المرأة في عصر الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
تمثِّل التطورات الهائلة في الذكاء الاصطناعي وبرامجه المتعددة، طفرة تقنية هائلة ذات أبعاد مؤثِّرة ليس فقط على المستويات الوطنية التنموية بل حتى على مستوى الأفراد، ونسبة تمثيلهم في تلك البرامج والتطبيقات، ففي عالم مؤتمت أصبحت الحاجة ملحَّة إلى تطوير أخلاقيات الذكاء الاصطناعي بما يتناسب مع متطلبات المجتمعات من ناحية، ودعم آفاق المساواة بين أفراده من ناحية أخرى.
فالذكاء الاصطناعي يساعد في الأساس على تخطي العديد من التحديات الاقتصادية، بما يتيحه من إمكانات التطوير والتحسين والابتكار، ويمكِّن الاقتصادات التي تقوم على صناعة المواهب، كما أنه يُسهم في فتح فرص عمل جديدة ويُعزِّز الإنتاجية، وزيادة نمو الناتج المحلي، ولذلك فإن الاستفادة من تلك المعطيات التي يوفِّرها الذكاء الاصطناعي، يؤِّمن مستقبلًا أفضل للأجيال في مجال التعليم والصناعات المختلفة، إلاَّ أن العالم اليوم ينظر إلى تلك المتغيرات التي يُحدثها الذكاء الاصطناعي في مجال دراسات الفجوة بين الجنسين باعتبارها أحد سيناريوهات الابتكار وتحولات القوى العاملة.
ولهذا فإن السؤال المطروح هنا يكمن في أثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي على وضع المرأة في المجتمعات، ومدى استفادتها من تلك التطبيقات ومساهمتها الفاعلة فيها، إضافة إلى وجود سياسات تحميها ضمن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وقدرته على تحديد تلك الخصوصية، ولهذا فإن الاهتمام المتزايد الذي تطلقه المؤسسات المعنية بالمساواة بين الجنسين أو تلك التي ترصد الفجوة بينهما، تقدِّم إشكالات متعلِّقة بقدرة المرأة عالميا في اللحاق بركب تلك التطورات التقنية وإلى أي مدى هي حاضرة ضمنها.
إن الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل إنتاج الصناعات والوظائف والمسارات المهنية، فعلى الرغم من أن إمكاناته متاحة للجميع، إلاَّ أن تقرير (المساواة بين الجنسين في العصر الذكي) الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع لينكد إن، يشير إلى أن النساء أكثر عرضة للتسريح من العمل أو فقدان الوظائف وأقل عرضة لشغل وظائف جديدة منبثقة من الذكاء الاصطناعي، لربما يعود ذلك إلى خصوصية العديد من الوظائف التي تقوم بها المرأة خاصة في مجالات ريادة الأعمال، إلاَّ أن التقرير نفسه يؤكد أن المرأة لها مشاركات فاعلة في عالم التكنولوجيا والتطوير التقني، وبالتالي فإن التحولات التقنية أسهمت من جهة أخرى في تمكين المرأة في هذا المجال، الأمر الذي انعكس على تركيزها في تطوير مساهمتها وتفعيل قدراتها الإبداعية.
يخبرنا التقرير أن المواهب النسائية في عالم الذكاء الاصطناعي نمت بشكل متزايد ما بين (2018-2025)، الأمر الذي أسهم في تضييق الفجوة بين الجنسين في مجال الاقتصادات القائمة على المواهب التقنية بمقدار (74 من 75) اقتصادا، الأمر الذي يعكس القدرات النسائية والإقبال المتزايد منهن على التعليم والتدريب في هذا المجال، إضافة إلى استراتيجيات التطوير والتنمية التقنية التي تعتني بها الدول، وتمكين الشباب عموما والنساء بشكل خاص في مجالات الإبداع والابتكار القائم على برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وعليه فإن هذا التوسُّع المعرفي والتقني أسهم في زيادة حضور المرأة على مستوى العالم في تطوير المواهب النسائية وقدرتها على النمو الوظيفي وبالتالي أظهر تأثيرا حتى على مستوى معالجة ما يسمى بـ (التحيزات الجنسانية)، مما انعكس على مستويات العدالة والمساواة والتكافؤ بين الجنسين؛ حيث أسهمت سياسات الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته في إطلاق المواهب والمبدعين في مجالات الابتكار وتهيئة فرص أوسع للتنافس، الأمر الذي عزَّز التنمية العادلة وأتاح المساحات المتساوية للعمل والإبداع وبالتالي تعزيز مشاركة القوى العاملة جميعا دون تحيُّز.
إن مساهمات المرأة في مجالات الذكاء الاصطناعي أصبحت واسعة في ظل ما تقدمه من برامج وتطبيقات وما تتيحه من أدوات من ناحية، وما تحظى به المرأة من تمكين ودعم ورعاية من قبل المجتمعات، فما تقدمه الدول من تعليم وتدريب وتأهيل وتوعية مجتمعية عزَّزت مشاركة القوى العاملة النسائية على المستوى التقني الواعي، إضافة إلى توسيع مجالات الاستفادة من تلك البرامج في تعزيز مرونة السياسات الاقتصادية، ودعم الأدوار الحيوية للرفاهية المجتمعية وتعزيز النمو والتطوير الذاتي، أسهم جميعه في دعم الأدوار الفاعلة التي تقوم بها المرأة في المجتمع على المستوى التقني والحضور الفاعل في الاستفادة من تلك البرامج.
فالتقنيات التي توفِّرها تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي أسهمت في تخطي الكثير من الصعوبات والتحديات خاصة تلك المرتبطة بتحسين بيئة الأعمال وجودة الإنتاجية، إضافة إلى ما قدمته من فرص في إيجاد وظائف إبداعية جديدة يمكن للنساء والفتيات الاستفادة منها؛ فتلك الوظائف قدَّمت مساحة إبداعية وفضاء واسع للمواهب والابتكارات، وبالتالي فإنها انعكست اليوم على ما نراه من إبداعات صناعية ونماذج ابتكارية تقنية وفَّرت العديد من المنتجات والمواد لصاحبات الأعمال، وفتحت فرصا لتحسين تصميم المنتجات وتعزيز عملية صنع القرار واستدامة الأداء المالي.
ولعل التقدم التقني الذي تشهده عُمان، والتطوُّر المتسارع في الجاهزية التقنية، وما تعمل عليه البرامج المختلفة لتعزيز البيئة التقنية، والمضي قدما في صناعة الذكاء الاصطناعي وتوطينه، يُسهم في مشاركة المرأة في المجالات التقنية وقدرتها على الاستفادة من تلك التطبيقات والبرامج، إضافة إلى ما تقدمه هي نفسها من برامج تقنية استطاعت خلالها تخطي الكثير من التحديات في المجالات المختلفة، خاصة على مستوى الابتكار والبحث العلمي في القطاعات التنموية، والابتكارات في الصناعات الثقافية المختلفة.
فلقد قدَّمت المرأة العمانية إسهامات عدة في القطاع التقني سواء على مستوى المجالات التخصصية مثل صيانة الطائرات أو إنترنت الأشياء، أو حوكمة البيانات الوطنية، أو تطوير القطاع العمراني من خلال مشروعات (البنيان التصنيعي) الذي يعتمد طرق تصنيع حديثة قائمة على التقنيات، إضافة إلى مساهمتها في قطاع ريادة الأعمال التقنية، إذ تقود الكثير من النساء العمانيات مشروعات ريادية في تطوير القطاع التقني، وتحسين الاستفادة من هذا القطاع في الصناعات والأعمال المختلفة، أو في الصناعات الإبداعية عموما، والابتكارات التي أسهمت في تطوير العديد من المشروعات.
ولأن المرأة العمانية رائدة في كافة المجالات وتطوِّر من مهاراتها وإمكاناتها خاصة خلال السنوات الأخيرة، فقد برزت في القطاع التقني بوصفه قطاعا محفزِّا للإبداع والابتكار، وقادرًا على تحسين الكثير من الصناعات، ولهذا فإن الخطة الوطنية للمرأة العمانية التي تعكف عليها المؤسسات المعنية، عليها أن تنطلق من الاحتياجات الحديثة والمعاصرة للمرأة والتي تؤثر على مستقبلها ومستقبل التنمية في عُمان؛ ذلك لأن الدور المنوط بالمرأة العمانية اليوم لا ينحصر عند الأمومة والرعاية ـ على أهميته باعتباره جوهرًا أساسيًا - لكنه يتعدى ذلك إلى تمكينها لا لتكون شريكة في التنمية وحسب، بل تقود الفعل التنموي وتنطلق به إلى أبنائها، فكلما كانت الأم مبدعة ومؤثرة كلما كان الأبناء كذلك.
إن الخطة الوطنية للمرأة العمانية تجسِّد الحاجة إلى زيادة تمكين المرأة خاصة في المجالات التقنية لأنها تنعكس على كافة المجالات، بدءا من فعل التربية نفسه وليس انتهاء بقدرتها على فتح فرص جديدة في سوق الوظائف الإبداعية وإنتاج المواد القائمة على الإبداع والابتكار.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی الاستفادة من تلک بین الجنسین الأمر الذی إضافة إلى فی مجالات العدید من على مستوى الکثیر من المرأة فی فی تطویر فی مجال
إقرأ أيضاً:
كيف يتحول الذكاء الاصطناعي إلى خطر يهدد المستخدمين؟.. متخصص يجيب
حذر تامر إمام، مؤسس منصة «Followist» للاقتصاد الرقمي، من تحول أدوات الذكاء الاصطناعي والـDeepfakes إلى وسائل ترويج للنصب والتشويه، مشدداً على أن المصطلح «القرصنة» أصبح غلافًا أنيقًا لعمليات نصب متقنة تُنفَّذ بصور وأصوات مقلَّدة.
وقال خلال حواره مع الإعلامي حمدي رزق ببرنامج «نظرة» والمذاع على قناة صدى البلد، إن المشهد وصل إلى حد أن صوت أي شخص أو صورته قد تُستخدم لصناعة خطاب مزيف يبدو كأن صاحبه ألقاه بنفسه، ما يفتح الباب أمام اتهامات ووقائع قانونية يُعجز فيها القاضي أحيانًا عن تمييز الحقيقي من المفبرك.
وأضاف أن التهاون في مشاركة البيانات الشخصية يجعل المستخدم شريكًا غير مقصود في سلسلة تجارة البيانات.
وأشار إمام إلى أن التحدي لا يقتصر على التكنولوجيا وحدها، بل على غياب تشريعات متخصصة ومحاكم مؤهلة للتعامل مع الجرائم الرقمية، محذراً من أن الغرب أيضاً لم يصل بعد إلى حلول نهائية.