تطوير ضرائب القيمة المضافة في الاقتصادات النامية
تاريخ النشر: 12th, October 2025 GMT
رابح أرزقي / جريجوار جرازيوسي / ريك فان بلوج -
تُعد ضريبة القيمة المضافة واحدة من أكثر الابتكارات الضريبية انتشارا خلال السنوات السبعين الأخيرة.
بدأ تجريبها لأول مرة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي في كوت ديفوار ــ التي كانت مستعمرة فرنسية آنذاك ــ وجرى تطبيقها تدريجيا في مختلف أنحاء فرنسا منذ عام 1954 حتى اعتمادها رسميا في عام 1966، ومنذ ذلك الحين تبنتها 175 دولة، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية الاستثناء الملحوظ.
تكمن جاذبية ضريبة القيمة المضافة على مستوى العالم في ميزاتها الأصيلة. فهي باعتبارها ضريبة على استهلاك الأُسَـر النهائي، تزود الحكومات بقاعدة إيرادات مستقرة. وتمنع آلية الخصم والائتمان التي تطبّقها في مختلف مراحل سلسلة القيمة، العبء الضريبي التراكمي الذي كان شائعا في السابق مع ضريبة دوران السلع وضريبة المبيعات. لا تضمن هذه الطريقة الحياد فحسب، بل تعزز الامتثال أيضا: فمن خلال التحقق من المعاملات بين الموردين والعملاء، تولد ضريبة القيمة المضافة تدفقا أكثر جدارة بالثقة للإيرادات حتى في حالات فشل الأعمال أو الاحتيال.
ارتبط انتشار ضريبة القيمة المضافة بشكل وثيق بتحرير التجارة، حيث خفضت البلدان النامية التعريفات الجمركية واندمجت في الاقتصاد العالمي. ومع تقلص عائدات الرسوم الجمركية، وفرت ضريبة القيمة المضافة ــ التي ترتكز على الاستهلاك المحلي ويجري تحصيلها على الحدود ــ بديلا قويا قادرا على تعويض بل وحتى تجاوز الإيرادات الجمركية المفقودة. ولكن بعد عقود من الاستخدام الواسع الانتشار، تستدعي ضريبة القيمة المضافة إعادة تقييمها.
فكما أظهرت دراستنا الأخيرة، كانت نتائجها متباينة. في الاقتصادات المتقدمة، كانت الضريبة فعّالة في زيادة الإيرادات الضريبية، ودعم التصنيع، وتعزيز التنويع. على النقيض من ذلك، في البلدان النامية الغنية بالموارد، لم يحقق هذا النظام الفوائد المتوقعة، حيث فشل في تعويض عائدات الرسوم الجمركية المفقودة وترك الحكومات تعاني من عجز مالي كبير. مع خفض ميزانيات المساعدات الخارجية من جانب الحكومات المانحة، أصبحت الحاجة إلى حشد الموارد المحلية، بالاستعانة بالضرائب في المقام الأول، أكثر أهمية. وقد أعيد التأكيد على هذه الضرورة الملحة في المؤتمر الدولي الثالث لتمويل التنمية في أديس أبابا في عام 2015، والمؤتمر الرابع في يوليو في إشبيلية. وقد سلط كل من التجمعين الضوء على الإيرادات المحلية باعتبارها عنصرا حاسما لتحقيق خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030. بالإضافة إلى تأثيرها على الإيرادات الضريبية، خَـلَّفَت ضريبة القيمة المضافة عواقب بنيوية غير مقصودة على البلدان النامية الغنية بالموارد. فمن حيث التصميم، تنطبق ضريبة القيمة المضافة على الاستهلاك المحلي فقط؛ أما الصادرات فهي معفاة. وبموجب مبدأ المقصد، يحق للمصدرين حتى استرداد كامل ضريبة القيمة المضافة المدفوعة على المعدات والسلع الوسيطة.
وقد أدى هذا الإطار، مقترنا بالتخفيضات الجمركية، إلى خفض تكلفة استخراج الموارد وتعميق اعتماد هذه البلدان على صادرات المواد الخام غير المعالجة مثل النفط والمعادن بدلا من تعزيز الصناعات التي قد تضيف قيمة كبيرة. وكانت النتيجة «لعنة الموارد»: دورة ذاتية التعزيز من التنويع المحدود والتخلف الاقتصادي.
تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى مشكلة أساسية: من غير الممكن ببساطة نقل الأنظمة الضريبية بالجملة من اقتصاد إلى آخر. لهذا السبب، خضعت ضريبة القيمة المضافة إلى كثير من التعديلات منذ إنشائها في أوائل خمسينيات القرن الماضي لتعكس السياقات الوطنية المختلفة. وتقدم الصين مثالا معبرا. عندما أدخلت البلاد ضريبة القيمة المضافة بمعدل 17% في عام 1994، التزمت في البداية بمبدأ الوجهة بشكل صارم، ومنحت المصدرين حق استرداد كامل ضريبة القيمة المضافة المدفوعة على المدخلات والمعدات.
ولكن بعد مرور عامين فقط، بدأت الحكومة الصينية في تقييد استرداد ضريبة القيمة المضافة على بعض الصادرات استجابة لضغوط كبيرة مرتبطة بالميزانية.
بمرور الوقت، تطور ما بدأ كإجراء طارئ إلى أداة صريحة للسياسة الصناعية الصينية، تُستخدم بالتناوب لتشجيع الصادرات وزيادة الإيرادات الضريبية، حسب الظروف الاقتصادية. في ديسمبر من عام 2024، على سبيل المثال، أوقفت الصين استرداد ضريبة القيمة المضافة لمصدري النحاس والألمنيوم.
وبينما أدى ذلك إلى رفع تكلفة شحن هذه المواد الخام إلى الخارج، فإنه خلق أيضا حوافز قوية لمعالجتها محليا، الأمر الذي سمح للصين بالحصول على قيمة أكبر داخل سلسلة التوريد الخاصة بها. توفر تجربة الصين نموذجا مفيدا للبلدان الغنية بالموارد التي تسعى إلى تعديل ضريبة القيمة المضافة لتلبية الأهداف المالية والتنموية. فهي توضح أن مثل هذه الضرائب من الممكن أن يُـعاد تشكيلها، بالاستعانة بالتصميم والتنفيذ الدقيقين، لتعزيز التصنيع، وتشجيع التنويع، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي البعيد الأمد.
من منظور الاقتصادات النامية ــ التي يعاني كثير منها الآن من قيود شديدة على الميزانية والحاجة إلى خلق وظائف منتجة ومجزية الأجر لأعداد متزايدة من السكان ــ فإن الدرس المستفاد واضح: لكسر حلقة التبعية التي تعيقها، يتعين عليها إصلاح ضريبة القيمة المضافة.
رابح أرزقي نائب الرئيس السابق للبنك الأفريقي للتنمية، ومدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية (CNRS).
جريجوار روتا جرازيوسي أستاذ الاقتصاد بجامعة كليرمون أوفيرني.
ريك فان دير بلوج أستاذ الاقتصاد في جامعة أكسفورد وأستاذ الاقتصاد البيئي في جامعة أمستردام.
خدمة - بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ضریبة القیمة المضافة
إقرأ أيضاً:
القاهرة للدراسات الاقتصادية: إلغاء الامتيازات الضريبية أبرز مزايا الحياد التنافسي في مصر .. تفاصيل
قال الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن وثيقة سياسة ملكية الدولة التي تم الإعلان عنها عام 2022 أحد أهم الأدوات التي مهدت لتطبيق مبدأ الحياد التنافسي، إذ وضعت رؤية واضحة لدور الدولة في النشاط الاقتصادي، تقوم على الانسحاب التدريجي من بعض الأنشطة التجارية، والتركيز على القطاعات الاستراتيجية ذات البعد القومي.
وأضاف مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، في تصريحات خاصة لـ"صدى البلد" أن مبدأ الحياد التنافسي يأتي في صدارة الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق العدالة في المعاملة بين الكيانات الاقتصادية الحكومية والخاصة، وإزالة أي امتيازات أو إعفاءات كانت تمنح لطرف دون آخر.
حصيلة إلغاء الامتيازات الضريبية
وتابع: "أثبتت التجربة المصرية خلال عام 2024 نجاح هذا التوجه بوضوح، حيث بلغت حصيلة إلغاء الامتيازات الضريبية لشركات الدولة نحو 67.4 مليار جنيه، وهي حصيلة غير مسبوقة في تاريخ النظام الضريبي المصري، تعكس التزام الدولة بالعدالة والمساءلة، وتعكس أيضًا قدرتها على تحقيق مكاسب مالية وتنموية مباشرة من تطبيق هذا المبدأ".
معني الحياد التنافسي وأهميته
وأشار الدكتور عبد المنعم السيد، إلى أن الحياد التنافسي هو مجموعة من السياسات والتشريعات التي تضمن عدم منح أي امتيازات أو تفضيلات ضريبية أو مالية أو تنظيمية لأي شركة على حساب أخرى، بغض النظر عن طبيعة ملكيتها (حكومية أو خاصة).
أوضح مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، أن اتجاه الدولة نحو تطبيق الحياد التنافسي يرجع لعدة أسباب أهمها،تصحيح التشوهات التاريخية في بيئة المنافسة، دعم العدالة الضريبية والمساءلة المالية، تعزيز كفاءة إدارة الموارد العامة، تمكين القطاع الخاص من لعب دوره التنموي كشريك رئيسي في النمو الاقتصادي، تحقيق العدالة الاجتماعية عبر توجيه عوائد الإصلاح نحو الفئات المستحقة.
زيادة الإيرادات الضريبية
ونوه، إلى أن تطبيق قانون الحياد التنافسي أسفر عن نتائج ملموسة خلال عام 2024، تمثلت في زيادة الإيرادات الضريبية بمقدار 67.4 مليار جنيه نتيجة إلغاء الامتيازات الضريبية لشركات وهيئات الدولة، وتوزعت هذه الحصيلة على النحو التالي:
-الشركات التابعة للجهات السيادية سددت ضرائب بلغت 16.4 مليار جنيه.
-134 جهة حكومية أخرى دفعت ضرائب بقيمة 9 مليارات جنيه.
-الجهات المنضمة حديثًا إلى مصلحة الضرائب سددت 4.1 مليار جنيه.
-الأندية الرياضية التابعة للجهات الحكومية سددت 23.4 مليار جنيه كضريبة قيمة مضافة على خدماتها.
-شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية سددت 8 مليارات جنيه ضرائب.
الالتزام الضريبي سلوكًا مؤسسيًا
وأكد الدكتور عبد المنعم السيد، أن هذه الأرقام ليست مجرد مؤشرات مالية، بل تمثل تحولًا في فلسفة إدارة الاقتصاد العام، حيث أصبح الالتزام الضريبي سلوكًا مؤسسيًا عامًا يشمل جميع الكيانات دون استثناء.