الاحتفال بالمولد.. بين محبة النبى وشُبهات المنكرين
تاريخ النشر: 4th, September 2025 GMT
مع نسائم شهر ربيع الأول، تتجدّد فى القلوب أنوار المحبة، وتعلو فى الأرجاء نغمة الفرح بذكرى مولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفى هذا العام، نحتفى بذكرى سيد الخلق يوم الخميس 4 سبتمبر 2025، الموافق 12 ربيع الأول 1447هـ، وهى محطة يلتقى فيها صوت العلماء ومؤسسات مصر الدينية أمام فتاوى التشدد والتكفير لتؤكد أن الاحتفال ليس بدعة، وهو فرصة كل مسلم لتجديد العهد بالمحبة والاقتداء.
فى البداية أوضح الدكتور نظير عياد، مفتى الجمهورية، أن ما اعتاد عليه المسلمون فى ربيع الأول من قراءة القرآن الكريم، وإنشاد المدائح، وإطعام الطعام، والاجتماع على الذكر والدعاء، كلها أعمال مندوبة شرعًا (مستحبة) يحصل بها الأجر والثواب.
وأكد المفتى أن الاحتفال فى جملته يعد «شكرًا لله على نعمة بعثة النبى صلى الله عليه وسلم»، مبينًا أنه مظهر من مظاهر الفرح برسول الله وتعظيمه، وأنه من «الأمور المقطوع بمشروعيتها واستحبابها»، نافيًا أن تكون هذه الممارسات بدعة كما يروّج البعض.
كما شدد الداعية الإسلامى رمضان عبد المعز على أن الاحتفال الحقيقى بالمولد يتمثل فى تعظيم النبى صلى الله عليه وسلم عبر الإكثار من الصلاة عليه ومدحه والتغنى بحبه.
وأضاف أن ذكر النبى «يعطر القلوب والمجالس ويجلب البركة»، مؤكدًا أن الاقتداء به لا يكون بالكلام فقط بل بالسلوك والالتزام بأخلاقه.
وأشار «عبد المعز» إلى أن الله سبحانه وتعالى كرّم نبيه الكريم تكريمًا فريدًا، إذ أقسم بحياته وبلده وزمانه فى القرآن الكريم، وهو ما يعكس مكانته العظيمة عند ربه.
وتابع: «دراسة السيرة النبوية ضرورة فى عصرنا هذا ضرورة لاستلهام قيم المحبة والإخلاص».
ثم استشهد بحديث النبى للأعرابى حين سأله عن الساعة فقال: «أنت مع من أحببت»، معتبرًا أن هذه بشارة بأن محبة الرسول طريق النجاة.
مواجهة الشبهات
من جانبه، أكد الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن ذكرى المولد النبوى هى مناسبة لإظهار الفرح برسول الله صلى الله عليه وسلم، مشددًا على أن الاحتفال مشروع بإجماع جمهور العلماء.
وأوضح عمران أن دار الإفتاء أطلقت حملة توعوية بعنوان «قالوا وقلنا»، بالتزامن مع المولد، للرد على الشبهات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعى.
وقال: «هذه الأفكار المغلوطة لا تعدو كونها شبهات مكررة، وقد رد عليها العلماء من قبل».
وأشار إلى أن الاحتفال لا يقتصر على المظاهر، بل هو فرصة لتذكر شمائل النبى وأخلاقه، وقراءة سيرته، والإكثار من فعل الخيرات مثل إطعام الطعام.
واستشهد بحديث النبى صلى الله عليه وسلم حين سُئل عن صيامه يوم الاثنين فقال: «ذلك يوم وُلدت فيه»، لافتًا إلى أن الرسول نفسه أظهر جانبًا من الاحتفاء بيوم مولده.
وختم عمران بأن المؤسسات الدينية تعمل اليوم على مخاطبة الشباب بلغة عصرية عبر وسائل التواصل الاجتماعى، لتصحيح المفاهيم وإبراز جماليات الاحتفال كجزء من حب المسلمين لنبيهم.
وبينما تتفق المؤسسات الدينية على مشروعية الاحتفاء، يبقى الشارع المصرى متنوع الأصوات، ما بين من يرى فيه فرحة وبركة، ومن يحوله إلى عمل خيرى، ومن يتوقف عند فتاوى أخرى تعتبره بدعة.
أصل التحولات الكبرى
من زاوية أخرى، أوضح الدكتور أسامة فخرى الجندى، وكيل وزارة الأوقاف لشئون القرآن، أن الاحتفال بالمولد النبوى يهدف إلى استحضار فضل الله العظيم على البشرية بقدوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
استكمل فخرى أن ميلاد النبى لم يكن حدثًا عاديًا، بل هو الأصل الذى انطلقت منه كل التحولات الكبرى فى مسيرة الإسلام؛ من البعثة إلى الهجرة والمعراج والفتوحات.
وأضاف أن «يوم الميلاد زين الزمان لأنه حمل أعظم نعمة إلهية للبشرية».
وشدد «الجندى» على أن المولد ليس «عيدًا» بالمعنى الاصطلاحى، بل هو ذكرى تأسيسية تذكّر المسلمين بالمصدر الذى انطلقت منه القيم الإسلامية، وأن هذه المناسبة تعيد للذاكرة أن حياة النبى كانت وما زالت منارة تهدى الأجيال.
بين الفرح والاقتداء
عند النظر إلى تلك الأراء العلمية من علماء الأزهر ودار الإفتاء والأوقاف، تتضح رسالة واحدة: الاحتفال بالمولد النبوى مستحب ومشروع، ليس لأنه عادة اجتماعية بل لأنه تجسيد لمحبة النبى وتجديد للعهد مع سيرته.
فالفرح بالمولد لا يعنى الاكتفاء بالمظاهر أو شراء الحلوى، بل يتمثل فى إحياء السيرة النبوية، والاقتداء بأخلاق الرسول، وفعل الخيرات، وتعزيز الوعى الدينى لدى الأجيال الجديدة، وهو ما يجعل من المناسبة فرصة سنوية للتربية والتزكية أكثر من كونها جدلًا فقهيًا.
هذا الخطاب الموحد للمؤسسات الدينية يرد بوضوح على شبهة البدعة: إذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد صام يوم مولده شكرًا لله، فهذا دليل على أن إحياء الذكرى أمر جائز، بل مندوب، ما دام فى إطار الطاعات. ومن ثم فإن ما يردده البعض من أن الاحتفال لا أصل له، يتناقض مع النصوص الشرعية والتطبيق العملى للنبى.
إلى جانب البعد الشرعى، يظل المولد النبوى جزءًا أصيلًا من الوجدان الشعبى المصرى، بمظاهره البسيطة مثل الحلوى ومجالس الذكر، ويرى العلماء أن هذه العادات لا حرج فيها إذا خلت من الإسراف، وأنها تُضاف إلى روح المناسبة من باب التعبير عن الفرح.
فى الختام يبقى المولد النبوى مناسبة جامعة تعيد للأمة بوصلة المحبة، فكما أجمع العلماء: الاحتفال هو محبة، والمحبة أصل الإيمان، ومن خلال السيرة النبوية، يتعلم المسلمون أن يكونوا نسائم رحمة فى حياتهم اليومية، امتثالًا لقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
إقرأ أيضاً:
الحكمة من مشروعية الرفق ودعاؤه بالأحاديث النبوية
الرفق.. أوضحت دار الإفتاء المصرية أن الرفق خلق جميل حثَّ عليه الإسلام ورغَّبَ فيه أتباعه ودعاهم للتمسك به، وهو خلق ينشر بين الناس المحبة، ويوثق بينهم الأواصر والروابط، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» رواه البخاري.
حكم الرفق:ومن حكمة الله البالغة أن جعل الرفق قرينًا للتشريعات والعبادات، وهو ما جعل الفقهاء يقررون قاعدة "المشقة تجلب التيسير"، ونضرب مثلًا على ذلك بقوله تعالى في أحكام القصاص في القتل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 178]، فعلى االرغم من بشاعة الجريمة وعِظَمِ وقعها على نفس أهل القتيل، فإنَّ الله تعالى بعد أن قرَّرَ عقوبة القصاص، سمح بالعفو عنه، ووجَّه إلى اتِّباعه.
الرفق:
وعند وقوع المشقَّة في أداء عبادة من العبادات نجد التشريع الإسلامي جاهزًا بالبديل الذي يخفِّفُ من أداء العبادة أو يعفو عن أدائها؛ يقول تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196]، وقال عن صيام شهر رمضان: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].
وقد كان في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوجيهاته للمسلمين مدد فيَّاض بمظاهر الرِّفق واللِّين في المعاملة حتى مع غير المسلمين، فهو الذي قال الله سبحانه وتعالى في حقِّهِ: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159].
الرفق في الأحاديث النبوية:
وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله سَلَّمَ: «فَقَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ» رواه البخاري.
وقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ» رواه مسلم.
وكان من توجيهه صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» رواه مسلم، يقول الإمام النووي: [وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» عامٌّ في كل قتيل من الذبائح، والقتل قصاصًا، وفي حدٍّ ونحو ذلك. وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام] اهـ.
وكان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ» رواه مسلم.
الرفق
إدراك هذه المعاني المتعلقة بالرفق يجعل منه سمتًا عامًّا في شخصيَّةِ المسلم، ومختلف أحواله وما يتعرض له من مواقف، فالرِّفق مطلوب في كل أمورنا، سواء مع النفس، حتى يقدر المرء على سياستها وترويضها من أجل تأهيلها لطاعة الله وتحمل الصعاب والمشاقِّ والرضا بقضائه وقدره سبحانه وتعالى؛ قال تعالى: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]، أم مع الآخرين؛ قال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، وقال جل شأنه: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْـحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]، وذلك كالرفق في التعامل مع الفقراء
الرفق بالمحتاجين والضعفاء
كما أرشدنا الله تعالى بقوله عن صفات الأبرار: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8]، والرفق في التعامل مع الناس كافة كما ورد في الأدلة السابقة، بل إن الله سبحانه وتعالى حين أرسل سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السلام إلى فرعون قال لهما: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44].