قدمت الزميلة غير المقيمة في المركز العربي بواشنطن، دانا الكرد، تقييما لاتفاقيات إبراهيم بعد 3 سنوات إلى التوقيع عليها، مشيرة إلى أن التطبيع العربي الإسرائيلي يعد أحد مجالات السياسة الغريبة التي اتبع فيها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بحماس مواقف سلفه، دونالد ترامب، حتى لو كان ذلك يعني التراجع عن الخطوط الحمراء الصريحة حول حقوق الإنسان والديمقراطية.

وذكرت دانا، في تحليل نشرته بموقع المركز وترجمه "الخليج الجديد"، أن الاتفاقيات التي قننت التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين في 15 سبتمبر/أيلول 2020، وبعد ذلك بين إسرائيل والمغرب والسودان، لم تحقق أهدافها المعلنة، وينبغي إعادة صياغتها بالكامل.

وأوضحت أن التطبيع العربي الإسرائيلي لا يمكن اعتباره "سلاما"، بل ينبغي أن يُفهم على أنه إدارة استبدادية للصراع، ومن خلال هذه العدسة، يمكن فهم كيف غيرت اتفاقيات إبراهيم مشهد المنطقة، ولماذا يؤدي اتباع مثل هذه السياسة إلى مستقبل غير مستدام.

فبينما جرى وصف اتفاقيات إبراهيم، وغيرها من أشكال التطبيع العربي الإسرائيلي التي تلت ذلك، على أنها اتفاق سلام بين أطراف الصراع، لم يكن أي من الموقعين على الاتفاقات في صراع مباشر مع إسرائيل.

صحيح أن الدول الموقعة، بحكم عضويتها في جامعة الدول العربية، اتخذت مواقف بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ لكن أيا منها لم تكن في حالة حرب مع إسرائيل، ولم يكن خطر انخراطها في صراع عسكري مع إسرائيل قائما، نظرًا لبعدها الجغرافي عن الدولة العبرية.

وإزاء ذلك، فإن تأطير اتفاقيات إبراهيم باعتبارها "سلاماً" أدى إلى زيادة الاستقرار بين الموقعين هو أمر "مضلل" بحسب توصيف دانا.

ما هو الأثر الإقليمي لاتفاقيات إبراهيم إذن؟ تجيب الزميلة غير المقيمة بالمركز العربي في واشنطن بأن الاتفاقيات سهّلت قدراً أكبر من التنسيق الأمني بين الدول الموقعة، وفي كثير من الأحيان كان هذا بمثابة "تعبير ملطف لزيادة تنسيق القمع".

فعلى سبيل المثال، وسعت الإمارات نطاق تعاملها مع الشركات الإسرائيلية المتخصصة في التقنيات القمعية، واستثمرت في صناعة الدفاع الإسرائيلية.

وبالمثل، استغلت الحكومة المغربية التطبيع لاكتساب قدرات مماثلة، وكان التأثير محسوسًا بشكل مباشر جدًا في بعض الحالات، حيث تم استهداف الصحفيين والناشطين والمثقفين وسجنهم في كثير من الأحيان، وهو ما اعتبرته دانا مكسبا "لإسرائيل والدول الموقعة" على اتفاقيات إبراهيم.

وأوضحت أن الأنظمة العربية بات بإمكانها قمع أي بقايا معارضة متبقية في المنطقة، كما يمكن لإسرائيل تسهيل الاستثمار في صناعاتها الدفاعية والأمن السيبراني مع المساعدة في تقليص المساحات المنتقدة لدورها في المنطقة وقمعها المستمر للفلسطينيين.

اقرأ أيضاً

واشنطن تدرس تعيين سفيرها السابق لدى إسرائيل مسؤولا عن "اتفاقيات إبراهيم"

قمع المعارضة

وتابعت دانا: "لكي نكون واضحين، فإن التطبيع مع إسرائيل ليس هو المحرك الوحيد لهذه الاتجاهات. وفي أعقاب الربيع العربي، قامت الأنظمة العربية بضبط جهودها للسيطرة على الفكر الحر والمعارضة وقمعهما".

ويظهر تقرير حقوقي حديث أن مجلس وزراء الداخلية العرب (المشابه للإنتربول، ولكن لدول الجامعة العربية على وجه التحديد) كثف جهوده لتسليم المعارضين وتسهيل القمع العابر للحدود الوطنية، بالتزامن مع التطبيع العربي الإسرائيلي.

ورغم أن إسرائيل ليست المصدر الوحيد للمراقبة أو غيرها من التقنيات القمعية، إذ تسعى الحكومات العربية إلى البحث عن مصادر أخرى، إلا أن التطبيع العربي الإسرائيلي يؤدي إلى تفاقم هذه الديناميكيات وزيادة قدرات الأنظمة القمعية من خلال تنويع مصادر دعمها.

وتشير دانا إلى أن استقرار هذه الأنظمة يشكل في نظر شريحة كبيرة من المؤسسة الأمريكية هدفاً رئيسياً، وهو الهدف الذي يتفوق على الاعتبارات المتعلقة بالمساءلة الديمقراطية أو حقوق الإنسان. وغالباً ما يتم صياغة الحجة الداعمة للتطبيع العربي الإسرائيلي من حيث "استقرار" المنطقة وتسهيل التنمية الاقتصادية من أجل تعويض المصادر الأخرى للتدخل الدولي، وخاصة من قبل روسيا والصين وإيران، "لكن هذا مجرد خيال يباع لأولئك الذين لا يدركون الحقائق الإقليمية" بحسب دانا.

 فرغم تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، على سبيل المثال، واصلت الحكومة الإماراتية توسيع علاقاتها مع إيران، حيث رحبت مؤخرًا بوزير الخارجية الإيراني لمناقشة تعميق العلاقات بين البلدين.

وبالمثل، أعادت السعودية فتح سفارتها في طهران واستضافت محادثات مماثلة مع كبار المسؤولين هناك، كما وسعت دول الخليج الأخرى علاقاتها مع الصين.

 وأعلنت الإمارات عن أول مناوراتها المشتركة مع الجيش الصيني في أغسطس/آب 2023. وبالمثل، استضافت السعودية أول قمة بين الصين والدول العربية في ديسمبر/كانون الأول 2022، واعتمدت بشكل كبير على التدريبات الموسعة والتنسيق التقني والعلمي مع الصين لتحقيق أهدافها التنموية.

وأخيرا، بدأت المنطقة برمتها في إعادة تأسيس العلاقات مع نظام الأسد في سوريا، وتطبيع تدخل روسيا ودورها في الشرق الأوسط في المستقبل المنظور.

ورفضت إسرائيل تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، والتزمت الصمت إلى حد كبير في مواجهة العدوان الروسي، وذلك رغم حث الولايات المتحدة لها على القيام بخلاف ذلك.

والأهم من ذلك، أن غياب العلاقات بين الدول الموقعة على اتفاقات إبراهيم وإسرائيل لم يكن السبب وراء عدم الاستقرار في المنطقة: "بل إن الاستبداد والاحتلال والتدخل الدولي هي التي قادت هذه الاتجاهات، وبالتالي فإن تصوير التطبيع العربي الإسرائيلي وتوسيع اتفاقيات إبراهيم كوسيلة لزيادة الاستقرار أو توسيع النفوذ الأمريكي هو أمر خيالي" بحسب دانا.

اقرأ أيضاً

لمنع انهيار اتفاقيات إبراهيم.. 3 استراتيجيات تطبيع إسرائيلية

ظلم للفلسطينيين

وفي الواقع، تمثل تأثير التطبيع العربي الإسرائيلي على المستوى الإقليمي في تطبيع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتأخير التوصل إلى حل عادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ذلك بانتظام عندما يقول، على سبيل المثال، إن التقدم في القضية الفلسطينية هو "اختيار" لا يؤثر على تقدم التطبيع العربي الإسرائيلي.

ومع تطور هذه العلاقات، المدعومة بضغوط ودعم أمريكيين، يمكن للحكومات العربية وإسرائيل أن تتجاهل ضرورة إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وإزاء ذلك، يتعرض السكان الفلسطينيين للخطر أكثر، حيث أنهم محتجزون كرهائن لدى المستوطنين الإسرائيليين الذين يزدادون عنفاً والمدعومين من حكومة متطرفة تعمل مع إفلات كامل تقريباً من العقاب، بحسب دانا.   

وإضافة لذلك، سهلت اتفاقيات إبراهيم مبيعات الأسلحة بين الدول الموقعة، خاصة أن هذه الصناعة في إسرائيل تعد محركًا رئيسيًا لاقتصادها.

وعلى هذا النحو، تُصنف إسرائيل باستمرار بين الدول الأولى من حيث الصادرات العسكرية (العاشرة على مستوى العالم في أحدث تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام)، بينما تحتل السعودية وقطر ومصر والإمارات المراكز 2 و3 و6 و11 على التوالي في ترتيب مستوردي التكنولوجيا العسكرية.

 وتفيد التقارير الإسرائيلية بأنها صدرت حوالي 25% من جميع المنتجات العسكرية المصنعة محليًا إلى الدول الموقعة على اتفاقيات إبراهيم، بما يمثل زيادة 50% عن السنوات الثلاث السابقة.

ولذا تؤكد دانا أن وصف التطبيع العربي الإسرائيلي بأنه شكل من أشكال "السلام" غير دقيق، بل هو "عملية ترفض المفاوضات الحقيقية والتأملات الأعمق حول أسباب الصراع، وبدلاً من ذلك تستخدم الإكراه والقوة على مستوى الدولة لتحقيق أهداف مختلفة"، ولذا لا يمكن النظر إلى اتفاقيات إبراهيم وكل ما تبعها إلا على أنها "إدارة استبدادية للصراع".

اقرأ أيضاً

إسرائيل تشيد بقرار أمريكا تعيين مبعوث خاص لتوسيع اتفاقيات إبراهيم

المصدر | دانا الكرد/المركز العربي بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الإمارات البحرين إسرائيل اتفاقيات إبراهيم جو بايدن التطبيع اتفاقیات إبراهیم مع إسرائیل بین الدول

إقرأ أيضاً:

نائب العربي للدراسات: إقامة دولة فلسطينية رغماً عن إسرائيل وأمريكا أمر مستبعد

أكد الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأرض، بمعناها الكامل والسيادي، تبدو بعيدة المنال في ظل المعطيات السياسية الراهنة، خاصة في ظل رفض صريح من إسرائيل والولايات المتحدة لأي خطوات ملزمة في هذا الاتجاه.

وقال غباشي في مداخلة هاتفية لبرنامج "خط أحمر" الذي يقدمه الإعلامي محمد موسى على قناة الحدث اليوم،  إن مؤتمر "حل الدولتين" الأخير، رغم أهميته الرمزية واهتمام بعض القوى الدولية به، يُعقد في أخطر توقيت تمر به القضية الفلسطينية منذ النكبة، مشيرًا إلى أن المجازر المستمرة في قطاع غزة، والعجز الإقليمي والدولي عن وقفها، يعكس هشاشة الموقف الدولي تجاه حقوق الفلسطينيين.

وأضاف: "المؤتمر ينعقد في ظل غياب تام لإسرائيل، ومعارضة واضحة من الولايات المتحدة، ما يجعله بلا أطراف فاعلة يمكنها فرض تنفيذ أي مخرجات على الأرض."

وتساءل غباشي بواقعية: "كيف يمكن للدول المشاركة أن تنجح في إقامة دولة فلسطينية، بينما فشلت حتى في ضمان وصول الدواء والطعام لأهالي غزة؟"، مشددًا على أن الحديث عن فرض دولة على إسرائيل والولايات المتحدة يبدو أقرب للمناورة السياسية منه إلى تنفيذ حقيقي.


وأشار إلى أن الرؤية الغامضة لمفهوم "الدولة الفلسطينية" تعكس أيضًا ضعف التوافق داخل المجتمع الدولي، إذ لا تزال هناك تساؤلات حول شكل الدولة، حدودها، سيادتها، تسليحها، وموقعها الجغرافي.


وأضاف: "بعض الحضور لا يعرف إن كنا نتحدث عن دولة على حدود 1967 أم وفق قرار التقسيم 181 أم على ما تبقى من الأراضي في الضفة وغزة."


وأوضح غباشي أن إسرائيل تعمل منذ سنوات على تفريغ الضفة الغربية من معالم الدولة عبر الاستيطان، وتدمير قطاع غزة بالكامل اليوم، لتقويض أي أساس جغرافي لدولة فلسطينية مستقبلية، لافتًا إلى أن تصريحات جنرالات إسرائيليين خلال الأسابيع الماضية تعكس نوايا ممنهجة لإنهاء أي بنية تحتية قابلة للتحول إلى كيان سياسي مستقل.

وختم بالقول إن المؤتمر قد يسهم في إعادة تسليط الضوء على القضية الفلسطينية دوليًا، لكنه يفتقر إلى أدوات التنفيذ والإلزام، مضيفًا: "إقامة دولة فلسطينية رغماً عن إرادة إسرائيل وأمريكا أمر مستبعد في ظل موازين القوى الحالية، ما لم يتغيّر المشهد الدولي بشكل جذري."

أيمن الرقب: مصر رفضت مخطط التهجير القسري من غزة منذ اليوم الأولفي بيان حاسم.. الخارجية: لا نقبل التشويه ولا نشارك في حصار غزة.. وموقفنا من فلسطين ثابت لا يتغيرضياء رشوان: إسرائيل تتحكم في معظم معابر غزة.. واستفادت تجاريا من القطاع طباعة شارك غزة فلسطين مختار غباشى

مقالات مشابهة

  • تحليل: ثلاثة أهداف لزيارة "ويتكوف" لغزة أهمها تلميع صورة "إسرائيل" المشوهة عالميًا
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: الرباعية الدولية .. صراع المصالح يبدد فرص الحل..!
  • نائب العربي للدراسات: إقامة دولة فلسطينية رغماً عن إسرائيل وأمريكا أمر مستبعد
  • تحليل بريطاني: القدرات العسكرية اليمنية أربكت أمريكا و”إسرائيل”
  • دانا أبو شمسية: طلب وزراء إسرائيليين زيارة غزة مناورة سياسية
  • البعريني: خطوة الدول الكبرى اعترافاً بفلسطين تغيّر مسار الصراع العربي–الإسرائيلي
  • أبو الغيط: إسرائيل لن تنجح في التطبيع والتعايش المشترك مع محيطها دون إنهاء الاحتلال
  • وزير الدفاع الإسرائيلي: هدفنا هزيمة حماس حتى لا تقرر الوضع في غزة
  • الملك عبدﷲ الثاني: ألمانيا تدعم الجهود الأردنية لتعزيز السلام
  • المستشار الألماني: حل الدولتين هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني