هل يفعلها بايدن ويتراجع عن الترشح في سباق 2024
تاريخ النشر: 14th, September 2023 GMT
رغم وجود طموحات رئاسية لدى عدد من قيادات الجيل المتوسط في الحزب الديمقراطي، التي لا تخفى على أي متابع للحياة السياسية الأميركية، فإن هؤلاء القيادات يتحفظون على الإعلان عن تحديهم للرئيس جو بايدن.
حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم، وحاكمة ولاية ميتشيغان جريتشين وايتمر، وجاك شابيرو حاكم ولاية بنسلفانيا، هم من بين القيادات من الجيل المتوسط في الحزب الديمقراطي الذين يتجنبون مواجهة بايدن أو تحديه، وينتظرون خروجه من الساحة السياسية عاجلاً أو آجلاً من أجل خوض معركة السباق الرئاسي.
يُعتبر الحزب الديمقراطي أقل ديمقراطية من منافسه الحزب الجمهوري، من حيث الصرامة وفرض القيود والآليات التي تجعل من الصعب حدوث انقلاب من قبل أي من قيادات الحزب أو نجومه الصاعدة. وهذا يصعب تحدي قيادة جو بايدن، رغم ما يُظهره من ترهل وضعف نتيجة الشيخوخة.
لسنوات طويلة، لم ينقلب أحد على قيادة نانسي بيلوسي في مجلس النواب، رغم تجاوزها الـ80 من العمر. وهذا يختلف تماما عن ما يحدث في الجانب الجمهوري الذي يغير قيادته باستمرار. أما خليفة بيلوسي، الذي اختارته بنفسها، النائب حكيم جيفريز، فلم ينافسه أحد، ولم يتجرأ أي نائب ديمقراطي على رفضه. والوضع مماثل مع ترشح بايدن الرئاسي، حيث لا يجرؤ أحد من قيادات الحزب على الانحراف عن الولاء الحزبي.
سيبلغ بايدن الـ81 من عمره خلال شهرين قادمين، وقد تؤدي آليات الشيخوخة المتسارعة إلى ظهور تأثيرات صحية أكثر وضوحا
مع ازدياد احتمالات نجاح الرئيس السابق، دونالد ترامب، في الظفر بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات 2024، تُعد قوة ترامب داخل المعسكر الجمهوري الدافع الرئيسي لحملة بايدن الانتخابية من أجل فترة حكم ثانية. وكما كان الأمر في انتخابات 2020، تعتقد قيادات الحزب الديمقراطي أن بايدن هو الخيار الأمثل لمنع سلفه من الفوز بولاية ثانية قد تكون أكثر تطرفًا من الأولى. ومع ذلك، مع اقتراب موسم الانتخابات، بدأ الحزب الديمقراطي وقياداته ووسائل الإعلام المؤيدة له في الشعور بالقلق نتيجة التراجع الملحوظ لمكانة الرئيس بايدن في أحدث استطلاعات الرأي. وهكذا بدأت تظهر تساؤلات مثل: ماذا سيفعل الديمقراطيون حيال هذا التراجع؟ وهل سيقدم بايدن على التراجع عن الترشح؟
أظهرت الاستطلاعات الرأي الأخيرة، التي تشير إلى تدني نسبة الموافقة الشعبية على أداء بايدن حتى وصلت إلى أقل من 40%، مستوى من القلق في صفوف القيادات الديمقراطية. ولم يعد بايدن يتفوق على ترامب في استطلاعات الرأي كما كان الحال خلال السنتين الماضيتين، رغم توجيه اتهامات جنائية لترامب في 4 قضايا متميزة.
دفع ذلك ببعض الأصوات المقربة من الحزب الديمقراطي، وليست من ضمن قياداته، لمطالبة بايدن بأن يعلن عن عدم ترشحه لولاية ثانية. يعتقد هؤلاء أن بايدن يمكنه أن يتنحى عن المنصب كبطل ديمقراطي بعد هزيمته لترامب وتمكنه من حماية أميركا من ولاية ثانية لترامب، ويتيح الفرصة للحزب لترشيح شخص من الجيل الجديد.
تبرز هذه الأصوات المطالبة بعدم ترشح بايدن عدة أسباب موضوعية تجعل من الصعب على بايدن الفوز في انتخابات 2024، ناهيك عن قدرته على مواصلة الحكم حتى نهاية ولاية ثانية في يناير/كانون الثاني 2029. ويسرد هؤلاء الأسباب الموضوعية التي قد تجبر الرئيس بايدن على التراجع عن فكرة الترشح لولاية ثانية، منها:
يعتقد عدد من قيادات الديمقراطيين أن فوز دونالد ترامب بالترشح الجمهوري قد يمنح فرصة لبطاقة الترشح "بايدن-هاريس" مرة أخرى، على غرار انتخابات 2020
يُعد عمر بايدن والتراجع الملحوظ في صحته من الأسباب الملموسة. في أحدث استطلاع للرأي أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، أشار 73% من المشاركين إلى أن بايدن يبدو كبيرا في السن بما يكفي ليثير تساؤلات حول إمكانية ترشحه مجددا للرئاسة. سيبلغ بايدن 81 عاما خلال شهرين قادمين، وقد تؤدي آليات الشيخوخة المتسارعة إلى ظهور تأثيرات صحية أكثر وضوحا. علاوة على ذلك، لن يكون في إمكان بايدن الابتعاد عن الأضواء كما فعل خلال إغلاقات فيروس كورونا في الانتخابات السابقة. إذ يشير التعثر المتكرر للرئيس أثناء صعوده للطائرة الرئاسية إلى مدى تأثير عمره على حالته الصحية والجسدية، وهو ما دفع الفريق المسؤول عنه إلى استخدام سلم أقصر للصعود والهبوط من الطائرة. يتم اتخاذ هذه الخطوة وغيرها من الإجراءات للحد من التعثرات -سواء الخطابية أو الجسدية- التي قد تزيد من المخاوف حول قدرته على الخدمة في فترة رئاسية ثانية بحلول انتخابات 2024. نائبة الرئيس كامالا هاريس تواجه مشكلات في الشعبية. رغم اختيارها بواسطة بايدن في 2020 بهدف تلبية طلبات الأقليات والجناح التقدمي في الحزب، نظرًا لكونها امرأة ذات أصول أفريقية وهندية، فإن البعض يعتبرها تفتقر للشعبية والقدرة على قيادة البلاد. وهذه المخاوف قد تكون مرتبطة بتقييم بعض الأشخاص لأدائها أو ببعض الانتقادات الموجهة إليها، التي قد تؤثر في التصور العام لقدرتها على قيادة القوات المسلحة الأميركية في المستقبل. تحقيقات الابن هانتر بايدن والفساد العائلي، التي برزت من جديد مع انهيار صفقة قضائية أقر فيها بالذنب وكانت تجنبه أي تحقيقات أو عقوبات. رفضت قاضية فدرالية الصفقة باعتبارها محابية لابن الرئيس، وكانت الصفقة تمنح هانتر بايدن حماية من أي محاكمة مستقبلية بخصوص قضايا تهرب ضريبي وفساد وامتلاك سلاح ناري بطريقة غير شرعية. جاءت خطوة تعيين محقق خاص بعد انهيار الصفقة، مما فتح المجال أمام سيناريو إدانة هانتر جنائيا وتعرضه لعقوبة السجن. قد تكشف التحقيقات عن تفاصيل محرجة بخصوص والده، وعلاقة ابنه الوحيد بشركات أجنبية وتعاملاته المالية المشبوهة، واستغلاله لمنصب والده واسمه وعلاقاته. تبعات قضية الهجرة: أدت سياسة بعض الولايات الجمهورية، التي قامت بإرسال آلاف المهاجرين غير النظاميين إلى ولايات ديمقراطية مثل نيويورك وبنسلفانيا وماساشوستس، إلى وقوع فوضى في بعض المدن. هذا أثر سلبا على سياسات بايدن وتسبب في جرح سياسي كبير. رغم ذلك، يمتنع بايدن حتى الآن عن تحدي القاعدة التقدمية في الحزب بخصوص قانون اللجوء. مسؤولون ديمقراطيون يصرخون طالبين النجدة، وقد حذر عمدة مدينة نيويورك السابق مايكل بلومبيرغ -وهو من أنصار بايدن- الديمقراطيين من أن هذا الوضع قد يضر بالحزب في انتخابات 2024 إذا لم يتخذوا الإجراءات المناسبة.يعتقد عدد من قيادات الديمقراطيين أن فوز دونالد ترامب بالترشح الجمهوري قد يمنح فرصة لبطاقة الترشح "بايدن-هاريس" مرة أخرى، على غرار انتخابات 2020. ومع ذلك، فإن هذا الطرح يحمل مخاطرة كبيرة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، مما ينتهي بعودة ترامب إلى البيت الأبيض لفترة حكم ثانية، وهو ما قد يكون له تأثيرات كارثية على الولايات المتحدة بكل المقاييس.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحزب الدیمقراطی انتخابات 2024 من قیادات فی الحزب
إقرأ أيضاً:
سباق المسافات الطويلة: الشوط الثاني
يذكر المغرمون بالأدب رواية "سباق المسافات الطويلة" لعبد الرحمن منيف حين وصف روائيا بعقل العلوم السياسية خروج منطقة الشرق الأوسط من تحت النفوذ الإنجليزي إلى النفوذ الأمريكي، حيث حل استعمار غير مباشر محل الاستعمار المباشر دون أن تتحرر المنطقة. نرى هذه الأيام أن سباق المسافات يدخل شوطا ثانيا يفتح على مستقبل جديد للمنطقة تتوزع فيه المقاعد والنفوذ على شكل يناقض ما وصلت إليه سباقات المسافات الأولى، فكأن المنطقة تعود إلى نقطة الانطلاق لتصعد ربوة تاريخها بنفس جديد.
ستؤرَخ المنطقة بزيارة ترامب إلى الخليج ربيع 2025، وسيبنى على الزيارة ما لم يُبن على غيرها من زيارات المسؤولين الأمريكيين للمنطقة، وقد تصنع بها بداية جديدة نتوقع بعضها ولا يمكننا الجزم بخلاصات سريعة. فالتحليل واقع حتى الآن تحت تأثير الصور الجميلة والرغبات الطيبة في التغيير، ولا يجب أن يغفل أي تحليل عقلاني أن الكيان الصهيوني لا يزال إسفينا مغروسا في قلب المنطقة لم يفقد دوره وإن توفرت بشارات طوفانية.
يجري كسر الصور النمطية للعرب
العرب الذين استقبلوا ترامب في 2025 مختلفون عن عرب الثورة العربية الكبرى. لقد بنى إنجليز لورانس العرب صورة عن العرب ونمطوها فصارت صورة وحيدة لهم؛ "قوم أغبياء في الأصل طيبون أحيانا"، وفي الحالتين هم قوم يمكن الاحتيال عليهم والضحك على لحاهم واستعمالهم في معارك ليست لهم.
قوة الصناديق الاستثمارية حولت مركز الثقل العربي من مصر والشام (البعثي) إلى منطقة الخليج، فأنهت أثر الخطاب القومي الناصري والبعثي وهي تؤسس لرؤية جديدة لموقع العرب في العالم. هي رؤية العربي التاجر والمستثمر في سوق عالمية منزوعة السلاح ومنزوعة الأيديولوجيا. يبدو ترامب هنا هو التاجر الذي يأتي لعقد الصفقات ويهدئ السوق لتنجح التجارة، وهذه قيادة مختلفة عن ترامب الأول وعن جورج بوش وأسلافهما
لقد ترسخت صورة نمطية عن عربي سمين وغبي يملك المال و"يبعزقه" في اللهو والمجون ولا يبني به تنمية ولا حضارة، ورث الأمريكي القادم إلى المنطقة منتصرا في حرب كونية الصورة واستعملها بإتقان. والجميع يتذكر جورج بوش يدخل المنطقة غازيا ويقول "العرب يملكون ثروة لا يستحقونها فهي لنا"، وقد وجد من العرب من ناصره على عرب آخرين وبخطاب قومي، ومارس ترامب الأول سلوكا مشابها لبوش.
ترامب الثاني تكلم بحديث مختلف مع عرب أظهروا له وجه الشريك الند أكثر من وجه التابع الذليل، فوضعوا حديث الشراكات الاقتصادية والسياسية على الطاولة. وبدا الرجل مجاملا ومتفهما لطموحات القيادات الجديدة، وقد يكون فعلا متعاونا في بناء علاقات ندية أساسها الاحترام. طبعا علينا انتظار زمن طويل لفرز الصدق من النفاق، فقد كان خطاب لورنس العرب جميلا أيضا قبل انكشاف سايكس بيكو الكارثية. ما الذي تغير في المنطقة ليتغير ترامب وسياسات الكاوبوي الأمريكي ويفسح لتاجر الصفقات المحترف؟ ولا نخال ترامب إلا وقع تحت تأثير الإبهار الحضري فنسي صورة الخيمة والجمل والعربي الحافي القدمين.
تغيرات كبيرة جاءت متأنية
الصورة النمطية التي صنعها الإنجليز والفرنسيون عن "عرب النفط" ورثته أيضا مصر الناصرية وبقية الأنظمة القومية في الشام والعراق وعاش به القذافي، وعاملت عرب الخليج كما عاملهم الأمريكي؛ "أكداس من الرز" موضوعة بغير أيدي مستحقيها. فمصر أم الدنيا جملة خرجت من إذاعة صوت العرب وظلت فعّالة إلى انقلاب السيسي الذي كرّس لفظ الرز الخليجي.
مشاهد التنمية الاقتصادية في بلدان الخليج كشفت تحول هذه البلدان إلى مجالات استثمار مغرية لرئيس الشركات الأمريكية المتحدة، والصناديق الاستثمارية الخليجية (السعودية والكويت وقطر والإمارات) صارت فاعلا قويا في اقتصادات العالم يحتاج اقتصاد أمريكا والعالم الراكد إلى مراودتها وبسط الزرابي الحمراء لها. ولأن الطاقة الأحفورية لم تفقد قيمتها أمام الطاقات النظيفة البديلة بعد، فإن أمام هذه الصناديق مستقبل مفتوح.
كانت جملة نفط العرب للعرب تخفى خطابا قوميا عربيا يضع عينه على أموال الخليج ليستثمرها في غير موضعها باسم تحرير فلسطين (معركة العرب جميعهم)، لكن أصحابها وضعوها الآن في مكانها متجاوزين الدعاية القومية التي تبنت بعلم أو بدونه خطاب الاحتقار الاستعماري لبدو الخليج. لقد تحرر عرب النفط من عقد الناصرية والبعث التي طعنت في عروبتهم.
قوة الصناديق الاستثمارية حولت مركز الثقل العربي من مصر والشام (البعثي) إلى منطقة الخليج، فأنهت أثر الخطاب القومي الناصري والبعثي وهي تؤسس لرؤية جديدة لموقع العرب في العالم. هي رؤية العربي التاجر والمستثمر في سوق عالمية منزوعة السلاح ومنزوعة الأيديولوجيا. يبدو ترامب هنا هو التاجر الذي يأتي لعقد الصفقات ويهدئ السوق لتنجح التجارة، وهذه قيادة مختلفة عن ترامب الأول وعن جورج بوش وأسلافهما.
كما يبدو العربي الغني هنا هو الشريك الذي يعالج بالصفقة ما لا يعالج بالثورجية القومية، خصوصا وأن الثورجية القومية أسفرت عن جرائم في حق العربي ولم تحرر شبرا من فلسطين الذريعة. وهذه بوابة تستدعي سوريا ما بعد البعث الثورجي إلى السوق الجديدة، ويبدو أن الشامي التاجر بالسليقة قد استيقظ من نومته القومية.
زيارة الصفقات مرت فوق مصر وريثة الناصرية التي تحسب أكداس الرز الخليجي مقابل تلويح بحماية عسكرية (جيش مصر يحمي الخليج) ونراها تخرجها من كل دور وتعيدها إلى موقعها الثانوي، فحصارها لغزة الذي قدمته كعربون ولاء لم يجدها لتكون محطة تتلقى الشكر والدعم. ويمكننا بناء التوقع التالي بشيء من يقين: إن توسل الشرعية السياسية بخدمة الكيان لم تعد مجدية للنظام المصري ولغيره، وهذا مؤشر على نهاية هذا الدور ومؤشر أكبر على أن المخدوم وأعني الكيان لم يعد مفيدا أو يفقد موقعه. هنا نتحسس تغييرا كبيرا في إعادة هندسة المنطقة بإعادة ترتيب الشركاء على قاعدة جديدة.
التطبيع لا يزال فوق الرؤوس
الاختبار الحقيقي لقوة عرب الصفقات الجدد هو فلسطين، فالسلام في المنطقة مؤجل حتى التحرير، سواء قيل ذلك علنا أو أخفي في ثنايا حديث الصفقات.
عندما يقول ترامب إن السعودية يمكنها أن تطبع متى شاءت فهذا يعني النأي عن حديث صفقة القرن لترامب الأول وفتح باب لعلاقات لا تمر بالكيان، كما أننا نلتقط مؤشرا ذا دلالة وهو إلقاء نعت الإرهاب بعيدا عنهم ورميه على إيران. لقد انتهى الوصم
وسواء عندنا تسليم عرب الصفقات بنتيجة حرب الطوفان أو إنكارها فإننا نبني على أن حرب غزة خلخلت المنطقة وفرضت إعادة ترتيب أوضاعها دون الكيان. الثمن المدفوع في غزة كان عظيما وقد فرض إعادة النظر في موقع الكيان ودوره. هذا الكيان قابل للهزيمة وأسطورة منَعَته الأبدية تهشمت.
هناك احتمال على طاولة الاقتصاد العالمي؛ تأمين مصادر الطاقة وحركة الصناديق الاستثمارية وممرات التجارة العالمية يمر بالحديث الندّي مع أصحابها دون حفظ عروشهم بخدمة الكيان. فعندما يقول ترامب إن السعودية يمكنها أن تطبع متى شاءت فهذا يعني النأي عن حديث صفقة القرن لترامب الأول وفتح باب لعلاقات لا تمر بالكيان، كما أننا نلتقط مؤشرا ذا دلالة وهو إلقاء نعت الإرهاب بعيدا عنهم ورميه على إيران. لقد انتهى الوصم.
نتوقع أن نقاشات كثيرة ستتجه الآن في منابر خليجية إلى النظر في ما يلي: شرعية الأنظمة في المنطقة يمكن بناؤها ليس على خدمة الكيان بل على قدراتها المالية أولا، والتي كانت مركونة بفعل الكيان نفسه.
هل بدأ المسار الذي يؤدي إلى ترك الكيان يموت بأزماته الداخلية التي زرعها فيه الطوفان؟ غير مهم أن يعترف من خذل غزة بأثر الطوفان، فهو يستفيد الآن من نتائجه وإن أدانه. نظن أن مخابر السياسة عند ترامب أعلم بأثر الطوفان في التاريخ، وما التحول إلى الصفقات إلا يأسا من تحصيل غنيمة بحرب انتصر فيها الفلسطيني رغم فارق القوة. فأول من يدرك أن حماس كانت تحارب الترسانة الأمريكية والغربية هو ترامب.
لكن لنحذر الأماني التي تتحول إلى يقين رغبوي. الكيان لا يزال في مكانه واللوبي الصهيوني لا يزال يملك أوراق قوته التي خلقت الكيان ودعمته، والانتقال من صورة الشرق تحت هيمنة الكيان إلى صورته دون الكيان ليست نقلة بيادق على رقعة إنها كش مات.
ننبه لأمر كامن وسيطل برأسه في زمن قريب يتجاوز عقل الصفقات؛ إن الشعوب إذا شبعت واطمأنت وانتهى خداعها بفلسطين ستطلب الحرية والديمقراطية، وحينها ستكون الجولة الثانية من الربيع العربي.