قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا إن الضربة الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت تعكس انتقال العمليات إلى نمط متسارع يعيد الصراع إلى مربّعه الأول، موضحا أن الاستهدافات باتت جزءا من سياسة ثابتة تقوم على ضرب القيادات العملانية الأساسية في حزب الله وإحراج الحزب عبر دفعه إلى الرد، بما يفتح على ديناميكية جديدة في المواجهة.

ويشير حنا في تحليل عسكري للمشهد في لبنان إلى أن عودة الاغتيالات بهذا النسق توحي بتطور في أدوات إسرائيل الاستخباراتية، بعدما تمكنت من رصد شخصيات مصنّفة ضمن الهيكل القيادي المتقدم، مؤكدا أن دقة الضربة  تعكس تغلغلا أمنيا وتعزيزا للهيمنة الجوية على الضاحية الجنوبية، في مرحلة وصفها بأنها الأعلى حساسية منذ بدء الحرب.

وكان مراسل الجزيرة قد نقل بأن الغارة أحدثت انفجارا ضخما في حارة حريك تبعه تحليق مكثّف للطائرات الإسرائيلية، بينما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية استشهاد وإصابة اكثر من 22 شخصا، وقالت مصادر في الحزب للجزيرة إن توصيف "الرجل الثاني" لا يُعتمد لديهم، وإن الحديث يدور عن قيادي عسكري بارز.

ويرى حنا أن توسيع دائرة الاغتيالات وصولا إلى بيروت يمثّل انتقالا إلى استهداف رؤوس القيادة داخل المثلث المركزي للحزب، الذي يشمل الضاحية والبقاع وجنوب الليطاني، موضحا أن الضاحية هي مركز القيادة، فيما يشكل البقاع عمقا جيوسياسيا ومنطقة الجنوب مسرح الانتشار العملاني.

ويضيف أن استهداف هذا المثلث كاملا يعني محاولة تعطيل منظومة القيادة والسيطرة ومنع الحزب من إعادة التموضع.

ويعيد ذلك إلى مقدمة الهجوم الأخير، إذ تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن مشاركة رئيس الأركان في الإشراف على العملية بعد ورود معلومات حول وجود الهدف داخل منطقة مكتظة بالسكان، بينما أكدت تقديرات أمنية إسرائيلية نجاح الاغتيال، في وقت وُضعت الدفاعات الجوية في حالة استعداد تحسبا لأي رد من حزب الله.

3 دوائر مستهدفة

ويشرح حنا أن إسرائيل تعتمد منهجا غربيا يقوم على 3 دوائر متتابعة: ضرب القيادة العليا، ثم البنى التحتية، ثم القدرات العملانية والتكتيكية، معتبرا أن خسارة قائد من الصف الأول لا يمكن تعويضها سريعا لأن إعادة إنتاج الخبرة القتالية والمعرفة الجغرافية وأساليب القيادة تحتاج إلى تراكم طويل.

إعلان

وذهب حنا إلى أن استهداف شخصية بحجم رئيس أركان – كما تقول إسرائيل- يعيد المشهد إلى ما حصل عند اغتيال فؤاد شكر مطلع الحرب.

وتزامن ذلك مع تأكيد نتنياهو أن حكومته ستواصل ضرب حزب الله في كل زمان ومكان، فيما شهد الأسبوع الماضي تكثيفا للغارات في الجنوب والبقاع، وصولا إلى واحدة من أعنف الضربات منذ الهدنة في غزة، وهو ما ترى فيه دوائر إسرائيلية محاولة لمنع الحزب من إعادة بناء منظوماته العسكرية أو تحسين قدراته الهجومية.

ويرى حنا أن الاستهداف المتواصل يهدف إلى تعطيل إعادة تركيب المستويات القيادية الثلاثة داخل الحزب، سواء على المستوى الاستراتيجي أو العملاني أو التكتيكي، مبينا أن أي قائد جديد يحتاج إلى وقت لإعادة فهم مناطق الانتشار وتحديث خطط القتال.

قطع الرأس

ويضيف أن إسرائيل تعمل ضمن مقاربة "قطع الرأس" كي تمنع الحزب من ترميم شبكة الربط بين قطاعات جنوب الليطاني وشماله والبقاع.

ويرى حنا أن عدم إصدار إسرائيل خريطة إخلاء للضاحية كما فعلت في مواقع أخرى دليل على استهداف "شخصية محددة" تتطلب عنصر المفاجأة، مشيرا إلى أن العملية تستلزم مراقبة استخباراتية بشرية ورصدا مستمرا لنمط تحركات الهدف، إضافة إلى وجود الطائرات في الجو بانتظار ضوء أخضر لحظي للتنفيذ.

أما بشأن ما كشفه موقع "أكسيوس" عن أن واشنطن لم تُبلَّغ مسبقا بالهجوم، فيعتبر حنا ذلك مؤشرا إلى رغبة إسرائيل في منع أي احتمال لعرقلة العملية من جانب الولايات المتحدة، لافتا إلى أن واشنطن تسمح في الفترة الحالية بهوامش أوسع لإسرائيل على الساحة اللبنانية، مقارنة بمستوى التقييد المفروض على العمليات في غزة وسوريا.

ويضيف أن الاستهدافات تأتي ضمن سياق فرض قواعد اشتباك جديدة في ظل تراجع فعالية اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وفي ضوء الرغبة الإسرائيلية بإعادة صياغة الوضع جنوب الليطاني بما يشبه ما حدث بعد اتفاق 17 أيار عام 1983، لكن ضمن مقاربة أمنية أكثر صرامة هذه المرة.

ويحذر حنا من أن استمرار هذه الوتيرة سيضع اللبنانيين أمام تحديات أمنية وسياسية كبرى، خصوصا في ظل محاولات إسرائيل تكريس وقائع ميدانية قبل أي مفاوضات لاحقة، مشددا على أن الضربة الأخيرة تحمل رسالة بأن تل أبيب تريد موقعا تفاوضيا أقوى، وتسعى إلى فرض خطوط جديدة بمعزل عن الموقف الدولي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات حزب الله حنا أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

الحكومة: الحرس الإيراني يتولى الإدارة المباشرة والعلنية للحوثيين

قالت الحكومة اليمنية إن عودة القيادي في الحرس الثوري الإيراني والمدرج على قائمة الإرهاب الأمريكية، عبدالرضا شهلائي، إلى مناطق ميليشيا الحوثي  تمثّل "تحوّلاً بالغ الخطورة" وإعلانًا رسميًا بمرحلة من "الإدارة المباشرة والعلنية" من إيران للمليشيا، بعد سنوات حاولت خلالها الجماعة الادعاء بالسيادة والاستقلال.

وأوضح وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في تصريح صحفي أن هذه العودة تأتي في وقت تمر فيه الجماعة بـ "انكشاف أمني وتصدع داخلي" نتيجة مقتل عدد من أبرز قادتها، من بينهم محمد الغماري، وهو ما أحدث فراغًا في قيادة الجماعة وأضعف منظومة التحكم والسيطرة. وقال إن إرسال شهلائي يؤشر إلى أن إيران تحاول إعادة تدوير المنظومة العسكرية والأمنية للحوثيين بعد الضربات التي تلقتها أذرعها داخل اليمن وخارجه.

وأشار الوزير إلى أن القرار يهدف أيضًا إلى "إعادة تنشيط الملف الصاروخي والمسيرات الحوثية"، واستغلال اليمن كـ"ورقة ضغط" على المجتمع الدولي، خصوصًا في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، بعد أن تأثرت قدرة الجماعة على تنفيذ هجمات بنفاد جزء من مخزونها من الأسلحة.

واعتبر الإرياني أن عودة شهلائي لا تخدم فقط الجانب العسكري، بل تأتي ضمن جهود إيرانية لإعادة ترميم "شبكة التمويل والاقتصاد الموازي" التابعة للحوثيين، بعد الضربات التي طالت شبكات غسيل الأموال والمسارات المالية غير القانونية. وأضاف أن شهلائي يعد من القيادات التي تمتلك "خبرة واسعة في إدارة الملفات الحساسة"، ما يُرجّح أن طهران ستسعى من خلاله إلى إعادة تنشيط الموارد الاقتصادية للجماعة.

وحول مزاعم الحوثيين بـ"السيادة الوطنية"، أكد الوزير أنها "تُنسف تمامًا" بقدوم ضابط بهذا المستوى من الحرس الثوري، مشيرًا إلى أن الواقع يكشف أن قرار الجماعة خاضع بالكامل "لغرف عمليات إيرانية" دون أي غطاء أو استقلال حقيقي.

وحذر الإرياني من أن هذه الخطوة تحمل رسالة واضحة بشأن مستقبل السلام في اليمن: "إيران غير معنية بتهدئة الأوضاع أو المسار السياسي"، بل تسعى إلى جعل اليمن "منصة صراع مفتوحة" وجبهة مساومة، بعيدًا عن مصالح اليمنيين. 

وأكد أن اليمن اليوم على "خط تماس مباشر" مع أحد أخطر مشاريع التوسع الإيراني في المنطقة، وأن المواجهة ليست معركة يمنية فحسب، بل "ضرورة لحماية الأمن القومي العربي وضمان أمن الممرات البحرية الدولية".

مقالات مشابهة

  • إذاعة جيش الاحتلال: نتنياهو أجرى نقاشا حول الوضع في لبنان
  • سلام: لبنان يواجه حرب استنزاف وسلاح حزب الله لم يردع إسرائيل
  • عن إغتيال الطبطبائي في الضاحية الجنوبية... ماذا قالت صحيفة إسرائيليّة؟
  • رئيس الحكومة اللبنانية: سلاح حزب الله لم يردع إسرائيل ولم يحمِ قادة الحزب ولا لبنان
  • الصايغ: سلاح حزب الله يهدّد المفاوضات ولبنان قد يُترك وحيدًا بوجه إسرائيل
  • تقريرٌ إسباني عن الضاحية.. هذا ما قاله عن طبطبائي
  • الحكومة: الحرس الإيراني يتولى الإدارة المباشرة والعلنية للحوثيين
  • حزب الله مُحاصر... ماذا سيفعل بعد غارة الضاحية الجنوبيّة؟
  • مهندس إعادة بناء القدرات.. تفاصيل اغتيال رئيس أركان حزب الله تتكشّف: ما الذي كان يخطّط له؟
  • قيادات الجبهة الوطنية تتابع سير العملية الانتخابية بالغرفة المركزية للحزب