البوصلة السياسية العالمية أكثر تعقيدًا
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
د. طارق عشيري
المشهد السياسي العالمي يشهد اليوم تحولًا عميقًا وتغيرًا واضحًا في البوصلة، إذ لم تعد مراكز القوة والثقل السياسي كما كانت قبل عقدين من الزمان. فالعالم يتجه نحو تعدد الأقطاب بعد أن ظل لسنوات طويلة أسيرًا لهيمنة القطب الواحد.
في السنوات الأخيرة، برزت قوى جديدة تعيد رسم الخارطة الدولية؛ فالصين بتمددها الاقتصادي، وروسيا بحضورها العسكري والسياسي، والهند بتطورها التقني والديمغرافي وباكستان بتطورها النووي، كلها تشكّل محاور جديدة تتحدى النفوذ الغربي التقليدي الذي تقوده الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي المقابل، نشهد تراجعًا في الثقة بالنظام الليبرالي العالمي الذي بُني بعد الحرب الباردة، بسبب الأزمات الاقتصادية المتكررة، وازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الدولية، خاصة في مناطق مثل الشرق الأوسط وأفريقيا
يشهد العالم اليوم تحوّلًا عميقًا في موازين القوى واتجاهات السياسة الدولية، فقد أصبحت البوصلة السياسية أكثر تعقيدًا وتشابكًا من أي وقت مضى. العالم الذي كان يسير في اتجاهٍ واحد تحت هيمنة القطب الغربي، بدأ يتجه نحو تعدد الأقطاب، حيث لم تعد الولايات المتحدة وحدها هي من ترسم المسار، بل ظهرت قوى جديدة تنافسها في الميدانين الاقتصادي والسياسي.
من أبرز معالم هذا التحول صعود الصين كقوة اقتصادية كبرى تنافس الغرب في الأسواق والتكنولوجيا والبنية التحتية، إلى جانب روسيا التي استعادت حضورها العسكري والسياسي في مناطق النزاع، والهند التي تتقدم بثبات نحو موقع دولي مؤثر بفضل قوتها السكانية وتطورها التقني. هذه القوى مجتمعة أعادت صياغة مفهوم التحالفات والمصالح، وأدخلت العالم في مرحلة جديدة من إعادة التموضع الاستراتيجي.
وفي المقابل، يشهد النظام الغربي تراجعًا نسبيًا في الثقة والهيمنة بسبب الأزمات الاقتصادية، وتآكل النموذج الليبرالي، وتزايد النزاعات الداخلية حول الهوية والمصالح. كما أن ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الدولية - خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا- جعلت كثيرًا من الدول تبحث عن استقلالية أكبر في قراراتها وتحالفاتها.
المشهد لا يقتصر على الصراعات السياسية فقط، بل يشمل حروبًا غير تقليدية مثل الحرب السيبرانية، وحروب الطاقة، والمنافسة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنية الحيوية، مما جعل ميزان القوة يتجه نحو من يمتلك أدوات المستقبل لا فقط من يملك الجيوش.
في الجنوب العالمي، تتشكل موجة جديدة من الوعي السياسي تسعى إلى كسر التبعية وبناء علاقات تقوم على الندية والمصلحة المتبادلة، خاصة مع ظهور تكتلات مثل "بريكس" ومبادرات التنمية المستقلة التي تمثل طموحًا لبناء نظام عالمي أكثر توازنًا وعدلًا.
العالم يقف اليوم على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة، حيث تتغير البوصلة السياسية من الغرب إلى اتجاهات متعددة. التحدي الحقيقي أمام الأمم هو كيف تتعامل بذكاء مع هذا التحول، وكيف تحجز لنفسها موقعًا في النظام العالمي القادم. فالبقاء لمن يقرأ المشهد بعمق، ويستعد للتغير لا من موقع التابع، بل من موقع الفاعل والمؤثر كما أن الحروب الحديثة لم تعد عسكرية فقط، بل
تطورًا تقنيا علي اعلي المستويات العلمية
العالم اليوم يعيش مرحلة إعادة تموضع كبرى، حيث تتبدل التحالفات وتُعاد صياغة موازين القوة. والبوصلة السياسية لم تعد تشير إلى الغرب وحده، بل تتوزع بين الشرق الصاعد، والجنوب الباحث عن مكانه، والغرب الذي يحاول الحفاظ على نفوذه وسط عالم يتغير بسرعة.
في الختام.. يمكننا التأكيد على أن البوصلة العالمية أصبحت اليوم أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى؛ إذ لم تعد تتحرك وفق اتجاهٍ واحد أو تحكمها قوة منفردة، بل تتقاطع فيها المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية في مشهدٍ متداخل يصعب تفكيكه. وبينما تتبدل موازين القوى وتتغير التحالفات، يبقى الوعي والإدراك العميق لمجريات هذا التحول هو السبيل الوحيد لفهم العالم الجديد ورسم موقعنا فيه بثباتٍ وحكمة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: البوصلة السیاسیة لم تعد
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية: مصر أكثر دول العالم تضررا من حالة عدم الاستقرار بالبحر الأحمر وخليج عدن
قال الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية، إن مصر أكثر دول العالم تضررا من حالة عدم الاستقرار بالبحر الأحمر وخليج عدن.
وأكد وزير الخارجية خلال منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين، أهمية تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تعزيز السلم والأمن والتنمية فى القارة، إضافة إلى تحديات عمليات الوساطة فى إفريقيا.
وتابع أن القارة الإفريقية هي مستقبل التنمية فى السنوات المقبلة، لافتا إلى أن البحر الأحمر يمثل جسرا للتكامل العربي الإفريقي.