بداية استهل كلماتى فى زاويتى هذه. بقوله تعالى.. وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فهذه الآية الكريمة ذكرها الشيخ الشعراوى عندما فسرها وشرح اسباب نزولها والقصد منها، فلم اجد تفسيرا افضل لحالة المجاذيب وشخصيتهم، والتساؤل الدائر عقب نهاية كل مولد يقام لأولياء الله وهو لماذا خلقهم الله سبحانه وتعالى إلا ما فسره ببساطة امام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوى.
فقد قال محذرا لا تحتقرهم لانهم موازين التكامل فى الكون قائلا ان الله تعالى خلقهم ليرد بهم جماح المنهمكين فى الدنيا ويجعل الاغنياء يعطونهم مما اعطاهم الله بل يكون الاغنياء فى خدمتهم ويطلبون منهم الدعاء لهم، وقال انه كان يرى ذلك بعينه من كبار الاقتصاديين فى مصر وذكر اسماء كانت كثيرة وبارزة فى العقود الثلاثة الاخيرة من نهاية القرن الماضى كانوا يفعلون ذلك ويلبون مطالب هؤلاء من مريدى الاضرحة والموالد بنوعية أطعمة معينة أو نقود.
وتناول امام الدعاة هذه الاية الكريمة قائلا "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم والعشى يريدون وجهه"، قائلا معناها «خلى عينك فيهم» كأن مدد النظرة من رسول الله صل الله عليه وسلم زاد للمؤمن ولا تتقزز منهم أو من شكلهم أو تصرفاتهم مضيفا ولا تصرف عينك عنهم «حط» عينك عليهم وفيهم ولا تشح بوجهك عنهم أو تصرف بصرك عنهم. فقد عزف هؤلاء عن الدنيا وتركوا الدنيا فجاء لهم أهل الدنيا ساعين بخيراتهم لهم فيعطوعم اشهى الاطعمة واحسن الاشياء تذهب اليهم ويطلبون منهم الدعاء، وبعد ان فسر الشيخ الشعراوى حالتهم وفسر الاية الكريمة التى تخص هؤلاء، فتجد ان معظمهم من مريدى الموالد أو الاضرحة أو يعيشون فى بيوت بسيطة قد تراها انت انها لا تصلح للاقامة أو للمعيشة الآدمية ولكنهم لا يدركون اى متاع للدنيا فكل منهم سارح فى ملكوت الخالق سبحانه وتعالى.
نحن شعب محب بالفطرة عن بقية الشعوب لآل البيت والطيبين الصالحين المقربين لله وهو الدافع الأصيل وراء الاحتفال با أولياء الله.
إن هذا الحب لا يرتبط بطقوس مذهبية، بل ينبع من تقديرنا لمكانتهم الدينية والعلمية ونعرف قدر آل البيت جيدا لحبنا الجم لرسول الانسانية ولكل متعلق بهم ممن يطلقون عليهم المجاذيب أو ما يطلقه عليهم العامة «اهل الله»، لاننا شعب متدين بطبعه، فمصر بلد الأولياء والعلماء، والموالد التى تقام لاولياء الله الصالحين فى مصر تقام ايضا فى دول اخرى مثل إندونيسيا وبنجلاديش ان محبة المصريين لا البيت واولياء الله الصالحين ينبع من محبتنا للنبى عليه الصلاة والسلام، وبحسبة بسيطة تجد ان هذه الموالد ايضا مصدر رزق لكثيرين ولقطاع عريض من الناس على رأسهم مصانع الحلويات والمحمصات والاطعمة، بل تعتبرها الأسر تنزهات روحية دينية يذكرون فيها اسم الله ورسوله بل تعتبر هذه الموالد متنفسا للأسر والعائلات ويحضرها كثير من المسئولين ايضا. ويقابل الحضور هناك فى تلك الموالد مشايخ وعلماء الدين حيث يعقدون جلسات يتحدثون فيها عن امور الدين فتكون احاديثهم وجها لوجه مع المريدين والحضور وتنفذ هذه الاحاديث الى قلب رواد هذه الموالد.
ويقام فيها ايضا فى نهاية المولد احتفال شعبي له طابع روحى وفولكلور شعبى ودينى ومدائح نبوية، وكانت دار الإفتاء المصرية أصدرت الفتوى رقم 606 عام 2005 رداً على سؤال حول حكم الموالد التى تقام للصالحين وترفع فيها الزينات والأنوار، وجاءت الفتوى لتؤكد أن إحياء ذكرى الأولياء والصالحين وحبهم والفرح بهم أمرٌ مرغَّوبٌ فيه شرعاً. لما فى ذلك من الباعث على التأسى بهم والسير على طريقهم.
كما أكد وزير الأوقاف الدكتور اسامة الازهرى فى حديث له أن اجتماع المصريين على مائدة الذكر والمحبة فى رحاب الأولياء الصالحين يمثل صورة مشرقة من صور التلاحم الوطنى والروح الإيمانية التى تميز الشعب المصرى موضحاً أن مصر بلد الأولياء والعلماء ومحفوظة بحفظ الله تعالى وبركة دعاء أوليائه الصالحين. وتبقى كلمة وهى نحن المصريين قلوبنا معلقة بآل بيت الرسول الكريم ونحرص على زيارتهم وعلى إحياء موالد هؤلاء الكرام، بشتى صنوف الذكر وتلاوة القرآن الكريم، وإطعام الفقراء والمساكين. والابتهالات والمدائح النبوية، فحبنا هذا لهم وللطيبين الصالحين لا ينكره إلا جاحد أو جاهل.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: بين السطور
إقرأ أيضاً:
السيسي والتوظيف السياسي لمولد السيد البدوي
حب المصريين للأولياء أمر مشهور عنهم تاريخيا، سواء كان هؤلاء الأولياء من آل البيت، أو كانوا من الصالحين الذين اشتهر عنهم الصلاح، والذهاب للموالد ظاهرة مصرية منذ قرون، سواء كان في هذه الموالد بدع وخرافات، أم التزام بالسلوك الإسلامي، والضوابط الشرعية، ومن بين هذه الموالد: مولد السيد البدوي بطنطا بمحافظة الغربية.
وقد كان هذا العام حضور مولد البدوي كبيرا، وكان لافتا للنظر، من حيث عدده، ومن حيث كم التجاوزات الشرعية التي ترتكب باسم البدوي والتصوف، وزيارة الأولياء، في ظل صمت من المؤسسة الدينية الرسمية، بل مشاركة من رؤوسها كما رأينا في ذلك حضور الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، والدكتور علي جمعة المفتي السابق، ورعاية رسمية من الدولة.
يجري توظيف هذه الأعداد الغفيرة من الحضور الجاهل لمولد السيد البدوي وغيره، لصالح السلطة، من حيث تغييب العقول، وتدجين الناس، وإلهاء الناس بخرافات وبدع ليست من الدين، بل هي ضده، وضد الفهم الصحيح له، ولا يرجى من أصحابه تغييرا، أو يخشى منهم على سلطة أو تغيير.ولا يوجد تلازم بين الموالد والتصوف، فالتصوف في أصله علاقة روحية للإنسان المسلم، وقلما يخلو منها مدرسة فقهية أو فكرية قديمة أو معاصرة، فكثير من المدارس الفقهية تجد لدى علمائها كتابات فقهية، وبجانبها كتابات في التصوف، أو ما سماه علماء آخرون: السلوك، وذلك بعد أن ساءت سيرة التصوف، أو ساءت صورته في أذهان الناس، فقل أن تخلو مدرسة من التصوف، بغض النظر عن العنوان الذي وضع له.
لكن الملاحظ أن السلطة في مصر تميل بشكل لافت للنظر لهذا للون معين من التصوف، وهو ما يمكن أن نسميه: التصوف الخرافي، أو التصوف السلبي، وهو التصوف الذي يكون مؤيدا للسلطة، بل ومنافحا عنها.
لوحظ هذا العام ومن قبل، فيما يتعلق بموالد الصوفية، كالسيد البدوي، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة، والإمام الحسين، وغيرهم من الموالد المشهورة في مصر، أن اتجاهين لم يعترضا على هذه الموالد، على الرغم من أن السياسة والتوجه المتبع مع مثل هذه التجمعات، هو الرفض والهجوم، بل وشن الحملات الأمنية والإعلامية بكل مستوياتها.
الاتجاه الأول: هو السلطة، ممثلا في السيسي وكل السلطة التنفيذية، فالسلطة التي ترفض أي تجمع لمرشح كأحمد الطنطاوي، أو لمرشح لمجلس الشعب ليس على هوى السلطة، والتي ترفض عقد مباريات في الملاعب بجماهير غفيرة، أو مظاهرة محدودة أمام نقابة الصحفيين لعدد قليل من الناشطين يتضامنون مع فلسطين، أو من يرفع علم فلسطين في ملعب، تتعامل السلطة مع كل هذه المظاهر ببطش غير متوقع، وغير مبرر كذلك.
بينما نرى في مثل هذ الموالد حضورا لافتا للسلطة، ممثلة في وزير الأوقاف، والمحافظ، في ظل ترك هذه الأعداد الغفيرة لعدة أيام وليالي متتابعة تتوافد بكثرة، دون أكمنة للشرطة على مدخل المحافظة، أو تضييق على أي من الحضور، ورغم أن هذا النشاط يصنف ضمن النشاط الديني، لكنه مرحب به، لأنه يسير في اتجاه تغييب الشعب، والبعد عن التدين الإيجابي، الذي فيه ما يهدد شرعية هذه السلطة، أو وجودها.
هذا الحضور الطاغي للتصوف الخرافي، والأداء المهين للتدين، من تراقص، واختلاط، وشرب محرمات، وصور وفيديوهات لذكر بشكل رقص مهين للذكر، وهو ما تساءل عنه من قبل الشيخ الغزالي قائلا: ذكر أم نسيان؟! أي: هذا ذكر لله، أم غفلة ونسيان لله وشرعه؟ هذا هو اللون المحبب لدى السلطة، وهو كذلك المسموح به داخل الجيش، فلا مشكلة من وجود رتب عسكرية متدينة تدين صوفي شعائري فقط.
ويجري توظيف هذه الأعداد الغفيرة من الحضور الجاهل لمولد السيد البدوي وغيره، لصالح السلطة، من حيث تغييب العقول، وتدجين الناس، وإلهاء الناس بخرافات وبدع ليست من الدين، بل هي ضده، وضد الفهم الصحيح له، ولا يرجى من أصحابه تغييرا، أو يخشى منهم على سلطة أو تغيير.
التوظيف السياسي للتصوف، ليس وليد هذه اللحظة، بل منذ القرن السادس الهجري، حيث كان قبل هذا التاريخ على يسار السلطة، ثم بداية من هذا التاريخ أصبح يستخدم لدعم السلطة في كثير من الأحيان، إلا من يرفض من أتباع التصوف الحقيقي، بل استخدمه الاستعمار كذلك، ليكون مدخله لتدجين الشعوب، وصرفها عن مقاومته، سواء بالأفكار السلبية والمستسلمة، والجبرية في القدر، والسلبية تجاه المنكر، النابع من الداخل عبر ظلم الحكام، أو الوارد من الخارج عبر الاستعمار.الجهة الثانية التي صمتت عن هذه التجمعات، رغم أنها تجمعات ضد العقل وخطابه، هم أدعياء التنوير، الذين يصدعون رؤوس الناس ليل نهار، بتقديس العقل، ورفض الخرافة، وهجومهم على الإسلام السياسي كما يطلقون عليه، بينما مجال التنوير الحقيقي هو هذه الموالد وأتباعها، فمساحة الرفض للمارسات العقلية كتنوير، هي أقل بكثير جدا لدى الإسلاميين، بينما هي متوافرة بكثرة لدى الصوفية الخرافية وأتباعها من أهل الموالد.
لكنه التواطؤ مع السلطة، من أدعياء التنوير، لأنهم يعلمون أن الصدام مع هؤلاء يفقدهم دفء السلطة، والمظلة التي تحميهم بها، فهم لا يوجهون سهامهم سوى للإسلام السياسي، لأنه يهدد السلطة تهديدا حقيقيا، حتى لو كان عن طريق صناديق الانتخاب، فتنويرهم في إطار السلطة، وحمايته، ولا يبتعد عن فلك هذه السلطة.
هل سمعت أحدا من هؤلاء يخرج ليهاجم السلطة التي سمحت لهذا الكم من الخرافات، والشطحات، أو وجهوا كلامهم لهذه الجماهير أو لشيوخهم، أو كيف تسمح السلطة لهذه التجمعات، بينما تمنع أي تجمع سياسي، أو ثقافي، لا يروق لهذه السلطة؟
التوظيف السياسي للتصوف، ليس وليد هذه اللحظة، بل منذ القرن السادس الهجري، حيث كان قبل هذا التاريخ على يسار السلطة، ثم بداية من هذا التاريخ أصبح يستخدم لدعم السلطة في كثير من الأحيان، إلا من يرفض من أتباع التصوف الحقيقي، بل استخدمه الاستعمار كذلك، ليكون مدخله لتدجين الشعوب، وصرفها عن مقاومته، سواء بالأفكار السلبية والمستسلمة، والجبرية في القدر، والسلبية تجاه المنكر، النابع من الداخل عبر ظلم الحكام، أو الوارد من الخارج عبر الاستعمار.
لكن التوظيف يتضح أكثر مع الحكم العسكري والمستبد، فإنه يجد مدخلا دينيا لتدجين الشعوب، وذلك عن طريق إما مشايخ السلطة من المتصوفة، أو من مشايخ السلطة من المداخلة، وكل هذه الطرق الدينية تؤدي لمصلحة واحدة: ترسيخ حكم الظلمة والمستبدين، وهو ما تجلى في دعم السيسي ونظامه للموالد، بينما يقف بالمرصاد بشرطته أمام موالد الحرية التي هي حق مشروع للشعوب.
[email protected]