سد الفجوة في مجال التكنولوجيا النظيفة
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
بنديكت كوني ـ
توني لانجينجين -
عندما تُناقش حلول الحد من الانحباس الحراري العالمي، غالبا ما يتم الخلط بين العمل المناخي والعدالة المناخية. وقد لجأت العديد من الدول الأوروبية (بما في ذلك المملكة المتحدة) إلى جلد الذات بالتكفير عن تاريخها الطويل في حرق الوقود الأحفوري، وذلك عن طريق سعيها لإزالة الكربون من اقتصاداتها المحلية في أسرع وقت ممكن، بغض النظر عن عما سيكلفه ذلك.
ولا شك أن الحكومات الأوروبية يجب أن تحقق أهدافها فيما يتعلق بخفض الانبعاثات. ولكن تغير المناخ مشكلة عالمية، ويتعين على البلدان الصناعية أن تحقق هذه الأهداف عن طريق سن سياسات عملية، وتطوير حلول تكنولوجية تدفع بالنمو الاقتصادي المحلي قُدما بينما تدعم التحول إلى الطاقة الخضراء خارج حدودها.
ومن المؤكد أن العالم المتقدم كان مسؤولا منذ أزل عن قدر كبير من الأضرار البيئية التي لحقت بكوكب الأرض، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التصنيع المبكر. فحتى عام 2000، أطلقت الولايات المتحدة وأوروبا ما يقرب من 70 بالمائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. ومع ذلك، فإن أكبر الدول المصدرة للانبعاثات السنوية تغيرت بسرعة في السنوات الأخيرة، حيث فضلت العديد من البلدان النمو الاقتصادي عن الانبعاثات.
فعلى سبيل المثال، تمثل المملكة المتحدة -وهي مهد الثورة الصناعية- الآن، ما يقارب 1 بالمائة من الانبعاثات العالمية من ثاني أكسيد الكربون، في حين أن الصين تسبب أكثر من 30 بالمائة. وتشير تقديراتنا إلى أن الانبعاثات في المملكة المتحدة ستنخفض إلى 0.6 بالمائة من الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، مع ارتفاع حصة الصين إلى أكثر من 36 بالمائة. ولا ينبغي لخطايا الماضي أن تحل محل استراتيجية واضحة الرؤية فيما يتعلق بالمناخ، خاصة في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. إن إظهار الالتزام الجاد بالتحول إلى صافي الصفر يعطي إشارة مهمة لبقية العالم، ولكن يتعين على هذه الحكومات أيضا أن تضمن أنها تعتمد نهجا يرسم الطريق إلى مستقبل أفضل للجميع. وإلا فإنها قد تتخلف عن الركب بينما تتولى بلدان أخرى القيادة العالمية بشأن التحديات المناخية، وهي تحديات علمية وتكنولوجية بقدر ما هي سياسية. وقد أدركت الولايات المتحدة هذا الأمر، وأصدرت قانون خفض التضخم بقيمة بلغت مليارات الدولارات، وهو ما أدى إلى التعجيل بالاستثمار في تكنولوجيات الطاقة النظيفة، بما في ذلك مشاريع البحث والتطوير. وخلال العام الذي أعقب إقرار مشروع القانون، أعلِن عما يقرب من 80 مصنعًا رئيسيًا للطاقة النظيفة.
كذلك، تهيمن الصين على سلسلة توريد التكنولوجيا النظيفة، وخاصة في المواد الحاسمة الأهمية مثل الغاليوم، وأشرفت على تطوير مكونات للألواح الشمسية منخفضة التكلفة، وتوربينات الرياح، وغير ذلك من التكنولوجيات.
ولكن بدلا من اتباع سياسات صناعية عدوانية لبناء تكنولوجيا نظيفة، ركز الساسة في المملكة المتحدة على أمور ثانوية، بما في ذلك تفاهات مثل عادات رئيس وزراء المملكة المتحدة، ريشي سوناك، عندما يكون في رحلة على متن طائرة. ومن ناحية أخرى، أهدر الساسة الأوروبيون الكثير من الوقت في الخلافات بخصوص الطاقة النووية: ردّا على إغلاق ألمانيا لمحطاتها النووية، قالت ميلاني فوجل، وهي عضو في مجلس الشيوخ الفرنسي والرئيسة المشاركة لحزب الخضر الأوروبي، في تغريدة لها: «هل حاولت أن تجعل بلدك يغلق آخر محطاته للطاقة النووية خلال 30 دقيقة؟ ومع أن الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنها ليست طموحة كما يجب. وفضلا على ذلك، لم تتقدم الدول الأوروبية بالصورة المطلوبة في مجال الإبداع العلمي والتكنولوجي، في حين ظلت الولايات المتحدة رائدة على مستوى العالم. ولا تزال المملكة المتحدة، من جانبها، تكافح من أجل العثور على موطئ قدمها الاقتصادي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. ويتعين على الدول الأوروبية والمملكة المتحدة أن تضع الابتكار في مجال التكنولوجيا النظيفة على رأس جدول أعمالها، إلى جانب الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية. ويتعين على صانعي السياسات أن يركزوا على التكنولوجيات والحلول -بما في ذلك توليد الكهرباء وتخزينها، واحتجاز الكربون، والانشطار والاندماج النووي- التي من شأنها أن تساعد البلدان في مختلف أنحاء العالم على الاستعاضة عن الوقود الأحفوري بالطاقة المتجددة المنخفضة التكلفة والمريحة. ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على المملكة المتحدة والدول الأوروبية زيادة الإنفاق الرأسمالي وتخصيصه بصورة أفضل (ومن الواضح أن ميزانية البحث والتطوير لشركة أمازون تتجاوز ما يُنفق على البحث والتطوير في كل دولة أوروبية). وتشكل زيادة التمويل، فضلا عن إصلاحات التخطيط والبحث، ضرورة أساسية لبناء نظام بيئي للإبداع يعزز «الشركات الحدودية» (الشركات المائة في كل قطاع التي تتمتع بأسرع نمو في الإنتاجية).
إن القدرة التنافسية لأوروبا كقاعدة للصناعة ما زالت تتراجع، وهو ما يؤكد الحاجة إلى العمل المتضافر. ونظرا لريادة الصين في تصنيع التكنولوجيات الخضراء ذات التكلفة المنخفضة، كما يتضح من العدد المتزايد من السيارات الكهربائية الصينية على الطرق الأوروبية، ينبغي للمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يسعيا إلى استغلال الفرص في حلول «الميل الأخير». فعلى سبيل المثال، سيكون للإزالة الكاملة للكربون من قطاع الطاقة في المملكة المتحدة تأثير طفيف نسبيا على الانبعاثات. ولكن تطوير طرق مبتكرة لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة من شأنه أن يمكن البلدان الأخرى من القيام بنفس الشيء بسهولة أكبر وبتكلفة أقل.
إن التحديات التي يواجهها علم المواد، وخاصة في القطاعات التي يصعب انتقالها إلى صافي الصفر مثل الأسمنت، ينبغي أن تثير حماس الباحثين ورواد الأعمال الشباب. ومن شأن هذا التحول في التركيز أن يسهم في تطوير أدوات جديدة لمكافحة تغير المناخ في جميع أنحاء العالم. ومن شأنه أيضا أن يحول تركيز المناقشات المحلية من التضحيات الشخصية إلى إمكانات العمل المناخي لتعزيز المصادر الداخلية للإبداع، ودفع النمو الاقتصادي قدما، وخلق فرص العمل، مع الاستفادة من زيادة التأثير على الصعيد العالمي. ورغم التحديات المتمثلة في معالجة تغير المناخ، فإن التكنولوجيا والابتكار يعملان على تسريع عملية التحول إلى صافي الصفر. ولكن يتعين على المملكة المتحدة والحكومات الأوروبية أن تركز على المساهمة في هذه الحلول، وهو ما يعني التركيز على النمو بدلا من التضحية، وتعزيز التأييد على نطاق واسع بدلا من إلقاء اللوم.
إن النهج الحالي القائم على التقليل من أهمية الجهود العالمية للحد من الانبعاثات وتضخيم تأثير العمل المناخي المحلي، والمُتخذ بمعزل عن العالم الخارجي، يضعنا جميعا على المسار الخطأ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی المملکة المتحدة الدول الأوروبیة بما فی ذلک
إقرأ أيضاً:
المملكة المتحدة تعلن فرض عقوبات على كبار قيادات قوات الدعم السريع
أعلنت المملكة المتحدة اليوم فرض عقوبات على كبار قيادات قوات الدعم السريع المشتبه بأنهم ارتكبوا أعمال عنف بشعة في الفاشر في السودان، بما فيها عمليات قتل جماعي، وعنف جنسي ممنهج، وتعمّد الاعتداء على مدنيين.
من بين المستهدفين بهذه العقوبات عبد الرحيم حمدان دقلو، أخو ونائب قائد قوات الدعم السريع الفريق أول حميدتي، إلى جانب ثلاثة آخرين من القيادات الذين يُشتبه بضلوعهم في هذه الجرائم – وجميعهم الآن يواجهون تجميد أرصدتهم ومنع قدومهم إلى المملكة المتحدة.
أخبار متعلقة زلزال بقوة 6.7 ريختر يضرب شمال شرق اليابانوزيرا دفاع أمريكا واليابان: تصرفات الصين لا تساعد على السلام الإقليميأفعال قوات الدعم السريع في الفاشر ليست عشوائية: بل هي جزء من استراتيجية متعمدة لترهيب السكان وبسط السيطرة عن طريق الخوف والعنف. وآثار أفعالهم يمكن مشاهدتها من الفضاء. حيث تُظهر صور الفاشر التي التقطت من الفضاء الرمال مخضّبة بالدماء، وأكوام جثث، وما يدل على وجود قبور جماعية دفنت بها جثث الضحايا بعد حرقها. لا بد من المحاسبة عن هذه الأفعال، واتخاذ خطوات عاجلة للحيلولة دون حدوثها مرة أخرى.رسالة إنذار بالمحاسبةإن فرض عقوبات على قيادات قوات الدعم السريع الذين يُشتبه بضلوعهم في أعمال القتل الجماعي والعنف الجنسي في الفاشر يرسل رسالة واضحة بأن كل من يرتكب فظائع سوف يُحاسَب عن أفعاله. وذلك يجسد التزام المملكة المتحدة بمنع ارتكاب مزيد من الفظائع.
كذلك سوف ترصد المملكة المتحدة مبلغا إضافيا قدره 21 جنيه إسترليني لتقديم حزمة من الدعم العاجل لمساعدة المجتمعات التي باتت على حافة الهاوية، لتوفير المواد الغذائية والماء النظيف والرعاية الصحية، وكذلك الحماية للنساء والأطفال في المناطق الأكثر تضررا بسبب العنف.
شريان الحياة هذا سوف يمكّن وكالات الإغاثة من الوصول إلى 150,000 شخص، وتوفير احتياجاتهم الأساسية كالغذاء والرعاية الطبية والمأوى الطارئ، إلى جانب الحفاظ على استمرار تقديم الخدمات في المستشفيات، ولم شمل العائلات التي فرقت شملها الحرب. وقد ارتفعت التزامات المملكة المتحدة بشأن المساعدات المقدمة هذه السنة إلى 146 مليون جنيه إسترليني، الأمر الذي يجسد التزامنا الراسخ بالوقوف مع الشعب السوداني وتلبية الاحتياجات الإنسانية.ضغط لإنهاء الحربتضغط المملكة المتحدة على جميع الأطراف لإنهاء الحرب وحماية المدنيين، وأدانت مرارا وتكرارا العنف الذي ترتكبه قوات الدعم السريع وقوات الجيش السوداني. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا مقدما بقيادة المملكة المتحدة أدان الفظائع، وحشد الإجماع الدولي حول التكليف بإجراء تحقيق عاجل في الفظائع التي ارتُكبت في الفاشر.
والتزامنا يذهب إلى أبعد من الدبلوماسية: حيث تقدم المملكة المتحدة الدعم الفني لآليات العدالة الدولية والمحاسبة، كما استثمرنا هذه السنة 1.5 مليون جنيه إسترليني في مشروع ’شاهد السودان‘ لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها الاعتداءات على المدنيين، والتحقق منها وتوثيقها.
كما نبحث إمكانية فرض مزيد من العقوبات في سياق جهودنا لإنهاء الحصانة من العقاب، ولنبيّن بأن من يرتكبون الفظائع سوف يُحاسبون.وضع إنساني متدهورالمملكة المتحدة تعجّل في استجابتها للأزمة التي تزداد عمقًا في السودان – وتعمل بكل حزم لإنقاذ الأرواح. فالوضع الإنساني في السودان هو الأسوأ في العالم، حيث 30 مليون شخص في حاجة ماسة للمساعدة. كما اضطر 12 مليون آخرين للنزوح عن ديارهم. وانتشرت المجاعة والأمراض التي يمكن تفاديها.
كذلك نحو 5 ملايين لاجئ سوداني فروا من البلاد إلى المنطقة. بعضهم يواجهون خطر وقوعهم فريسة للمهربين وعصابات التهريب. والمملكة المتحدة تقدم الدعم للاجئين في المنطقة للمساعدة في إثنائهم عن الشروع برحلات محفوفة بالخطر.
ندعو جميع أطراف الصراع للسماح بمرور موظفي الإغاثة الإنسانية والإمدادات والمدنيين المحاصرين بلا عقبات.