خلال ساعتين فقط يوم الخميس، حقق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب انتصارين متباينين يعكسان طبيعة رئاسته المنقسمة. الأول كان دبلوماسيًا ضخمًا بعدما احتفلت إدارته بتوصل إسرائيل وحماس إلى المرحلة الأولى من خطته لإنهاء الحرب المدمرة فى غزة. أما الثانى فكان داخليًا مثيرًا للجدل حين وُجهت لائحة اتهام إلى المدعية العامة فى نيويورك ليتيتيا جيمس، بعد أيام من مطالب ترامب العلنية بمحاكمتها، فى خطوة وُصفت بأنها آخر فصول انتقامه من خصومه السياسيين.

وبينما سعى ترامب لتسويق نفسه كـ«صانع سلام» على المسرح الدولى، كان يغذى فى الداخل سلسلة من الصراعات المحتدمة مع الديمقراطيين والهيئات القضائية والإعلامية. هذه الازدواجية، كما وصفتها الصحف الأمريكية، باتت العلامة الأبرز فى رئاسته الثانية، وأداة فى الوقت ذاته يستخدمها خصومه وحلفاؤه لتغذية معاركهم السياسية.

الصور التى اجتاحت الإعلام هذا الأسبوع عكست بوضوح هذا الانقسام. ففى شوارع غزة وتل أبيب، رقص الإسرائيليون والفلسطينيون ابتهاجًا بوقف إطلاق النار الذى أنهى حربًا استمرت لعامين كاملين، بينما اندلعت فى الوقت ذاته اشتباكات عنيفة بين متظاهرين وقوات الأمن الفيدرالية فى مدن أمريكية معارضة لسياسات ترامب، بعد نشره الجيش فى مناطق يقودها ديمقراطيون رفضوا تدخله.

البيت الأبيض سعى إلى تفسير هذه التناقضات باعتبارها مظهرًا لوحدة الهدف. إذ قال مسئول رفيع لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن تدخل ترامب فى غزة لإرساء السلام جاء من الدافع نفسه الذى دفعه إلى إرسال قوات إلى شيكاغو، وهو «وقف العنف وتعزيز الاستقرار». وأكد المسئول أن الديمقراطيين يتحملون المسئولية الكاملة عن تداعيات الإغلاق الحكومى الراهن.

المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلى وصفت ما نشرته «نيويورك تايمز» حول تناقضات ترامب بأنه «مغالطة جديدة من الصحيفة الفاشلة»، وقالت فى بيان: «ترامب يعمل على إنهاء الصراعات حول العالم كما يقمع العنف فى مدن البلاد. لقد نجح فى الداخل والخارج. نهاية الحرب بين إسرائيل وحماس جارية، ومدن أمريكية مثل واشنطن العاصمة تشكره على موارده التى حققت مزيدًا من العدالة للضحايا ومحاسبة المجرمين».

وبينما وصف أنصاره اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة بأنه «تحويلى»، واعتبروا لائحة الاتهام ضد ليتيتيا جيمس «محكمة»، فإن منتقديه أكدوا أن ترامب يستثمر الفوضى ويراها تصب فى مصلحته. زيليزر شدد على أن «ترامب لم يكن بحاجة إلى الدفع نحو هذه التهمة فى هذا التوقيت، لكنه فعل ذلك لأنه يرى الفوضى وسيلة لكسب أوراق سياسية إضافية».

ودافع مايك ديفيس، رئيس مجموعة «المادة الثالثة» المحافظة عن خطوة توجيه الاتهام قائلًا: «لقد شنت حربها القانونية على الرئيس وحاولت إفلاسه، وبعد سنوات من قولها إن لا أحد فوق القانون، جاء اليوم الذى تخضع فيه للقانون ذاته». أما جاستن لوجان، من معهد كاتو، فأشار إلى أن تصرفات ترامب تكشف نظرته إلى السياسة، قائلًا: «ترامب يرى أن المؤسسات الفيدرالية والإعلام والجامعات جميعها أدوات فى صراع سياسى مستمر، ويعتقد أن الجمهوريين تخلوا عن دورهم لعقود».

الضغط النفسى الذى عاشه ترامب ظهر بوضوح فى نهاية الأسبوع. ففى فعالية داخل المكتب البيضاوى أعلن خلالها عن صفقة لخفض أسعار الأدوية الموصوفة، لم يتردد فى الانتقال مباشرة للحديث عن اتفاقه فى الشرق الأوسط، واصفًا الاحتفالات باقتراب نهاية الحرب بأنها «شىء جميل لم يره من قبل». وأضاف: «لم أرَ قط شعوبًا أسعد من تلك التى فى إسرائيل ومناطق أخرى، الجميع يرقصون فى الشوارع». لكنه سرعان ما عاد ليهاجم قادة إلينوى وشيكاغو، واصفًا الحاكم الديمقراطى جيه بى بريتزكر بأنه «حاكم أخرق» والعمدة بأنه «رجل غير كفء»، مؤكدًا: «نحن ذاهبون إلى شيكاغو لإنقاذ شيكاغو».

الدكتور محمد أوز، الذى يشغل منصب مدير مراكز الرعاية الطبية، سعى إلى وضع أفعال ترامب فى سياق أشمل قائلًا: «العالم يراقب ترامب وهو يحاول إحلال السلام فى كل مكان، لكنه فى الوقت نفسه يجلب راحة البال للأمريكيين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف أدويتهم».

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الرئيس الأمريكى دونالد ترامب

إقرأ أيضاً:

مصر تصنع السلام

مرة بعد أخرى، وعلى مدار عقود، تثبت مصر للعالم، أنها الرقم الصعب والمؤثر، فى معادلة الشرق الأوسط، والتأكيد أن استقرار المنطقة لا يمكن تحقيقه بدون دورها المباشر والفاعل.
لقد نجحت مصر، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى إنجاز اتفاق جديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، دخل حيز التنفيذ مؤخرًا، بعد جهود دبلوماسية وأمنية قادتها الدولة المصرية بهدوء وحنكة، وعلى رأسها جهاز المخابرات العامة، الذى تحرك باحترافية عالية، حسمت كثيرًا من التعقيدات، كما أذابت جليد التوتر بين الطرفين فى ملفات شائكة.
لم يكن هذا التحرك المصرى مفاجئًا، خصوصًا أن مصر تحمل على عاتقها منذ عقود مسئولية دعم القضية الفلسطينية، حيث حرصت على دفع كافة الأطراف نحو حل يوقف نزيف الدم ويحفظ ما تبقى من الأمل فى مستقبل أكثر أمنًا.
تلك التحركات المصرية تمت عبر قنوات مفتوحة مع جميع الفاعلين الدوليين والإقليميين، بعيدًا عن الاستعراض، و«الشو الإعلامى»، لكنها كانت فائقة الدلالة، من حيث التوقيت والدقة وتحقيق الهدف.
فى قلب تلك الأحداث، برزت شرم الشيخ (مدينة السلام)، كمساحة آمنة للحوار، حيث استضافت اللقاءات الحاسمة وسط إجراءات أمنية مشددة، عكست مدى جاهزية الدولة لحماية مسار التفاوض بكل ما أوتيت من إمكانات، ومعها شعر الجميع أنهم آمنون، حيث الأمان والسرية والاحترافية، وهذا ما ساعد على خلق مناخ تفاوضى حقيقى، يعلو فيه صوت العقل والحكمة.
الرئيس السيسى، بثقله السياسى وحضوره الإقليمى، أعاد التأكيد أن السلام ليس مجرد خيار، بل ضرورة لحماية أمن المنطقة بأكملها، وأن مصر لن تتردد فى استخدام ما لديها من تأثير وعلاقات للدفع باتجاه الحل العادل والدائم، ثم جاءت الإشادات الدولية الأخيرة لتعكس هذا الدور القيادى، تأكيدًا أن القاهرة لا تزال قادرة على جمع المتناقضات وصياغة توافقات وسط الدمار.
كما لا يمكن إغفال الدور الذى لعبه رجال المخابرات العامة المصرية، الذين خاضوا جولات طويلة من الحوار غير المعلن، بتكليف مباشر من القيادة السياسية، وبتنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية، فكانوا صقورًا فى الرؤية، وثابتين فى المواقف، وعاملًا حاسمًا فى صياغة الاتفاق النهائى.
تلك التطورات، تتزامن مع زيارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب إلى مصر، للمشاركة فى قمة السلام، إذ تعتبر إشارة جديدة لإدراك واشنطن بأن مفاتيح الحل الحقيقى تبدأ من القاهرة، لا من غيرها، حيث إنها بتاريخها وثقلها، تبقى حجر الأساس فى أى عملية سلام، والضامن الأهم لأى استقرار فى المنطقة.
وفى الختام، لا يمكن النظر إلى هذا الاتفاق إلا كخطوة أولى على طريق السلام الطويل، الذى تقوده مصر بثبات، بتاريخها السياسى العميق، وقدرتها على الجمع بين الواقعية والالتزام، إذ أثبتت أنها الأجدر بهذه المهمة، لأن السلام لا يُصنع بالشعارات، بل بالثقة، والهدوء، والعمل المتواصل، وهى عناصر أصبحت اليوم عنوانًا للدور المصرى المتجدد فى الشرق الأوسط.
[email protected]

مقالات مشابهة

  • قمة شرم الشيخ.. ترامب يحول السياسة إلى عرض ستاند أب كوميدى عالمي
  • جهد كبير
  • أوغندي وإثيوبية يتألقان بماراثون شيكاغو والأفارقة يهيمنون
  • عراقجي يهاجم ترامب.. ويشكك في نوايا إسرائيل "للسلام"
  • مصر تصنع السلام
  • ترامب يصف نتنياهو بأنه رجل يتمتع بشجاعة استثنائية ويصعب التعامل معه
  • ترامب أمام الكنيست: إسرائيل حققت كل ما يمكن بالحرب.. وحان الوقت للسلام
  • كيبليمو وفيسا بطلا ماراثون شيكاغو
  • ترامب: منحنا حماس الموافقة لإبقاء الأمن في غزة لفترة من الزمن
  • شيكاغو : احتجاجات شعبية ضد حاكم مينيسوتا لتواطئه في “الإبادة الجماعية” في غزة