في ذكرى رحيله .. كرم النجار قلم صادق أضاء الدراما المصرية لسنوات
تاريخ النشر: 16th, October 2025 GMT
تحل اليوم ذكرى رحيل الكاتب والمخرج كرم النجار، ذلك الاسم الذي ارتبط لعقود طويلة بتاريخ الدراما المصرية، وبالفن الراقي الذي يحمل رسالة إنسانية، فقد كان واحدًا من أولئك الذين آمنوا بأن الكلمة مسؤولية، وأن الفن وسيلة للتقريب بين الناس لا للتفرقة بينهم.
وُلد كرم النجار، وتخرج في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، لكنه منذ صغره كان شغوفًا بالقراءة وكان أول كتاب يقرأه، هو "الأرض" للكاتب عبد الرحمن الشرقاوي، الذي تحول لاحقًا إلى فيلم سينمائي من إخراج يوسف شاهين، وقد ترك هذا العمل أثرًا عميقًا في نفسه، إذ أدرك من خلاله كيف يمكن للكلمة أن تعبّر عن الإنسان وتلامس وجدانه وتقرّب بين الشعوب.
بدأت علاقة النجار بالفن مبكرًا، وتحديدًا في المرحلة الثانوية، حين شارك في عرض مسرحي من إخراج مصطفى العيسوي، وحصل من خلاله على الجائزة الذهبية في التمثيل، وتسلمها من المسرحي الكبير نبيل الألفي.. ورغم نجاحه في التمثيل، فإن اهتمامه الأكبر كان بالكتابة، حيث وجد فيها المعنى والقيمة بعد اطلاعه على أعمال توفيق الحكيم وتأثره بها، فقرر أن يثقل موهبته بالقراءة والثقافة.
كانت بدايته الحقيقية في عالم الدراما من خلال سهرة تلفزيونية بعنوان "فراغ" ثم قدّم أول أعماله الطويلة وهو مسلسل "الإنسان والجبل" عام 1969، ومن هنا بدأت رحلته الفنية الطويلة التي شملت عددًا من الأعمال المتميزة في السينما والتلفزيون والمسرح.
من أبرز أعماله السينمائية فيلم "الصرخة" عام 1991 بطولة الفنان نور الشريف، أما في التلفزيون فقد قدّم مسلسلات حفرت أسماءها في ذاكرة المشاهدين، مثل الرقص على سلالم متحركة، الأصدقاء، بابا نور، عالم عم أمين، الامتحان، القضبان، تاه الطريق، ثمن الخوف، سور مجرى العيون، وعفريت القرش.
كما كتب عددًا من المسرحيات التي حملت بصمته الخاصة، ومنها يا غولة عينك حمرا وأولاد الغضب والحب، وهي أعمال عبّرت عن هموم الناس وواقعهم بروح فنية وإنسانية راقية.
ومن المحطات الفارقة في مسيرته، أنه كان أول كاتب قبطي مسيحي الديانة يهتم بكتابة عمل درامي عن سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حيث كتب مسلسل "محمد رسول الله" كما شارك في كتابة مسلسل "لا إله إلا الله" وهو ما يعكس رؤيته الثقافية الواسعة واعتزازه بالانتماء إلى مجتمع متنوع يقوم على قيم التعايش والاحترام.
وفي عام 2019، كرّمه المركز الكاثوليكي المصري للسينما خلال دورته السابعة والستين، وكان ذلك آخر ظهور علني له قبل وفاته بثلاث سنوات، وجاء التكريم بمثابة رسالة تقدير ووفاء لمسيرته الطويلة وإسهاماته الكبيرة في خدمة الفن والثقافة.
رحل كرم النجار، لكنه لم يغب، فآثاره باقية في وجدان المشاهدين وذاكرة الدراما المصرية، وسيظل اسمه حاضرًا كأحد الذين كتبوا بإخلاص، وقدموا فنًا نقيًا نابعًا من حب الإنسان واحترام العقل والإيمان بقيمة الكلمة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدراما المصرية رسالة إنسانية ذاكرة الدراما المصرية الدراما المصریة
إقرأ أيضاً:
حين تتحول الدراما والإعلام إلى قوة تغير المجتمع وتحافظ على هويته
شهدت مكتبة مصر العامة مؤخرًا ندوة مهمة بعنوان ًالدراما والإعلام وبناء الإنسان شاركتُ فيها كمتحدثة بدعوة كريمة من الإعلامي الكبير أيمن عدلي، وأدارها الكاتب الكبير أحمد أيوب رئيس تحرير جريدة الجمهورية، بحضور نخبة متميزة من النقاد والإعلاميين والكتّاب. وجاءت الندوة في إطار حوار جاد حول دور الدراما والإعلام في تشكيل وعي المجتمع، لا سيما في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم في عصر السوشيال ميديا.
ناقشنا خلال الندوة كيفية تحقيق تكامل حقيقي بين الإعلام والدراما، بحيث يقدمان معاً محتوى يليق بالشعب المصري، ويستجيب للتحديات الثقافية والفكرية التي تواجه الجيل الجديد وفي ظل كثافة المعلومات وسرعة انتشارها عبر منصات التواصل الإجتماعي، أصبح الدور التنويري لكل من الإعلام والدراما أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى ،ليس فقط لتثقيف الجمهور، بل لتصحيح المفاهيم، ودعم الهوية الوطنية، وإبراز النماذج الإيجابية داخل المجتمع.
وجاءت الندوة متوافقة مع الإهتمام الذي يوليه الرئيس عبد الفتاح السيسي بدعم الدراما الهادفة ودورها في بناء الوعي المجتمعي؛ إذ يؤكد الرئيس دائماً على ضرورة تقديم أعمال فنية تعكس الواقع المصري بصدق، وتبرز حجم التنمية التي تشهدها الدولة، وتسلط الضوء على النجاحات التي تتحقق يوماً بعد يوم. كما تؤدي الدراما دوراً مهماً في دعم السياحة من خلال عرض الجوانب التاريخية والجمالية لمصر.
ومن واقع خبرتي ومتابعتي للمشهدين الإعلامي والدرامي، أؤمن بأننا أمام مرحلة تحتاج إلى إستراتيجية واضحة لصناعة محتوى يعيد للدراما دورها الأصيل بوصفها قوة ناعمة قادرة على التأثير والبناء. فالمطلوب اليوم ليس فقط أعمالًا تحقق نسب مشاهدة مرتفعة، بل أعمالًا تحمل رسائل واعية وتُسهم في تشكيل وعي حقيقي لدى الأجيال الجديدة.
وأرى أن الدراما يجب ألا تكتفي بعرض المشكلات، بل ينبغي أن تقدم أيضاً الإلهام والأمل، وتسرد قصص النجاح التي تحفز الشباب وتعبر عن قدرة المصريين على التغيير وصناعة المستقبل. كما والإعلام فدوره لا يقل أهمية، إذ يجب أن يكون شريكًا في التوعية، قادرًا على تبسيط القضايا المعقدة،
ومخاطبة عقل المواطن، وتعزيز ثقته في وطنه ومستقبله.
زأن يتجاوز حدود نقل الأخبار إلى تحليلها وتبسيطها وشرحها للمواطن، ليكون شريكاً فاعلاً في تعزيز الوعي، لا مجرد ناقل للأحداث.
ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر للمنتجين الذين تعاونوا مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في تقديم أعمال درامية هادفة تحترم عقل المشاهد وتعكس القيم الأصيلة للمجتمع المصري؛ فهؤلاء يساهمون في رفع مستوى الدراما ويؤكدون أن الفن يمكن أن يكون راقياً ومؤثراً في آن واحد.
وأرجو منهم الإستمرار في هذا النهج الواعي، والإبتعاد عن الأعمال التي تروّج للعنف، أو تقدم صورة مشوهة عن المرأة، أو تُسيء إلى قيم المجتمع. فالدراما مسؤولية أخلاقية وثقافية قبل أن تكون مشروعاً فنياً، وتأثيرها المباشر في الجمهور يفرض على الجميع من منتجين وكتّاب ومخرجين أن يكونوا على قدر هذه المسؤولية الوطنية.
كما أتمنى أن يسهم المنتجون في التعاون مع قطاع الإنتاج بماسبيرو لإنتاج أعمال درامية جديدة تعيد إليه روحه ودوره التاريخي. فهذا القطاع العريق كان له فضل كبير على أجيال من صنّاع الدراما، واحتضن أعمالاً شكّلت وجدان الجمهور المصري والعربي لعقود طويلة واليوم حان الوقت ليقف المنتجون إلى جانبه، حتى يعود ماسبيرو شريكاً فاعلاً في صناعة الدراما الوطنية الراقية، ويستعيد مكانته التي يستحقها كأحد أهم روافد الفن والإعلام في مصر.
لحظات إنسانية مُلهمة داخل الندوة
وكان من دواعي سعادتي خلال الندوة حضور والدة ووالد الشهيد البطل هشام شتا، الذين حمل وجودهم معنى عميقاً للتضحية والوفاء، وذكّرونا جميعاً بأن هناك من قدّموا أرواحهم دفاعاً عن الوطن ليحيا المجتمع في أمن وإستقرار. كما تشرفت بوجود اللواء محمد عبد القادر، أحد أبطال نصر أكتوبر، الذي يجسد جيلاً من الأبطال الذين صنعوا أمجاد هذا الوطن وقدموا نموذجاً خالداً للشجاعة والإنتماء. لقد أضفى وجودهم قيمة إنسانية ووطنية مميزة على الندوة، وأثرى الحوار بروح العطاء والتضحية.
لقد كانت مشاركتي في هذه الندوة تجربة ثرية ومُلهمة، عززت قناعتي بأن الدراما والإعلام ليسا مجرد أدوات للترفيه أو نقل الخبر، بل شريكان أساسيان في بناء الإنسان، وتشكيل الوعي، وتقديم صورة حقيقية لمصر بكل ما تحمله من تحديات وإنجازات وطموحات.