنسانية، تتقارب فيه الشعوب والطوائف والأديان باختلافاتها وتنوعاتها. وسيكون الصرح الجديد أحد المعالم البارزة على مستوى الدولة والعالم".

وبتاريخ 22 أيلول/ سبتمبر 2019 نُشر الخبرُ الآتي نصُّه: "ذكرت تقارير إعلامية محلية أن العمل سيبدأ العام المُقبل في إنشاء أول معبد يهودي رسمي في دولة الإمارات العربية المتحدة، على أن يكتمل عام 2022". وقالت صحيفة "ذا ناشيونال" التي تصدر في أبوظبي يوم الأحد: "إن المعبد اليهودي سيقع ضمن نطاق مجمع للأديان يطلق عليه "بيت العائلة الإبراهيمية" في العاصمة أبوظبي، سيحتوي أيضا على مسجد وكنيسة سيكتمل بناؤهما في 2022" / عن أخبار العالم العربي R، وبدأت تعليقات مواكبة للخبر تتهم العرب بالشوفينيَّة وغيرها من الاتهامات، وتُظهر اليهود مضطَهَدين و.. و.. و..؟! 

إن العجائب والغرائب والادعاءات لا تنتهي في هذا العالم البئيس.. وربما لن تنتهي أبداً للأسف الشديد. ويبدو أن استهداف العرب والمسلمين، العروبة والإسلام، أصبح أهم أهداف العنصريين المعادين للمساواة الإنسانية الإنسان، والمستعمرين الطامعين، والناقمين على الأمة العربية والدين/ الإسلام، والوالغين في الدم والجُرم والإثم، ومواليهم من العرب المنْبَتِّين عن جذورهم، وأن ذلك يتفاقم بالرّغم من الدعوات والادعاءات والمؤتمرات الأخوية. وربما لا نجد بعض ما يشير إلى ذلك في استقراء الواقع الذي يزداد مأساوية، على الرغم مما عُقد من مؤتمرات وما جرى من حوار بين سدنة الأديان تحت عنوان " الأخوة الإنسانية، وتقارب الأديان والمذاهب..". إذ رغم ذلك كله بقيت الأمور والأحوال والمُكنونات الجُوَّانية الدفينة على حالها لدى شخصيات ومرجعيات وسياسيين وسياسات، بينما أَتقن السَّدَنة القادة فنَّ تبادل المُجاملات والدعوات والصلوات والتمنيات.

إن القرار الذي اتُّخِذ بإقامة ما سُمي "بيت العائلة الإبراهيمية" كان استجابة لدعوة البابا أو تنفيذاً لطلبه، ولا نشك بالنية الطيبة وراء ذلك من أطراف معنية بالأمر.. لكن ألا يجوز لنا أن نقارب الموضوع من زوايا توسع دائرة الرؤية وتلقي بعض الضوء على الواقع الموضوعي فقد تقلص الظلال ونُنقذ من بعض الضلال؟! وربما أفاد ذلك ويفيد في الاقتراب من الحقائق، وكبح جماح العنف والتطرف والعنصرية، وتعزيز النيات الطيبة، بما يحقق أهدافاً نبيلة تقوم على الحقائق وتنموا وتحقق الغايات.

لقد وضع البابا وشيخ الأزهر حجري أساس لمسجد وكنيسة يقامان في " أبو ظبي" في تلك الزيارة، واستجاب المسؤولون في الإمارات العربية المتحدة لطلبه إقامة "بيت العائلة الإبراهيمية".. ومن المؤكد أن البابا فرانسيس، الراهب اليسوعي الذي " ولد باسم خورخي ماريو بيرجوليو، الأرجنتيني المولود في بوينس آيرس، وأبوه وأمه من أصول إيطالية..".. ليس من أبناء إبراهيم الخليل، وأن معظم المسيحيين في العالم، عدا العرب منهم، ليسو من أبناء إبراهيم ولا هم على ملته. ومن ذهب أو يذهب إلى القول: "إن عيسى المسيح يهودي“، فإنه يرتكب خطأً عقائدياً فادحاً، ذلك لأنه بقوله ذاك يقول إن المسيح من نطفة رجل يهودي، وهذا يمسُّ بعذرية مريم من جهة، ويخالف معتقد المذاهب المسيحية التي تقول إن المسيح هو "الله، أو ابن الله"، ومعتقد القائلين منهم بالثالوث المقدس، من جهة أخرى، ومن ثم فإن المسيحيين لا يؤمنون برسول يهودي من نطفة رجل يهودي. كما أن هذا القول يخالف الإسلام ومعتقد المسلمين الذي يقول: ” إن المسيح ابن مريم عليه السلام، من روح الله، وكلمته، ورسول من رسل الله. وإن مريم ابنة عمران حملت به بأمره ونفخ فيها من روحه".

وعلى هذا يجوز التساؤل: تُرى لمن يقام "بيت العائلة الإبراهيمية“، ولِمَن يُكرَّس ومَن يخدم في النتيجة؟ أليس للذين يدنسون المسجد الأقصى ويغلقون أبوابه أمام المسلمين؟! وللذين اغتصبوا ما اغتصبوه من الحرم الإبراهيمي في الخليل وقتلوا المسلمين فيه في صلاة الفجر وهم رُكَّعٌ سجود؟! وللعنصريين الصهاينة الذين هوّدوا القدس واحتلوا فلسطين، ويحاصرونهم الشعب الفلسطيني ويغتصبون أرضه ويقتلون أبناءه ويستهدفونهم بالتدمير والتجويع والتعطيش والإجاعة في غزة والضفة الغربية لتهجيرهم وإبادتهم.. و..؟! وقتلوا ويقتلون العرب والمسلمين في بلدان عربية وإسلامية.. و.. ؟!. ولأي هدف يقام كنيس في هذا ”البيت الإبراهيمي في العاصمة " أبو ظبي“، ولمن يكرَّس، ولتحقيق أي هدف، وعلى حساب من يقام يا تُرى؟! ومَن سيكون ممثلاً لبيت إبراهيم من اليهود الصهاينة العنصريين الإرهابيين القتلة المُحتلين لفلسطين؟! أهو الحاخام "دوف ليئور" الذي قام بتأبين باروخ غولدشتاين مرتكب مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل وسماه قديساً، أم حاخام آخر أشد منه عنصرية هو الإرهابي ”كاهانا حي“ وأتباعه ومن هم على شاكلته.؟!

من اللافت جداً للانتباه، أو مما ينبغي أن يلفت الانتباه وألا يُنسى.. أنه في ذلك الوقت الذي أعلن فيه قرار بناء " بيت العائلة الإبراهيمية"، وبتزامن لا بد أن يُلحَظ ويُدرَك من قِبَلِ عُقول منفتحة وعيون مبصرة وبصائر نافذة وضمائر حية ووعي مسؤول.. أنه في ذلك الوقت " وقَّع العشرات من الوزراء الإسرائيليين وأعضاء الكنيست عن حزب "الليكود" وغيره من أحزاب اليمين اليهودي ـ الصهيوني المتطرف على عريضة تعهدوا بموجبها بالعمل على توطين مليوني يهودي في الضفة الغربية المُحتلَّة.. وجاء النص في تلك العريضة بالحرف: "أتعهد بأن أكون مخلصاً لأرض إسرائيل، وعدم التنازل عن أي شبر من ميراث الآباء. ألتزم بالعمل على تحقيق خطة استيطان لتوطين مليوني يهودي في يهودا والسامرة وفقا لخطة رئيس الوزراء (الأسبق) إسحاق شامير.. وأتعهد بالعمل على إلغاء إعلان الدولتين لشعبين واستبداله ببيان رسمي: أرض إسرائيل دولة واحدة لشعب واحد!]]/تاريخ النشر:05.02.2019 | 11:20 GMT | وهذا التعهد ينفذ ببسياسات وخطوات وممارسات واضطهاد وعنف وإبادة منهجية منظمة ضد الفلسطينيين، ومشروع تهجير لهم من وطنهم فلسطين.

 ومما يجب أن نذكره ونتذكره أيضاً أنه في الأسبوعين اللذين سبقا إعلان إقامة " بيت العائلة الإبراهيمية“ ذاك، نظَّمت حركةُ "نحالاه" الاستيطانية الصهيونية تظاهرات أمام ديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مطالِبةً بـ "ترسيخ المبادئ الأساسية للحكومة على أسس الاستيطان في جميع أنحاء يهودا والسامرة، وإلغاء إعلان الدولتين.". وهذه التعهدات والسياسات تنفذ بتصميم وبتواطؤ قوى غربية على رأسها الولايات المتحدة الأميريكية.. وكان من آخر إعلانات حكومة نتنياهو قبل الانتخابات التي جرت في 17 أيلول/ سبتمر من عام 2019: "التعهد بضم منطقة الغور على الضفة الغربية لنهر الأردن إلى "إسرائيل"؟!، وقد عقدت تلك الحكومة اجتماعاً رسمياً هناك وهو أمر ذو دلالة.. وهذا بعد إعلان القدس عاصمة، وإعلان ضم الجولان السوري المحتل بتأييد من عنصريين أميركيين على رأسهم دونالد ترامب.

ويجوز لنا أن نتساءل في ظل هذا الواقع وتلك الوقائع، وفي استمرار التأييد الغربي الأعمى للصهيونية الدينية وعنصريتها البغيضة، وبزحف قوتها المتوحشة علينا بدعم أميركي وأوروبي غير محدود.. تحت مقولات لا صلة لها بتوراة موسى بل هي من تاريخ الهود و تلمودياتهم تدخل في تاريخهم وليس في توراة موسى عليه السلام، فلا تنسب أوهام وأحلام ووقائع تاريخية حدثت بعد وفاة موسى بعقود وقرون وتنسب إليه وتندرج في توراته. وتقام عليها مسميات واختلاقات وتلفيقات وأسباب ومسببات وافتراءات، وكمٌّ مهولٌ من الأكاذيب. وتخلَق وقائع على الأرض تقتلنا وتضغط علينا وتنال من حقوق شعبنا.. و ..

من يتكلمون ويحكمون الكيان العنصري الإرهابي المحتل لفلسطين العربية، باسم "إسرائيل، أي إسحق بن إبراهيم وباسم يعقوب و نسلهما"، هم أبعد ما يكونون عن إسحق ويعقوب ابني إبراهيم وعن بيت أبناء إبراهيم.. إنهم أسباط أي أبناء بنات تزوجن في غير قومهن، وحمل نسلهم نسب آبائهم.وفي ظل ذلك الذي يفترى ويبنى عليه ويصبح وقائع على الأرض ألا يجوز لنا، بل ألا يتوجب علينا أن نتساءل: " أتراه يحق لبعض أبناء إبراهيم الحقيقيين إن بقى منهم أحد، ممن لا ترضى عنهم "إسرائيل الصهيونية الأشكنازية العنصرية الإرهابية"، أو لمَن هم من نسل هاجر العربية اليمانية الجُرْهُمِيَّة، زوج أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام وأم ابنه إسماعيل، أن يدخل "بيت العائلة الإبراهيمية" من غير أبناء القبيلة الثالثة عشرة وموافقتهم، وهم "اليهود الخَزَر"، الأشكناز الحاكمين المتحكمين في فلسطين المحتلة "إسرائيل"، وفي القرار الأمريكي بحكم النفوذ وغيره.؟! ولا نسأل هنا عن نسل إبراهيم من زوجه سارة، "اسحق ويعقوب و نسلهما" الذي لم يبق منهم أحد، إذ نحن أمام بقايا أسباط "إسرائيل، أي أبناء بنات اسحق ويعقوب و.." وليس أمام أحفادهما". والاختلاف بيْن الحفيد والسِّبط بَيِّن“، فالحفيد من نطفة أبيه ويحمل اسمه واسم جده و يرثهما، والسِّبط من نطفة رجل تزوج بنتاً من بناتهما، وقد يكون من قوم آخرين، وهو يحمل اسم أبيه وجده وعشيرته.

وفي مواجهة حقيقة واضحة، وهي أن من يتكلمون ويحكمون الكيان العنصري الإرهابي المحتل لفلسطين العربية، باسم "إسرائيل، أي إسحق بن إبراهيم وباسم يعقوب و نسلهما"، هم أبعد ما يكونون عن إسحق ويعقوب ابني إبراهيم وعن بيت أبناء إبراهيم.. إنهم أسباط أي أبناء بنات تزوجن في غير قومهن، وحمل نسلهم نسب آبائهم.

إن يهود الخَزَر، القبيلة الثالثة عشرة كما وصفها ووثق مسيرتها اليهودي آرثر كوستلر فيما كتب. هم عنصرين اليوم من الصهاينة الذين يرفضهم بعض اليهود، وهم من سكان مناطق وضِفاف بحر قزوين، "بحر الخَزَر"، الذين اتبعوا خاقانهم، "خاقان خَزَر"، الذي هزَم جيشَه ودمَّر مملكتَه الجيشُ الأموي بقيادة مُسْلِمة بن عبد الملك في عام 731م، وصار "خاقان خَزَر" الوثني بمواجهة أن يختار النصرانية عقيدة البيزنطيين الذين كان في حرب معهم وبين الإسلام، فرفض النصرانية وتظاهر بأنه سوف يُسلم، واستمهل ليستشير، واستشار في أمره مستشارين أشاروا عليه بدين آخر هو اليهودية، حيث يعامل المسلمون أتباعها بوصفهم أهل كتاب، فيبقيون على دينهم وتُخَذ منهم الجزية لقاء حمايتهم. فتهوَّد "خاقان خَزَر" شَكلاً وتبعه أتباعُه، من دون أن يعرفوا من شريعة موسى شيئاً يُذكر  "فالناس على دين ملوكها؟!". و لاحقاً تشرد "يهود الخَزر" في أوروبا، لاسيما في القسم الشرقي منها، بعد أن هزمهم سفايتوسلاف الأول إيغوروفيتش الروسي، أمير ”كويابة“، وهي مدينة كييف، وذلك في عام 943 م وما بعدها.

وقد رفضت أممٌ أوروبية تلك الفئة لانغلاقها وعنصريتها وجشعها و رَبَويَّتِها وكراهيتها للآخرين ووحشيتها وسوء سلوكها وتعاملها. ورَمتنا من بعد ذلك بها، نحن العرب، لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أسس الاستعمار والاحتلال الإنكليزي والفرنسي على الخصوص، واتفاق "سايكس ـ بيكو"، ثم وعد بلفور المشؤوم، وعصبة الأمم التي تأسست عام 1919، بعد الحرب العالمية الأولى بموجب معاهدة فرساي، "لتعزيز التعاون الدولي وتحقيق السلام والأمن"، ولم تفعل شيئا لهذه الأهداف، بل خولت بريطانيا والمستَعمِرة لفلسطين وشرق الأردن بتقاسمها لسورية الطبيعية، بلاد الشام، مع فرنسا. وكلفت العُصبة بريطانيا بتأسيس وطن قومي لليهود تنفيذاً لوعد بلفور، فأسست لهم دولة في فلسطين على حساب الحق والعدل والقانون، وعلى حساب شعب فلسطين الذي ما زال يعاني الأمرين من ذلك، ويُستهدَف من وحشية أكثر خلق الله شراً وإجراماً، ويُستَهدَف وجوده في وطنه التاريخي وحقه في الحرية والحياة.

وبعد أن مهد البابا وشيخ الأزهر لهذا الأمر، وأُقيم ما سُمي "بيت أَبناء إبراهيم" على أساس تقارب الأديان وتفاهم الأخوة، اختفى رجال الدين من المشهد، وظهر إلى العلن من كان وراءهم ووراء هذا المشروع من الساسة والسياسات والدول التي خططت لذلك ورسمت ما رسمت. واستلمت الحركة الصهيونية و"إسرائيل" والولايات الأمريكية المتحدة الأمريكية وشركاؤهما الملف لتحقيق الهدف الأساس من تلك الدعوة وذلك المشروع، وهو التطبيع مع كيان الإرهاب والعنصرية "إسرائيل"، والاعتراف بها، وتهميش قضية فلسطين والشعب الفلسطيني، والقفز فوق ذلك في تحلٍّ لدول عربية عن فلسطين وشعبها، وإضعاف الشعب الفلسطيني ليواجه "الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني"، والتنازل عن قومية قضية فلسطين ومركزيتها في النضال، وعن كونه في صلب الكفاح المركزي للأمة تحت ما كان باسم "الصراع العربي الصهيوني".

وبدأ وزراء خارجية الإدارات الأمريكية وشركاء الصهاينة والمتصهينين الأوروبيون، وموالوهم ومؤيدوهم، وبينهم عرب، الضغط لإجبار دول عربية على التطبيع مع ”إسرائيل“ والاعتراف بها في خطة ” صهيو - أميكيية - أوروبية“ لعزل الفلسطينيين عن أمتهم، والعدوان عليهم، وخذلانهم لإجبارهم على التسليم بكل ما تريده ”إسرائيل“، وتصفية قضية فلسطين لصالح الصهاينة، وتهجيرهم أو إبادتهم. وما زالت الإدارات الأمريكية وشركاؤها تعمل على تحقيق ذلك الهدف بكل الوسائل، وتفرضه وتشترطه لوقف مسلسل الإبادة المستمر ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وضده في الضفة الغربية والقدس بزحف العدوان وبلطجة ” المستوطنين“، ووحشية والجيش الإسرائيلي المجرد من الأخلاق. وأصبح على المطبعين العرب أن يعملوا على تحقيق أهداف المشروع راغبين أو مكرهين، مع الإدارات الأميركية وعلى رأسها إدارة الرئيس دونالد ترامب وشركاؤه الأوروبيون. ويفرض علينا الثنائي "نتنياهو ـ ترامب"، بَرْهَمَةِ العَصْر الهَجينة، بكل أشكال الحرب والمكر والغدر، والترغيب والترهيب، والتهديد والوعيد، والقَسْر والقَهر، وبإجرام ووحشية لا مثيل لهما.

وبإدعاء غرائبي عجائبي غَيْبَوِيّ تلمودي سخيف وغبي، يدعي هذا الثنائيٌّ أنه مكلف بمهمة تاريخية ورسالة روحية، وأنه مخلوق للقيام بمهمة إبادة بشرية لا مثيل لوحشيتها في التاريخ، لا ليفرض بَرْهَمَة العَصْر الهَجينة المفروضة بكل أشكال المكر والغدر والترغيب والترهيب، والتهديد والوعيد، والقَسْر والقَهر، وبتحقيق ما يُسمى بـ "إسرائيل الكبرى أو الكاملة“ على حساب ما تبقى من فلسطين والأردن وسورية ولبنان ومصر والعراق؟! والأغرب الأعجب في هذا أن تقرَّ ادعاءَهما وبلطجيّتَهما قوةٌ بشرية وعسكرية واقتصادية يمينية ـ دينية ـ متطرفة، يقودانها إلى حرب إبادة، وتفكيك أمة ذات تاريخ وحضارة، وتدمير دول وشعوب، ونشر فوضى في العالم، ولا معاناة الناس، وأن ذلك يكلف العالم أمنَه وسلامَه واستقراره، وتغييب قوانينه وأنظمته وعدالته وقيمه، وإفلاس سياساته ومؤسساته وعجزها عن فعل شيئ لوقف هذه الوحشية المفرطة التي تزحف بقوة السلاح، وبرامج الإبادة ، والـ "جينوسايد"، وخطط التصفية العرقية، وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي "المجرد من الأخلاق والقيم الإنسانية"، حيث ينفذ إبادة منهجية ضد شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، بقوة السلاح والتدمير والتقتيل والتجويع والتعطيش والإمْراض والتهجير والعدوان والاستيطان، ويضعف أمتنا العربية ويتدخل في شؤونها بهدف تمزيقها، ويعتدي على أقطار منها ويحتل أراض فيها، ويستهدف هو وشركاؤه دولنا وشعوبنا وهويتنا وديننا ووجودنا في وطننا وأرضنا.

وفي هذا المُناخ القاتل الطافح بالممارسات الوحشية التي نراها ونعيشها وندفع ثمنها الفادح، يصبح من الواجب علينا، ونحن نشهد ما نشهده من إجرام في هذا الزمن الرديئ، أن ندرك جيداً أنه لن يدفع هذا الزحف الوحشي عنا وعن أوطاننا وأجيالنا إلا قوة شاملة متكاملة، علمية وتقنية وأمنية وعسكرية واقتصادية، نملكها ونطورها، وأن يكون لنا موقف موحد ورؤية تجمعنا ووحدة صف، وأن نتمسك بهويتنا وأرضنا وقيمنا وديننا، وأن نَذكُر ونذكِّر بالآية الكريمة: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٦٧﴾ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٦٨﴾ وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٦٩﴾ سورة آل عمران.

وأن نذكِّر بأن بيت إبراهيم هو ذاك الذي بناه مع ولده إسماعيل في مكة المكرمة: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿١٢٧﴾ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿١٢٨﴾ سورة البقرة.. وهو بيت قائم عامر زاخرٌ بالناس يومياً، يحج إليه ملايين المسلمين في كل عام، ويعتمر عشرات الآلاف منهم في كل يوم منذ 1447عاماً وسيدوم ذلك إلى يوم الدين. وبأن عرب الجاهلية إنما اتخذوا الأصنام زُلفى يتقربون بها إلى الله، رب إبراهيم أبيهم الحنيف المُسلم الذي اتبعوه فطرة ﴿.. مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ.. ﴾ سورة الحج ٧٨، وكانوا حنفاء زاغوا بعض الزيغ عن عقيدة أبيهم جهلاً واتباعاً وأخذاً بأصنام وأوثان تقرِّبهم إلى الله " زلفى"، وبقيت الحنيفية في أعماق أعماقهم.. فالتوحيد هو ملة إبراهيم والشرك هو ما حاربه الإسلام وأزاله، وقد قيل ما قيل في الشرك والمشركين.. ﴿ أَلَا لِلَّـهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴿٣﴾ ـ سورة الزُّمَر.

والله سبحانه وتعالى هو المستعان على كل حال.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء التطبيع احتلال تطبيع رأي بيت العائلة الابراهيمية قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإمارات العربیة المتحدة بیت العائلة الإبراهیمیة البابا فرانسیس أبناء إبراهیم دولة الإمارات علیه السلام إن المسیح یجوز لنا على حساب من نطفة الع ص ر فی هذا

إقرأ أيضاً:

هل تحالف الإسلام السياسي وقوى اليسار لنصرة فلسطين؟

"حين يكون الإسلاميون في المعارضة، يجب أن تكون قاعدتنا: مع الإسلاميين أحيانا، وضد الدولة دائما" من كتاب "النبي والبروليتاريا" لمؤلفه المفكر الاشتراكي البريطاني الراحل كريس هارمن، والذي قدم فيه رؤيته للثورة الإسلامية في إيران.

ثمة ما يسوِّغ تسليط الضوء على بروبوغاندا التحالف الأخضر الأحمر، كما يروج له مناصرو الصهيونية، محاولين ربط الحراك العالمي من أجل فلسطين بتحالف قائم ومنظم بين الإسلام السياسي واليسار، ساعين لإضفاء صبغة أيدولوجية راديكالية تبدو منفرة في الغرب.

وهو تعبير لا يختلف من حيث منطلقات وغايات الربط التضليلي بمساعي ربط الإسلام بالإرهاب.

فما هي حقيقة ائتلاف الأخضر مع الأحمر؟ وما هو السياق التاريخي والفكري الذي تتقارب فيه الحركات الإسلامية مع اليسارية؟ وكيف تحاول إسرائيل توظيفه؟

متظاهرون يرفعون الأعلام واللافتات خلال مسيرة تضامنية مع الفلسطينيين في سيدني بأستراليا (الفرنسية)العداء للسامية

تحاول مراكز الأبحاث والصحف العبرية اختزال الحراك العالمي من أجل فلسطين بألوان أيديولوجية تبدو راديكالية ومتنافرة في ذات الوقت، محاولة تصوير الحراك الحر من أجل فلسطين بتعدديته الواسعة، كتحالف تآمري "لقوى ظلامية" متناقضة جوهريا لكنها تجتمع على "العداء للسامية".

ويتجلى هذا الاختزال عبر مستويات مؤسسية متعددة ومتكاملة، انطلاقا من مبدأ "مكافحة نزع الشرعية" الذي أسّس له معهد ريوت الإسرائيلي في تقريره تحت عنوان "بناء جدار ناري سياسي ضد نزع الشرعية عن إسرائيل".

يصنف التقرير أي خطاب مناهض للتطرف الإسرائيلي أو يشكك في يهوديتها أو يُساوي بينها وبين نظام الفصل العنصري بوصفه تهديدا وجوديا، ويضع حركة المقاطعة والناشطين الأكاديميين ومنظمات حقوق الإنسان في خانة "شبكة نزع الشرعية" التي تستوجب الملاحقة والمواجهة.

وبموجب هذا، يتحول حتى النقد السياسي للاحتلال والمطالبة بحقوق الفلسطينيين من حيّز الخلاف المشروع وفقا لمبادئ الديمقراطية إلى فعل عدائي يتطلب المواجهة.

إعلان

وقد تبنّت الحكومة الإسرائيلية هذا الإطار المفاهيمي، فأوكلت إلى وزارة الشؤون الإستراتيجية منذ عام 2015 مهمة "قيادة الحملة ضد حركة المقاطعة ومحاولات نزع الشرعية عن إسرائيل"، وصرّحت مديرتها العامة سيما فاكنين غيل، الرقيبة العسكرية السابقة، أمام الكنيست بأن "الانتصار يعني ألا تكون الرواية السائدة في العالم أن إسرائيل تساوي الفصل العنصري".

أما على الصعيد الأكاديمي البحثي، فتتضافر جهود شبكة من مراكز الفكر الإسرائيلية في تغذية المفهوم وترسيخه، وأنتج مركز القدس  للأمن والشؤون الخارجية مواد حول "التحالف الأخضر الأحمر".

كما أصدر سلسلة من الدراسات تصف الحراك الداعم لفلسطين بأنه بيئة خصبة لدعم حركة المقاومة الإسلامية حماس، بالإضافة إلى إدراج منظمات كـصوت يهودي من أجل السلام وطلاب من أجل العدالة في فلسطين ضمن هذا التحالف.

وتتولى مؤسسات مثل معهد دراسة معاداة السامية في واشنطن ترويج هذه الأطروحات في الأروقة السياسية الأميركية وتعمل بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية، كما تمول الوزارة مراكز بحثية مثل معهد دراسة معاداة السامية، وهو المعهد الذي وصف منظمة طلاب من أجل العدالة في فلسطين بالتبعية لجماعة الإخوان المسلمين.

وقد أفردت وزارة شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية في تقريرها السنوي الصادر في أبريل/نيسان الماضي نقاشا تفصيليا حول "التحالف الأخضر الأحمر" ضمن توصيف التهديدات التي تواجه إسرائيل.

اختزال الحراك

يوكد حجم الاحتجاجات وتركيباتها المتنوعة ما يناقض اختزال الحراك العالمي الداعم لفلسطين بتحالف "تآمري مشبوه" بين اليسار والإسلاميين. فقد وثق اتحاد إحصاء الحشود في كلية كيندي بجامعة هارفارد على سبيل المثال ما يقارب 12400 احتجاج مؤيد للحق الفلسطيني ورافض للإبادة عبر الولايات المتحدة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ويونيو/حزيران 2024.

ووثق المعهد ذاته 3700 يوم احتجاجي فيما يزيد عن 500 مؤسسة أكاديمية أميركية، واعتبر ذلك أطول موجة احتجاجات أثارها حدث خارجي في الولايات المتحدة منذ بدء جمع البيانات في 2017.

وشملت تركيبة الاحتجاجات منظمات من فئات مختلفة، ففي جامعة كولومبيا، ضمت الاحتجاجات أكثر من 100 مجموعة طلابية منها ما هو روابط طلابية تخصصية، وروابط ذات أصول قومية أو جغرافية، وروابط طلابية دينية كرابطة "صوت يهودي من أجل السلام"، التي تضم 32 ألف عضو فاعل. وقد جمعت مخيمات الاحتجاج في 117 جامعة طلابا من السكان الأصليين، والطلاب السود واللاتينيين.

ومما يدحض اختزال الحراك بثنائية أيديولوجية انخراط رجال دين مسيحيين، فقد وقع -على سبيل المثال- أكثر من 140 أسقفا وقياديا كنسيا من طوائف متعددة تشمل الكاثوليك واللوثريين والمينونايت والكويكرز الانجيليين على وثيقة داعية الى وقف الحرب ووقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل.

وعلى صعيد الكنائس الأميركية الأفريقية، وقّع أكثر من 1000 قسّ أسود يمثّلون مئات الآلاف من أبناء الرعايا على عريضة تطالب بوقف إطلاق النار، ونشروا إعلانا كاملا في صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "قادة الإيمان المسيحي السود من أجل وقف إطلاق النار".

إعلان

كما اعتُقل 135 من أتباع كنيسة المينونايت في مبنى الكونغرس في ديسمبر/كانون الأول 2023 وهم يرتّلون التراتيل الدينية ويطالبون بوقف إطلاق النار، وقد تبع ذلك احتجاج منظم لأتباع الكنيسة في 40 منطقة في الولايات المتحدة وكندا، وقد وصفته المنظمة الإنجيلية ريد لاتر كريستيان بأكبر يوم عمل مسيحي منسّق من أجل وقف إطلاق النار منذ بدء الحرب.

ولم يقتصر التنوع على الفضاءين الديني والأكاديمي، بل امتدّ إلى عالم الأعمال. ففي يناير/كانون الثاني 2024، على سبيل المثال، طالبت شركة "بن آند جيريز" للمثلجات -وهي شركة متعددة الجنسيات- علنا بوقف فوري ودائم لإطلاق النار.

وصرّحت رئيسة مجلس إدارتها أنورادها ميتال لصحيفة فايننشال تايمز بأنه "من المذهل أن الملايين يتظاهرون حول العالم في حين أن عالم الشركات صامت". وقد رفعت الشركة دعوى قضائية ضد شركتها الأم "يونيليفر" بسبب محاولات إسكات دعمها لحقوق الفلسطينيين.

تقارب ضمن حراك سياسي أوسع ومتعدد الألوان

غير أن نفي اختزال الحراك العالمي بثنائية أيديولوجية لا يعني إنكار وجود تقارب بين اليسار والجماعات الإسلامية في سياق الحراك الداعم لفلسطين، إذ تشير الشواهد الميدانية إلى أن هذا التقارب لم ينبثق من تآمر أو تنسيق سري، بل تَشكّل كرد فعل على الأفعال الإسرائيلية المجرّمة دوليا ضمن فضاءات ديمقراطية مشتركة.

ولعل "حراك فيرغسون-غزة" في صيف 2014 تُجسّد هذه الديناميكية بوضوح حين تزامنت الاحتجاجات ضد مقتل مايكل براون على يد الشرطة الأميركية مع الحرب الإسرائيلية على غزة التي أودت حينها بحياة 2200 فلسطيني.

وقد وصف المؤرخ روبن كيلي من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس هذا التزامن بأنه "العاصفة المثالية للتعبئة"، إذ أرسل ناشطون فلسطينيون عبر تويتر نصائح للمحتجين في فيرغسون حول كيفية التعامل مع الغاز المُدمع، في حين رفع المحتجون السود الأعلام الفلسطينية في شوارع المدينة.

وقد نتج عن هذا التضامن في 2015 ذهاب وفد من الناشطين إلى فلسطين بتنظيم من مؤسسة "حراس الحلم"، وضم الوفد مؤسِّسة حركة "حياة السود مهمة" باتريس كولورز.

كيف يتآلف الإسلام واليسار؟

تتخلص منطلقات اليسار لشراكة نفعية حذرة مع الإسلاميين في مقولات كريس هارمان أحد قادة حزب العمال الاشتراكي البريطاني في كتابه الذي أطلق عليه اسم "النبي والبروليتاريا"، وقد وضح فيه منطلق الشراكة مع الإسلاميين، إذ أفاد بوضوح "الإسلاميون ليسوا حلفاءنا"، لكنه دعا اليساريين إلى عدم التعامل معهم "تلقائيا كرجعيين وفاشيين" أو "تلقائيا كتقدميين ومعادين للإمبريالية " وأن "الشعور بالثورة لدى أتباعهم يمكن توظيفه لأغراض تقدمية".

في المقابل، يستند الإسلاميون في شراكتهم مع اليسار وغيرهم من الفاعلين المخالفين للعقيدة الإسلامية إلى تأصيلات فقهية كفقه الأولويات عند محمد الوكيلي والذي يجيز تأخير الخلافات الأيدولوجية لصالح مواجهة تهديدات أكبر.

بالإضافة إلى فقه الموازنات والمصالح المرسلة الذي يبيح التعاون على أهداف مشتركة كمقاومة الظلم بما لا يستلزم التوافق العقدي الكامل.

كما يستدعى الإسلاميون مفهوم حلف الفضول الذي شارك فيه النبي صلى الله عليه وسلم نصرة للمظلومين قبل بعثته، والذي ينظر إليه كنموذج للتحالف المرحلي على أساس أخلاقي مشترك غير عقدي.

هارمان: دعا اليساريين إلى عدم التعامل مع الإسلاميين "تلقائيا كرجعيين وفاشيين" أو "تلقائيا كتقدميين ومعادين للإمبريالية " (فليكر)عودة إلى التاريخ

تعود الجذور التاريخية للتقارب بين الإسلاميين واليساريين إلى الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وقد زار المفكر الفرنسي ميشيل فوكو إيران مرتين ونشر 13 مقالة يشيد فيها بالثورة كروحانية سياسية جديدة تمثل بديلا ما عن الحداثة الغربية.

ووفرت أعمال فكرية كأعمال المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد التأسيسية الاستشراق والمسألة الفلسطينية بنية فكرية تغذي مساحة ربط مطاطية بين كلا التيارين، إذ ربط بين نقد الإمبريالية الغربية والاضطهاد الممارس ضد الفلسطينيين، والذي تضعه الحركات الإسلامية على سلم أولويات فعلها النضالي.

إعلان

ويرتكز التقارب بين الإسلاميين واليساريين على قيم مشتركة محددة مثل: مناهضة الاستعمار، والتضامن ضد الظلم وعنف الدولة غير المشروع.

وتُظهر الدراسات الأكاديمية، كدراسة كريستيان ديفيس بيلي المنشورة في مجلة "أميركان كوارترلي" عام 2015، أن الناشطين على جانبي النضال يرون روابط بين عنف الدولة والاحتلال والعرق، حيث يعاني الأميركيون السود والفلسطينيون من السيطرة العسكرية سواء من قوات الاحتلال الإسرائيلية أو من جهاز الدولة البوليسي الأميركي.

كما أن إطار "التقاطعية" الذي تبنته حركات العدالة الاجتماعية يوفر مساحة نظرية للتضامن دون الحاجة إلى تجانس أيديولوجي كامل.

وتؤكد دراسة لودفيغ سونّيمارك المنشورة عام 2025 في مجلة "علم الاجتماع النقدي" أن حركة التضامن الطلابية تُشكّل "بيئة تضامنية" تربط الطلاب النشطاء بفاعلين دوليين وبالقيادة الفلسطينية ضمن كتلة عالمية مناهضة للهيمنة، حيث تتكيف ممارسات التضامن وخطاباته باستمرار مع السياقات المحلية والوطنية والعالمية المتغيرة.

وبذلك، فإن التقاء الأخضر والأحمر في مساحات الاحتجاج لا يعكس مؤامرة مُدبّرة بقدر ما يعكس استجابة مشروطة ومحدودة لقضايا مشتركة، تتشكل عبر الفضاءات الديمقراطية من جامعات ومنصات رقمية وتجمعات احتجاجية، وتُحرّكها الأفعال الإسرائيلية أكثر مما يُحركها التنسيق المسبق.

مقالات مشابهة

  • تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي (6-11)
  • هل حرم الإسلام التعصب بكل أشكاله وصوره
  • حين يسيء الناس لدينهم قبل أن يسيء إليه خصومه
  • تعلن محكمة عمران للمدين إبراهيم صالح جميل عن أمر الأداء
  • إبراهيم عيسى: الدين عند الله هو الإسلام.. ودخول الجنة أمر إلهي
  • اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺗﺘصدى ﻟﻠﺒﺸﻌﺔ
  • «قتل الجماعة للواحد»
  • هل تحالف الإسلام السياسي وقوى اليسار لنصرة فلسطين؟
  • تعلن محكمة غرب الامانة بأن على/ إبراهيم مبخوت المصلي الحضور إلى المحكمة
  • اعتداء على مسجدين في هانوفر وسط تصاعد جرائم معاداة الإسلام في ألمانيا