‏بقلم: ريماس الصينية – صحفية في CGTN العربية

‏بمناسبة الذكرى الثمانين لانتصار الحرب العالمية ضد الفاشية وتأسيس الأمم المتحدة، نجد أنفسنا أمام لحظة تاريخية للتفكير. قبل ثمانين عاماً، أدت الكوارث المترتبة على حربين عالميتين إلى إيقاظ الضمير الدولي، مما مهد الطريق لإنشاء الأمم المتحدة وفتح صفحة جديدة في الحوكمة العالمية.

اليوم، لا يزال سيل العصر قائماً نحو السلام والتنمية والتعاون والربح للجميع، لكننا نواجه استمراراً لعقلية الحرب الباردة ونزعات الهيمنة والحمائية، فضلاً عن تزايد التهديدات والتحديات الجديدة، مما يدخل العالم في فترة جديدة من التحول والاضطراب.

‏في هذا السياق، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعوته الملحة بإصلاح هيكل الحوكمة العالمية، وهي دعوة تعبر عن الإجماع والتطلعات المشتركة للدول. انطلاقاً من التفكير في المصير المشترك للبشرية ومواكبة اتجاهات العصر، قدم رئيس الصين شي جين بينغ مبادرة الحوكمة العالمية، والتي ترتكز على خمس ركائز أساسية: الالتزام بالمساواة في السيادة، واحترام سيادة القانون الدولي، والممارسة الفعلية للتعددية، والدعوة إلى مركزية الإنسان، والتركيز على التوجّه العملي. وتشكل هذه المبادئ الخمسة إطارًا شاملًا لمعالجة المشكلات من جذورها ونتائجها معًا، لتكون النواة الفكرية لمبادرة الحوكمة العالمية.

‏الالتزام بالمساواة في السيادة

‏أكد الرئيس شي جين بينغ أن جميع الدول، بصرف النظر عن حجمها أو قوتها أو مستواها الاقتصادي، ينبغي أن تشارك على قدم المساواة في الحوكمة العالمية، وتتقاسم ثمارها. إن دفع عملية الديمقراطية في العلاقات الدولية وتعزيز تمثيل الدول النامية وصوتها يعد خطوة أساسية نحو تحقيق الحوكمة العادلة.

‏قبل خمس سنوات، وفي قمة إحياء الذكرى الـ75 لتأسيس الأمم المتحدة، شدد الرئيس شي على أن “احترام الدول بعضها البعض والمساواة بينها، كبيرة كانت أم صغيرة، هو مطلب من متطلبات التقدم في العصر، وأحد المبادئ الجوهرية لميثاق الأمم المتحدة”. ومؤخرًا، وخلال لقائه بالأمين العام للأمم المتحدة في قمة منظمة شانغهاي للتعاون بمدينة تيانجين، دعا مجددًا المجتمع الدولي إلى استذكار أهداف الأمم المتحدة الأولى والتأكيد على الالتزام بمبادئ الميثاق وروحه.
‏وكعضو دائم في مجلس الأمن، دعمت الصين دائمًا مبدأ الديمقراطية في العلاقات الدولية، وأكدت على المساواة بين جميع

الدول، ودعت إلى توسيع مشاركة الدول النامية في الشؤون العالمية، وهو موقف حظي باعتراف واسع دوليًا.
‏احترام سيادة القانون الدولي

‏يحتاج المجتمع الدولي إلى نظام دولي قائم على الأمم المتحدة، وقواعد أساسية للعلاقات الدولية قائمة على ميثاقها. يجب أن تُدار العلاقات والمصالح بين الدول عبر مؤسسات وقوانين، لا عبر منطق القوة، ولا ينبغي أن يُسمح لبعض الدول بفرض أجندتها بينما تظل الدول الأخرى في موقع التابع.

‏وفي هذا الصدد، شدد الرئيس شي على ضرورة الالتزام الكامل والشامل بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وغيرها من القواعد الدولية المعترف بها، وضمان التطبيق المتساوي والموحّد للقانون الدولي، ورفض المعايير المزدوجة أو فرض “قواعد” تضعها قلة من الدول على المجتمع الدولي بأسره. وقد جسدت الصين هذا الالتزام عبر أفعال ملموسة، وأسهمت بفاعلية في الدفاع عن سيادة القانون الدولي والتعددية، وهو ما أشاد به الأمين العام للأمم المتحدة.

‏الممارسة الفعلية للتعددية

‏في ظل تصاعد الأحادية والحمائية، باتت التعددية والتجارة الحرة أمام تحديات جسيمة. غير أن التجارب التاريخية أثبتت أن التمسك بمبادئ التشاور والبناء المشترك والمنفعة المتبادلة، وتعزيز التعاون من أجل أمن شامل، وتقاسم ثمار التنمية، وتحمّل المسؤولية المشتركة عن مصير العالم، هو الطريق الصحيح للتعامل مع القضايا العالمية. لقد التزمت الصين دومًا بممارسة التعددية وتعزيزها، ودعمت العولمة الاقتصادية الشاملة، وشاركت بفاعلية في الحوكمة الاقتصادية العالمية، وسعت إلى بناء اقتصاد عالمي منفتح.

‏الدعوة إلى مركزية الإنسان

‏إن الهدف النهائي من التنمية هو تحسين معيشة الشعوب. فلا يمكن أن يدوم الازدهار من دون أن يحيا جميع البشر حياة كريمة، ولا يمكن ضمان الأمن إلا إذا تمتّع الجميع بالسلام، ولن تطبق حقوق الإنسان إلا إذا استفاد الجميع من ثمار التنمية. ومن هنا، فإن إصلاح منظومة الحوكمة العالمية يجب أن يضمن مشاركة الجميع واستفادتهم المشتركة من ثمارها، والعمل معًا على مواجهة التحديات، وتقليص الفجوة بين الشمال والجنوب، وحماية المصالح المشتركة، بما يجعل التنمية في خدمة الإنسان أولًا.

‏قال الرئيس شي: “لا يمكن أن يُبنى ازدهار العالم واستقراره على أساس اتساع فجوة الثراء. لكل دولة الحق في السعي وراء حياة أفضل، والحداثة ليست حكرًا على عدد قليل من الدول”. وفي بيئة دولية يسودها عدم اليقين، تواصل الصين تقديم حكمتها وحلولها من أجل السلام والتنمية للبشرية جمعاء.

‏التركيز على التوجّه العملي

‏شدد الرئيس شي على ضرورة التمسك بالتخطيط الشامل والتقدم المنظم، وتعزيز التنسيق في العمل العالمي، وحشد جميع الموارد، والسعي إلى تحقيق نتائج ملموسة، بما يساعد على تجاوز مشاكل التأخر والتجزؤ في الحوكمة الدولية.
‏إن مفتاح الحوكمة العالمية هو التنفيذ العملي. ومن خلال تنفيذ “أجندة التنمية المستدامة 2030″، والتركيز على حل المشكلات وتحقيق نتائج ملموسة، وجعل قضايا التنمية محور الإطار العالمي الكلي، يمكن تحقيق منافع أعظم للبشرية جمعاء.

‏وعلى الصعيد الدولي، توفر التجارب الناجحة للتعاون الإقليمي نماذج ثمينة لإصلاح الحوكمة العالمية. فقد أثبتت تجربة الاتحاد الأوروبي في سيادة القانون والتكامل، وجهود رابطة آسيان في التوافق والنمو الشامل، أن مبدأ التشاور والبناء المشترك وتقاسم المنافع يتمتع بحيوية قوية. إن هذه الأطر التي بُنيت جماعيًا أثبتت أنه حين يُركّز التعاون على حل المشكلات وتحقيق نتائج ملموسة، يمكن تجنب مشكلات التأخر والتجزؤ، وتقديم حلول إقليمية للتحديات العالمية، وبالتالي الإسهام في السلام والتنمية على المستوى الدولي.

‏بناء مصير مشترك للبشرية

‏في ظل مبادرة الصين للحوكمة العالمية، لا سبيل أمام المجتمع الدولي إلا بتحمل المسؤولية المشتركة، والسير على النهج الصحيح، والدفاع عن الرؤية الصحيحة لتاريخ الحرب العالمية الثانية، وحماية ثمار الانتصار فيها، من أجل دفع إصلاح منظومة الحوكمة العالمية، وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وجعل ثمار الحوكمة أكثر عدلاً وشمولًا لتفيد العالم بأسره.

الوسومريماس الصينية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحوکمة العالمیة المجتمع الدولی الأمم المتحدة سیادة القانون فی الحوکمة الرئیس شی

إقرأ أيضاً:

الصين تطلق تأشيرة جديدة لجذب أفضل المواهب العملية والتكنولوجية العالمية

 

 

 

تشو شيوان **

أطلقت الصين رسميًا مؤخرًا التأشيرة من فئة (K) لأفضل المواهب الأجنبية، وبصفتي صحفي صيني ومتابع للشؤون الدولية والسياسات العامة أجد أن إطلاق الصين لتأشيرة الفئة (K) للمواهب الأجنبية في مجالات العلوم والتكنولوجيا، يمثل نقلة نوعية في سباق الاستقطاب العالمي للعقول، وهو قرار يستحق القراءة المتأنية فيما يتعلق بآثاره على الدول العربية والعالم النامي والعالم بشكل عام.

فبدءًا من توجيه السياسات ووصولًا إلى التنفيذ العملي، لا يُظهر تطبيق تأشيرة من فئة (K) نهج الصين المنفتح في "استقطاب المواهب من جميع أنحاء العالم والاستفادة منها" وحسب؛ بل يعكس أيضًا التركيز الاستراتيجي للبلاد على الابتكار العلمي والتكنولوجي كقوة دافعة أساسية. وتُخفّض سياسة التأشيرة هذه بشكل كبير التكاليف المؤسسية للمواهب الدولية للعمل في الصين، وذلك من خلال تبسيط إجراءات التقديم، وتمديد فترة الإقامة، وتسهيل التخليص الجمركي. وتتوافق هذه السياسة مع السياسات الحديثة التي طبقتها الصين، مثل توسيع نطاق بطاقات الإقامة الدائمة والحوافز الضريبية العابرة للحدود؛ مما يُشكِّل نظامًا شاملًا مُصمّمًا لجذب المواهب العالمية. وفي ظلّ تصاعد الأحادية، تعمل الصين، من خلال سياسة التأشيرات الخاصة بها، على إزالة "الحواجز غير المرئية" التي تعيق تدفق المواهب، مُظهرةً التزامها بالانفتاح والمشاركة كدولة رائدة. ومن خلال ربط مبادرة "الحزام والطريق"؛ وصولًا إلى سهولة تنقل المواهب التي تُوفّرها تأشيرة من فئة (K)، تُجسِّد الصين المعنى الأعمق لمجتمع المستقبل المشترك للبشرية من خلال إجراءات ملموسة.

ومن وجهة نظري، فإن المواهب العربية في مجالات التكنولوجيا والهندسة والرياضيات تقف على أعتاب فرصة تاريخية بفضل هذه التأشيرة؛ فالشباب العربي، الذي يُشكِّل نسبة كبيرة من سكان المنطقة، ويتمتع بمواهب علمية متقدمة خاصة في مجالات مثل هندسة البرمجيات والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، يمكنه الآن الاستفادة من هذا المسار المبسط للوصول إلى أحد أكبر أسواق الابتكار في العالم. بينما كانت الحواجز اللغوية والبيروقراطية تمثل تحديات تقليدية، فإن ميزة عدم حاجة التأشيرة الجديدة إلى كفالة صاحب عمل، تمنح الخريجين والمبتكرين العرب مساحة من المرونة لاستكشاف الفرص في بيئات داعمة مثل المختبرات البحثية الصينية أو حاضنات الأعمال التكنولوجية، دون الحاجة إلى إتقان لغة الماندرين بشكل فوري. وهذا الانفتاح، مقترنًا بالاستثمارات الصينية الضخمة في البنية التحتية للبحث والتطوير، يخلق أرضية خصبة للمبتكرين العرب لتحويل أفكارهم إلى تطبيقات عملية على نطاق عالمي، مما يعزز من دورهم في المشهد الابتكاري الدولي.

ومعايير إصدار تأشيرة من فئة (K) تُفضّل بشكل واضح الصناعات الاستراتيجية الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي، والطب الحيوي، والطاقة الجديدة، وتكنولوجيا الكم. ويتماشى هذا التصميم بشكل وثيق مع الهدف الاستراتيجي للصين المتمثل في "الاعتماد على الذات علميًا وتكنولوجيًا" في خطتها الخمسية الرابعة عشرة؛ مما يُبرز تركيز البلاد على المواهب كمحرك رئيسي للاختراقات العلمية والتكنولوجية. ومن خلال جذب كبار العلماء والمهندسين الدوليين إلى الصين، تُرسي الصين سلسلة ابتكارات تمتد من البحوث الأساسية إلى الاختراقات التكنولوجية، وصولًا إلى التطبيقات الصناعية. على سبيل المثال، استفادت مراكز البحث والتطوير الدولية في شنتشن وشنغهاي بالفعل من هذه السياسة لجذب فرق بقيادة حائزين على جائزة نوبل، مما يُعزز بشكل مباشر قدرات البحث العلمي المحلي.

وتأشيرة من فئة (K) ليست سياسةً معزولة؛ بل تتوافق مع استراتيجيات مثل "صنع في الصين 2025" و"الصين الرقمية". وطرحت الصين إستراتيجية نهضة البلاد بالعلوم والتعليم، منذ التسعينيات من القرن الماضي، وفي السنوات الأخيرة، تقلصت القائمة السلبية الصينية لدخول الاستثمار الأجنبي باستمرار، واستمر عدد مناطق التجارة الحرة التجريبية في التوسع. وقد شكّل هذا، إلى جانب إصلاحات تأشيرات المواهب، نظامًا ثلاثي الأبعاد يتألف من "انفتاح السوق، وانفتاح المؤسسات، وانفتاح المواهب". تشير البيانات إلى أنه في عام 2023، تجاوزت كثافة إنفاق الصين على البحث والتطوير متوسط ​​الاتحاد الأوروبي، مع زيادة معدل مساهمة الخبراء الأجانب بنسبة 17% على أساس سنوي، مما يؤكد فعالية تنسيق السياسات.

ومع تعمُّق سياسة تأشيرة من فئة (K)، من المتوقع أن تواصل الصين جني ثمار تعزيز حضورها في حوكمة العلوم والتكنولوجيا الدولية وتحفيز الابتكار المحلي. ومن خلال تجميع الخبرات العالمية، ستوفِّر الصين المزيد من الحلول للقضايا العالمية مثل تغير المناخ والصحة العامة وغيرهما من المجالات الأخرى. وفي الوقت نفسه، سيُجبر "تأثير سمك السلور" للمواهب الدولية على إجراء إصلاحات في نظام البحث العلمي المحلي، ويُسرّع من تكامل الصناعة والأوساط الأكاديمية والبحث العلمي.

وتؤكد تأشيرة الفئة (K) عزم الصين وحكمتها على تحقيق مستوى أعلى من الانفتاح. وفي ظل تقاطع الثورة التكنولوجية مع موجة العولمة، تستغل الصين الابتكار في السياسات لفتح أبوابها للعالم وترسيخ الابتكار في تشكيل المستقبل. وهذا النهج المزدوج بين الانفتاح والتكنولوجيا لن يُعيد تشكيل القدرة التنافسية الوطنية فحسب؛ بل سيوفر أيضًا نموذجًا جديدًا للتنمية المشتركة للبشرية.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • وزير الصحة يخاطب الاجتماع الوزاري رفيع المستوى عبر منصة المكتب الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية
  • الصين تطلق تأشيرة جديدة لجذب أفضل المواهب العملية والتكنولوجية العالمية
  • قيادي بـ مستقبل وطن: كلمة الرئيس السيسي في ذكرى نصر أكتوبر منهج عمل لمواجهة التحديات الراهنة
  • مناورات «إندرا 2025».. تحالف روسي هندي لمواجهة التحديات العالمية
  • وزير الخارجية يلقى كلمة مصر فى المجلس التنفيذي لليونسكو.. ويدعو جميع الدول لانتخاب الدكتور خالد العناني لمنصب المدير العام
  • وزير الخارجية يشيد بدور الصين في الدفاع عن المصالح المشتركة لدول الجنوب
  • برلماني: روح أكتوبر تدفعنا لمواجهة التحديات في مسيرة البناء والتنمية
  • المخاطر المصرفية بين التحديات العالمية والاستعداد المحلي
  • الحكم المحلي تبحث مع الأمم المتحدة تعزيز التنمية المحلية
  • وزير خارجية الكويت: التحديات المشتركة وفي مقدمتها الإرهاب والأزمات الإنسانية تتطلب تعاونا جماعيا