صحيفة التغيير السودانية:
2025-10-18@20:59:13 GMT

السودان.. سلامه يتنفس وحربه تترنح

تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT

السودان.. سلامه يتنفس وحربه تترنح

أحمد عثمان جبريل

في المساحات المتروكة بين الألم والانتظار، ينبت الأمل دون ضجيج.
وفي السودان الذي استنزفته النيران حتى شارف على اليأس، تسري الآن ملامح تحول لا يُشبه ما سبقه.
ليست مؤتمرات ولا صور تذكارية، بل مؤشرات ملموسة على أرض الواقع، وإشارات تكاد تهمس:”إن الحرب تترنح، وإن السلام بدأ يتنفس”.

قال عبد الرحمن الكواكبي:
❝ الحرية لا تُطلب إلا حين تُفقد، والسلام لا يُبنى إلا حين يُدرك ثمن الحرب.


والسودان أدرك، بعد كل هذا الخراب، أن ما خسرناه لن يُستعاد بمدفع، بل بقرار، وأن أقصر الطرق للسلام تبدأ من الداخل لا الخارج.

1

لم يكن حديث الفريق شمس الدين كباشي عن استعداد الجيش للتفاوض مجرد تصريح عابر.
فقد جاء بعد ساعات من الزيارة الخاطفة التي أجراها الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة أمس الأول — زيارة مثّلت نقطة تحول فارقة في موقف القيادة العسكرية من مسألة وقف الحرب.
في القاهرة، لم يُقنع البرهان مصر، بل قنع واقتنع وأُقنِع، بأن السلام بات ضرورة وطنية لا تحتمل التأجيل، وأن القتال لم يعد يُربك خصومه بقدر ما يُهلك ما تبقى من شعبه.

2

بات واضحًا أن مصر — كعضو أساسي في الرباعية الدولية (إلى جانب أمريكا، السعودية، والإمارات) — قررت أن تلعب دورًا فاعلًا في العملية السلمية، ليس فقط من موقعها الجغرافي، بل بعقلها السياسي وبثقلها الدبلوماسي.. و ذلك بعد أن لمست ذلك من خلال قيادات مدنية حضرت لمصر وقدمت رؤيتها نحو العملية السلمية و التي شددت على أنها ثوابت لا تحتمل مجرد النقاش حولها.
وبحسب مصادر متقاطعة، فإن أطرافًا إقليمية ودولية مارست بعد ذلك ضغوطًا واضحة على القاهرة لتكون جزءًا عمليًا من المسار، بالطريقة ذاتها التي تدخّلت بها لصناعة التهدئة في غزة، لا بالمناشدة بل بالمبادرة.

3

ما بعد القاهرة، لم يعد الخطاب العسكري كما كان.. رباعية المجلس السيادي — البرهان، كباشي، ياسر العطا، إبراهيم جابر — بدت متماسكة في توجهها الجديد، منفتحة على تحولات الواقع، ومتقاطعة للمرة الأولى مع الرباعية الدولية في الرؤية، لا المجاملة.
من القاهرة بدأ التحول، وفي بورتسودان أُعلن على لسان كباشي، أن الجيش مستعد للدخول في مفاوضات سياسية جديدة تهدف لإحلال السلام الشامل.

4

التحركات على الأرض دعمت الخطاب الجديد: إعلان تشكيل لجنة سياسية لحوار موسّع، وبدء اتصالات فعلية مع تحالف “صمود”، ثم “تأسيس”، المؤيد للدعم السريع، وهو تطور غير مسبوق.
فما كان يُنظر إليه كخط أحمر، أصبح الآن جزءًا من المشهد السياسي القادم، وما كان يُرفض من تحت الطاولة، صار يُناقش فوقها.
الحرب لم تُحسم عسكريًا، لكنها بدأت تُحسم سياسيًا.

5

وقد ترافقت كل تلك الخطوات مع إجراءات عملية تمهيدية:”شطب بلاغات ضد قيادات سياسية، رفع القيود عن استخراج الأوراق الثبوتية، وفتح قنوات اتصال مغلقة منذ شهور.
وفي خلفية كل هذا، تبدو المؤسسة العسكرية وكأنها تخلع تدريجيًا عباءة الحرب، وتستبدلها بزي الدولة العائدة إلى مسؤولياتها.

6

في المقابل، شهدت الخرطوم وعطبرة وبورتسودان تحركات أمنية لافتة، شملت اعتقال عناصر محسوبة على التيار الإسلامي، حاولت عبر الإعلام والتنسيق الخلفي تعطيل المسار الجديد.
وبالتوازي، تُعدّ المؤسسة العسكرية لحزمة تغييرات وشيكة، تطال قيادات تنفيذية عسكرية وولاة وقيادات محسوبة على نظام ما قبل الثورة، في خطوة تعني أكثر من مجرد إحلال إداري — إنها إعادة فرز للولاءات في اتجاه يبتعد عن إرث الإسلاميين.

7

الإسلاميون، الذين كانوا يراهنون على اللحظة لملء الفراغ، بدا أنهم يفقدون تدريجيًا زمام المبادرة.
رغم محاولاتهم لخلق ضجيج مضاد، إلا أن الرأي العام السوداني، الذي ذاق ويلات الحرب، أصبح أكثر ميلًا للهدوء، وأكثر رفضًا لمحاولات تسييس معاناة الناس أو توظيفها لأجندات قديمة.

8

وفي الإقليم، برز لقاء بالغ الأهمية جمع المبعوث الأمريكي “بولس” ونائب وزير الخارجية السعودي بعدد من قادة دول الجوار السوداني.
في هذا اللقاء، جرت مناقشة تفاصيل خطة الرباعية، وآليات تفعيل الدور المصري كضامن إقليمي محوري، مع التأكيد على الحاجة إلى مرحلة انتقالية تستند إلى وقف دائم لإطلاق النار، تعقبها عملية سياسية شاملة حول شكل الدولة والدستور.

9

في كل بيت سوداني رواية نزوح، وفي كل شارع حكاية موت، وفي كل قلب أمنية واحدة: أن تنتهي هذه الحرب.
السلام هنا ليس ترفًا سياسيًا، بل شرط بقاء. وهو اليوم لم يعد وهماً ولا تمنياً، بل أصبح حقيقة تفرض نفسها بتراكم المعطيات.
العملية السلمية انطلقت، ليس لأن الأطراف أدركت فجأة خطأها، بل لأن الواقع أصبح أقوى من العناد.
والذين يعتقدون من الاصوات النشاذ والابواق الكيزانية، أن هذه لحظة استراحة مؤقتة، قد يُفاجأون قريبًا بأن عجلة السياسة بدأت تتحرك، وأن من تأخر عن قطار الحل، سيبقى واقفًا على رصيف العزلة، ينظر إلى وطن يداوي جراحه ويمضي..
إنا لله ياخ.. الله غالب.

الوسومأحمد عثمان جبريل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

هل السودان قريب من السلام فعلاً بواسطة الرباعية؟

رشا عوض

لو كانت الرباعية جادة فعلا في فرض السلام، فمن الراجح أنها ستنجح في ذلك، فهناك تحركات على الأرض تعزز هذه الفرضية، فمن المؤكد أن أي عاقل وصاحب ضمير حي لا يمكن أن يعارض السلام! نتمنى النجاح لأي جهد إقليمي ودولي يدفع نحو إطفاء هذا الحريق المشتعل في بلادنا منذ أكثر من عامين.

مؤكد لو نجحت مساعي الرباعية (أمريكا، السعودية، مصر، الإمارات) ستتوقف الحرب على أساس تسوية سياسية، السؤال هو هل ستضع التسوية المخطط لها السودان في مسار التحول الديمقراطي، وفي حالة “القابلية للتغيير” نحو مدنية الدولة بالكامل وإعادة بناء المنظومة العسكرية والأمنية على أسس جديدة وحل معضلة تعدد المليشيات واحتكار العنف بواسطة جيش مهني قومي واحد يلتزم باحترام سلطة حكومة مدنية منتخبة ديمقراطي؟ أم سترهن التسوية المرتقبة السودان لثنائية عسكرية تقسم السلطة بين طرفي الحرب أو أحادية عسكرية تحت هيمنة الجيش وهو الخيار الذي تستميت مصر في فرضه على الرباعية؟

جرب السودان الثنائية العسكرية التي هيمنت على الانتقال، وانتهت بالانقلاب في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١! وجرب الهيمنة الأحادية للجيش، ومن ورائه الكيزان على البلاد بعد الانقلاب، وانتهى ذلك بالحرب المدمرة الراهنة!

السلام المستدام يقتضي وضع البلاد في معادلة سياسية لا يهيمن عليها العسكر، ولا تهيمن عليها الحركة الاسلامية التي كان وما زال وسيظل رهانها السياسي هو الحكم بالقوة العسكرية والقمع بواسطة الأجهزة الأمنية وعدم التردد في إشعال الحروب وتأجيج الفتن القبلية والجهوية لو فقدت ما تظنه حقها المكتسب غير القابل للنقاش وهو احتكار السلطة!

ربما يكون السودان قريبا من إيقاف الحرب عبر ترتيبات ستقودها الرباعية دوافعها الأمن والسلم الإقليمي والدولي!

ولكن هل السودان قريب من السلام المستدام وطي صفحة الحروب بشكل حاسم؟

هذا سؤال لن يجيب عنه سوى القوى الحية في الشعب السوداني، حتى الآن السودان بعيد من استيفاء شروط السلام المستدام؛ لأن المشهد محتشد بالمليشيات المتعددة والمتنافسة على حيازة السلطة بالقوة! والسبب الأهم هو أن من يمتلكون القوة العسكرية لم يصدر منهم أي خطاب سياسي فيه نبرة اعتراف بالأزمة وإبداء الاستعداد لمعالجتها أو حتى مجرد فتح الطريق لمعالجتها في المستقبل بمساومة تاريخية:

البرهان يتحدث عن أن القوات المسلحة قومية ومهنية ولا غبار عليها ويراها جديرة بأن تفرض وصايتها على السياسة والاقتصاد وطبعا يطابق البرهان بين وصاية القوات المسلحة ووصايته هو شخصيا كحاكم بأمره على السودان!

الكيزان كل يوم يزدادون بجاحة وفجورا في إنكار دورهم في حريق البلاد، بل يطالبون الشعب السوداني بالاعتذار لهم عن الثورة وإعادة تتويجهم ملوكا؛ بسبب حربهم على ألد. عم السريع الذي صنعه نظامهم ولكي ينجحوا في محاربته صنعوا عشرات المليشيات!!

الد. عم السريع يتحدث عن الحكم المدني والديمقراطية بلسان المقال الذي يكذبه لسان الحال على الأرض من انتهاكات! وعلى الأرض هو مستميت في تثبيت أقدامه عسكريا في كردفان ودارفور لفرض نفسه على المشهد السياسي الذي يطبخ الآن، ولو وجد نفسه خارجه تماما سيتجه إلى مزيد من التصعيد!

هناك مجهودات جبارة في فرض دكتاتورية عسكرية تقليدية على السودان في حين أن السودان غير مستوف لأهم شرط من شروط الدكتاتورية العسكرية الناجحة وهو احتكار العنف المسلح بواسطة جيش واحد ملتف حول دكتاتور واحد!

الوسومرشا عوض

مقالات مشابهة

  • ياسر سرور: جهود القاهرة ستستمر لضمان نجاح أي خطوات تهدف لإنهاء الحرب في السودان
  • هل السودان قريب من السلام فعلاً بواسطة الرباعية؟
  • قوى سياسية سودانية ترحب بجهود إيقاف الحرب
  • قيادي بـ«صمود» يدعو إلى حراك سلمي في 21 أكتوبر دعماً للرباعية واختباراً للأطراف المتحاربة
  • “صمود” يدعو السودانيين للخروج في مليونية ويحدد الموعد
  • أستاذ علوم سياسية: دبلوماسية القاهرة تنتصر لمنطق السلام
  • تحركات مصرية أمريكية متسارعة لإنهاء الحرب في السودان ومسعد بولس يتحدث عن تسوية شاملة
  • سفيرة الاتحاد الأوروبي: أسبوع القاهرة للمياه أصبح منصة عالمية لصياغة حلول واقعية لتحديات المياه
  • مبارك المهدي يشيد بدور «الرئيس السيسي» بإقناع الفريق البرهان قبول الدخول في السلام