كيف تبني بريطانيا حضورها داخل الجيش اللبناني؟
تاريخ النشر: 29th, October 2025 GMT
في لبنان، يتقدّم التعاون الأمني- العسكري، مع بريطانيا، بخطوات عملية لا تحتاج إلى زينة لغوية كي يستدلّ إليها أو تُفهَم. ما جرى خلال الأسابيع الفائتة يكفي لرسم خط اتجاه واضح؛ برامج تدريب تتوسّع ضمن منشآت جديدة تُثبّت في حضورها، وخطاب رسمي بريطاني يضع الشراكة مع الجيش اللبناني كاستثمار "طويل الأمد". أما في الخلفية، فالمقاربة الغربية معروفة: انتشار خفيف وسريع، فتدريب دائم، ثم نفوذ يُبنى بالتراكم.
منشآت وتدريب لتثبيت الوجود
نهاية شهر تموز/ يوليو الفائت، افتتحت القائمة بالأعمال البريطانية فكتوريا دن، برفقة الملحق العسكري المقدم تشارلز سميث، منشأة جديدة داخل قاعدة حامات العسكرية شمال لبنان، عشية عيد الجيش. المشروع مدعوم من وزارة الدفاع البريطانية، ويُقدَّم بوصفه بنية لوجستية تخدم برامج تدريب مستمرة لوحدات متعدّدة في الجيش، مثل تطوير مهارات الضباط، وتنظيم دورات مشاة، وتمارين مخصصة للعناصر الإناث.
رسائل الافتتاح كانت مباشرة، وأشارت صراحة إلى أنّ لندن "تفخر" بالشراكة مع الجيش اللبناني، إذ ترى فيه مؤسسة تقاتل دفاعا عن الداخل وعن الحدود، وتتعهّد بأنّ المنشأة الجديدة ليست محطة بروتوكولية بل واجب لبناء القدرات.
بالموازاة، جاء الحراك الميداني في شهر آب/ أغسطس ليكمل المشهد: تدريبات تكتيكية لأيام عدّة مع قوات خاصة لبنانية، تركّزت على الرماية والإسعافات الأولية، وكذلك على تمارين تُحاكي احتياجات وحدات النخبة. الصورة التقنية هنا ليست تفصيلا؛ بل هي دليل على أنّ التعاون لا يُختزل في قاعات محاضرات، بل ينتقل إلى الميدان لتُختبر فيه العقيدة والإجراءات والجاهزية تحت ضغط التنفيذ. هذا النوع من التدريب، حين يصبح دوريا، يخلق لغة عملياتية مشتركة، ويغيّر إيقاع القرار التكتيكي.
يسير ذلك ضمن سياق أوسع من مشاريع التدريب والبناء التي تدفع باتجاه استمرارية لا ترتبط بزيارة وفد أو موسم تمويل. المنشأة في حامات تُفهم هنا كوسيلة لتقليل الاحتكاك اللوجستي أمام فرق التدريب البريطانية، وتأمين دورة عمل أطول وأكثر انتظاما، وإبقاء "المنصة" جاهزة لاستيعاب برامج جديدة بسرعة وبكلفة إدارية أقل.
من التدريب إلى الاستخبار: قناة النفاذ الهادئة
التعاون العسكري لا يبقى عسكريا بحتا؛ عندما تتوسع الدورات، وتتعمّق الاختصاصات، وتتسع قواعد البيانات المرتبطة بالتقييم والمتابعة، يصبح من الطبيعي أن تتقدّم قنوات تبادل المعلومات وتقييم الأخطار. هنا يظهر البُعد الاستخباري للشراكة مع لندن: اهتمام ببناء علاقة مؤسسية مع نظراء لبنانيين تُدار عبرها قضايا التدريب والتقييم والمشورة، لكنها تفتح أيضا مسارب إضافية للاطلاع والتحليل، وتُنتج هامش ثقة مهنيا يتجاوز تبدّل الأشخاص وتداول الحكومات.
المعادلة البريطانية بسيطة ومجرّبة: شراكات أمنية بحجم صغير ومتوسط، إنما بعائد استراتيجي مرتفع. بدل قواعد ضخمة تُثير الحساسيات وتُثقِل الكلفة، يُفضَّل نسق "البنية المرنة" داخل منشآت لبنانية. بمرور الوقت، تتحول التوصيات إلى أعراف داخلية، وتُعاد صياغة بعض الإجراءات "مواءمة" مع معايير الشركاء وتُصبح اللغة المشتركة في التخطيط والتمرين جزءا من يوميات العمل.
هذا المنحى لا يعني تلقائيا تبعية أو خرقا للسيادة، لكنه يخلق واقعا جديدا يجب الاعتراف به وإدارته: كل توسّع في التدريب يوسّع تلقائيا نطاق التداخل، وكل تثبيت لوجستي يُسهّل تواتر الأنشطة ويُراكم النفوذ الناعم. وحين يكون الحديث عن قوات خاصة ووحدات نخبة، تصبح التأثيرات أسرع وأعمق بحكم طبيعة هذه الوحدات وموقعها ضمن هيكلية القرار العسكري.
منصة حامات: بين الحاجة والاحتمال
قاعدة حامات، بما شهدته من تحسينات وبرامج، تتحول إلى "منصة" فعلية للتدريب المستمر. وجود مرافق إقامة مخصصة يختصر كلفة الوقت ويزيد انتظام الدورات، واستهداف فئات متنوعة -من قيادات متوسطة إلى عناصر إناث- يوسّع قاعدة المستفيدين داخل المؤسسة.
هنا تُطرح أسئلة مشروعة يجب التعامل معها ببرود مهني لا بالانفعال: لأيّ نموذج قتال تُجهَّز الوحدات؟ ما هو تصور لبنان لبيئة التهديد؟ بل كيف يُترجم ذلك إلى مناهج وتكتيكات ومهارات مُفضَّلة؟
يُطرح أيضا هاجس الاستخدام المزدوج لأيّ منصّة نشطة بهذا المستوى: هل يمكن أن تتحول موردا غير مباشر لخبرات قابلة للتسرب نحو جهات مسلحة غير شرعية قد تكون موالية للغرب في المنطقة؟
المخاوف هنا لا تُبنى على نظرية مؤامرة، بل على طبيعة المنصات المفتوحة على شركاء ومتعاقدين ودوائر لوجستية متشابكة. كلما تعقّدت طبقات الوصول، ارتفعت معدلات المخاطر. المطلوب إذا ضوابط لبنانية دقيقة: تحديد نطاق البرامج وأهدافها، وإنفاذ قواعد صارمة على تبادل البيانات، وضمان أن أي توسّع تدريبي يُخدِم أولويات المؤسسة لا سيناريوهات خارجية.
في الجدل الدائر، تُقابَل هذه الهواجس برواية غربية معاكسة: الانتشار الخفيف وبرامج بناء القدرات وسيلة لحماية الاستقرار، لا لإشعال عدمه. لكن التجربة الإقليمية تقول إن تمركز وحدات غربية سريعة الانتشار، ولو بعتاد محدود، يخلق توتّرات إضافية ويعيد رسم خطوط الاحتكاك بطريقة تترك الدول المضيفة في قلب لعبة رسائل متبادلة لا تملك دائما مفاتيحها.
في المحصلة، يمكن القول إنّ الدول الغربية تستثمر في انتشار قواتها وتدريب الجهات المضيفة من أجل رفع جاهزيته السياسية والعسكرية على مسارح سريعة الاشتعال.. ولبنان، بحكم موقعه وحدوده وتعقيداته، لا يمكن أن يكون إلّا ساحة مغرية لمثل هذه المقاربة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء لبنان بريطانيا تدريب الجيش بريطانيا لبنان الجيش تدريب قضايا وآراء قضايا وآراء مدونات مدونات مدونات قضايا وآراء مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة مقالات مقالات صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
التدريب على مهارات الإشراف على وضع الأطفال داخل الأسر الحاضنة
"عُمان": نظمت وزارة التنمية الاجتماعية اليوم برنامجًا تدريبيًا في "أسس وفنيات الإشراف والمتابعة في إدارة الزيارات الميدانية للأطفال في الأسر الحاضنة" بهدف رفع كفاءة المختصين، والباحثين الاجتماعيين، والعاملين في مجال الرعاية البديلة، وتعزيز مهاراتهم في تطبيق أسس وضوابط تنفيذ الزيارات الميدانية للأطفال في الأسر الحاضنة، بما يضمن تقديم رعاية شاملة ذات جودة عالية للأطفال، وتحقيق استقرارهم في بيئات أسرية آمنة ومحفزة للنمو السليم.
وجرى خلال البرنامج استعراض الدليل الإجرائي في إدارة الزيارات الميدانية للأطفال في الأسر الحاضنة، والذي يمثل مرجعًا مهنيًا حديثًا يهدف إلى توحيد الإجراءات ورفع كفاءة الأداء الميداني. كما تم تدريب المشاركين على آليات وخطوات وأدوات الزيارة الميدانية، وإكسابهم مهارات التواصل والتقييم الميداني وفق أفضل الممارسات المهنية، بما يسهم في دعم جودة الخدمات الاجتماعية، ورفع جودة العمل الميداني.
ويتضمن الدليل الإجرائي منهجية العمل الميداني للزيارات الميدانية للأطفال في الأسر الحاضنة من خلال التعريف ببرنامج زيارات الإشراف والمتابعة وأهمية هذه الزيارات وأهدافها، كما يقدم الدليل الخطة الإجرائية الشاملة والمهام التنفيذية لزيارات الإشراف والمتابعة من حيث التهيئة والإعداد المسبق للبرنامج، وتوضيح الصلاحيات والواجبات التنظيمية والمرتكزات التي يستند عليها الأخصائي القائم بالزيارة، مما يمكنه من تحقيق الهدف المرجو من الزيارات الإشرافية لتمكين حياة الأطفال المحتضنين ورفاهيتهم وتطورهم في بيئة أسرية محبة وداعمة.
كما ناقش البرنامج عددًا من المحاور، حيث تم استعراض الإطار العام للإشراف والمتابعة في منظومة الرعاية البديلة، وخطوات إدارة الزيارات الميدانية وفق الدليل الإجرائي، وفنيات الملاحظة الميدانية والتقييم النوعي للأسرة الحاضنة، إلى جانب مناقشة إعداد وتحليل تقارير المتابعة الميدانية، وتنفيذ حلقات عمل تطبيقية ودراسات حالة مستمدة من واقع الميدان.
وأوضح أحمد البادي مدير مساعد دائرة شؤون الطفل، أن هذا البرنامج يأتي في إطار الجهود المستمرة التي تقوم بها وزارة التنمية الاجتماعية لتعزيز جودة الخدمات الاجتماعية وتنمية قدرات الكوادر العاملة في مجال الرعاية البديلة، وإكسابهم مهارات عملية متقدمة للإشراف وتقييم وضع الأطفال داخل الأسر الحاضنة.
وقال البادي: "عملت الوزارة على إعداد الدليل الإجرائي لإدارة الزيارات الميدانية للأطفال في الأسر الحاضنة وذلك بهدف تنظيم وتحديث منهجيات العمل الميداني، بما يضمن تكامل الأدوار بين المختصين وتوحيد مسارات التنفيذ والمتابعة، حيث يشكل هذا الدليل مرجعًا مهنيًا يسهم في تعزيز جودة الخدمات وتحسين مخرجات الرعاية الاجتماعية، من خلال تطبيق معايير موحدة تسهم في تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي للأطفال داخل الأسر الحاضنة".