بعد حربٍ دامت أكثر من عامين، تسببت في مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتشريد مئات الآلاف من السكان، يلوح في الأفق بصيص أمل نحو السلام، عقب الإعلان عن اتفاقٍ لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية، وبمباركة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويعدّ الاتفاق، الذي يجري التصديق عليه رسميًا من الحكومة الإسرائيلية مساء الخميس، نقطة تحوّل فارقة في مسار الصراع، إذ يفتح الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها "الهدوء مقابل الانسحاب والتبادل الإنساني".

بدء الانسحاب الإسرائيلي خلال 24 ساعة

بحسب ما نقلته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، أفاد مسؤولون في الجيش الإسرائيلي بأن القوات ستبدأ الانسحاب من قطاع غزة خلال 24 ساعة من تصديق الحكومة على اتفاق وقف إطلاق النار.
وسيتم إعادة انتشار الجيش عند خطوط محددة مسبقًا، تضمن بقاء السيطرة الإسرائيلية على نحو 53% من أراضي القطاع، معظمها في المناطق غير الحضرية. ويُنتظر أن تكتمل هذه العملية خلال يوم واحد فقط من الإعلان الرسمي، ما يُعدّ مؤشرًا على جدية الطرفين في تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق.

تبادل الأسرى والرهائن خلال 72 ساعة

تنص المرحلة التالية من الاتفاق على أن تبدأ حركة حماس، خلال 72 ساعة من الانسحاب الإسرائيلي، بإطلاق سراح 48 رهينة تحتجزهم، على أن يتم تسليم 20 منهم في الدفعة الأولى إلى ممثلي الصليب الأحمر، الذين سيتولون نقلهم إلى القوات الإسرائيلية المنتظرة داخل غزة.
ورغم ذلك، لم تفصح إسرائيل حتى الآن عن قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم، فيما أكدت هيئة السجون الإسرائيلية أنها لم تتلقَ الأسماء بعد.

استبعاد البرغوثي والسنوار من الصفقة

أكدت متحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية أن القيادي البارز في حركة فتح، مروان البرغوثي، لن يكون ضمن قائمة المفرج عنهم.
كما أشارت مصادر إسرائيلية إلى أن جثتي يحيى السنوار، زعيم حماس السابق، وشقيقه محمد، اللذين قُتلا في مايو الماضي، لن تكونا مشمولتين في صفقة التبادل.
ويبدو أن تل أبيب تسعى من خلال ذلك إلى إرسال رسالة مفادها أنها لن تُفرج عن شخصيات ذات رمزية سياسية قد تُعيد لحماس زخمها الشعبي في الضفة الغربية.

حماس تشترط الانسحاب أولاً

من جانبها، أكدت حركة حماس أن بدء تنفيذ صفقة التبادل مرهون بانسحاب القوات الإسرائيلية من المدن الرئيسية في غزة، وعلى رأسها غزة ورفح وخان يونس.
وقالت الحركة في بيانها إن "تبادل الأسرى والرهائن لن يبدأ إلا بعد وقف النار الكامل والانسحاب من المدن المكتظة"، مشيرة إلى أن إسرائيل وافقت على إطلاق سراح نحو 250 أسيرًا محكومًا بالمؤبد بموجب هذا الاتفاق.

كما نص الاتفاق على فتح خمسة معابر رئيسية لإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى القطاع، مع تقديم ضمانات من الولايات المتحدة والوسطاء بعدم عودة إسرائيل إلى العمليات العسكرية بعد تنفيذ الاتفاق.

شرم الشيخ.. عاصمة السلام من جديد

وفي الوقت الذي تستعد فيه الحكومة الإسرائيلية للتصويت على بنود الاتفاق، تواصلت المشاورات النهائية في مدينة شرم الشيخ المصرية، بحضور ممثلي قطر ومصر والولايات المتحدة، لمناقشة الترتيبات الميدانية والإنسانية قبل دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
ويأتي اختيار شرم الشيخ، مدينة السلام، ليعيد إلى الأذهان سلسلة من الاتفاقات التاريخية التي وُقّعت على أرض مصر، ما يعزز دور القاهرة كوسيط إقليمي موثوق وقوة دبلوماسية قادرة على تحقيق اختراقات حقيقية في النزاعات المستعصية.

 الدور المصري.. دبلوماسية اليد الممدودة



أكد الخبير الاستراتيجي اللواء نبيل السيد أن اللقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، وجاريد كوشنر مستشار الرئيس دونالد ترامب، يمثل نقطة تحول في مسار الأزمة، مشيرًا إلى أن مصر استطاعت أن تعيد تثبيت موقعها كـ"مفتاح رئيسي للسلام في الشرق الأوسط".

مصر وسياسة اليد الممدودة

أوضح اللواء نبيل السيد أن الجهود المصرية لم تتوقف عند حدود الوساطة التقليدية، بل تجاوزتها إلى صياغة اتفاق شامل يضمن وقف إطلاق النار، والإفراج عن الأسرى، وبدء خطوات ميدانية لانسحاب القوات الإسرائيلية من بعض مناطق القطاع.
وأشار إلى أن التحرك المصري جاء من منطلق مسؤولية تاريخية وإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني، مع الحفاظ على توازن العلاقات مع الولايات المتحدة وجميع الأطراف المعنية.

شرم الشيخ.. منصة القرار الإقليمي

وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن اختيار شرم الشيخ لتوقيع الاتفاق يعكس رمزية خاصة، فهي مدينة السلام التي احتضنت على مدار عقود مفاوضات مفصلية، مؤكداً أن استضافة القاهرة لهذه المفاوضات "تؤكد ثقة العالم في حياد مصر وقدرتها على تحقيق ما عجزت عنه أطراف كثيرة".

الصفقة الإنسانية الأهم

ولفت اللواء نبيل السيد إلى أن صفقة تبادل الأسرى تشكل خطوة إنسانية كبرى، تعكس رغبة حقيقية في إنهاء الحرب وفتح أفق سياسي جديد. وقال إن الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين مقابل المحتجزين الإسرائيليين يبرهن على أن "الدبلوماسية المصرية قادرة على الجمع بين البعد الإنساني والسياسي في آن واحد".

ترامب يبحث عن نصر دبلوماسي.. والسيسي يوازن المعادلة

وأوضح اللواء نبيل السيد أن الرئيس ترامب يسعى لتحقيق اختراق دبلوماسي يعيد له حضورًا دوليًا، في حين تحافظ مصر على استقلال قرارها وتستخدم نفوذها لتحقيق سلام مستدام، قائلاً: "ترامب يبحث عن لحظة مجد، بينما السيسي يكتب فصلًا جديدًا في تاريخ الدبلوماسية المصرية."

من القاهرة يبدأ السلام

اختتم اللواء نبيل السيد تحليله بالتأكيد أن وقف الحرب في غزة إنجاز مصري بامتياز، وأن القاهرة أثبتت مجددًا أنها "الضامن الحقيقي للاستقرار في المنطقة"، مشيرًا إلى أن دعوة الرئيس السيسي لنظيره الأمريكي لحضور توقيع الاتفاق في القاهرة ستكون لحظة رمزية تعيد لمصر مكانتها كقلب السياسة العربية ومركز القرار الإقليمي.
 

يُجمع المحللون على أن وقف الحرب في غزة يمثل إنجازًا مصريًا بامتياز، وأن القاهرة أثبتت مجددًا أنها اللاعب الأكثر قدرة على ضبط إيقاع المنطقة.
ويختم اللواء نبيل السيد تحليله قائلاً: "من القاهرة يبدأ السلام، ومصر ستظل القلب النابض للسياسة العربية ومفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط".

وبينما تتجه الأنظار إلى شرم الشيخ لمتابعة توقيع الاتفاق رسميًا، يترقب العالم لحظة جديدة قد تُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط، عنوانها الأمل بعد الألم، والسلام بعد سنواتٍ من الدم والدمار.

طباعة شارك ترامب السيسي الشعب الفلسطيني دونالد ترامب عبد الفتاح السيسي الحرب غزة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ترامب السيسي الشعب الفلسطيني دونالد ترامب عبد الفتاح السيسي الحرب غزة شرم الشیخ إلى أن على أن

إقرأ أيضاً:

موقع إسرائيلي: السيسي يرفض لقاء نتنياهو وتفاقم الخلافات مع تل أبيب

أكدت وسائل إعلام عبرية، أن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي لا يزال يرفض لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في ظل تصاعد توترات سياسية وأمنية تشمل معبر رفح واتفاقية الغاز والحشود العسكرية في سيناء، إلى جانب مخاوف مصرية من إفادة مثل هذا اللقاء نتنياهو قبل الانتخابات.

ونقل موقع "زمان إسرائيل" عن مصدر مطلع، أن السيسي لم يعتزم في المرحلة الحالية عقد لقاء مع نتنياهو، رغم مساع إسرائيلية مكثفة لتحقيق ذلك، مشيرا إلى أن القاهرة شعرت باستياء متزايد من إسرائيل بسبب ملفات عالقة خلال الأشهر الأخيرة، ما قلل فرص أي اجتماع قريب، على الرغم من اهتمام كل من إسرائيل والولايات المتحدة بعقد هذا اللقاء.



وحذرت القاهرة خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، التي اندلعت بعد أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، من أي عمليات عسكرية قد تدفع الفلسطينيين جنوبا باتجاه شبه جزيرة سيناء، واعتبرت هذا السيناريو خطا أحمر وتهديدا مباشرا لأمنها القومي.

وأوضح المصدر أن مصر ظلت قلقة من عدم استبعاد إسرائيل لهذا الاحتمال، خاصة في ظل خططها لتركيز مشاريع إعادة الإعمار الأولى في مدينة رفح جنوب قطاع غزة المحاذية للحدود المصرية.

وأشار موقع "معاريف أون لاين" إلى أن الخلافات تصاعدت حول معبر رفح، إذ سمحت إسرائيل بفتحه فقط للفلسطينيين المغادرين من قطاع غزة، وهي سياسة وصفها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأسبوع الماضي، بأنها محاولة لتقليص عدد سكان القطاع، وهو ما أكدت القاهرة رفضها القاطع له.



وازدادت حدة التوتر في أكتوبر/تشرين الأول عندما انسحب وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين من حفل توقيع اتفاقية مربحة للغاز الطبيعي مع مصر، معتبرا أن بنود الاتفاق مجحفة بحق إسرائيل، ما أثار غضب القاهرة وواشنطن.

وفي سياق متصل، اتهم نتنياهو، والسفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة يحيئيل ليتر، ومسؤولون إسرائيليون آخرون، مصر مرارا بحشد قوات عسكرية في شبه جزيرة سيناء، معتبرين ذلك انتهاكا لمعاهدة السلام الموقعة عام 1979، بينما نفت القاهرة هذه الاتهامات بشكل قاطع.

وأشار الموقع إلى أن العلاقات بين نتنياهو والسيسي شهدت توترا مستمرا، إذ لم يتحدثا منذ ما قبل الحرب، ورغم محاولات نتنياهو في الأشهر الأخيرة تحسين العلاقات، لم يبد السيسي اهتماما بالانخراط في حوار في ظل غياب تغييرات جوهرية في سلوك إسرائيل تجاه مصر.

كما أضاف المصدر أن السيسي خشي أيضا من أن ينظر إليه باعتباره "داعما" لنتنياهو خلال عام الانتخابات الإسرائيلية.



وجاءت هذه المعطيات في وقت عمل فيه نتنياهو على تنظيم زيارة إلى القاهرة، آملا في لقاء السيسي وتوقيع صفقة بمليارات الدولارات لتزويد مصر بالغاز الطبيعي الإسرائيلي.

ووفق مصدر أمريكي رفيع المستوى، نسق المسؤولون الإسرائيليون هذه الجهود مع دبلوماسيين أمريكيين كبار.

وزار نتنياهو مصر علنا مرتين خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وكانت آخر زيارة رسمية له في يناير/كانون الثاني 2011، إلى جانب اجتماعات أخرى عقدت سرا، ومنذ أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، الذي أشعل حرب "السيوف الحديدية"، تجمدت العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين إلى حد كبير، باستثناء التنسيق الأمني المستمر، لا سيما بين أجهزة الاستخبارات، والذي ركز على ملف الأسرى.

وبرزت خلافات إضافية حول السيطرة على معبر رفح، ورفض مصر استقبال اللاجئين من قطاع غزة، واحتمال مشاركتها في قوة الاستقرار الدولية المزمع إنشاؤها في غزة، إضافة إلى محاولات تهريب طائرات مسيرة من مصر إلى داخل الأراضي المحتلة.

وذكر الموقع أن صفقة الغاز المقترحة، المقدرة قيمتها بنحو 35 مليار دولار، حملت فوائد اقتصادية واضحة للطرفين، غير أن إيلي كوهين حذر من أن الصادرات الواسعة قد تضر بأمن الطاقة الداخلي لإسرائيل، ما دفع إلى تأجيل الاتفاق إلى حين تسوية الخلافات الأمنية الأوسع مع مصر.

في المقابل، رأى نتنياهو أن الصفقة تمثل فرصة لإظهار أن إسرائيل تعزز وتوسع اتفاقيات السلام التي أبرمتها بعد الحرب في المنطقة، ولتعزيز رؤيته طويلة الأمد القائمة على استخدام احتياطيات الغاز الطبيعي الإسرائيلية لتأمين إيرادات حكومية مستدامة.

مقالات مشابهة

  • بدء سريان اتفاق إلغاء التأشيرات بين الأردن وروسيا
  • موقع إسرائيلي: السيسي يرفض لقاء نتنياهو وتفاقم الخلافات مع تل أبيب
  • أردوغان متفائل بشأن اتفاق سلام في أوكرانيا
  • بعد عامين من «COP28» .. «اتفاق الإمارات» التاريخي لا يزال خريطة الطريق للعمل المناخي الفعال
  • الكرملين: انسحاب أوكرانيا من الدونباس جزء أساسي من عملية السلام
  • ترامب يدعي أن السلام بغزة ما كان ممكنا “لولا تحييد إيران”
  • تطورات اتفاق الأهلي مع يزن النعيمات.. نادي سعودي يهدد الصفقة
  • مجلس السلام.. آلية دولية برعاية ترامب لإدارة شؤون قطاع غزة
  • ترامب: سأعلن عن أسماء المشاركين في مجلس السلام بغزة العام المقبل
  • سيرأسه ترامب.. مجلس السلام سيشرف على تنفيذ اتفاق غزة