تدفع الولايات المتحدة نحو تنفيذ خطة جديدة لإعادة رسم خارطة النفوذ داخل قطاع غزة، تقوم على تقسيمه إلى مناطق تخضع لسيطرة مختلفة، بحيث تدير إسرائيل بعضها عسكريا، فيما تبقى مناطق أخرى تحت إدارة حركة حماس، ويشمل المشروع إقامة مجتمعات مؤقتة مخصصة للنازحين الفلسطينيين في جنوب القطاع، بدءا من مدينة رفح.

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور جهاد أبو لحية، المحلل الفلسطيني، وأستاذ القانون الدولي، إن يظهر المخطط الأمريكي الإسرائيلي لتقسيم قطاع غزة إلى "مناطق خضراء" و"مناطق حمراء"، تعارضا مباشرا مع قواعد القانون الدولي، لأن هذا النوع من الفصل الجغرافي وما يرتبه من اختلاف في أنماط السيطرة الأمنية وشروط الحياة يندرج ضمن المعايير القانونية التي تعرف جريمة الفصل العنصري.

وأضاف أبو لحية- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن فالاتفاقية الدولية لقمع ومعاقبة جريمة الفصل العنصري تدرج ضمن المخالفات كل نظام ينظم توزيعا للسكان أو للحقوق على أساس السيطرة من طرف على آخر، وينشئ تمييزا ممنهجا بينهم .

وأشار أبو لحية، إلى أن نقل السكان المدنيين أو وضعهم في مناطق محددة لأسباب أمنية عامة يدخل ضمن نطاق الحظر الوارد في القانون الإنساني الدولي، إذ تمنع اتفاقيات جنيف وقواعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر النقل القسري أو إعادة التوطين في الأراضي المحتلة إلا في حالات محددة وطارئة لا تنطبق على الحالة القائمة، وفق ما تؤكده قاعدة حظر التهجير القسري.

وتابع: "كذلك، فإن إعادة توطين الفلسطينيين في مجتمعات مؤقتة من دون ضمان حقهم في العودة إلى ممتلكاتهم أو إعادة إعمار منازلهم يتعارض مع المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على حماية الملكية وعدم جواز حرمان الفرد منها تعسفا".

وأردف: "لا يتوافق هذا المخطط مع ما ورد في قرار مجلس الأمن 2308 الذي تناول الإغاثة وإعادة الإعمار ومسارا تدريجيا لنقل المسؤوليات الأمنية إلى جهات فلسطينية، من دون التنصيص على أي شكل من أشكال التقسيم الجغرافي أو إعادة تشكيل السكان".

واختتم: "وبذلك، يتضح أن الخطة المقترحة تحدث تعديلا جوهريا على الوضع القانوني للسكان في القطاع، وتفرض ترتيبات تتجاوز ما يسمح به القانون الدولي سواء في ما يتعلق بالحماية من التمييز أو بعدم جواز نقل المدنيين أو بحماية الملكية".

والخطة التي كشفت عنها صحيفة وول ستريت جورنال تمثل تحولا واضحا في مقاربة واشنطن تجاه ملف "تفكيك حماس"، وهو الهدف المعلن ضمن المرحلة الثانية من مبادرة السلام الأميركية المكونة من 20 بندا، ورغم ذلك، لا تتوقع الولايات المتحدة تحقيق هذا الهدف في المدى المنظور.

وتتضمن الخطة وضع حدود دقيقة لمناطق النفوذ، بحيث تشار إلى مناطق حماس باللون الأحمر، وإلى المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل باللون الأخضر، وفي هذه المناطق الخضراء، تسعى واشنطن إلى إنشاء ما تسميه "مجتمعات آمنة بديلة" لإيواء النازحين بشكل مؤقت، مع توفير خدمات تعليمية وصحية أساسية.

وبحسب مسؤولين أميركيين، وصلت فرق هندسية بالفعل إلى غزة لبحث إزالة الأنقاض والذخائر غير المنفجرة في المناطق المخصصة لهذا المشروع، تمهيدا لإقامة تلك المجتمعات، ورغم عدم بدء أعمال البناء رسميا، يفترض أن تقدم هذه المواقع خدمات مؤقتة ريثما تنطلق عملية إعادة إعمار شاملة للقطاع.

وتشير مصادر أميركية وإسرائيلية إلى أن رفح مرشحة لتكون أول منطقة يطبق فيها هذا النموذج، رغم استمرار المعارك تحت الأرض في شبكة الأنفاق. 

غير أن الجانب الأمني يبقى الأكثر غموضا، إذ لا تزال الولايات المتحدة وإسرائيل تدرسان كيفية منع تسلل عناصر حماس إلى هذه المناطق المفترضة.

ويتضمن أحد المقترحات المطروحة الاستعانة بفصائل محلية مسلحة مدعومة من إسرائيل، مثل مجموعة ياسر أبو شباب التي تدير مدارس ومحال تجارية في مناطق نفوذها، إلا أن واشنطن تبدي تحفظا على هذا الخيار بسبب افتقار بعض هذه الفصائل للانضباط، وتصنيف عدد من أفرادها بوصفهم  أنهم مجرمين.

وتعتمد الخطة الأميركية على تقليص مناطق سيطرة حماس تدريجيا، بما يمهد لاحقا لنشر قوة استقرار دولية بقرار من مجلس الأمن، إلى جانب قوة شرطة فلسطينية محلية. 

وخلال هذه المرحلة الانتقالية، من المتوقع أن تتولى "هيئة السلام" المقترحة ضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إدارة الشؤون المدنية وملف إعادة الإعمار، قبل نقلها لاحقا إلى جهة فلسطينية.

في المقابل، رفضت حركة حماس الخطة ووصفتها بأنها شكل من "الوصاية الدولية" يهدف إلى فصل غزة عن الشعب الفلسطيني.

وزير خارجية مصر يشدد على أهمية ترسيخ وقف إطلاق النار في قطاع غزةمحلل فلسطيني: مخطط تقسيم غزة يشكل انحرافا خطيرا عن قواعد القانون الدولي

والجدير بالذكر، أنه سبق للحركة أن رفضت القرار الأخير لمجلس الأمن الداعم لإرسال قوات دولية، معتبرة إياه محاولة لفرض نظام يخدم مصالح خارجية ويحد من حق الفلسطينيين في إدارة شؤونهم ومقاومة الاحتلال.

تصعيد إسرائيلي جديد في غزة يتسبب بمصرع عشرات الفلسطينيين ودمار واسعوزيرا خارجية مصر وفرنسا يؤكدان أهمية ترسيخ وقف إطلاق النار في غزة طباعة شارك غزة قطاع غزة حماس فلسطين الاحتلال ترامب دونالد ترامب

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: غزة قطاع غزة حماس فلسطين الاحتلال ترامب دونالد ترامب القانون الدولی قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

ماذا بعد رفض المقاومة للقرار الأمريكي بشأن غزة؟

 

 

 

خالد بن سالم الغساني

 

مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة، الذي اعتمده مجلس الأمن بأغلبية 13 صوتًا وامتناع روسيا، مع الرفض المطلق من "حماس"، يمثل محطة مفصلية في مسار القضية الفلسطينية، ليس فقط لكونه خطوة دولية جديدة في إدارة الصراع؛ بل لأنه يضع مشروعية المقاومة في مواجهة مباشرة مع إرادة دولية تتشكل حول مستقبل القطاع.

وبينما يرى البعض أن القرار قد يكون فرصة لإعادة بناء غزة وإخراجها من نفق الحرب والحصار، يراه آخرون- وتجسدهم فصائل المقاومة الفلسطينية بشكل عام وحركة حماس على وجه الخصوص- محاولةً لتفريغ المقاومة من مضمونها وإخضاع غزة لوصاية دولية جديدة لا تضمن أي استقلال فعليّ للفلسطينيين.

هذا القرار الذي تقوده الولايات المتحدة ضمن رؤية لإعادة صياغة غزة بعد الحرب، يتضمن إنشاء قوة دولية انتقالية تتولى إدارة القطاع وإعادة ترتيبه سياسيًا وأمنيًا. وبالرغم من عدم استخدام روسيا لحق النقض "فيتو"، فإن امتناعها عن التصويت يثير تساؤلات حول وجود توترات ضمنية بين القوى الكبرى في كيفية مقاربة المشهد الفلسطيني، ما يعكس أن القضية ليست فقط محط صراع إقليمي أو فلسطيني داخلي؛ بل هي جزء من مشهد دولي أوسع يحاول كل طرف فيه رسم حدود تأثيره.

ورفضُ فصائل المقاومة الفلسطينية للقرار هو العنصر الأساسي الذي سيؤثر على كل ما يمكن أن يتبع هذا القرار؛ فحركة حماس التي تُمثِّل القوة السياسية والعسكرية الأكبر في غزة، والتي سقط لها مئات الشهداء في مقاومة قطعان الاحتلال الصهيوني، ترى أن هذا القرار يهدف إلى سلب المقاومة شرعيتها وإعادة تشكيل قطاع غزة بما يتناسب مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية، بعيدًا عن إرادة الشعب الفلسطيني الذي دفع ثمنًا باهظًا في وجه الاحتلال والحصار. وبالنسبة لها، فإن أي مشروع دولي لا يأخذ في الحسبان وجودها وقدرتها على التأثير على الأرض، بعد كل هذا الصمود وهذه التضحيات، محكومٌ عليه بالفشل. وترى أن القرار يشكل تهديدًا مباشرًا لوجود المقاومة ومشروعها السياسي؛ إذ يسعى إلى وضع إدارة انتقالية قد تستثنيها بالكامل أو تحجم دورها.

تفنيد حركتا حماس والجهاد الإسلاميتان للمشروع، يأتي من منطلقات متعددة؛ أولًا: أن القرار يفتقر إلى اعتراف حقيقي بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، ويفصل قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية، ثم يفرض وقائع جديدة تناقض ثوابت الشعب الفلسطيني، وينظر إليه كموضوع لإدارة دولية، وليس كفاعل رئيسي. ثانيًا: أن وجود قوة دولية قد يجر إلى صدامات داخلية إذا ما حاولت هذه القوة تنفيذ مهامها دون تنسيق مع القوى الفاعلة داخل غزة. وثالثًا: أن القرار يلتف على جوهر القضية المتمثلة في "الاحتلال" ويفرض آلية لتحقيق أهداف هذا الاحتلال التي فشل في تحقيقها عبر حرب الإبادة الوحشية، ويحولها إلى مسألة إدارة أزمة إنسانية وأمنية دون معالجة جذور الصراع، وهو يعني بوضوح، أن لا إرادة فلسطينية على الأرض ولا مقاومة ولا سيادة ولا تحرير، وهذا هو بيت القصيد الذي تتمسك به كل فصائل المقاومة الفلسطينية، ومعها كل أصحاب القضية، وترفض التنازل عنه تحت أي حجج أو مبررات، انطلاقًا من أن حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال يكفله القانون الدولي، وأن سلاح المقاومة هو الضمانة لهذا الحق.

ورغم هذا الرفض المُعلن والقوي، يبقى واقع ما بعد القرار يعتمد على موازين القوة على الأرض، وعلى مدى قدرة الأطراف الدولية على فرض رؤيتها، وقدرة حماس وفصائل المقاومة على المناورة. وإذا كان القرار يمثل “شرعية دولية” جديدة، فإن حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية جميعها تمثل “شرعية مقاومة” لا يمكن تجاهلها. وبين الشرعيتين، يقف شعب غزة الذي أنهكته الحرب والحصار، ويجد نفسه بين احتمالات متناقضة: هل يمكن أن يرى في هذا القرار بداية لمرحلة جديدة تخرجه من دائرة النار؟ أم أنه يتحول إلى ساحة تجارب لتوازنات القوى العالمية؟

المشهد اليوم أكثر تعقيدًا مما يتخيله البعض، لكنه يحمل بوضوح معالم صراع جديد، ربما أهدأ في ظاهره، لكنه لا يقل ضراوة في مضمونه. ومن هنا يبقى السؤال الكبير: هل ستنجح واشنطن في فرض رؤيتها، أم ستعيد المقاومة تشكيل قواعد اللعبة؟

الزمن وحده سيكشف ما إذا كان هذا القرار خطوة نحو استقرار حقيقي، أم مقدمة لصراع جديد يطال هذه المرة شرعية المقاومة ذاتها.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • ماذا بعد رفض المقاومة للقرار الأمريكي بشأن غزة؟
  • قيادي بحماس لـعربي21: وفد من الحركة يصل القاهرة لبحث خروقات اتفاق غزة
  • شاهد..محاور خطيرة يكشفها تقرير فريق الخبراء الأممي عن اليمن 2025
  • حماس تناقش خروقات الاحتلال للهدنة بالقاهرة
  • محلل فلسطيني: مخطط تقسيم غزة يشكل انحرافا خطيرا عن قواعد القانون الدولي
  • حماس تدعو الوسطاء لضبط خروقات إسرائيل لوقف النار في غزة
  • حماس تطالب بكشف هوية مسلح مزعوم بعد خروقات إسرائيل في غزة
  • حركة حماس: تصاعد خروقات العدو يضع الوسطاء وأمريكا أمام مسؤولية التصدي لمحاولاته تقويض الاتفاق
  • "حماس": تصاعد خروقات الاحتلال يضع الوسطاء والولايات المتحدة أمام مسؤولياتها لوقفها