سلوكيات.. وعنف "دخيل"

تابعت كما تابع غيري الحادث الذى كان المتهم الرئيسي فيه طفل لا يتعدى عمره الأربعة عشر عامًا، وهى الجريمة التى اهتزت لها محافظة الإسماعيلية، واهتز لها أيضًا الرأى العام، فالطفل تشاجر مع صديقه داخل منزله، فانهال عليه بآلة حادة أردته قتيلاً، وفكر فى إخفاء جريمته، فقام بإحضار المنشار الكهربائي الخاص بوالده الذى يعمل نجارًا، وقام بتقسيم الجثة إلى أربعة أجزاء حتى يتمكن من حملها داخل أكياس سوداء، ومن ثم يتم إلقاؤها بجانب أحد المصارف حيث تتجمع النفايات، وهناك جزءان آخران داخل مبنى مهجور في المنطقة نفسها، كان الصغير يعتقد أن هذا سيخفي جريمته، لكنه لم يحسب حساب الكاميرات والشهود الذين قد يلاحظون حركاته الغريبة في تلك الليلة.

فى التحقيقات أمام النيابة، اعترف: "كنا بنتشاجر، هددني بسكينة، فضربته بالمطرقة وقطعته علشان أقدر أشيله".. النيابة أمرت بعرضه على الطب النفسي، حيث تبين أنه يعاني من الاضطراب، القصة مخيفة وتنذر بخطر وخيم، فقد كنا من قبل نسمع عن جرائم يرتكبها الكبار، ولكن أن يصل الأمر إلى الصغار، فهذا أمر يجب التوقف عنده طويلاً، ذلك لأن الطفل فى الغالب قلبه ضعيف ولا يجرؤ على ارتكاب هذه الجرائم البشعة، ولكن ما حدث أنه كان متأثرًا بما يراه فى الأفلام من عنف وجرائم، حسبما جاء فى التحقيقات.

هذا الحادث يجعلنا نسترجع ما يدور فى الشارع، وحتى فى المدارس من سلوكيات الطلاب الذين أصبحوا يتجرأون ويحملون أسلحة بيضاء لا تفارقهم، وكلما نشب خلاف، أو مشاجرة مع أحد الزملاء أو حتى المدرسين، استل الشاب سلاحه وطعن مَن أمامه بغير هوادة، وكم مِن الحوادث التى سمعنا عنها فى هذا الإطار، وهى جميعها سلوكيات جديدة على مجتمعنا، حاول فيها الصغار تقليد الأعمال الدرامية التى يغلب عليها العنف والبلطجة، بدون وازع من أخلاق أو تربية.

للأسف انعدم الذوق والتربية عند كثير من شابات وشباب الجيل الجديد، ففى سابق الزمان وفى وسائل المواصلات كان الشباب يهرعون إلى مساعدة الشيخ الكبير والسيدات، بل كانوا يحملون الحقائب عنهم فى الشارع، ولكن الآن تجدهم فى أى وسيلة مواصلات، لم يكترثوا لمثل هذه الأمور، فهناك شباب يجلسون فى المقاعد المخصصة فى المترو لكبار السن والمعاقين، وحتى إذا جاء راكب من هذه الفئات لا يهتمون بالقيام له، ويتجاهلون أى نظرات حولهم، بالاندماج مع شاشة الموبايل، أو التظاهر بالنوم.

قبل أيام لفت نظرى رجل قال إن عمره تجاوز الأربعة وسبعين عامًا، يعتذر لفتاة عشرينية لأنه طلب منها السماح لزوجته التى تقاربه فى السن، والتى لا تقوى على الوقوف بالمترو، بالجلوس فى أحد المقاعد المخصصة لكبار السن، ولأنني كنت أقف بجواره وأتابع الموقف، قلت له إن هذا حقك وحق زوجتك وليس هناك أى داعٍ للاعتذار، فرد قائلاً: ربما تكون الفتاة تعاني التعب أو الارهاق هي الأخرى، فقلت له إن واجبنا تعليمها احترام القانون، ليس ذلك فحسب، ولكن العطف على الكبير بدون حتى القانون.. الغريب أن الرجل ظل واقفًا، بينما فتاة أخرى تظاهرت بالنوم تجلس فى المقعد المجاور للسيدة العجوز، وكانت تسمع المناقشات، ولا تبالي.

التربية باتت "بعافية" وحب الذات والأنانية فى الأجيال الجديدة، أصبحت سمة، إلا من رحم ربي، وهو ما يجعلنا نتحسر على أيام المروءة والشهامة التى كانت عنواننا.. ليتنا نعود لقيم تربينا ونشأنا عليها، ونلفظ كل ما هو "دخيل" على مجتمعنا.

المصدر: الأسبوع