التواصل مع العقل.. هل العقل البشري بحق ملك لصاحبه؟
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
سارة شهيل
بينما يفترض الكثير أن أفكارهم وردود أفعالهم وسلوكياتهم خاضعة لسيطرتهم وتسهُل مواءمتها مع أهدافهم ومبادئهم وتطلعاتهم، يأتي علم النفس ليثبت عدم صحة هذا المعتقد، فقدرة الإنسان على التحكم في عقله تتطلب التدريب والوعي الذاتي، واكتساب عدد من المهارات.
إن العقل البشري لغز كبير، وأساليبه في تخزين ما يستقبله من معلومات وخلق المشاعر والأفكار والاستنتاجات وردود الأفعال ليست كما يعتقد أغلب الناس، وغريزة البقاء لديه من أقوى ما يكون، وكثيراً ما تطغى على رغبة الإنسان في أن يحظى بالسعادة وراحة البال.
الطفل الذي يتعرض للعنف الأسري، مثلاً، غالباً لا يعينه عقله على استيعاب أن أبويه يفتقران لمهارات الوالدية الإيجابية والتربية السليمة، وهذا ليس نتيجة لقلة خبرته في الحياة فحسب، بل لأن احتياجاته الأساسية وحياته وبقائه يعتمدون على مدى تعلقه بوالديه، فيبني له عقله معتقدات بأنه يستحق العنف، وأن اللوم يقع عليه، وذلك كي يستمر معهم. وحتى بعد أن يصبح الطفل بالغاً ويكتسب الخبرة والمعرفة الكافية في الحياة، يبقى عقله مبرمجاً على لوم الذات ومعه السلوكيات وردود الأفعال التلقائية المبنية على معتقداته القديمة.
وفيما يتواصل البشر مع بعضهم البعض بالكلام والإشارة وغيرهم، لا يكون التواصل الصحيح بين الفرد وعقله -إنْ جاز التعبير- بذات الأساليب، بل يكون بتعويد العقل على حصر الإيجابيات، ومنحه الفرصة لإخراج الطاقات السلبية والتعبير عن المشاعر، ورفع الوعي الذاتي وتقصّي مصادر الأفكار وردود الأفعال التلقائية والعمل عليها.
ويعد العلاج بالفن نهجاً علاجياً ذا أثر ملموس في إعادة تأهيل الأفراد الذين يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة والتخفيف من آثار العنف والإيذاء على صحتهم العقلية من خلال التعبير عن مشاعرهم، كما يشكل وسيلة للتواصل مع المعالجين النفسيين وفهم أصل المشكلة.
وتعتمد العديد من جهات القطاع الاجتماعي بأبوظبي العلاج بالفن في برامجها المقدمة لأفراد المجتمع. ومنها مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية – إيواء، التابع لدائرة تنمية المجتمع الذي استخدمه لسنوات في علاج حالات الاتجار بالبشر والعنف والإيذاء، ضمن خططه للرعاية الشاملة، وبرامج الرعاية والتأهيل والتمكين.
ويلعب التواصل السليم مع العقل دوراً حاسماً في تجاوز التجارب الأليمة، ولهذا يعد العلاج بالفن، باعتباره ضرباً من ضروب التواصل الفعّال، وأحد أفضل الممارسات العالمية المستخدمة ضمن برامج إعادة التأهيل، أداة قوية لإعادة تأهيل الحالات على المستوى الجسدي والنفسي والروحي، والذي بدوره يساهم في دعم أهداف القطاع الاجتماعي في إمارة أبوظبي والعالم أجمع.
مدير عام مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية «إيواء» أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: مراكز الإيواء
إقرأ أيضاً:
أنماط طرائق التفكير السوداني (٢)
بقلم/ عوض الكريم فضل المولى وحسن عبد الرضي
أنماط طرائق التفكير السوداني من منظور الفكرة الجمهورية: قراءة في كتابات الأستاذ محمود محمد طه والإخوان الجمهوريينالتفكير السوداني يتميز بتنوعه وعمقه، وهو نابع من تفاعلات تاريخية وثقافية ودينية معقدة. غير أن الواقع يشير إلى وجود تحديات في تطوير أنماط التفكير، أبرزها الكسل الفكري والتمسك بالعقل السلفي والفهم التقليدي للدين. جاءت الفكرة الجمهورية، بقيادة الأستاذ محمود محمد طه، لتطرح معالجة جذرية لهذه الإشكاليات عبر خطاب فكري مستنير يدعو إلى إعادة قراءة التراث الإسلامي والتفاعل الإيجابي مع قضايا العصر.
تأثير التفكير العقلي من منظور الفكرة الجمهورية على معالجة الكسل الفكريالفكرة الجمهورية تسعى لتفعيل التفكير النقدي والعقلي بدلاً من الانسياق وراء الموروث دون تمحيص. الأستاذ محمود محمد طه ركز على أهمية “التفكير الحر”، حيث لا بد من تحرير العقل من قيود الجهل والعادات الجامدة. وفق الفكرة الجمهورية، الكسل الفكري ينشأ نتيجة هيمنة عقلية النقل على عقلية النقد. بالتالي، تحث الفكرة على اتخاذ العقل أداة لاستكشاف القيم الدينية العليا وتطبيقها عملياً، مما يحفز الإبداع والمسؤولية الفردية في التفكير.
دور الفكرة الجمهورية في تأطير وتطوير طرائق التفكير لمستقبل السودانالفكرة الجمهورية ترى أن مستقبل السودان يتطلب نهجاً فكرياً جديداً يربط بين الأصالة والمعاصرة. فهي تدعو إلى صياغة رؤية معرفية ترتكز على الحرية والعدالة والتنمية المستدامة. من خلال تشجيع التعليم المستنير وإعادة قراءة النصوص الدينية بفهم عصري، يمكن أن تؤسس الفكرة الجمهورية لطرائق تفكير تواكب التحولات العالمية، مما يدعم بناء مجتمع متماسك وقادر على تحقيق نهضته.
معالجة الفكرة الجمهورية للعقل السلفي والفهم الموروث الفطير للإسلامالنقد الموجه للعقل السلفي في الفكر الجمهوري يتركز على الجمود والاعتماد المفرط على الفقه التقليدي. الأستاذ محمود محمد طه دعا إلى العودة للقرآن باعتباره النص الأسمى والمصدر الأساسي للتشريع. وبدلاً من التركيز على الأحاديث والآراء الفقهية المتغيرة، طرح الفكرة الجمهورية مفهوم “التطوير التشريعي”، وهو إعادة النظر في تطبيق الشريعة بما يتناسب مع تطور الإنسان والمجتمع. هذا الفهم يحرر العقل المسلم من قيود الفهم السطحي ويعيد إحياء القيم الإنسانية في الإسلام.
التوفيق بين التفكير العقلي والكشف وعلم الذوق والعلم اللدني وفكرة الإطلاقالفكرة الجمهورية تنظر إلى العقل والكشف كأدوات متكاملة للوصول إلى الحقيقة. الأستاذ محمود محمد طه يرى أن العقل هو أساس العلم التجريبي، بينما الكشف هو أداة للعلم الروحي والذوقي. العلم اللدني وفكرة الإطلاق، كما يشرحها الأستاذ، تتطلب توازنًا بين العمل العقلي والتجربة الروحية، حيث لا يكون أحدهما على حساب الآخر. بهذا الفهم، تستقيم طرائق التفكير مع وحدة العلم والدين، مما يفتح آفاقاً للإبداع الروحي والفكري.
الفكرة الجمهورية تقدم منهجاً فكرياً متكاملاً لمعالجة إشكاليات التفكير السوداني، من خلال تحرير العقل من الجمود والسعي لتأسيس مجتمع واعٍ. برؤيتها المستنيرة، يمكن أن تسهم في بناء مستقبل مشرق لسودان مزدهر فكرياً وروحياً.