يحسبون أن في تبطُّلِهم الوعثاء
تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT
(1)
لا يجدر أن يقتفيني أحد إلى عيد الميلاد على الضِّفة الهالكة.
(2)
آب المطر، وتقرَّحت القبور والأناشيد، وتفتَّحت العرشان والأزهار والنِّسيان. وفي البال دمعة قديمة، وأخيرة.
(3)
أسى قبل العقابيل، ورحيل قبل الجنائز.
(4)
لو كان «الرِّفاق» قد انتصروا لكنتُ الآن في عداد المفقودين.
(5)
لا أحد عند المصب. والسَّحابات البيض والسُّود والزُّرق لم تذهب إلى الفَلَج، ولا إلى الحتف.
(6)
لمحت روحًا تتهادى في الممر المؤدِّي إلى ممرَّين. ناديتها، فتلاشيتُ في الضياء.
(7)
يلوكون الفَزَّاعات في المواعيد.
(8)
الحب، دومًا، بلاد غريبة ستغادرها يومًا مثلما تركتها في تلك القرية، وفي هذه الليلة.
(9)
لستُ طويلًا، ولا قصيرًا، ولا وسيمًا، ولا دميمًا، ولا غنيًّا، ولا فقيرًا، ولا متسلِّقًا، ولا مُداهنًا، ولا صاخبًا، ولا هادئًا. لكني أحبو إليكِ.
(10)
يا أبا نواس: لا تمدح الخمرة ولا تَذُمّها. احتَسِها، وكُنْها (ولا تكتب الشِّعر بالضَّرورة).
(11)
الصَّدى في الصَّحراء مع «المُعَلَّقات» كما في حالة طَرَفة بن الوردة (حسب التَّسمية الجديدة التي أفتى بها وأسبغها قاسم حدّاَد، ووفقًا لامرئ القيس، حيث «ذكرى حبيب ومنزل»)، والتَّقتقة الإيقاعيَّة الهادئة في الممر نصف المضاء إلى غرفة الضُّيوف، والصَّليل في الطَّريق الذي يصعد ويهبط إلى حجرة النَّوم: خلخالكِ الذي ضاع في رنين السَّرمد.
(12)
الاشتهاء تَنكُّرٌ إداريٌّ. وهذا من أسباب ما حدث الليلة، وهذا من حال النُّجوم والغياهب، وهو من محفِّزات ما سيحدث في الليلة الفائتة.
(13)
كل مَلَاك تُعَمِّدهُ خطيئة.
(14)
سبقتنا الأنباء الحزينة إلى الأرض.
(15)
لا أحد يتذَّكر، ولا أحد ينتظر، والجميع يذهبون إلى العرس.
(16)
لا يضير الشجاعة أن تكون من ضروب الجنون، بل يضير الجنون أن ينأى عن الشجاعة.
(17)
كل كارثة كاملة («الفنَّان موجود لأن العالم ليس كاملًا»، أندريه تاركوفسكي).
(18)
يقرأ للجميع (تقريبًا)، ولا يسمع كلام أحد (على الإطلاق).
(19)
وجدوا الضَّرير، أخيرًا، في بيت القابلة.
(20)
هنا، كثير من السيَّارات والجسور والشوارع والمباني والناس، وقليل من المدينة.
(21)
حتى الكتابة الطَّازجة عرضة للتَّلف.
(22)
الموت تَشْتِيت كبير، والحياة تركيز ضئيل. أما الكشف عن التَّناقضات والمفارقات فلا يُساعدني.
(23)
الموت وفير في البلاد، وأماكن الانتحار قليلة لدى العِباد.
(24)
تذكَّرتك. نسيتكِ. وما من شجن يقود إلى غرفتك الصَّغيرة خلف شجرة «الشّريش» الكبيرة. وليس لديَّ مفتاحٌ احتياطيٌّ لإدارة محرِّك سيَّارتك الرَّابضة أمامي في الليل.
نسيتكِ وتذكَّرتُكِ، يا شجرة «الشِّريش» الكبيرة.
(25)
الكلمات في الخارج، وأنا في الدَّاخل.
(26)
اقترفَ الكثير من الآثام، لكن خطيئته الأكبر أنه يموت بقصد النِّسيان.
(27)
ليسوا في هذه النَّجدة، ولا في الوشاية القادمة. سوف يتدبرون لأمرنا، في أمرهم، أمرًا آخر.
(28)
وا أسفاه، كانت لديَّ احتياطات قويَّة وكثيرة ضد كل ما حدث.
(29)
في الذُّبول ينبغي احترام طبيعة الذُّبول (وليس طبيعة بعض البَشَر).
(30)
فاته القطار، ويراهنُ مسار الشَّمس.
(31)
الليل ناقصٌ في كل ليلة.
(32)
الكَمَدُ ليس النَّتيجة، بل السَّبب (كما في قولنا إن الحب مما سيحدث بعد ذلك).
(33)
لا أقيم القُدَّاس إلا على المُنْحَدَر.
(34)
على يسار الخافق، على وهدة الضِّحكات، في هدأة كل شيء، عند لحظة الوادي، أيها الأذى.
(35)
كما الحصباء والنَّار، يحرق الوقتُ الوقتَ، ولا شيء هنا غير الرُّضاب.
(36)
ينجب الأبُ الأبناءَ، والجُدَريَّ، والأسماء، والعبيد، والهول، والطُّغاة الصِّغار، والأرض المحروقة.
(37)
ليس بسبب التَّعتعة الشَّديدة.
ليس بسبب الحكماء الذين يخرجون من الخندق في اللحظة المناسبة تمامًا ليعلنوا الانتصار وهم يعلمون أنه لم تعد لديك سوى طلقة واحدة فقط، وتعرف غرضها الوحيد بالتَّمام والكمال.
ليس بسبب قصر النَّظر أو طوله.
ليس من زاوية العين الآدميَّة الطبيعيَّة أو ما يسمُّونه في التِّقنيَّات السِّينمائيَّة «لقطة عين الطَّائر».
هو شيء تسبِّبه ذكرى تتهادى الآن على الشاطئ وحيدة في آخر ليلة مقمرة.
(38)
كل الطُّرُق بداية مؤجلة للغفلة، وللغلطة.
(39)
لا يكفُّ موته الطويل عن التَّجويد المتكرِّر في كل يوم.
(40)
الضَّجر (وليس الشُّعور العارم باللاجدوى) يمكن أن يكون أكبر عدو للكتابة، فماذا بوسعي أن أفعل غير أن أحاول مع الضَّجر، واللاجدوى، والكتابة؟
(41)
حتى قبل وصول الكهرباء، والتكنولوجيا، والإنترنت، كان الناس يعيشون حياتهم في «عالمٍ افتراضيٍّ» أيضًا (وإلا كيف ظهرت الميثولوجيَّات، والأديان، والحروب، والفنون، والآداب)؟
(42)
الليل مكان الحب، والنهار زمان النَّدم.
(43)
الجسر ليس طريقًا، فمرحى للذين لا يقدِرون.
(44)
أنا الخَطْف، آخر الدُّروب.
(45)
كلُّ الليل أرامل، وبلدوزرات، ومماطلات، وانسحابات، واعتذارات، وشِعر.
(46)
هذا الصَّريع المغدور شهيدٌ لم يتحقَّق.
(47)
الموت باهت في هذا القلب، والموت أسوأ الأعضاء عند الاستيقاظ.
(48)
لا يصطحب القَتَلَة إلى القيامة، ولا يفتح المعابر، ولا يذهب إلى الجحيم.
(49)
خطوة فخطوة، يومًا فيومًا، تسقط العينان، واليدان، واللسان، والأذنان. ويبقى الجرح من غير رعاية.
50))
متى سيغضُّ الخريف النَّظر عن نفسه، وعن بقيَّة الفصول، وعن تكوين الجزء الخاص به في «كونشيرتات» الكَمان في «الفصول الأربعة» لفيفالدي، وعنِّي؟
(51)
قد تكون الثقِّة غير المُفتَعَلة بالنَّفس من أعراض التَّمويه.
(52)
في الفراق، ينبغي الاكتفاء والانكفاء إلى الموعد الأول.
(53)
كلبٌ وحيد يركض على ما تبقى من أمواج السَّابعة إلا ربع مساء في آخر وصولها إلى الشَّاطئ في يومٍ مسقطيٍّ صيفي روتيني من شهر أغسطس.
ومن حيث أسبحُ، على مبعدة منه بحوالي ألف موجة وثلاث ذكريات، أرى الضِّياء والزَّبد وهما يتدفقان من عينيه.
(54)
اليُتْمُ شيء سابق ولاحق (الأب والأم مجرد تدريبٍ مبدئي ومتعجِّل، فحسب).
(55)
يحسبون أن في تَبَطُّلِهم الوعثاء.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عُماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
يحسبون أن في تبطُّلِهم الوعثاء
(1)
لا يجدر أن يقتفيني أحد إلى عيد الميلاد على الضِّفة الهالكة.
(2)
آب المطر، وتقرَّحت القبور والأناشيد، وتفتَّحت العرشان والأزهار والنِّسيان. وفي البال دمعة قديمة، وأخيرة.
(3)
أسى قبل العقابيل، ورحيل قبل الجنائز.
(4)
لو كان «الرِّفاق» قد انتصروا لكنتُ الآن في عداد المفقودين.
(5)
لا أحد عند المصب. والسَّحابات البيض والسُّود والزُّرق لم تذهب إلى الفَلَج، ولا إلى الحتف.
(6)
لمحت روحًا تتهادى في الممر المؤدِّي إلى ممرَّين. ناديتها، فتلاشيتُ في الضياء.
(7)
يلوكون الفَزَّاعات في المواعيد.
(8)
الحب، دومًا، بلاد غريبة ستغادرها يومًا مثلما تركتها في تلك القرية، وفي هذه الليلة.
(9)
لستُ طويلًا، ولا قصيرًا، ولا وسيمًا، ولا دميمًا، ولا غنيًّا، ولا فقيرًا، ولا متسلِّقًا، ولا مُداهنًا، ولا صاخبًا، ولا هادئًا. لكني أحبو إليكِ.
(10)
يا أبا نواس: لا تمدح الخمرة ولا تَذُمّها. احتَسِها، وكُنْها (ولا تكتب الشِّعر بالضَّرورة).
(11)
الصَّدى في الصَّحراء مع «المُعَلَّقات» كما في حالة طَرَفة بن الوردة (حسب التَّسمية الجديدة التي أفتى بها وأسبغها قاسم حدّاَد، ووفقًا لامرئ القيس، حيث «ذكرى حبيب ومنزل»)، والتَّقتقة الإيقاعيَّة الهادئة في الممر نصف المضاء إلى غرفة الضُّيوف، والصَّليل في الطَّريق الذي يصعد ويهبط إلى حجرة النَّوم: خلخالكِ الذي ضاع في رنين السَّرمد.
(12)
الاشتهاء تَنكُّرٌ إداريٌّ. وهذا من أسباب ما حدث الليلة، وهذا من حال النُّجوم والغياهب، وهو من محفِّزات ما سيحدث في الليلة الفائتة.
(13)
كل مَلَاك تُعَمِّدهُ خطيئة.
(14)
سبقتنا الأنباء الحزينة إلى الأرض.
(15)
لا أحد يتذَّكر، ولا أحد ينتظر، والجميع يذهبون إلى العرس.
(16)
لا يضير الشجاعة أن تكون من ضروب الجنون، بل يضير الجنون أن ينأى عن الشجاعة.
(17)
كل كارثة كاملة («الفنَّان موجود لأن العالم ليس كاملًا»، أندريه تاركوفسكي).
(18)
يقرأ للجميع (تقريبًا)، ولا يسمع كلام أحد (على الإطلاق).
(19)
وجدوا الضَّرير، أخيرًا، في بيت القابلة.
(20)
هنا، كثير من السيَّارات والجسور والشوارع والمباني والناس، وقليل من المدينة.
(21)
حتى الكتابة الطَّازجة عرضة للتَّلف.
(22)
الموت تَشْتِيت كبير، والحياة تركيز ضئيل. أما الكشف عن التَّناقضات والمفارقات فلا يُساعدني.
(23)
الموت وفير في البلاد، وأماكن الانتحار قليلة لدى العِباد.
(24)
تذكَّرتك. نسيتكِ. وما من شجن يقود إلى غرفتك الصَّغيرة خلف شجرة «الشّريش» الكبيرة. وليس لديَّ مفتاحٌ احتياطيٌّ لإدارة محرِّك سيَّارتك الرَّابضة أمامي في الليل.
نسيتكِ وتذكَّرتُكِ، يا شجرة «الشِّريش» الكبيرة.
(25)
الكلمات في الخارج، وأنا في الدَّاخل.
(26)
اقترفَ الكثير من الآثام، لكن خطيئته الأكبر أنه يموت بقصد النِّسيان.
(27)
ليسوا في هذه النَّجدة، ولا في الوشاية القادمة. سوف يتدبرون لأمرنا، في أمرهم، أمرًا آخر.
(28)
وا أسفاه، كانت لديَّ احتياطات قويَّة وكثيرة ضد كل ما حدث.
(29)
في الذُّبول ينبغي احترام طبيعة الذُّبول (وليس طبيعة بعض البَشَر).
(30)
فاته القطار، ويراهنُ مسار الشَّمس.
(31)
الليل ناقصٌ في كل ليلة.
(32)
الكَمَدُ ليس النَّتيجة، بل السَّبب (كما في قولنا إن الحب مما سيحدث بعد ذلك).
(33)
لا أقيم القُدَّاس إلا على المُنْحَدَر.
(34)
على يسار الخافق، على وهدة الضِّحكات، في هدأة كل شيء، عند لحظة الوادي، أيها الأذى.
(35)
كما الحصباء والنَّار، يحرق الوقتُ الوقتَ، ولا شيء هنا غير الرُّضاب.
(36)
ينجب الأبُ الأبناءَ، والجُدَريَّ، والأسماء، والعبيد، والهول، والطُّغاة الصِّغار، والأرض المحروقة.
(37)
ليس بسبب التَّعتعة الشَّديدة.
ليس بسبب الحكماء الذين يخرجون من الخندق في اللحظة المناسبة تمامًا ليعلنوا الانتصار وهم يعلمون أنه لم تعد لديك سوى طلقة واحدة فقط، وتعرف غرضها الوحيد بالتَّمام والكمال.
ليس بسبب قصر النَّظر أو طوله.
ليس من زاوية العين الآدميَّة الطبيعيَّة أو ما يسمُّونه في التِّقنيَّات السِّينمائيَّة «لقطة عين الطَّائر».
هو شيء تسبِّبه ذكرى تتهادى الآن على الشاطئ وحيدة في آخر ليلة مقمرة.
(38)
كل الطُّرُق بداية مؤجلة للغفلة، وللغلطة.
(39)
لا يكفُّ موته الطويل عن التَّجويد المتكرِّر في كل يوم.
(40)
الضَّجر (وليس الشُّعور العارم باللاجدوى) يمكن أن يكون أكبر عدو للكتابة، فماذا بوسعي أن أفعل غير أن أحاول مع الضَّجر، واللاجدوى، والكتابة؟
(41)
حتى قبل وصول الكهرباء، والتكنولوجيا، والإنترنت، كان الناس يعيشون حياتهم في «عالمٍ افتراضيٍّ» أيضًا (وإلا كيف ظهرت الميثولوجيَّات، والأديان، والحروب، والفنون، والآداب)؟
(42)
الليل مكان الحب، والنهار زمان النَّدم.
(43)
الجسر ليس طريقًا، فمرحى للذين لا يقدِرون.
(44)
أنا الخَطْف، آخر الدُّروب.
(45)
كلُّ الليل أرامل، وبلدوزرات، ومماطلات، وانسحابات، واعتذارات، وشِعر.
(46)
هذا الصَّريع المغدور شهيدٌ لم يتحقَّق.
(47)
الموت باهت في هذا القلب، والموت أسوأ الأعضاء عند الاستيقاظ.
(48)
لا يصطحب القَتَلَة إلى القيامة، ولا يفتح المعابر، ولا يذهب إلى الجحيم.
(49)
خطوة فخطوة، يومًا فيومًا، تسقط العينان، واليدان، واللسان، والأذنان. ويبقى الجرح من غير رعاية.
50))
متى سيغضُّ الخريف النَّظر عن نفسه، وعن بقيَّة الفصول، وعن تكوين الجزء الخاص به في «كونشيرتات» الكَمان في «الفصول الأربعة» لفيفالدي، وعنِّي؟
(51)
قد تكون الثقِّة غير المُفتَعَلة بالنَّفس من أعراض التَّمويه.
(52)
في الفراق، ينبغي الاكتفاء والانكفاء إلى الموعد الأول.
(53)
كلبٌ وحيد يركض على ما تبقى من أمواج السَّابعة إلا ربع مساء في آخر وصولها إلى الشَّاطئ في يومٍ مسقطيٍّ صيفي روتيني من شهر أغسطس.
ومن حيث أسبحُ، على مبعدة منه بحوالي ألف موجة وثلاث ذكريات، أرى الضِّياء والزَّبد وهما يتدفقان من عينيه.
(54)
اليُتْمُ شيء سابق ولاحق (الأب والأم مجرد تدريبٍ مبدئي ومتعجِّل، فحسب).
(55)
يحسبون أن في تَبَطُّلِهم الوعثاء.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عُماني