جريدة الرؤية العمانية:
2025-10-14@00:50:03 GMT

حين يتكلم الجاهل ويسكت الحكيم

تاريخ النشر: 12th, October 2025 GMT

حين يتكلم الجاهل ويسكت الحكيم

 

 

حمود البطاشي

في إحدى القرى الهادئة التي كانت تُعرف بتكاتف أهلها وحبهم للعمل الجماعي، نشأ مجتمعٌ صغير تسوده البساطة ويغمره الأمل. كان الناس فيها يختلفون في الرأي، لكنهم يتفقون على محبة المكان والحرص على مصلحته. ومع مرور الأيام، تغيّر الحال، وبدأت الوجوه الجديدة تتصدر المشهد، وجوه لم تعرف معنى المسؤولية، ولا تحمل سوى حب الظهور والرغبة في التحكم بمصائر الآخرين.

كان “العم سالم” أحد كبار القرية، رجلًا حكيمًا تجاوز السبعين من عمره، عرفته الأجيال بأمانته وصدقه وحرصه على الصالح العام. عاش عمره بين الناس بالحق، لا يجامل أحدًا، ولا يسعى لمصلحة شخصية. كلما واجهت القرية أزمة، كان صوته حاضرًا، وكلمته تُحترم. لكن الزمن تغيّر، وبدأت فئة من الشباب- الذين لم يُختبروا بعد في المواقف الصعبة- تتصدر المجالس والقرارات، متذرعين بأنهم "جيل جديد" يعرف أكثر مما يعرف "الكبار".

ذات يوم، اجتمع أهل القرية لبحث موضوعٍ مهم: بناء ملعب عام للشباب. كانت الفكرة في ظاهرها جميلة، لكنها وُضعت في موقع خاطئ، وسط الأحياء السكنية وقريبًا من الجامع. لم يكن الموقع مناسبًا، وأدرك العم سالم ومن معه من العقلاء أن ذلك سيجلب الضرر للناس، لكن أصواتهم خُنقت وسط ضجيج من لا يفقهون.

قال أحدهم بصوتٍ مرتفع:

- أنتم جيل الماضي، لا تفهمون حاجات الشباب، نحن نعرف أين نبني وماذا نفعل!

ابتسم العم سالم بهدوء وقال:

- يا ولدي، نحن لا نمنع الخير، بل نحاول أن نضعه في مكانه الصحيح، فالمكان الخطأ يُحوِّل الخير إلى ضرر.

لكنهم لم يصغوا، فقد غلب عليهم العناد والرغبة في إثبات الذات.

مرّت الشهور، واكتمل بناء الملعب في المكان الذي أصرّوا عليه. لم تمضِ أيام حتى بدأت الشكاوى تتوالى: ضجيج في الليالي، سيارات تقف أمام البيوت، أطفال لا يستطيعون النوم، ومصلون يتذمرون من الأصوات المزعجة أثناء الصلاة. حينها، بدأ البعض يدرك أن صوت الحكمة الذي سُكت عنه لم يكن عبثًا، وأن من ظنّوا أنهم "جهلة قدامى" كانوا أكثر فهمًا وحرصًا.

اجتمعوا مرة أخرى، وهذه المرة كان الوجوم يملأ الوجوه.

تحدث أحد أولئك المتحمسين قائلًا بخجل:

-  يا عم سالم، يبدو أنك كنت على حق، لكننا ظننا أنك تعرقل المشروع.

أجابه سالم بنبرةٍ أبويةٍ هادئة:

- لا يهم من كان على حق، المهم أن نتعلم. المشكلة ليست في الخطأ، بل في الإصرار عليه.

ومنذ ذلك اليوم، تغيّر بعض أهل القرية، وأدركوا أن التسرّع في اتخاذ القرارات دون استشارة أهل الخبرة يُدمّر أكثر مما يُصلح. لكن، بقي هناك من لا يتعلم، يظن أن الصوت العالي دليل قوة، وأن كثرة الكلام تعني الحكمة. وهؤلاء هم سبب فوضى المجتمعات في هذا الزمان.

فالجاهل اليوم لا يحمل سيفًا، بل لسانًا يتحدث في كل شأن، يوزّع الأوامر والنواهي كأنه وصيٌّ على الناس. بينما أصحاب الفكر والرأي الصائب يلوذون بالصمت، لأنهم سئموا الجدال في زمنٍ لم يعد يُقدّر الكلمة الصادقة ولا يُنصت للعقلاء.

انتهت القصة، لكنّها في الواقع لم تنتهِ… فهي تتكرر في كل مكان.

في كل حيٍّ، وفي كل دائرة، وفي كل مجلسٍ تُهمَّش فيه العقول الناضجة، ويتصدر فيه أصحاب المظاهر والضجيج.

لقد قال العم سالم يومًا:

"حين يسكت العاقل خوفًا من الجاهل، تتحول الفوضى إلى قانون، والباطل إلى عادة.

ولذلك، سيبقى المجتمع في حاجةٍ إلى من يتكلم بالعقل، لا بالصوت العالي، إلى من يعمل بصمتٍ من أجل المصلحة العامة، لا من أجل صورته أمام الناس.

فما أكثر المتحدثين، وما أقل من يفهمون!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

شاحنات المساعدات تتدفق من مصر لغزة عبر معبري كرم أبو سالم والعوجة

قال أيمن عماد، مراسل القاهرة الإخبارية من رفح المصرية، إن تدفق الشاحنات عبر منفذي كرم أبو سالم والعوجة ما زال مستمرا بكميات أكبر بـ5 أضعاف من الكميات السابقة، وهو ما يؤكد دخول البند الخاص باتفاقية شرم الشيخ التي أبرمت ما بين حماس وإسرائيل والتي تنص على زيادة أعداد شاحنات المساعدات لتصل إلى 600 شاحنة يوميا.

منفذي كرم أبو سالم والعوجة 

وأضاف خلال رسالة على الهواء، أنه من المتوقع أن تتدفق نحو 400 شاحنة من الأراضي المصرية صوب معبري كرم أبو سالم والعوجة، وهو ما لوحظ منذ الصباح، مشيرا إلى أنه في مقدمة القافلة الأولى التي انطلقت في الصباح صوب منفذي كرم أبو سالم والعوجة عدد من شاحنات الوقود بعد أن كانت تقابل بعراقيل من قوات الاحتلال الإسرائيلي إما بالرفض أو المنع بشكل كامل في ظل الاحتياج الكامل للوقود في القطاع حتى تعود مستشفيات القطاع إلى عملها مرة أخرى.

وصول شاحنات المساعدات إلى خان يونس بقطاع غزةقمة شرم الشيخ للسلام.. تحركات مكثفة من أجل غزةعودة الفلسطينيين للمناطق الشمالية

وتابع أنه في ظل عودة الفلسطينيين إلى المناطق الشمالية ولم يجدوا إلا ركاما وبيوتا مهدمة، لذلك فحاجتهم إلى المساعدات العلاجية والطبية والدوائية وكذلك السلع الغذائية مهم للغاية، مشيرا إلى أن اللافت أنه لم تعد أي شاحنة محملة بالبضائع والمساعدات كما كانت العادة في الأيام السابقة، وهو ما أشاد به السائقون الذين نقلوا البضائع إلى الجانب الآخر.

طباعة شارك كرم أبو سالم العوجة شرم الشيخ اتفاقية شرم الشيخ المساعدات

مقالات مشابهة

  • احذر من جاهل حفظ سطرين وفقير جمع قرشين
  • نقل عجمان تعيد تشغيل خط القرية العالمية
  • طرق دبي تستأنف تشغيل 4 خطوط حافلات وعبرات سياحية لخدمة زوار القرية العالمية
  • شاحنات المساعدات تتدفق من مصر لغزة عبر معبري كرم أبو سالم والعوجة
  • وضع شعار القرية العالمية الخاص بالموسم الـ 30 على التأشيرات الصادرة من إقامة دبي
  • هل يجوز إخراج العم زكاة ماله لأولاد أخيه الصغار؟.. الإفتاء تجيب
  • الأزهر للفتوى: العمومة ولاية وتراحم
  • الأزهر للفتوى: العمومة.. ولاية وتراحم
  • "العمومة ولاية وتراحم".. دور العم في حياة أولاد أخيه