تواصلت فعاليات مهرجان الدن للمسرح في يومه الثالث بعروض مسرحية حظيت بإقبال لافت من جميع الفئات. وشهدت أيام المهرجان فعاليات مصاحبة أثرت الحدث أمسيات شعرية، ولقاءات مسرحية دولية، وفعاليات فنية وثقافية.

وشهد مسرح الطفل العرض المسرحي "أخوة الكبريت" الذي يتحدث عن التضحية، وأن كل منا خلق في هذه الحياة لغاية محددة، وأهداف لابد من تقديمها في سبيل إسعاد الغير، وأن للمرء ما تمنى.

وفي مسار الحكاية يتدخل الشر في حياة أعواد الكبريت، وهو الشيطان الذي حاول أن يوقع بين الأخوة الذين تعودوا على صنع الخير. وتأتي رسالة المسرحية للأطفال بأن لكل بداية نهاية، وأن عاقبة الشر هي الدمار، وطريق الخير عاقبته الخير.

وإلى مسرح الشارع حيث قدمت فرقة الحيل المسرحية العرض المفتوح "الحفرة"، وهي مسرحية ساخرة صممت ليكون موقعها الشارع والفضاءات المفتوحة، لكنها محملة بالرموز، حيث تبدأ الأحداث بظهور حفرة كبيرة في منتصف الطريق الرئيسي بإحدى المناطق، حفرة تحوّلت إلى معضلة يومية تسببت في ارتفاع الحوادث والوفيات، ما استدعى تدخل الجهات المختصّة وإرسال فريق من المهندسين والخبراء لدراسة حلول عاجلة.

وعلى امتداد سنوات من العمل، يظل المهندسون يدرسون الاحتمالات ويقترحون الحلول، دون الاطلاع على حجم المشكلة في الأرض. وبينما يواصل الفريق عمله، يتفاجأ الجميع بخبر زيارة المدير للموقع، فيسارع المهندسون إلى تجهيز ملفاتهم أملاً في أن تحظى مقترحاتهم أخيراً باهتمام رسمي.

يصل المدير إلى الموقع وهو نصف نائم، لتبدأ بعدها سلسلة من المقترحات التي تكشف تنافس المهندسين ومحاولتهم استرضاء المسؤول، وتتوالى الحلول الغريبة، من إنشاء مستشفى بجوار الحفرة، إلى جلب سيارة إسعاف دائمة، وصولاً إلى بناء مسجد عند حافة الطريق.

وفي ذروة العمل، يخرج رجل "عاد من عالم الموتى" من داخل الحفرة، ليصب غضبه على المدير، قبل أن يستوقف أحد المارة طالباً رأيه في الحل الأمثل. فيقدّم العابر الإجابة الأبسط والأوضح: "اردموها". هنا يعود الرجل الميت إلى عالمه، بينما يصعد المدير إلى المنبر ليلقي خطبة يتبنى فيها الحل، معلناً: "سنردم هذه الحفرة، ونذهب لنحفرها بجانب المستشفى!"

وتختتم المسرحية بأن يهتف الجميع خلف المدير: "حفرة جديدة... حفرة جديدة!" قبل أن يغادروا الموقع متوجهين إلى الحفرة القادمة.

ويشير محمود حبيب مؤلف ومخرج العمل بأن المسرحية تسلط الضوء على المنتفعين من استمرارية المشاكل، فيماطلون ويسوفون لكسب مزيد من الوقت الذي يضمن لهم كسب منافع شخصية لصالحهم، متجاهلين ما يمكن أن تتسبب به المشاكل من أضرار فادحة بحق الناس.

رقصة النسيج

وعلى خشبة مسرح الكبار أقيمت مسرحية صامتة، قدمتها فرقة مسرحية هندية بعنوان "رقصة النسيج". وكان العرض راقصا، هي قدمت سبعة راقصات برفقة راقص أساسي العمل، وظهروا كأنهم امتداد لأولئك النساجين الذين عاشوا دهورا مع الخيوط. كانت خطواتهم بطيئة في البداية، ودقيقة، تشبه حركة اليد حين تختبر قوة الخيط لأول مرة قبل شده. ثم شيئا فشيئا بدأت تتسع، وبدأ الإيقاع يظهر، وكأن الخيط نفسه صار يطلب من الجسد أن يواكبه.

العرض مستوحى من النساجين الحرفيين في ولاية كيرالا الهندية، ومن طريقتهم اليومية في تحويل الخيط إلى قماش. وكانت الإضاءة "خيطا" آخر في القصة، تتبدل شدتها كما تتبدل مراحل النسيج: ضوء قوي حين تتحرك الأجساد في انسجام، وظلال قصيرة حين يتباطأ الإيقاع، وضوء دافئ حين يشعر المشاهد بأنه يرى القماش يولد أمامه.

ولم يعتمد العرض على الموسيقى التقليدية، بل على أصوات تشبه الأصوات الحقيقية داخل ورشة نسيج: بالاحتكاك، والنبض الخفيف يشبه وقع الأدوات على الخشب. كما يظهر صوت الطيور تعبيرا عن بداية النهار، والعمل، والحركة. وأصوات المياه والأمطار والحياة. ومع كل انتقال، كان جسد الراقص يتحول كأنه الخيط، ومرة يصبح كأنه النول، ومرة يصبح كأنه النساج، يكرر الحركة نفسها.

وبدأ العرض مع تساقط المطر بإيقاع حاد ومتتابع، بدأ الضوء يتسلل إلى الخشبة، كظل شجرة فوق أرض مبتلة، وظهرت الراقصات وهن يرتدين الساري بألوان خافتة تشبه أثر المطر على القماش. مشين بخطوات محسوبة، كأن الأرض التي تحت أقدامهن ما تزال رطبة.

بعدها تخلت الراقصات عن الساري ليكشفن عن اللباس العملي الذي ترتديه النساء في ورش العمل. ليتراجع المطر، ويبدأ الصوت يتحول إلى خرير الماء ينقلب تدريجيا إلى هدير يشبه دوران آلة نسيجية في مكان غير مرئي، قبل أن يتطور إلى إيقاع بعيد يشبه مرور قطار. ومع إيقاعات تضرب بالأقدام، ونظرات تتبادل إشارات التعاون، وجسد جماعي يعمل بطريقة أقرب إلى طقس يومي منه إلى عرض فني.

ثم دخلت قطعة خشبية كبيرة وهي المغزل، حملته الراقصات، ثم أحطن به وبدأن بالدوران حوله، يلمسنه، يمررن عليه خيوطا متخيلة، ويمسحن سطحه، ثم بدا المغزل وكأنه ينمو مع كل حركة حتى صار رمزا أكبر من الخشبة نفسها.

وجلست الراقصات على الأرض لتناول وجبة بسيطة من الأرز والماء، ثم تمددت أجسادهن استعدادا للراحة، لكن واحدة بقيت مستيقظة. كانت تعالج خيطا طويلا، حتى عاد الضوء ليعلن بداية جديدة. ازدادت السرعة واتسع الإيقاع، وأصبحت الخشبة أكثر امتلاء بالحياة. وفي الخلفية بدأت قطعتان كبيرتان من القماش بالارتفاع شيئا فشيئا، قبل أن تتشكلا في صورة ستارتين طويلتين وهي نتيجة مسار العمل كله، بولادة القماش أمام الجمهور.

وفي المشهد الختامي عادت الراقصات لارتداء الساري كما ظهرن في البداية، ومررن بين الجمهور ثم عدن إلى الخشبة لتحية الحضور.

وقالت مخرجة العمل أن اسم العرض "نيذار" وهي كلمة من اللغة المالايالامية تعني "النسج". وتدور فكرة العمل حول يوم واحد في حياة ناسج، نعرض فيه رحلة الخيط حتى يتحول إلى القماش الذي نرتديه في حياتنا اليومية. كما نسلط الضوء على رتابة الحرفة التي يمارسونها يوميا، فهي تبدو بسيطة ومتكررة، لكنها في الحقيقة مليئة بالطبقات والتفاصيل.

فالتقاء خيوط السدى واللحمة ينتج تصاميم غاية في الجمال والفن. أردنا من خلال العرض تكريم الجهد اليومي لهؤلاء النساجين وأعمالهم الإبداعية. وأضافت: بصفتي مخرجة وفنانة، أحاول دائما العثور على الجمال في تفاصيل الحياة اليومية. نحن جميعا نحمل شيئا من الجمال بداخلنا، وكل ما يحيط بنا مهما كان بسيطا يحتوي على جمال أيضا.

فقط علينا أن ننظر بعمق لنراه. مؤكدة بقولها: نحن في الأساس راقصون، ولكن أثناء العمل على هذا العرض انتقلنا إلى مساحة المسرح الجسدي. أدركنا أن النساجين أثناء عملهم لا يتحدثون، فكل ما يسمع هو صوت النول وحركة النسج. واستوحينا من تلك الأصوات وصنعنا منها موسيقى، ثم أضفنا إيقاع الجسد للتواصل مع الجمهور كما شاهدتم اليوم. لم تكن الكلمات ضرورية.

وأوضحت أن العمل استغرق منا نحو خمس سنوات لإتمام الإنتاج بالكامل. وعملية النسج نفسها تمر بثماني مراحل، وتستغرق حوالي 20 يوما لصناعة قطعة قماش واحدة. مبينة أن الخيط القادم من المصنع يحتاج أولا إلى التنظيف لإزالة الصمغ، ثم نقوم بصبغه وغسله وتجفيفه. بعد ذلك نثبته على السدى، ثم نمرره عبر آلة اللف ثم عبر الـ"شركه" ليصبح لحمة. بعدها نثبته على النول، ثم تبدأ عملية النسج. وهذه هي الخطوات التي تسبق مرحلة الحياكة الفعلية.

الفعاليات المصاحبة

واختتمت فعاليات ليالي أثير بأمسية أمسية شعرية أدارها الشاعر عبدالله العريمي، وشهدت حضورا لافتا من محبي الشعر ورواد الكلمة، حيث تعاقب على المنصة مجموعة من الشعراء أضفوا على الأمسية تنوعا في الصوت واللغة والرؤية.

استهل الأمسية الشاعر يوسف الكمالي، وقدم مجموعة من قصائده التي حملت طابعا وطنيا مستحضرا ملامح الانتماء وصدق العاطفة. وألقى الكمالي قصيدة خص بها محافظة مسندم تعبر عن جمال المكان وقيمته في الذاكرة العمانية.

وألقى الشاعر الجزائري بوزيد حرز الله قصائد فلسفية وفكرية، تعمقت في معنى الحياة. واختتمت الشاعرة السودانية روضة الحاج الأمسية بمقطع من قصيدة أهدته إلى عُمان. تضمن المقطع احتفاء بمآثر سلطنة عمان وفضائلها ودورها الحضاري والإنساني. كما ألقت قصيدة أخرى ذات طابع فكري.

من جانب آخر شهدت وزارة الثقافة والرياضة والشباب صباح أمس انعقاد الملتقى الفني للفرق المسرحية الأهلية، وهو لقاء دوري تنظمه الوزارة بشكل دوري، بهدف مناقشة شؤون الفرق المسرحية العمانية والاطلاع على آرائها وتطلعاتها.

وجاء تنظيم الملتقى هذا العام متزامنا مع فعاليات مهرجان الدن للمسرح، مما أتاح فرصة واسعة للحوار بين الفرق ولجان المهرجان، وتعزيز التعاون بين مختلف الجهات المعنية بالحركة المسرحية في سلطنة عمان. وشهد الملتقى حضورا من ممثلي الفرق المسرحية الأهلية وعدد من المختصين والمهتمين بالفنون الأدائية.

تكريم خليجي للفرق المسرحية العمانية

واستضاف مهرجان الدن فعالية تكريم نظمتها اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وتأتي هذه الفعالية ضمن جولة تكريم سنوية تقوم بها اللجنة في دول المجلس، حيث تم خلال الحفل تكريم 18 فرقة مسرحية تقديرا لإسهاماتها في الحراك المسرحي الخليجي.

الجدير بالذكر أن اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية انبثقت قبل نحو أربعين عاما من الأمانة العامة لمجلس التعاون، وتعنى بدعم ومتابعة الفرق المسرحية الأهلية في دول الخليج.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المسرحیة الأهلیة للفرق المسرحیة مهرجان الدن قبل أن

إقرأ أيضاً:

« دبابيس» عرض مسرحي لمواجهة العنف المجتمعي وتعزيز الوعي بين الشباب بقنا

قدمت مديرية الشباب والرياضة بقنا عرضًا مسرحيًا بعنوان "دبابيس" على مسرح مركز شباب الطويرات بمحافظة قنا، وذلك إطار استراتيجية وزارة الشباب والرياضة الهادفة إلى نشر الوعي المجتمعي وترسيخ القيم الإيجابية بين النشء والشباب، و بمشاركة فريق نواه أسيوط المسرحي الذي قدم رؤية فنية متميزة جمعت بين الدراما والتعبير الحركي

وتناول العرض قضية العنف القائم على النوع الاجتماعي باعتبارها أحد أهم التحديات المجتمعية المعاصرة، حيث عُرضت صور مختلفة لهذه الظاهرة في إطار فني مبتكر، كشف آثارها السلبية على الأسرة والشباب ونسيج المجتمع. ووجه العمل رسالة واضحة بضرورة تعزيز ثقافة المساواة والاحترام المتبادل ومواجهة جميع أشكال العنف

وأكد بهاء شوقي وكيل وزارة الشباب والرياضة بقنا أن تقديم هذا العرض يأتي ضمن خطة الوزارة لدعم المواهب الفنية الشابة، وتوظيف المسرح كوسيلة للتثقيف والتوعية، مشيرين إلى أن المسرح قادر على إيصال الرسائل المجتمعية بصورة إنسانية مؤثرة وقريبة من الجمهور.

وشهدت الفعالية حضورًا جماهيريًا واسعًا من أبناء وشباب المنطقة، الذين تفاعلوا مع المشاهد وثمّنوا الجرأة في الطرح والرسالة القيمية التي حملها العمل. كما أشاد الجمهور بأداء فريق نواه أسيوط وما قدمه من قيمة فنية ورسالة إنسانية عميقة.

يأتي هذا النشاط ضمن سلسلة من الفعاليات الثقافية والفنية التي تنفذها مديرية الشباب والرياضة بقنا بهدف تمكين الشباب، وتعزيز الوعي، ومواجهة الظواهر السلبية بالفن والمعرفة، بما يسهم في بناء مجتمع واعٍ ومتماسك.

يُقام العرض تحت رعاية الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة، والدكتور خالد عبد الحليم محافظ قنا، وبهاء شوقي وكيل وزارة الشباب والرياضة بقنا.

مقالات مشابهة

  • مازن الغرباوي: عروض المهرجان تبث بشكل مباشر يوميًا
  • مازن الغرباوي: من الوارد تقديم حفلات غنائية بمهرجان شرم الشيخ الدورات القادمة
  • طرح فيلم صوت هند رجب في دور العرض الإسبانية
  • سامح الصريطي: النجم ليس ممثلا عاديا
  • جيهان إسماعيل تكشف أسرار بناء الشخصية الدرامية بمهرجان شرم الشيخ للمسرح
  • مهرجان شرم الشيخ للمسرح يخصص سوقًا دوليًا لرؤساء ومديري المهرجانات المسرحية حول العالم
  • سوق دولي يجمع قادة المهرجانات المسرحية في شرم الشيخ لبحث آفاق التعاون
  • « دبابيس» عرض مسرحي لمواجهة العنف المجتمعي وتعزيز الوعي بين الشباب بقنا
  • تكريم 3 قامات مسرحية من كوريا وقطر وسلطنة عمان في مهرجان شرم الشيخ