سقوط بارا والفاشر.. هل ثمة علاقة بتطورات التفاوض؟
تاريخ النشر: 26th, October 2025 GMT
صلاح شعيب
الهزيمتان القاسيتان اللتان تعرض لهما الجيش في بارا، والفاشر، قابلتهما تصريحات من سلطة بورتسودان بأن في الحالتين كان هناك انسحاب تكتيكي. ولكن هل ثمة علاقة بالهزيمتين على التوالي مع ما يجري من حوار غير مباشر بين الجيش والدعم السريع، خصوصاً بعد اعتراف البرهان باللجنة الرباعية، والتواصل معها في واشنطن، وتنفيذ أجنداتها، دون اطلاع شركائه بالأمر؟.
برغم قدرات الدعم السريع القتالية المعروفة في إنزال الهزائم على الجيش، فقد ضجت الأسافير بتخوين كبار البلابسة المشتركة لكونها كما رأوا قد “قدت الصندوق” للمرة المليون. وقابل هذا الاتهام غضب من النشطاء المؤيدين لمناوي وجبريل بأنهم حرروا بارا، وسلموها للجيش بعد تضحيات كبيرة. ولكن – كما قالوا – إن الجيش تداعى، وانكسر حتى خطف الدعم السريع المدينة الوادعة بكل سهولة. وقد تواصلت الملاسنات طوال اليوم بين شركاء الحرب، وشمل التلاؤم مهاترات بين الطرفين، ودعا مؤيدون للمشتركة إلى التخلي عن دعمهم للجيش الذي لم يقدر تضحياتهم في الحرب لفك الحصار عن عاصمة الإقليم، وكذلك أشاروا إلى أنه لولا المشتركة لسقطت بورتسودان أيضاً.
ولم تنته الاتهامات المتبادلة حتى فاجأنا الدعم السريع اليوم بإسقاط الفاشر الذي عده الجيش انسحابا تكتيكيا لا يقل إجادة عما حدث من انسحابه من مدني إبان تلك المواجهات العسكرية التي أدت إلى تعيين كيكل مسؤولا عن الجزيرة.
بعض المحللين رأوا أن فصيل المشتركة لم يستشر فيما يتعلق بمفاوضات واشنطن التي قد تفضي لتهميشهم. ولذلك كانت بارا، ثم الفاشر، رسالتين للبرهان. فحواها أن للمشتركة أوراق ضغط كثيرة تستطيع استخدامها عند تجاهلها في مستقبل حكم البلاد، وأول الغيث قطرة أودت بالمدينتين، وما خلف ذلك من خسائر فادحة لجنود الجيش.
آخرون أكدوا أن الأمر لا يتعلق بتآمر المشتركة وحده ضد البرهان في ما تعلق بسقوط بارا، والفاشر، وإنما الحقيقة الساطعة أن معظم الجيش المتهم بولائه للحركة الإسلامية هو الذي دبر الانسحاب من بارا، والفاشر، لتكون رسالته للبرهان أبلغ في سياق التطورات الجارية لإقصاء المؤتمر الوطني من حكم الانتقال بعد إحداث التسوية.
وكما نعلم أن الارتباك الذي سببه غموض موقف البرهان المستتر من أذى للحركة الإسلامية قد أغضب قادة المؤتمر الوطني الذين طالبوه بسحب وفده المفاوض، وفقا لمصادر صحفية. ولذلك فإن ورقة الإسلام السياسي للضغط على الرهان تبقى أيضاً موجعة، كما قال بعض الكتاب الإسلاميين.
سواء كان سقوط مدينتي بارا، والفاشر، بفعل قتال الدعم السريع الضاري فحسب، أو بفعل انسحاب المشتركة، أو جيش الحركة الإسلامية لإظهار رسالة عميقة إلى البرهان الناكر للجميل، فإن الأيام القادمة ستكون حبلى بالحقيقة المجردة.
ولكن السؤال هو هل يبقى التآمر ضد البرهان بهذه الطريقة المفترضة مستمراً، ونشهد لاحقاً انسحاب المشتركة، والإسلاميين كلية من دعمه العسكري، والإعلامي – إذا أثمرت الرباعية عن اتفاق تسوية بين سلطتي بورتسودان، ونيالا، أم أن القصة كلها متعلقة بتلقي الدعم السريع أسلحة جديدة مكنته من تحقيق هذين الانتصارين. وبالتالي تبقى الرسالة أصلاً قد بعثت من الجهات الخارجية الداعمة للدعم السريع؟..
والمعنى هنا أن أوراق الضغط الدولية قد بدأت لحمل البرهان على تغيير مناوراته المعاكسة لرغبة ترمب في امتلاك نوبل العام القادم، ولذلك يُذكر سقوط بارا، والفاشر بسقوط إدلب، وحماة، ومن بعدها تداعت المدن السورية، وآخرها دمشق. إن غداً لناظره قريب.
الوسومصلاح شعيبالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: صلاح شعيب الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع تعلن سيطرتها على مقر الجيش السوداني في الفاشر
أعلنت قوات الدعم السريع في السودان اليوم سيطرت على مقر قيادة الجيش في مدينة الفاشر، آخر مدينة يحتفظ بالسيطرة عليها في إقليم دارفور بغرب البلاد، بينما لم يصدر الجيش بيانا بعد حول الوضع الحالي.
وحاصرت قوات الدعم السريع شبه العسكرية المدينة على مدار الثمانية عشر شهرا الماضية، حيث تقاتل الجيش وحلفاء له من المتمردين السابقين والمقاتلين المحليين، بحسب ما نقلت وكالة "رويترز".
واستهدفت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو موسى "حميدتي"، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، المدنيين بهجمات متكررة بالطائرات المسيرة والمدفعية، بينما أدى الحصار إلى انتشار المجاعة في أنحاء المدينة التي لا يزال يقطنها 250 ألف نسمة.
وستكون السيطرة على الفاشر، وهي عاصمة ولاية شمال دارفور، انتصارا سياسيا مهما لقوات الدعم السريع وقد تُعجّل بتقسيم البلاد عبر تمكين القوة شبه العسكرية من تعزيز سيطرتها على إقليم دارفور مترامي الأطراف، الذي اتخذته قاعدة لحكومة موازية شكلتها في صيف هذا العام.
ولطالما جرى التحذير من أن استيلاء قوات الدعم السريع على المدينة سيؤدي أيضا إلى هجمات عرقية، كما حدث عند سيطرتها على مخيم زمزم جنوبا.
وقالت قوات الدعم السريع الأسبوع الماضي إنها تسهّل خروج المدنيين والمقاتلين المستسلمين من المدينة، لكن أولئك الذين غادروا الفاشر أبلغوا عن عمليات سطو واعتداءات جنسية وقتل على يد جنود قوات الدعم السريع على الطريق.
وقالت بعثة من الأمم المتحدة الشهر الماضي إن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم متعددة ضد الإنسانية خلال حصار الفاشر. كما جرى اتهام الجيش بارتكاب فظائع.
وتُعدّ مدينة الفاشر مركزاً أساسياً للعمليات الإنسانية في ولايات دارفور الخمس، وخضعت منذ 10 أيار/ مايو 2024 لحصارٍ تفرضه قوات الدعم السريع، وسط تحذيراتٍ دولية من تداعياتٍ كارثية على المدنيين.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني و "الدعم السريع" في 15 نيسان/ أبريل 2023، قُتل نحو 20 ألف شخص وتشرد أكثر من 15 مليوناً بين نازحٍ ولاجئ، وفقاً لتقارير أممية ومحلية، في حين قدّرت دراسة أعدّتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألف شخص.