في عصر أصبحت التحالفات العالمية أكثر أهمية من أي وقت مضى، فإن توسع مجموعة البريكس الأخيرة لتشمل إثيوبيا هو شهادة على الديناميكيات المتطورة في السياسة الدولية.

لا يمثل هذا الإدراج توافقًا استراتيجيًا للتحالف فحسب، بل يسلط الضوء أيضًا على أهمية إثيوبيا المتزايدة في الجغرافيا السياسية الإقليمية.

إن تأكيد إثيوبيا لنفوذها في القرن الأفريقي، وخاصة نفوذها على الصومال ونفوذها المزعوم على أجزاء من البحر الأحمر ومياه المحيط الهندي، يسلط الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه إثيوبيا في المنطقة، ومن خلال الترحيب بإثيوبيا، تؤسس مجموعة البريكس بشكل فعال موطئ قدم في منطقة حيث أصبح الوصول إلى الطرق البحرية والسيطرة على مياه البحر الأحمر والمحيط الهندي نقاط خلاف متزايدة.

ومع ذلك، فإن آثار هذا التوسع تمتد إلى ما هو أبعد من الدول الأعضاء... قد يدفع تقارب إثيوبيا مع مجموعة البريكس الصومال إلى تعزيز علاقات أعمق مع القوى الغربية، ولا سيما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والغرب، الذي يدرك الأهمية الاستراتيجية لمياه البحر الأحمر والمحيط الهندى..

إن توقيت إدراج إثيوبيا الذي يتزامن مع الاتفاق المتعدد بين الإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا يوفر طبقة أخرى من القصة.

ولكلا البلدين مصالح متزايدة في القرن الأفريقي، وخاصة في المياه البحرية والموانئ الصومالية، هناك نمط ناشئ هنا؛ الدول القوية تستغل الدول الضعيفة... وليس سرًا أن الحكومة الصومالية كانت تتصارع مع قضايا الاستقرار، والتي يبدو أنها أتاحت فرصة لدول مثل الإمارات العربية المتحدة، وإثيوبيا للحصول على موطئ قدم في المنطقة.

إن تكتيك استخدام الدول الأعضاء الفيدرالية الإقليمية لزيادة تقليص سيادة الصومال هو خطوة استراتيجية.. إنها حالة كلاسيكية من "فرق تسد"، فإذا تمكنت من إضعاف السلطة الفيدرالية من خلال دعم القوى الإقليمية، فمن الممكن أن تتعرض سيادة القوة المركزية للخطر.

وهنا يكمن احتمال تصاعد التوتر الجيوسياسي... إذا أصبح الصومال مسرحًا لصراعات القوة بين الغرب ومجموعة البريكس، فربما نشهد المراحل الأولى من حرب باردة جيوسياسية جديدة.... إن المياه قبالة سواحل الصومال، والتي كانت ذات يوم مشهورة بالقرصنة، يمكن أن تصبح الآن نقطة محورية لاستراتيجية عالمية أكبر.

وبالنسبة للصومال، يعد هذا بمثابة نداء صحوة.... وبينما تمارس القوى الكبرى ألعابها الجيوسياسية، فمن الأهمية أن يستعيد الصومال سيادته، ويضمن الاستقرار، ويضع نفسه استراتيجيًا على الساحة العالمية... إن توسع مجموعة البريكس بمثابة تذكير بأنه في عالم الجغرافيا السياسية، غالبا ما يحل الموقع الاستراتيجي والنفوذ محل المبادئ القديمة المتمثلة في السيادة وتقرير المصير.

إن التحرك المحتمل من قبل الغرب لتعزيز البحرية الصومالية سيكون له دلالة واضحة... ولن يشكل ذلك تحديا لمزاعم إثيوبيا بالسيطرة على المياه الصومالية فحسب، بل سيدل أيضا على التزام الغرب بالحفاظ على نفوذه في المنطقة... ومثل هذه الخطوة من شأنها أن تبعث برسالة واضحة إلى مجموعة البريكس ــ مفادها أن الغرب لن يتراجع عن تأمين مصالحه في المحيط الهندي والبحر الأحمر.

ومع تطور ونمو مجموعة البريكس، فإن قراراتها سوف يتردد صداها حتما في جميع أنحاء العالم... قد يكون ضم إثيوبيا مجرد توسيع للعضوية على الورق، ولكن في عالم الجغرافيا السياسية، يعد هذا خطوة يمكن أن تعيد تشكيل التحالفات وتشعل منافسات جديدة.

من الأفضل لأصحاب المصلحة في جميع أنحاء العالم أن ينتبهوا عن كثب إلى هذه التطورات، لأنها قد تبشر ببداية فصل جديد في الدبلوماسية العالمية.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: احمد ياسر أثيوبيا السودان البريكس الإمارات الصومال مجموعة البریکس

إقرأ أيضاً:

إسحق أحمد فضل الله يكتب: ( …. ورسم قلب المجتمع)

عادت العلاقات السودانية الأمريكية إلى واجهة التوتر، بعد إعلان واشنطن فرض عقوبات جديدة على السودان، استنادًا إلى اتهامات باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية خلال الحرب ضد مليشيا الدعم السريع. غير أن التوقيت والسياق السياسي يفرضان قراءة مغايرة، تكشف عن تحوّل نوعي في طريقة تعامل السودان مع الضغوط الأمريكية، بالنظر لتجارب سابقة.

في خطوة وصفها مراقبون بـ”الذكية”، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني قرارًا بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في المزاعم الأمريكية، تضم وزارات الخارجية والدفاع، وجهاز المخابرات العامة. هذه الخطوة تعكس جدية الدولة في تناول الملف، وتحمل أبعادًا قانونية ودبلوماسية مهمة، حيث تؤكد التزام السودان بالاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. كما أنها تبعث برسالة واضحة: السودان دولة مؤسسات، ترفض الإملاءات والتجريم المسبق.

كانت الولايات المتحدة قد أعلنت أن العقوبات ستدخل حيّز التنفيذ في يونيو المقبل، وتشمل قيودًا على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية. ورغم أن الأثر الاقتصادي لهذه العقوبات يبدو محدودًا بسبب ضعف العلاقات التجارية بين البلدين، إلا أن توقيتها السياسي يثير التساؤلات. فقد تزامن إعلان العقوبات مع تقدم ميداني كبير أحرزه الجيش السوداني، ما دفع بعض المراقبين إلى الربط بين القرار الأمريكي والواقع العسكري، واعتبار العقوبات محاولة لإعادة ترتيب موازين القوى وفرض بيئة تفاوضية لا تعكس الوقائع على الأرض، بل تعبر عن رغبات خارجية تمثل مصالح داعمي المليشيا الإقليميين.

في هذا السياق، تبدو السياسة الأمريكية تجاه السودان وكأنها لا تزال رهينة لكتاب قديم يعود إلى تسعينيات القرن الماضي، تُعيد قرأته كلما تعثرت رهاناتها على التحولات المحلية. فمنذ سقوط نظام البشير عام 2019، انخرطت واشنطن في محاولات متعددة لإعادة تشكيل المشهد السياسي السوداني، بدءً بدعم البعثة الأممية بقيادة فولكر بيرتس، ومرورًا بمحاولات فرض “دستور المحامين” بصيغته المستوردة، وانتهاءً بالاتفاق الإطاري الذي وُلد ميتًا بعد أن اصطدم بواقع سوداني معقد ومتشابك. ومع فشل هذه الأدوات “الناعمة”، انتقلت الإدارة الأمريكية إلى أدوات أكثر خشونة، من خلال دعم غير مباشر لتحركات مليشيا الدعم السريع التي انقلبت على السلطة في أبريل 2023 وأدخلت البلاد في أتون الحرب.

هذه القراءة تكشف عن محاولة لإعادة هندسة موازين القوى، وفرض مناخ تفاوضي جديد يستند إلى ضغوط خارجية تُستخدم فيها قضايا الحقوق كسلاح سياسي. تدرك الولايات المتحدة أن انتصار الجيش سيُضعف من نفوذها في البلاد، ويوسّع هامش مناورة الخرطوم، ما قد يدفع السودان نحو تقارب أكبر مع شركاء دوليين كروسيا أو الصين، وهو ما لا يخدم مشروع الهيمنة الغربية في المنطقة.

وفي هذا السياق، أعلنت الخارجية الأمريكية فرض قيود على الصادرات وخطوط الائتمان الحكومية، تدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، في محاولة لضبط المسار السياسي مجددًا، بعد فشل الرهان على المليشيا. اللافت أن هذا الدعم غير المباشر للمليشيا ينسجم أيضًا مع أجندات بعض الحلفاء الإقليميين، خصوصًا الإمارات، التي ترى في هذه القوات أداة تخدم مشروعها في السودان و القرن الإفريقي، وهي سياسات أثارت انتقادات حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، كما عبّرت عن ذلك السيناتور سارة جاكوبس التي حذّرت من تواطؤ واشنطن مع أبوظبي، مؤكدة أن السياسات الأمريكية تُضلّل الرأي العام ولا تعكس قيمًا أخلاقية حقيقية (رويترز).

العقوبات الأمريكية على السودان ليست جديدة، بل امتداد لسلسلة بدأت منذ عام 1993، وأدت إلى عزله اقتصاديًا وتكنولوجيًا، دون أن تحقق أهدافها السياسية. بل إنها أضرت بالمواطن ودفعته للتعامل مع دول بديلة كالصين. وفي هذا الإطار، وصفت الحكومة السودانية عبر الناطق الرسمي خالد الإعيسر الاتهامات الأمريكية بحسب “سونا” بأنها “ابتزاز سياسي” و”تزييف للحقائق”، مشيرة إلى تشابه هذه المزاعم مع سيناريوهات قديمة، كقصف مصنع الشفاء في عام 1998.

وفي سياق تعزيز موقفها الأخلاقي والقانوني ، عمدت الحكومة إلى تقديم نفسها كقوة منضبطة في سلوكها العسكري، إذ قامت الفرقة الثالثة شندي، قبل يومين، بتسليم 66 طفلًا جندتهم مليشيا الدعم السريع إلى أسرهم، عبر المجلس القومي لرعاية الطفولة، بحضور ممثلين من مؤسسات حكومية وعدلية. وقد مثّل هذا الحدث ردًّا عمليًا على الاتهامات، وفارقًا جوهريًا في طبيعة السلوك القتالي بين الجيش و المليشيا المتمردة.

ومن منظور # وجه_ الحقيقة ، فإن تعامل السودان مع الأزمة الراهنة يُظهر تحوّلًا تدريجيًا من الاستجابة الانفعالية إلى إدارة متأنية للأزمات، في توازن بين الدفاع السياسي والاحتواء الدبلوماسي، دون التفريط في السيادة أو السقوط في فخ العزلة. ومع أن الولايات المتحدة ما تزال تملك أوراق ضغط، فإن السودان اليوم أكثر وعيًا بتاريخ هذه الضغوط، وأكثر استعدادًا لصياغة مسارات بديلة تحترم قراره الوطني. ويبقى السؤال المفتوح: هل تنجح الخرطوم في تجاوز هذه العقوبات؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح المرحلة القادمة في السودان.
دمتم بخير وعافية.

إسحق أحمد فضل الله
السبت 31 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (وعن … أنت منو عشان تتكلم..؟)
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: ( …. ورسم قلب المجتمع)
  • هل تنجح أفريقيا في التحرر من هيمنة الدولار؟
  • أبو الغيط: اجتماع اللجنة العربية مع القيادة الفلسطينية كشف مواقف جديدة وإيجابية
  • هل سيحيي أحمد الطنطاوي مشروعه السياسي بعد تحرره؟
  • 411 ألف برميل حجم الزيادة.. «أوبك +» ترفع إنتاجها اليومي خلال يوليو
  • شدد على أهمية ضبط النفس ووقف التصعيد.. بيان ثلاثي يدعو الليبيين للتهدئة والحل السياسي
  • خالد عامر يكتب تحديات ما بعد 7 أكتوبر.. قراءة في المشهد الفلسطيني
  • ما سبب الخلاف بين نتنياهو وقادة الغرب‎؟
  • «فخور إني من ولادك».. ياسر جلال يحيي ذكرى وفاة الفنان حسن حسني