محمد المفتي الجزايرلي بك كان واحد من الشخصيات اللي تركت بصمة واضحة في تاريخ وزارة الأوقاف المصرية، واللي اسمها دايما مرتبط بفكرة الاستقرار والحفاظ على حيادية المساجد. 

فترات ولايته المتقطعة من 1949 إلى 1952 كانت بمثابة تجربة حقيقية في إظهار كيف يقدر الإنسان المخلص لوطنه يحافظ على مؤسسات دينية بعيدة عن الصراعات الحزبية والمناكفات السياسية، وده مش كلام نظري، ده واقع ثبتته منشوراته وتعليماته الرسمية اللي وضعت المساجد في مكانها الطبيعي، كبيت للهداية والإيمان، مش ساحة للصراع السياسي.

اللي يلفت النظر في شخصية الجزايرلي بك إنه كان بيقدر قيمة المسجد في حياة المصريين اليومية، وكان شايف إن أي محاولة لاستغلاله سياسيا هي خيانة لرسالة المسجد الحقيقية. 

في نوفمبر 1949، أصدر المنشور العام رقم 49، واللي أكد فيه على منع استخدام المساجد في الدعاية الانتخابية، وده موقف مش بسيط، خصوصا في الوقت اللي كانت فيه البلاد مليانة اضطرابات سياسية وحركات حزبية كتيرة، المبادرة دي كانت علامة على حرصه على أن تبقى المساجد ملجأ للعبادة فقط، ومكانا يوحد الناس بدل ما يفرقهم.

المفتي الجزايرلي بك ما كانش مجرد وزير عادي، لكنه كان رمزا للوعي الديني المسئول، واللي بيقدر يمزج بين العمل الإداري والحرص على القيم الروحية. 

فترات ولايته المتعددة على مدار ثلاث حكومات مختلفة بتدل على الثقة الكبيرة اللي كانت موجودة فيه، وفي قدرته على إدارة وزارة الأوقاف بطريقة توازن بين السياسة والدين، من غير ما يسمح لأي طرف إنو يستغل المؤسسات الدينية لمصالحه الخاصة. 

الفترة الأولى من ولايته كانت مع وزارة حسين سري باشا في أواخر 1949 وبداية 1950، وبعدها عاد مرة تانية في مارس 1952 مع وزارة أحمد نجيب الهلالي باشا، وأخيرا لفترة قصيرة في يوليو 1952، وكانت كل فترة من فترات ولايته شاهدة على حرصه على مبدأ حيادية المساجد وتأكيده على أن الدين فوق كل الصراعات السياسية.

أكثر حاجة كانت تميز عمله هي البساطة الواضحة في قراراته، رغم أهميتها الكبيرة، القرارات اللي كان بيصدرها مش مجرد أوراق رسمية، لكنها كانت رسائل قوية لكل من يحاول استغلال الدين لمصالحه الشخصية، وكأن الجزايرلي بك بيقول بصوت عالي: "المسجد بيت الله، ومكانش لأي حد الحق يستغله لمصالحه". 

الرسائل دي، رغم بساطتها الظاهرية، كانت بمثابة حماية للمجتمع المصري من أي تأثير سلبي للصراعات السياسية على الدين، وكان فيها دفء وصدق حقيقي يعكس حب الجزايرلي بك لوطنه وللشعب المصري.

اللي يجذب الانتباه كمان في شخصيته هو أنه كان بيشتغل بإيمان راسخ بضرورة أن يكون لكل مؤسسة دينية قيمتها الخاصة، ومش شرط إنها تتأثر بالسياسة ولا تتحول لمكان للنزاعات. 

وده درس مهم جدا لأي وزير أو مسؤول في أي وقت، لأنه بيأكد على إن الالتزام بالمبادئ والوعي العميق بالدين ممكن يحمي المجتمع كله من الانزلاق في صراعات ضارة. 

الجزايرلي بك كان نموذج للمسؤول اللي يعرف قيمة دوره ويعرف حدود سلطته، وفي نفس الوقت مش بيقبل إن أي طرف يعبث بالدين أو يستخدمه كأداة ضغط أو نفوذ.

وفي النهاية، محمد المفتي الجزايرلي بك مش بس كان وزير أوقاف، لكنه كان شخصية وطنية بمعنى الكلمة، قدم نموذج للعمل المخلص اللي بيوازن بين السياسة والدين، بين السلطة والمسؤولية، وده اللي خلاه يترك أثر دائم في تاريخ مصر الحديث. 

فترات ولايته المتقطعة، وإن كانت قصيرة، لكنها كانت مليانة بالوعي والحكمة والوفاء للقيم اللي بيؤمن بيها الشعب المصري، وكلنا لما نفكر في أهمية المساجد ودورها، لازم نفتكر جهود شخصيات زي الجزايرلي بك اللي ضحوا واشتغلوا بضمير علشان يحافظوا على رسالة المسجد، ويحموها من أي تأثيرات خارجية، ويخلوها دايما بيتا للهداية والنور، مش للصراعات الحزبية والسياسية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: وزارة الأوقاف الوطنية المصرية تاريخ مصر الحديث

إقرأ أيضاً:

حضور متجذر في الوجدان العُماني وذاكرة العزلة الروحية

نزوى - أحمد بن عبدالله الكندي

تقف مساجد العُبّاد كشواهد حية على عمق التاريخ الإسلامي والمعماري الذي ميّز مدينة نزوى العريقة؛ فهي ليست مجرد أبنية طينية بسيطة تتوزع بين الجبال والشعاب والمقابر، بل هي فضاءات روحانية كانت تحتضن المتأملين في صفاء الليل، حيث يجتمع فيها السكون والتأمل والخلوة بالله.

اليوم نفتح نافذة على هذا التراث الفريد الذي يُجسّد جانبًا من العمق الديني والثقافي لعُمان، من خلال الحديث عن مساجد العُبّاد في الولاية ونسبر أغوارها وتاريخها، حيث يتحدّث الباحث المتخصص في التراث العُماني محمد بن عبدالله بن سعيد السيفي متطرّقًا إلى تاريخها ودلالاتها الروحية والمعمارية، وأهميتها في الحفاظ على هُوية المكان وصلته بماضيه المجيد.

يقول السيفي: «من الظواهر الجميلة في مجتمعنا العُماني ظاهرة مساجد العُبّاد، وهي ظاهرة قديمة تمتد لمئات السنين؛ لا نملك تاريخًا دقيقًا لتأسيسها أو أسماء من أنشأها، شأنها شأن كثير من معالمنا القديمة التي لم تُدوّن تفاصيلها، لكن وجودها المتكرر في مناطق متعددة من عُمان يؤكد عمقها في الذاكرة الدينية للمجتمع».

ويضيف: «إن هذه المساجد سُمّيت بهذا الاسم لأنها كانت ملاذًا للعُبّاد والزاهدين الذين آثروا الخلوة للعبادة وتهذيب النفس، إذ يجتمع فيها معنى الانقطاع عن الناس ومحاسبة الذات وطلب الصفاء الروحي، إلى جانب القيام بأعمال تعبّدية أو علمية كنسخ الكتب وقراءة القرآن ولقاء الإخوان في الله؛ ويشير إلى أن هذا النمط من المساجد يعكس جانبًا من روح التدين العُماني المتوازن الذي يجمع بين العلم والعبادة، وبين عمارة الأرض ومراقبة النفس، وهو ما جعلها محببة لدى الناس، رغم بساطتها وصغر حجمها».

ويرى السيفي أن لمساجد العُبّاد أثرًا نفسيًا وتاريخيًا بالغ العمق في المجتمع المحلي، إذ إنها تمثل صلة بين الأجيال، وتروي حكاية الإنسان العُماني في علاقته مع ربه ومع نفسه؛ ويقول: «تاريخ هذه المساجد يتحدث عن تمسّك العُمانيين بدينهم، وعن تلك الصلة الصادقة التي تربطهم بالله، وعن نزوع بعضهم للعزلة والتأمل ومحاسبة النفس، وهي قيم لا تزال راسخة في الوجدان رغم تغيّر أنماط الحياة».

ويؤكد أن بقاء هذه المساجد إلى اليوم، رغم تقادم الزمن، دليل على قوة الذاكرة المجتمعية التي لا تنسى جذورها الروحية؛ فهي تُذكّر الزائر بحياة كان فيها الإيمان والبساطة وجهين لحقيقة واحدة، وتدعوه للتفكر في المعاني الكبرى التي قامت عليها الحياة في نزوى عبر قرون.

بساطة الشكل وعمق الدلالة

وعن الطابع المعماري لمساجد العُبّاد، يوضح الباحث أنها صغيرة الحجم، بسيطة البناء، خالية من الزخارف والمآذن، وغالبًا ما تقع في أماكن نائية بعيدة عن مراكز المدن ومناطق الكثافة السكانية؛ ويقول: نلحظ أن كثيرًا من هذه المساجد يرتبط وجودها بالمقابر، فحيثما نجد مسجدًا للعُبّاد نجد القبور متناثرة حوله أو تحته، كما هو الحال في مساجد العُبّاد بمقبرة الأئمة في نزوى، ومساجد العُبّاد بالشرجة من محلة سعال، ومساجد العُبّاد في بهلا؛ وهذا الارتباط بين المسجد والمقبرة يعمّق الإحساس بالزهد والتذكير بالمآل والآخرة.

ويضيف: إن بساطة هذه المساجد ليست ضعفًا في العمارة، بل اختيار واعٍ يعكس جوهرها الروحي، إذ لا مكان فيها للمظاهر أو الزخارف، بل هي فضاء للخشوع والخلوة والسكينة؛ ويشير إلى أن مواد البناء المستخدمة كانت من البيئة نفسها: الطين والحجر المحلي وسعف النخيل وجذوع الأشجار، مما يجعلها منسجمة تمامًا مع طبيعة المكان وروحه.

جهود في الترميم وصون الذاكرة

ويؤكد السيفي أن هناك محاولات جادة للحفاظ على هذا التراث، حيث قامت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بترميم عدد من مساجد العُبّاد بمقبرة الأئمة في نزوى، بعد سنوات من الإهمال والتراجع في الاهتمام بها.

ويقول: «لقد كان هناك من يرى أن هذه المساجد لم تعد ذات قيمة وأنها مهجورة، لكننا كنا نؤكد أن ترميمها ليس ترفًا، بل هو حفاظ على جزء من تاريخ عُمان وهويتها الدينية والمعمارية؛ فحين تنهدم هذه المساجد يضيع معها جزء من ذاكرة الوطن».

ويضيف: إن هذه المساجد ليست مباني عادية، بل تحف معمارية على رؤوس الجبال والتلال، تُذكّر المارّ بتاريخ الأجداد ومآثرهم، وأن كل جدار فيها يحكي قصة عبادة وصبر وعزلة خاشعة؛ ولهذا ندعو إلى الإسراع في ترميم مساجد العُبّاد بالشرجة ومسجد حارة السبيل بالحذفة والمساجد المنتشرة في الجبال والوديان، التي تأثرت بتقادم الزمن دون عناية كافية.

أوقاف تحتاج إلى إحياء

ويكشف الباحث أن هذه المساجد كانت تمتلك أوقافًا كثيرة من الأراضي والمياه، تُستخدم مواردها لصيانتها ولإحياء المناسبات الدينية فيها، مثل قراءة القرآن وتقديم وجبات «الهجور» و«السحور» في ليالي العبادة؛ لكنه يأسف لتراجع هذه الممارسات الجميلة مع مرور الوقت بسبب ضعف تفعيل الأوقاف وقلة المترددين على المساجد.

ويقول: «يمكن إعادة الحياة لهذه المساجد بتنظيم أنشطة دورية، ولو مرة كل أسبوعين أو في الشهر، لإحياء المناسبات الدينية والاجتماعية التي كانت مرتبطة بها؛ فذلك يعيد التواصل بين الناس وماضيهم، ويجعل الأجيال الجديدة تدرك قيمتها».

وجهة روحية وسياحية

أما عن إمكانية تحويل هذه المساجد إلى وجهات ثقافية وسياحية، فيرى السيفي أن ذلك ممكن ومفيد، شريطة الحفاظ على حرمة المكان واحترام قدسيته؛ ويقول: «الزيارة لهذه المساجد يمكن أن تكون تجربة روحية وتاريخية في آنٍ واحد، شرط الاحتشام واحترام المقابر المجاورة؛ ويمكن للمؤسسات الأكاديمية والجامعات تنظيم رحلات علمية إليها لتعريف الطلبة بهذا الإرث الديني والمعماري الذي يجمع بين الأصالة والسكينة». ويشير إلى أن هذه المبادرات يمكن أن تسهم في ربط السياحة بالثقافة، وإبراز الوجه الروحي لنزوى، المدينة التي كانت عبر التاريخ منارة للعلم والدين والإنسان.

نداء للحفاظ والإحياء

يختتم السيفي حديثه برسالة محبة ووعي قائلًا: «مساجد العُبّاد ليست حجارة صامتة، بل ذاكرة ناطقة تروي قصة الإنسان العُماني في خلوته وتأمله وسعيه إلى الله؛ إنها جزء من هُويتنا الدينية والوطنية، وعلينا جميعًا -مؤسسات وأفرادًا- أن نرعاها ونوثقها ونحيي رسالتها». وسعيًا للتعريف بهذه المساجد والحفاظ على هُويتها ومكانتها يقوم الآن الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان السابعي بدراسة موسعة عن مساجد العُبّاد استقصى الكثير من مكنوناتها، وعسى أن يرى كتابه النور قريبًا لتستفيد منه الأجيال.

ترميم 4 مساجد

وكانت إدارة الأوقاف والشؤون الدينية قد باشرت منذ فترة ترميم أربعة مساجد من المساجد الموجودة بمقبرة الأئمة بنزوى، وهي: مسجد الطائر، ومسجد الطنانيف، ومسجد القبة، ومسجد الجامع، حيث تمت إعادة تهيئة المساجد وبناء مكان للوضوء ودورة مياه، وجاء ترميمها من دخل أوقافها؛ حيث تمتلك أصولًا وقفية متنوعة بين الأراضي الزراعية والمزارع والنخيل المتفرقة والأراضي التجارية، وتم ترميمها وفق الطابع التراثي من ناحية المواد المستخدمة والأدوات التي تحتاجها، وكذلك المحافظة على الهيكل الموجود حاليًا وصيانته وفق الطابع المعماري التراثي الذي يحافظ على عراقته وقدمه.

ختامًا تبقى مساجد العُبّاد في نزوى شاهدة على تفاعل الإنسان مع المكان، وعلى أن روح عُمانية لم تنقطع عن عبادة الله والتأمل في خلقه رغم تعاقب الأزمنة؛ إنها نوافذ مفتوحة على تاريخ ناصع من الصفاء والتقوى، تروي حكاية البساطة التي اتحد فيها الطين بالحكمة، والمكان بالإيمان. وفي زمن تتسارع فيه خطى التحديث، تظل هذه المساجد تُذكّرنا بأهمية التوازن بين الأصالة والمعاصرة، وبين العمران المادي والروحي. فهي ليست أثرًا صامتًا، بل رسالة حيّة تدعونا إلى صون التراث، وإحياء قيم الخلوة والمحاسبة والتقرب إلى الله، حتى تبقى نزوى واحة للروح والعلم كما كانت عبر التاريخ.

مقالات مشابهة

  • ألمانيا تدعو جميع الأطراف لضرورة الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • وزارة الداخلية تعلن بدء “البرنامج الوطني لترحيل المهاجرين غير النظاميين”
  • محمد منصور: فتنة ديسمبر كانت مخططة
  • الاقتصاد الوطني تعلن فتح باب استيراد زيت الزيتون
  • حضور متجذر في الوجدان العُماني وذاكرة العزلة الروحية
  • إيه اللي حصل.. محمد علي خير يتعجب من انتحار قاضي الإسكندرية
  • مديرية أوقاف الغربية تنظم المجالس العلمية بالمساجد الكبرى
  • بعد عدم ضمه.. أول تعليق من دونجا على قائمة المنتخب الوطني
  • الملك يهنئ باليوم الوطني لدولة الإمارات