حين يتحرك المال تتحرك الأوطان
تاريخ النشر: 16th, August 2025 GMT
د. ابراهيم بن سالم السيابي
في زمن تتقلب فيه الأسواق وتتغير فيه الفرص، يبقى السؤال: كيف نحول أموالنا إلى قوة تحرك اقتصاد الوطن وتبني مستقبله؟
هذا المقال نستعرض كيف يمكن لاستثمار المال أن يكون المحرك الحقيقي للنمو والازدهار في السلطنة.
في إحدى الأمسيات الهادئة، جلس الجد خلفان مع أحفاده تحت ضوء القمر، بعيدًا عن ضوضاء الهواتف وألعاب الفيديو، ليبدأ حديثًا يحمل بين طياته درسًا عميقًا.
أضاف الجد وهو يشير إلى النجوم في السماء: "كما لا يمكن للسماء أن تضيء بدون نجوم، لا يمكن للمال أن يحرك الأوطان إذا بقي ساكنًا. غنى الإنسان الحقيقي هو أن يجعل ماله ينبض بالحياة، فتتفتح به أزهار الأمل في حياة نفسه وأسرته ومجتمعه".
تشير أحدث البيانات إلى أن متوسط الودائع البنكية في السلطنة تجاوزت 32 مليار ريال عماني في عام 2025. رقم هائل، لكنه يشبه نهرًا كبيرًا جمد مياهه، لا يتحرك، لا يسقي الحقول ولا يروّج الحياة في الاقتصاد.
هذه الأموال الكثيفة، التي تنام في حسابات التوفير والودائع الثابتة، تكسب فائدة قليلة جدًا، لكنها تفقد فرصة النمو الحقيقي. لو تحركت هذه السيولة نحو الاستثمار في مشاريع إنتاجية حقيقية، لما كانت مجرد أرقام في حسابات؛ بل كانت نبضًا حقيقيًا يحرك عروق الوطن، يخلق فرص عمل، ويفتح أبوابًا جديدة للأمل والازدهار.
فكِّر فيها كنبع ماء، إذا جُمِّد ومُنع من الجريان، يصبح بلا حياة، لكن إذا جرى بين التلال، يُنبت الأرض وينشر الخضرة. هكذا هو المال: إذا جُمِّد، يموت؛ وإذا جرى في عروق الوطن، يحيا ويحيي معه الجميع.
وتمارس الحكومة دورًا يشبه المزارع الحكيم الذي يعتني بأرضه ليجني منها أفضل الثمار؛ فهي ليست فقط راعية للقوانين، بل شريكة في بناء المستقبل، تقدم الحوافز الحقيقية، وتُسهّل الإجراءات، وتقلل البيروقراطية التي قد تعرقل تدفق الاستثمارات.
وخفض أسعار الفائدة يشبه فتح نوافذ جديدة في وجه المستثمرين، يدعوهم للتنفس والاستثمار بثقة. والإنفاق التنموي على البنية التحتية ليس مجرد بناء طرق وجسور، بل هو تمهيد للطريق أمام القطاع الخاص لينطلق ويبدع.
وعندما تتنوع القطاعات بين الصناعة، والزراعة، والسياحة، والتكنولوجيا، تتسع رقعة الفرص وتزدهر الأرض بألوان مختلفة، كل لون منها يحمل وعدًا بنمو مستدام وفرص جديدة تعود بالنفع على الجميع.
وحين تتحرك هذه العجلة، تبدأ "الدورة الاقتصادية الإيجابية": استثمارات جديدة، وفرص عمل، وزيادة دخل الأسر، وإنفاق أكبر على السلع والخدمات، وتوسع المشاريع وبالتالي المزيد من الاستثمارات… وهكذا في حلقة مستمرة من الازدهار.
لكن من المهم أن تكون هذه الاستثمارات في مشاريع حقيقية تضيف قيمة للاقتصاد، لا في مشاريع هامشية أو استهلاكية قصيرة العمر؛ فالمشاريع الإنتاجية التي تلبي حاجة السوق، وتخلق وظائف، وتفتح أسواقًا جديدة، هي التي تصنع الفرق وتبني اقتصادًا متينًا.
لقد أثبتت تجارب السنوات الأخيرة أن الاستثمار الذكي في قطاعات السياحة البيئية، والصناعة التحويلية، والزراعة الحديثة، والتكنولوجيا، يمكن أن يخلق فرصًا هائلة للنمو، بشرط أن تتضافر جهود الدولة ورجال الأعمال معًا.
وفي النهاية، لا بُد أن ندرك أن بناء الاقتصاد مسؤولية مشتركة، تبدأ بدور الحكومة في سن التشريعات الملائمة، ومنح الامتيازات والحوافز الحقيقية لجذب الاستثمارات، ثم يأتي دور أبناء الوطن في المبادرة والعمل والمخاطرة المدروسة، كلٌ في مجاله، حتى تتحول هذه الجهود المختلفة إلى قوة اقتصادية متكاملة تعود بالنفع على الجميع، وتضمن استقرار الوطن وازدهاره للأجيال القادمة.
وفي عالم لا يتوقف عن الحركة والتغيير، يبقى المال مجرد وسيلة ما لم يُستثمر بحكمة وروح وطنية.، فكل ريال نستثمره هو بذرة أمل تزرعها في أرض الوطن، تثمر فرص عمل، رفاهية، واستقرارًا لأجيال قادمة.
دعونا نكون نحن القادة الحقيقيين لهذا التغيير، لا متفرجين على الركود والجمود. لنحول أموالنا إلى قوة حية، تدفع بعجلة الاقتصاد، وترسم مستقبلًا مشرقًا لعُماننا الغالية؛ فالمال المتحرك هو الحياة المتجددة، وعُمان التي نحلم بها تبدأ بخطوة استثمار صغيرة من كل واحد منا.
لنكن هذه الخطوة، ولنُحرِّك المال، لنُحرِّك الأوطان.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
اليوم الثاني يشتعل.. الريف يتحرك والقبائل تفرض إيقاعها الانتخابي
تابع الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية، مجريات اليوم الثاني والأخير من التصويت في الجولة الأولى لإعادة الانتخابات داخل الدوائر الملغاة بقرار من المحكمة الإدارية العليا، حيث فتحت لجان الاقتراع أبوابها منذ الصباح وسط أجواء انتخابية نشطة في (2371) لجنة فرعية موزعة على 30 دائرة في 10 محافظات.
ويتنافس في هذه الجولة 623 مرشحًا على 58 مقعدًا بالنظام الفردي، بعد حسم 6 مقاعد في اليوم الأول بفوز مرشحين بالأغلبية المطلقة للأصوات الصحيحة.
وأكد الفريق الميداني للائتلاف، الذي يشرف على متابعة العملية الانتخابية في المحافظات العشر، تصاعد وتيرة الحشد لصالح المرشحين، ولا سيما أولئك الذين يستندون إلى ظهير قبلي وعائلي واسع داخل دوائرهم. وسجل الفريق عدداً من الملاحظات:
أولًا: الطبيعة الجغرافية تعزز الاصطفاف الانتخابيأظهرت المتابعة أن الطبيعة الريفية والقبلية التي تميّز غالبية الدوائر المعادة أسهمت مباشرة في ارتفاع وتيرة الحشد منذ الصباح؛ إذ شهدت اللجان التفافًا واسعًا من العائلات الكبرى حول مرشحيها، ما خلق حالة تنافسية مبكرة وحادة.
وشملت ملاحظات المتابعة عددًا من اللجان، منها:
لجنة رقم (16) بالمدرسة الابتدائية بمركز البلينا – محافظة سوهاج.لجنة رقم (24) بمدرسة الشيب الابتدائية المشتركة – مركز إسنا.لجنة رقم (24) بمدرسة عمر بن الخطاب الإعدادية – مركز أبوتيج.لجنة رقم (9) بمدرسة حسني عبده للتعليم الأساسي – مركز إدفو.- ثانيًا: حشد منظم في القرى والمربعات السكنية
رصد المراقبون حالة استنفار داخل القرى والمراكز التي تشكل مناطق نفوذ للمرشحين، حيث شهدت بعض اللجان طوابير طويلة قبل بدء التصويت، استمرارًا لمشهد الكثافات، الذي أدى إلى مد ساعات التصويت في اليوم الأول.
ومن أبرز اللجان ذات الكثافات المرتفعة:
إسنا: لجنة رقم (14) – مدرسة توماس الوسطى الابتدائية.البلينا: لجنة رقم (30) – مدرسة أولاد عليو الثانوية المشتركة.حوش عيسى: لجنة رقم (32) – مدرسة الأبقعين للتعليم الأساسي.القوصية: لجنة رقم (75) – مدرسة الشيخ أحمد إسماعيل الابتدائية.وتشير المؤشرات إلى احتمال ارتفاع تلك الكثافات خلال الساعات الحاسمة المتبقية من اليوم.
ثالثًا: تراجع شبه كامل لمخالفات شراء الأصواتأظهر الرصد الميداني انحسارًا كبيرًا في مخالفات شراء الأصوات التي شهدها اليوم الأول، والذي أسفر عن ضبط 83 شخصًا.
ويرجّح أن أسباب التراجع تعود إلى:
صرامة تعامل قوات إنفاذ القانون.انتظار بعض الحملات لذروة الحشود حول اللجان لتجنب اكتشاف المخالفات مبكرًا.ولاحظ الفريق، أن معظم مخالفات اليوم الأول ظهرت في منتصف النهار، ما يجعل الساعات القادمة محل متابعة دقيقة.
رابعًا: بروز الحشد الجماعي المنظّمسجّل المتابعون ظهور تحركات حشد جماعي تعتمد على:
تقسيمات سكنية.حزم عائلية.مجموعات ميدانية منظمة يقودها مسئولون محليونوأكد الفريق، أن هذه التحركات لم تُسجَّل ضدها أي مخالفات أو اقتراب غير قانوني من محيط اللجان الفرعية.
خامسًا: توسع ظاهرة "الدعاية عبر الأطفال"رصد فريق المتابعة اتساع استخدام الأطفال وصغار السن في الترويج للمرشحين داخل طوابير الانتظار ومحيط اللجان، مستفيدين من:
حرية حركتهم.صعوبة الملاحقة المباشرة.المعايير الاجتماعية التي تمنع التدخل الأمني معهموأشار الفريق إلى أن هذه الظاهرة كانت محدودة في جولة إعادة الدوائر الـ19 الملغاة سابقًا، لكنها توسعت بشكل واضح في المشهد الانتخابي الحالي.