كيف نجحت تركيا في دخول المعادلة الفلسطينية رغما عن إسرائيل؟
تاريخ النشر: 11th, October 2025 GMT
في وقت مبكر من العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر من اعلام 2023، طرحت تركيا مبادرة عُرفت باسم "نظام الضمانة" لأنهاء الحرب على غزّة. تقوم فكرة المبادرة على تحقيق وقف إطلاق النار أولا، ثمّ تحويله إلى وقف دائم ومستدام، ثم الانتقال إلى مساعي الحل النهائي الذي يضمن تحقيق السلام والأمن والاستقرار من خلال مجموعة من الضامنين لكلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
اقترحت تركيا آنذاك أن تكون ضمن المجموعة الضامنة للطرف الفلسطيني، في حين تقوم أطراف أخرى خارجية بضمان الجانب الإسرائيلي. ومفهوم الضمان هنا يعني أنّ الأطراف المعنية ستضغط على الطرفين لمنع خرق الاتفاقات التي يتم التوصل إليها ومنع التصعيد في حال حصول ذلك، ومحاسبة الطرف الذي يقوم بخرق الاتفاقات.
ساعد نجاح أردوغان في إقناع ترامب بإعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه سوريا بشكل جذري في تسهيل سلسلة من التوافقات السياسية بين الرجلين على بعض الملفات الثنائية والإقليمية. وقد تبلور ذلك بشكل واضح خلال زيارة أردوغان الأخيرة الى الولايات المتّحدة الأمريكية حيث تمّ استقباله بحفاوة كبيرة وحظي باهتمام شخصي منقطع النظير من الرئيس ترامب.كانت فكرة المبادرة تتيح للجانب التركي التواجد السياسي والاقتصادي والأمني على الأرض في غزّة حيث يمكن للقوات التركيّة التمركز هناك بشكل يجعل من انقرة لاعباً رئيسياً في المعادلة المحلّية والإقليمية والدولية وبشكل يصعّب على إسرائيل القيام بأمر مماثل. في تصريح له بتاريخ 25 تشرين أول/ أكتوبر 2023، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المقترح المذكور هو الطريقة الأكثر واقعية وفعالية حالياً للتوصل إلى حل واقعي للصراع، على الأقل على المدى القصير والمتوسط.
وعلى الرغم من تسويق المبادرة لدى الولايات المتّحدة وفي العالم العربي والإسلامي، إلاّ أنّها لاقت معارضة شديدة من إسرائيل وإدارة بايدن حيث كان الطرفان يسعيان الى عزل الجانب التركي وإبعاده عن الملف الفلسطيني تماماً، والتركيز عوضاً عن ذلك على لاعبين مثل الامارات ومصر. كما اعترضت بعض الدول العربية على فكرة ارسال قوات إقليمية. ومع مضي الوقت، بدا أنّ مقترح الجانب التركي أصبح بعيداً عن الواقع، وتركزّ الجهد التفاوضي حينها فيما يتعلق بانهاء الحرب على قطر ومصر، وفي مرحلة ما بعد الحرب على الامارات ومصر.
لكن مع مجيء ترامب إلى البيت الأبيض بداية العام، رأى الجانب التركي فرصة ثمينة في إعادة التموضع بقوّة في الملف الفلسطيني من خلال العلاقات الشخصية القوية التي تربط الرئيس الأمريكي ترامب بنظيره التركي أردوغان. وقد ساعد نجاح أردوغان في إقناع ترامب بإعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه سوريا بشكل جذري في تسهيل سلسلة من التوافقات السياسية بين الرجلين على بعض الملفات الثنائية والإقليمية. وقد تبلور ذلك بشكل واضح خلال زيارة أردوغان الأخيرة الى الولايات المتّحدة الأمريكية حيث تمّ استقباله بحفاوة كبيرة وحظي باهتمام شخصي منقطع النظير من الرئيس ترامب.
وفي ملف غزّة بالتحديد، كان واضحاً من خلال الجلسة التي تمت في واشنطن بين الرئيس الأمريكي والزعماء العرب والمسلمين بأنّ تركيا تريد لعب دور محوري في ملف إنهاء الحرب على غزّة. وقد تمّ إجلاس الرئيس أردوغان على قدم المساواة مع ترامب على رأس الطاولة، وباقي الزعماء يلتفون حولها، في مشهد إلتقطته كاميرات الإعلام وحمل دلالة عميقة عن الدور التركي المرتقب.
وبالفعل، ما هي إلاّ أيام حتى تمّ إدخال الجانب التركي بشكل رسمي في المفاوضات الى جانب قطر ومصر، وتم الإعلان عن التوصل الى الاتفاق خلال الاجتماع الذي جمع المسؤولين في الوفود التي مثلت كل من تركيا وقطر ومصر وحماس من جهة، وامريكا وإسرائيل من جهة أخرى. وعلى الرغم من انّ المقترح التركي الأصلي ليس مطابقا لخطة ترامب، إلاّ انّ خطّة الأخير تحمل بعض البصمات التي تشير الى انّ الجانب التركي ضمّنها بعض مقترحاته لعل من أبرزها لعب دور أساسي في وقف اطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، ومشاركة القوات التركية في "قوة مهام" دولية، ومساعدة قيادات حماس في توفير مكان لإقامتهم طويلة الأمد، ودعم جهود إعادة إعمار غزة.
على الرغم من أنّنا نتحدث الآن عن المرحلة الأولى من الاتفاق وعن بقاء الكثير من التفاصيل غامضة في هذه اللحظة، إلإّ أنّ نجاح أنقرة في إدخال نفسها في المعادلة الفلسطينية على الرغم من العوائق الجغرافية والسياسية والاقتصادية ومعارضة إسرائيل القويّة هو أمر يحسب للجانب التركي خاصّة في ظل الانتقادات التي طالتها من بعض الشعبويين خلال العامين الماضيين.وعلى الرغم من أنّنا نتحدث الآن عن المرحلة الأولى من الاتفاق وعن بقاء الكثير من التفاصيل غامضة في هذه اللحظة، إلإّ أنّ نجاح أنقرة في إدخال نفسها في المعادلة الفلسطينية على الرغم من العوائق الجغرافية والسياسية والاقتصادية ومعارضة إسرائيل القويّة هو أمر يحسب للجانب التركي خاصّة في ظل الانتقادات التي طالتها من بعض الشعبويين خلال العامين الماضيين.
وفي تصريح له بعيد الاتفاق، قال الرئيس التركي إنّ بلاده ستتخذ التدابير للحرص على عدم نقض إسرائيل للالتزامات التي تترتب عليها انطلاقاً من الخبرة التاريخية التي تشير إلى أنّ الإسرائيليين لا يلتزمون بأي اتفاقات وينقضونها عند أوّل فرصة بحجج واهية كما قال.
كما نُقل عن بعض المصادر المرتبطة بوزارة الدفاع التركية استعداد القوات المسلحة التركية لتنفيذ أي مهمة توكل إليها رسمياً، وهو ما يشير إلى أنّ الجانب الإسرائيلي قد لا يزال معترضاً على مثل هذا الدور، لكنّ حصوله على أرض الواقع أمر مهم جداً على المدى البعيد اذا ما نجح الاتفاق الحالي في تخطي العقبات التي تلي المرحلة الأولى، علماً أن الجانب الإسرائيلي لم يتخلى يوما عن تقليده المتمثّل في خرق الاتفاق وهو ما يعني أنّ هناك مهمّة شاقة تنتظر الأطراف الراعية للاتفاق وتلك التي ستعمل مع الجانب التركي في غزة بحكم الجغرافيا والسياسة والواقع، الأمر الذي يتطلب تنسيقا عاليا وتفاهما كبيراً بينها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة تركيا الفلسطيني دور احتلال تركيا فلسطين غزة دور مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجانب الترکی على الرغم من الحرب على
إقرأ أيضاً:
بعد رفض إسرائيلي متواصل.. تركيا أردوغان تستعيد دورها في دبلوماسية غزة
نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تحليلا لتسفي بارئيل محلل شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة، عن الدور التركي في اتفاق وقف إطلاق في غزة.
واستشهدت الصحيفة، بحديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء الماضي، بأن "تركيا تحاول أن تشرح لحماس ما هو أفضل طريق نحو إقامة دولة فلسطينية مستقبلية".
وقالت الصحيفة، إن "الشرح والإقناع كلمتان يكثر أردوغان من استخدامهما عند الحديث عن جهود الوساطة التي يبذلها، وليس فقط تجاه حماس. فعلى عكس تعامله مع أعدائه في الداخل والأعداء الذين تحاربهم تركيا، فإن الضغط والتهديد ليسا من قاموسه الدبلوماسي".
وكما في مبادرات الوساطة السابقة، التي بدأت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تُقدم تركيا نفسها كشريك في العمليات السياسية، والتي، وفقًا لأردوغان، يجب أن تُنفذ "بالتنسيق والتفاهم والمرونة".
وبحسب الصحيفة، فإن تركيا تمتلك عدة أدوات ضغط يمكنها استخدامها ضد حماس فهي موطن لعدد من مسؤولي الحركة الذين يحملون جوازات سفر تركية، ويمتلك بعضهم منازل وأصولًا أخرى في البلاد وقد نُقل العديد من أسرى حماس المفرج عنهم في صفقة جلعاد شاليط إلى تركيا ولا يزالون هناك.
وأضافت الصحيفة، أن حماس تمتلك شبكة مالية واسعة، أسسها صالح العاروري أثناء إقامته في إسطنبول وقبل نفيه منها عام 2015، وتشمل هذه الشبكة شركات مدرجة في البورصة التركية.
وتابعت، "كادت إمبراطورية حماس التجارية أن تُدرج تركيا في مجموعة العمل المالي، التي أنشأتها دول مجموعة السبع لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، عندما طرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عام 2024 إمكانية ترحيل قادة حماس من قطر، رئيس الوزراء محمد عبد الرحمن آل ثاني، كانت الخيارات التي اقترحتها حماس نفسها هي تركيا وسوريا".
وبرهنت تركيا في الماضي على أنها لا تخشى طرد النشطاء السياسيين عندما تقتضي مصالحها ذلك. فمنذ عام 2022، وبينما سعت أنقرة إلى إصلاح علاقاتها مع مصر، فرضت حكومة أردوغان قيودًا على أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، وأمرت بإغلاق وسائل إعلامها لكن مع حماس، يلعب أردوغان لعبة مختلفة.
وأشار تحليل الصحيفة، إلى أن "أنقرة نفسها الآن في موقف مُوازِن بين دورين. الأول، كُلِّفت من قِبَل ترامب، إلى جانب مصر وقطر، بإبرام اتفاق مع إسرائيل وإقناع حماس بتوقيعه. والثاني، تطلب حماس من تركيا أن تكون ضامنةً لتنفيذ الاتفاق: من وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى إلى المرحلة التالية من انتقال غزة إلى إدارة دولية وفلسطينية، بدعمٍ من قوة متعددة الجنسيات لم تُحدَّد بعد".
وأوضحت أن هذا الدور المزدوج يضع تركيا في موقف مألوف - التوسط بين الخصوم مع الحفاظ على صورة الوسيط العادل، ويُذكرنا هذا بمشاركتها في صفقة الحبوب الأوكرانية الروسية عام 2022، عندما نجحت في ترسيخ مكانتها كوسيط نزيه رغم كونها عضوًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تُزود كييف بطائرات مُسيّرة، رافضةً الانضمام إلى العقوبات الغربية على موسكو.
وفي ظل هذا النهج الدبلوماسي، من غير المجدي توقع أن يُهدد أردوغان حماس أو يمارس عليها ضغوطًا شديدة فبعد استبعادها لسنوات - بإصرار إسرائيلي كبير - من الانخراط في القضية الفلسطينية، تسعى تركيا الآن ليس فقط للانضمام مجددًا إلى جهود الوساطة، بل أيضًا إلى ضمان دور مستقبلي لها في إدارة غزة بعد الحرب وهذا الطموح بحد ذاته يُوفر لحماس نوعًا من الطمأنينة السياسية.
وأردفت الصحيفة، أنه بالرغم من أن أنقرة ساندت القرارات العربية والإسلامية التي قادتها السعودية، والتي أعلنت أن حماس لا ينبغي أن تحكم غزة ويجب أن تنزع سلاحها، فإن تركيا ربما لا تزال تعمل بمثابة الطرف الذي يحافظ على وجود حماس كحركة سياسية.
وتعتمد توقعات حماس من تركيا إلى حد كبير على العلاقة الدافئة بين أردوغان وترامب، الذي يأمل أن يمنح إسرائيل المزيد من التنازلات وربما حتى التزاما أمريكيا مكتوبا يضمن أن إسرائيل لن تستأنف الحرب بعد إطلاق سراح جميع الرهائن، وأنها ستنسحب من غزة وفقا لجدول زمني محدد. ولكن ربما تساعد تركيا المنظمة على الاستمرار في الوجود كحركة سياسية.
وأشارت إلى أن هذه الديناميكية تُميّز تركيا عن مصر وقطر. يتمتع أردوغان بتواصل مباشر مع ترامب، ويمتلك ما يصفه المسؤولون الأتراك بـ"أصول دبلوماسية قيّمة" لواشنطن، بدءًا من الاستقرار المُحتمل في سوريا، وصولًا إلى خفض واردات الطاقة من روسيا، وصولًا إلى صفقات بمليارات الدولارات لشراء طائرات بوينغ وإف-16.
وقالت "هآرتس" إن مساعي حماس للحصول على مساعدة تركيا ليست جديدة ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، التقى رئيس مجلس شورى الحركة، محمد درويش، بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان لعرض خطة تتضمن إطلاق سراح جميع الرهائن مقابل إنهاء الحرب وانسحاب إسرائيلي كامل.
وفي ذلك الوقت، وبينما كان جو بايدن لا يزال في البيت الأبيض، قضت معارضة إسرائيل القاطعة لكل من الاقتراح والتدخل التركي على المبادرة، ومنذ ذلك الحين، حافظت حماس على اتصالاتها مع أنقرة. والتقى درويش مرتين على الأقل هذا العام مع فيدان ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين، الذي يرأس الآن الوفد التركي إلى محادثات شرم الشيخ.
ويعتبر كالن الذي خلف فيدان في رئاسة جهاز الاستخبارات الوطني أحد أكثر مساعدي أردوغان ثقة، فهو فيلسوفٌ بطبعه، وباحثٌ في الفكر الإسلامي خريج جامعة جورج تاون، وموسيقيٌّ محترف، ولطالما كان محور الدبلوماسية الإقليمية التركية - من إدارة الاتصالات مع القيادة السورية إلى التفاوض مع حزب العمال الكردستاني. وهو الآن الرجل المُكلَّف بتأليف "اللحن" الذي يمكن لحماس الانضمام إليه.
وبحسب مسؤولين مصريين وأتراك، فإن فرص كالن في تحقيق نهاية ناجحة لهذه السيمفونية الدبلوماسية الحساسة أصبحت أفضل من أي وقت مضى.