علي جمعة: فطر الله النفس البشرية على حب كل جميل والنفور من كل قبيح
تاريخ النشر: 3rd, September 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الله عز وجل فطر النفس البشرية على حب كل جميل، والنفور من كل قبيح. فللجمال شرف فاق كل شرف؛ ألا ترى من شرف الجمال أن يدعيه من هو ليس بأهله، كما أنه من حقارة القبح أن ينكره من هو أهله.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه كما جعل الله ذلك الشرف والميل للجمال أمرًا طبيعيًا في الفطرة السليمة، كذلك جعله أمرًا محثوثًا عليه في الشرع والدين، ففي الجمال اجتماع للأمر الكوني والأمر الشرعي في انسجام باهر.
وفي الحديث عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إن الله جميل يحب الجمال» [رواه مسلم]، وهو دعوة صريحة من سيدنا رسول الله ﷺ لأمته للاهتمام بالجمال المظهري، وقد علل هذه الدعوة بأن الله جميل، فالله عز وجل متصف بكل صفات الجمال ونعوت الكمال والجلال سبحانه وتعالى.
ويؤكد هذا المعنى ما رواه معاذ بن جبل أنه قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني أحب الجمال، وإني أحب أن أحمد، -كأنه يخاف على نفسه-، فقال رسول الله ﷺ: «وما يمنعك أن تحب أن تعيش حميدًا وتموت سعيدًا؟ وإنما بعثت على تمام محاسن الأخلاق» (ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد).
فجعل رسول الله ﷺ حب الجمال وحب الذكر الحسن من سعادة الدنيا، بل جعله من مكارم الأخلاق التي بعث ﷺ ليتممها.
ولقد شاءت قدرة الله أن يجعل من الجمال في شتى صوره مناط رضا وسعادة لدى الإنسان. كما أن استساغة الجمال حق مشاع، وربما تختلف مقاييسه من فرد لفرد، ومن عصر لعصر، لكنه اختلاف محدود قد يمس جانبًا من الجوانب أو عنصرًا من العناصر التي تشكل القيمة الجمالية.
والجمال في فطرة الإنسان يميل إليه بطبعه، وهذا لا يحتاج إلى تدليل، إذ هو محسوس مشاهد في كل زمان ومكان. وأما ما ورد في نصوص الشرع الحنيف من دعوة للتأمل في الجمال، فهي كثيرة؛ نذكر منها قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ)، ومثله ما ورد في ذكر جمال منظر السماء والحث على النظر إليه بقوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المولد النبوي فطرة الإنسان رسول الله ﷺ
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الكلمةُ مسئوليةٌ في دين الله تجعل المسلم حريصا على ألا يصدُر عنه إلا الخير
تحدث الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك عن مسئولية الكلمة وقال:يقول ربنا سبحانه وتعالى: { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }.
وعن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قال: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ: لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ. ثُمَّ تَلَا: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حَتَّى بَلَغَ: {يَعْمَلُونَ}. ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ. قَالَ: فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ – أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ – إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟» [سنن الترمذي].
مسئولية الكلمة
وأشار إلى أن من أجل مسئوليّة الكلمة حرَّم الشرعُ الشريفُ الكذبَ، وحرَّم اليمينَ الغَمُوسَ الذي يَغْمِسُ صاحبَه في النار، وحرَّم شهادةَ الزور، وحرَّم الغيبةَ والنميمة.
وربنا سبحانه وتعالى يقول: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، ويقول تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء: 53].
ولقت إلى أن مسئولية الكلمة نراها مع الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، عندما أراد أن يُحَدِّد للناس المهور، فإذا بامرأةٍ تقوم فتستدلُّ عليه بكتاب الله، فينتهي ويقول: «كُلُّ أَحَدٍ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ!» – مرتين أو ثلاثًا – ثم رجع إلى المنبر فقال للناس:
«إنِّي كنتُ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تُغَالُوا في صَدَاقِ النِّسَاءِ، أَلَا فَلْيَفْعَلْ رَجُلٌ في مَالِهِ مَا بَدَا لَهُ».
وكان عمر رضي الله تعالى عنه وَقَّافًا عند كتاب الله وعند سنة رسول الله ﷺ، ويقول: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ مَنْ رَفَعَ إِلَيَّ عُيُوبِي».
ومسئولية الكلمة تجعل الإنسان دائمًا حريصًا على ألّا تخرج من فمه كلمةٌ تُغضِب الله، أو تُخالِف ما كان عليه رسول الله ﷺ.
ومسئولية الكلمة أمرٌ مهمٌّ في حياة الناس، وأمرٌ مهمٌّ تنعقد به عقودُ البيع، وعقودُ الزواج، وعقودُ الطلاق، وتنعقد به الهِبَةُ والوصيّة.
ومسئولية الكلمة هي التي تجعل المسلم محترمًا أمام نفسه، محترمًا أمام الناس، وجيهًا عند ربِّه؛ إذا ما مدَّ يديه إلى السماء يقول: «يا ربّ، يا ربّ» استجاب الله له.
فالكلمةُ مسئوليةٌ في دين الله. يقول سبحانه وتعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 22–27].
ويقول سبحانه: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
ويقول ربنا سبحانه وتعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإسراء: 34].
فقد علَّمنا سبحانه وتعالى معنى كلمة المسئولية كما علَّمنا مسئولية الكلمة؛ فالمسلم حريصٌ على ألّا يصدُر عنه إلا الخير، وحريصٌ على أن يشغل أوقاته كلَّها بما ينفع الناس، وبما ينفع نفسه عند ربِّه.
وخلاصةُ الأمرِ أنَّ مسئوليَّةَ الكلمةِ هي التزامُ المؤمنِ ومُحاسبتُهُ لنفسِه على ما يخرجُ من فمِه من قولٍ، مراقبةً لله تعالى وخشيةً من حسابِه؛ وأمَّا كلمةُ المسئوليَّةِ فهي هذا المعنى الكبيرُ نفسُه، الذي يملأُ قلبَه شعورًا بالتَّبِعةِ أمام اللهِ وأمامَ الخلق. فإذا استقرَّت كلمةُ المسئوليَّة في القلب، أثمرت مسئوليَّةَ الكلمة على اللسانِ والجوارح، وصار العبدُ ميزانًا للحقِّ في قولِه، ووفائِه، وعهوده، وتصرفاتِه.