عقد مجمع البحوث الإسلاميَّة، مساء أمس، ندوةً دِينيَّةً في الجامع الأزهر، تحت عنوان: (معجزات النبوَّة.. مِن آيات العيان إلى دلالات الإيمان)، وذلك ضِمن فعاليَّات الأسبوع الدَّعوي الحادي عشر، الذي تُنظِّمه اللجنة العُليا للدعوة بالمجمع تحت عنوان: (سيرة ميلاد وبناء أمجاد).

أمين البحوث الإسلامية يلتقي محافظ الغربيَّة لبحث سُبل التعاون في تعزيز الوعي الدِّيني أمين البحوث الإسلامية يفتتح المنفذ الدَّائم لإصدارات الأزهر في أصول الدِّين بطنطا

جاء ذلك في إطار حملة فاتَّبِعوه التي أطلقها المجمع بمناسبة الذِّكرى العطرة لمولد النبي ﷺ، وذلك برعاية كريمة من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيِّب، شيخ الأزهر الشريف، وبإشراف الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، والدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة.

وحاضر في النَّدوة: الدكتور ربيع الغفير، الأستاذ بجامعة الأزهر، والدكتور حسن يحيى، الأمين العام المساعد للجنة العُليا لشئون الدَّعوة، والدكتور أيمن الحجَّار، الباحث بالأمانة العامَّة لهيئة كبار العلماء بالأزهر.

 د. ربيع الغفير: القرآن الكريم معجزة خالدة ودليل قاطع على صدق النبوَّة

وفي كلمته، قال الدكتور ربيع الغفير: إنَّ القرآن الكريم جاء معجزةً خالدةً في بيئة اشتهرت بالفصاحة والبيان، فأدرك أهلها عظمته وإعجازه رغم جحودهم، وسيظلُّ القرآن معجزًا بما يحويه مِن أسرار عِلميَّة لم يكشف عنها الزمن بعد؛ إذْ أشار إلى حقائق كونيَّة لم يتوصَّل إليها العِلم الحديث إلا مؤخَّرًا؛ ممَّا يثبت أنه كلام الله العليم الخبير، القائل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.

وأضاف الدكتور الغفير أنَّ كل ما ظهر في هذا الكون وجد العلماء له أصولًا في القرآن الكريم؛ ممَّا يؤكِّد أنَّ هذا الكتاب هو البرهان القاطع على صِدق نبوَّة رسولنا الكريم ﷺ إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها،  مشيرًا إلى أنَّه يكفي دليلًا على إعجازه أنَّ الله تحدَّى الإنس والجنَّ أن يأتوا بمِثله، فقال سبحانه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}.

وأوضح الأستاذ بجامعة الأزهر  أنَّ الله -تعالى- منح كلَّ رسولٍ معجزةً تناسب ما برع فيه قومه؛ فكان قوم موسى -عليه السَّلام- بارعين في السِّحر؛ فجاءت معجزاته مِن جنس ما يُحسِنون، وكان قوم عيسى -عليه السَّلام- بارعين في الطِّب؛ فجاءت معجزاته في إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، أمَّا قوم نبيِّنا محمد ﷺ فكانوا أهل فصاحة وبلاغة؛ فجاءت معجزتهم العُظمى في القرآن الكريم، إلى جانب المعجزات الحسِّيَّة؛ كشقِّ القمر، وحنين الجذع، وتسبيح الحصى، لكن بَقِيَ القرآن هو المعجزة الخالدة التي لا تنقضي عجائبها، وكان مبعث فخرهم فيما بينهم.

 د. حسن يحيى: التذكير بالمعجزات يرسِّخ الإيمان ويؤكِّد طلاقة القدرة الإلهيَّة

مِن جانبه، أكَّد الدكتور حسن يحيى أنَّ الاحتفال بمولد النبي ﷺ ينبغي أن يكون احتفالًا شاملًا يتضمَّن التذكير بمعجزاته؛ لِمَا تمثِّله مِن دلائل إيمانيَّة عظيمة أيَّد الله بها نبيَّه الكريم ﷺ، مشيرًا إلى أنَّ الحديث عن هذه المعجزات يُرسِّخ الجانب العَقَدي لدى المسلمين، ويزيدهم إيمانًا وتصديقًا؛ بما يترتَّب على ذلك مِنْ حُسْن الاتِّباع والتأسِّي، لافتًا إلى أنَّ هذه المعجزات تعكس طلاقة القدرة الإلهيَّة، وتبعث في نفوس المسلمين الثقة واليقين بأنَّ الله –سبحانه- ناصر هذه الأمَّة وهاديها إلى الرشد، متى أخذت بالأسباب وأحسنت التوكُّل على ربِّها.

د. أيمن الحجَّار: المعجزات النبويَّة تؤكِّد صِدق الرسالة وتغرس الطمأنينة في القلوب

وتابع الدكتور يحيى أنَّ المعجزاتِ النبويَّةَ تمثِّل دليلًا دامغًا على صِدق الرسالة، وردًّا حاسمًا على مَن يحاول التشكيك في هذا الدِّين الحنيف، فهي شواهد شَهِدَ لها غير المسلمين قبل المسلمين، ولا يزال أثرها ممتدًّا إلى يومنا هذا، وأعظمها القرآن الكريم؛ المعجزة الخالدة الباقية إلى قيام السَّاعة، الذي وصفه الله -تعالى- بقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.

في حين أشار الدكتور أيمن الحجَّار إلى أنَّ معجزات النبي ﷺ تنقسم إلى نوعين: معجزات حسِّيَّة، وهي التي ظهرت جليَّةً أمام أعيُن الناس ليوقنوا بصِدق رسالته، ومعجزات معنويَّة، تحتاج إلى عُمق في الفهم والبصيرة لإدراك دلالاتها،  مبيِّنًا أنَّ النَّوع الأول ظهر في شواهد عديدة منحها الله لنبيِّه برهانًا على صِدقه؛ منها قوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}؛ إذْ كان بين الناس مَن لا يصدِّق إلا بما يراه محسوسًا، أمَّا النوع الثاني، فقد تجلَّى في إدراك أهل البصيرة من الصحابة الكِرام عظمة شخصيَّة النبي ﷺ وهيبته، ومِن ذلك: ما قاله عبد الله بن سلام –قبل إسلامه– حين رأى النبيَّ لأوَّل مرَّة: «هذا الوجه ليس بوجه كذَّاب».

وأوضح الدكتور الحجَّار أنَّ هذه المعجزات تنوَّعت بين ما كان للتثبيت والتأييد دون طلب من أحد؛ كحنين الجذع، وتسليم الحجر والشجر، ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة ﷺ، وبين ما كان بطلب مِنَ الناس؛ كمعجزة انشقاق القمر، ووَصْفه الدقيق للمسجد الأقصى في حادثة الإسراء والمعراج، مؤكِّدًا أنَّ هذه المعجزات كانت دلائل واضحة على صِدق النبوَّة، ومع ذلك جحدها المعاندون ظلمًا، بينما ازدادت بها قلوب المؤمنين ثباتًا ويقينًا، ولا يزال أثرها ممتدًّا في نفوس المسلمين جيلًا بعد جيل، يبعث فيهم الإيمان العميق والاستعداد للتضحية في سبيل نُصرة هذا الدِّين.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: البحوث الإسلامي ة مجمع البحوث الإسلامي ة الأزهر معجزات النبي القران الكريم القرآن الکریم هذه المعجزات على ص دق النبی ﷺ إلى أن

إقرأ أيضاً:

خمسُ كاملاتٍ أوقفتْ المعجزات

في صباحٍ هادئ، كنتُ أقرأ مع ابني سورة النمل، فتوقّفتُ طويلا أمام مشاهدها العجيبة: سليمان عليه السلام يرى ما لا نرى، ويسمع دبيب النملة وهي تخشى على قومها، ويفهم خطاب الهدهد وهو يحلّق فوق مملكة سبأ. عالمٌ كبيرٌ من المعجزات الحسيّة التي رافقت الأنبياء، من موسى وعصاه، إلى عيسى وشفائه للمرضى، إلى صالح وناقته التي خرجت من الصخر.

معظم الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن جاؤوا بآياتٍ كونية، خارقة، محسوسة، تراها العيون وتلمسها الأيدي. لكنني عندما تأمّلتُ تاريخ الوحي بعد بعثة محمد ﷺ وجدتُ شيئا لافتا: توقّفت المعجزات المادية الكبرى، وانتهى عهد الآيات الكونية التي كانت تباغت الأقوام، وتحسم الموقف بين الإيمان والتكذيب حسّا لا جدال فيه.

لماذا تغيّر هذا النظام الكوني؟ لماذا اختفى نمط المعجزات الحسية تماما بعد البعثة الخاتمة؟ وجدتُ الجواب في سورة الإسراء، في قوله تعالى: "وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ.. وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفا". ومع هذا التأمل، كان الحوار الذي دار بيني وبين ابني سببا في إدراك عددٍ من المعاني العميقة، المستفادة من كتاب الله، حول سرّ توقّف المعجزات الحسية بمجيء رسول الله ﷺ.

أولا: لأن الرسالة الخاتمة جاءت رحمة للعالمين

المعجزات الحسية لم تكن مجرد آيات، بل كانت -في كثير من الأحيان- مقدّمات لعذابٍ عام إذا أصرّ القوم على التكذيب. قوم ثمود كُذِّبوا ثم طُحِنوا، وقوم عاد قُضي عليهم بالريح، وقوم لوط بالصّيحة، وقوم نوح بالطوفان.. كان نظام الكون قبل بعثة محمد ﷺ قائما على الآية ثم العذاب.

لكن الله قال عن نبيه الخاتم: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ"، ومن تمام هذه الرحمة رفع العذاب الاستئصالي عن البشرية، فلم يعد الكافر يُهلك بالخسف، أو الصيحة أو الريح أو النار، بل أُرجئ الحساب إلى يوم القيامة.

ولو استمرت المعجزات الحسية كما كانت، لكان تكذيبها يستوجب العذاب، ولما بقي على وجه الأرض كافر. فكانت الحكمة الإلهية أن يُرفع نظام المعجزة المادية، وأن يُترك البشر لرحمة الله في الدنيا، وعدله الكامل في الآخرة.

ثانيا: لأن التاريخ أثبت أن المعجزات لم تغيّر قلوب المعاندين

في سجلّ الإنسانية، لم يكن الجاحدون ينتفعون بالمعجزات، بل كانت تصبح -كما قال العلماء- "وبالا عليهم"، لأنهم يشاهدون الحقّ ثم يعاندون فيزدادون بُعدا وهلاكا. المعجزة لم تكن تُنتج إيمانا للقلوب المغلقة، بل تُنتج حُجّة عليهم. ولهذا قال تعالى: "وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ". فجاء الإسلام بنمطٍ جديد: ليس المطلوب أن تُجبَر البشرية على الإيمان الصادق عبر الظواهر الخارقة، بل أن تختار الحقيقة بعقلها وفطرتها. معجزة تُرى بالعين قد تُرعب، لكنها لا تهذّب، أما كلمة تُفهم بالعقل فقد تهزّ الإنسان من داخله.

ثالثا: لأن معجزة الإسلام هي معجزة عقلية ـ خالدة تتجاوز حدود الزمن

المعجزة الحسية يشاهدها قوم ثم تُصبح قصة، أما القرآن فهو معجزة تُشاهد بالعقل، وتتكرر كل يوم، ومفتوحة لكل جيل إلى قيام الساعة. القرآن ليس معجزة واحدة، بل هو منظومة من الإبداع والإعجاز: عمق لغوي، منظور تشريعي، تناسق كوني، دلائل غيبية، منهج إصلاحي، إشراق روحي.

وهو المعجزة الوحيدة في التاريخ التي يمكن لأي إنسان -عالما كان أو عاميا- أن يتذوقها، ويُعيد اكتشافها في كل عصر. لذلك تغيّر النظام الكوني في عهد الرسول ﷺ: لم يعد البشر بحاجة إلى معجزات حسية تأتي وتختفي، لأن بين أيديهم معجزة خالدة، لا تنتهي، ولا تشيخ، ولا تتعطّل.

رابعا: لأن البشرية نضجت.. وأصبحت قادرة على الاقتناع لا الإكراه

من معاني الحكمة الربانية أن الإنسان قد وصل -في عصر الرسالة الخاتمة- إلى مستوى من الوعي يسمح له أن يتعامل مع القرآن بالعقل والقلب، لا بالخوف من العذاب المادي. البشرية أصبحت مستعدة: أن تُقنع وتُحاور، أن تبحث وتستدل، أن تُؤمن عن اقتناع لا عن قهر.

وأصبح الأصل هو التدافع الإنساني، والاختبار، والاجتهاد، والإحسان في العمل: "وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا". إنه إعلان إلهي بأن مرحلة الطفولة البشرية -التي كانت تحتاج الآيات الخارقة- قد انتهت، وأن الإنسان اليوم قادر على أن يُقبل على الله من باب الفطرة والعقل والحوار. لم تعد الحاجة إلى الخسف، ولا الصاعقة، ولا الناقة التي تخرج من الصخر؛ بل أصبحت حاجة الإنسان إلى آيةٍ تهدي العقل قبل العين، وتُصلح القلب قبل الجسد.

خامسا: لأن الرحمة الإلهية اقتضت أن يُترك البشر لصناعة مستقبلهم

بعد الرسالة الخاتمة، لم يعد الله يُظهر آيات حسية لفرض الإيمان، ولا يُهلك الأقوام استئصالا؛ بل ترك الإنسان في ميدان الاختيار، يعمل، ويتنافس، ويجتهد، ويبحث، ويتحاور: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ". ومن يُحسن عملا، تتنزل عليه الرعاية الربانية، والنصر، والتوفيق. ومن يُعرِض، يُمهَل إلى يومٍ لا ريب فيه. هذه هي السنة الجديدة التي بدأت بنزول الوحي على محمد ﷺ: سنة الإقناع بدل الإكراه.. وسنة رحمة بدل الاستئصال.. وسنة العقل بدل المعجزة الحسية.

خاتمة: ارتفاع مستوى الخطاب الإلهي.. وارتقاء الإنسان

توقّف المعجزات الحسية ليس نقصا في عصر الرسالة الخاتمة، بل هو ارتقاء للبشرية وتكريم لها من الله سبحانه وتعالى، ونقلة من مرحلة المعجزات إلى مرحلة الهداية المباشرة بالقرآن.

لقد أراد الله أن يدخل الإنسان عصر النضج، عصر الإيمان الحرّ، عصر الإقناع لا القمع، عصر الرحمة لا الهلاك، عصر الكلمة التي تبني، لا الصاعقة التي تهدم.

مقالات مشابهة

  • مساحته 5600 متر.. أمين البحوث الإسلامية يشارك في وضع حجر أساس مسجد شهداء القضاة
  • محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة 32 للمسابقة العالمية للقرآن الكريم
  • محافظ الغربية يهنئ الفائزين في الدورة الــ32 للمسابقة العالمية للقرآن الكريم
  • خمسُ كاملاتٍ أوقفتْ المعجزات
  • هل يجوز تعليق الدعاء على المشيئة؟.. الأزهر يحذر من خطأ نهى عنه النبي
  • رقية رفعت تحصد المركز الأول عالميًا في حفظ وتلاوة القرآن برواية حفص بالمسابقة العالمية للقرآن الكريم
  • بعد تتويجها عالميًا.. رقية رفعت تناشد شيخ الأزهر: حلمي التعيين مُعيدة لخدمة كتاب الله
  • مفتي الجمهورية ينعى الدكتور ثروت مهنا أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر
  • تحت رعاية خادم الحرمين.. «الشؤون الإسلامية» تنظم المسابقة المحلية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره
  • تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. وزارة الشؤون الإسلامية تنظم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم بالرياض