تشاتام هاوس: الممر الاقتصادي لن يكون طريقا للتطبيع بين السعودية وإسرائيل
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
يميل البعض في إسرائيل إلى رؤية مبادرة "الممر الاقتصادي" بين الهند وأوروبا، والذي ترعاه الولايات المتحدة، كوسيلة لإشعال التطبيع مع السعودية، وهو ما تجلى في وصف مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنجبي، الممر بأنه "الدليل الأكثر أهمية على أن كلا الجانبين يتحركان نحو بذل جهود هادفة لتطبيع العلاقات بين البلدين".
ورغم أن الإدارة الأمريكية تبدو مشاركة لوجهة النظر الإسرائيلية تلك، وإن كان بصورة جزئية، فإن الواقع يشير إلى أن ربط "الممر الاقتصادي" بالتطبيع بين السعودية وإسرائيل قد يكون "حلما بعيد المنال"، كما يقول الكاتب أحمد عبوده، الزميل المشارك ببرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد "تشاتام هاوس".
اقرأ أيضاً
بن سلمان يشيد بالممر الاقتصادي: سيحقق مصالح الشركاء
وسيلة لتحقيق غايةويرى الكاتب أنه بالنسبة للولايات المتحدة، فإن مشروع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية هو وسيلة لتحقيق غاية، تتمثل بشكل أساسي في مواجهة الصين بمنطقة جنوب آسيا والشرق الأوسط، واحتواء إيران أيضا، وتعزيز القيادة الأمريكية في الخليج.
ومن شأن الممر أن يكمل تحالفات أخرى من القوى الصديقة مثل الهند والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والولايات المتحدة I2U2 والشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار بقيادة مجموعة السبع ــ التي يُنظر إليها على أنها مبادرة الحزام والطريق الصينية المنافسة.
ورغم ما سبق، تعتقد واشنطن أن أهدافها الاستراتيجية لن تتحقق دون الدفع قدماً بأجندة التطبيع التي أقرتها إسرائيل بموجب "اتفاقيات أبراهام"، وخاصة مع السعودية، وهذا ما يفسر الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على الرياض لتقليص علاقاتها المتعمقة مع الصين وتطبيع العلاقات مع إسرائيل - في مقابل اتفاق أمني ودعم تطوير برنامجها النووي المدني.
اقرأ أيضاً
نتنياهو: إسرائيل في قلب مشروع الممر الاقتصادي الذي سيربط الهند بأوروبا
منظر من الرياضلكن بالنسبة لأولئك الذين يجلسون في الرياض أو أبوظبي، تبدو الأمور مختلفة. ويتناسب الممر مع خطة سعودية أوسع للتنويع الاقتصادي ومحاولة لخلق سياسة خارجية أكثر استقلالية.
ولا يُنظر إليها كجزء من المنافسة الاستراتيجية مع إيران ولا كجزء من جهد لإقامة علاقات مع إسرائيل. وعلى النقيض من الولايات المتحدة، لم تنظر دول الخليج قط إلى الخيار الأخير باعتباره شرطًا أساسيًا للخيار الأول، أو حتى مرتبطًا به.
وبغض النظر عن ذلك، فإن التطبيع يواجه مجموعة أخرى من التحديات التي يتعين التغلب عليها، بدءا من معارضة الكونجرس الأمريكي الشديدة لبرنامج نووي مدني للمملكة العربية السعودية إلى حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة.
وقد يميل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أيضًا إلى بدء المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 من أجل التوصل إلى صفقة أفضل من رئيس جمهوري.
أما الأردن، وهو العقدة المركزية في الممر الجديد، فقد التزم الصمت لتجنب رد الفعل الداخلي العنيف على التعامل مع إسرائيل، الأمر الذي يزيد من تعقيد آفاق الممر.
اقرأ أيضاً
بايدن يشيد بدور رئيس الإمارات في مشروع الممر الاقتصادي.. وتفاعل فاتر لولي العهد السعودي
الجدوى الاقتصاديةكما أن جدوى المشروع قد لا تتناسب مع الضجيج السياسي.
ووفقاً لبعض التقديرات، يمكن أن تصل البضائع إلى أوروبا من مومباي باستخدام الطريق الجديد أسرع بنسبة 40 في المائة من قناة السويس وخفض التكلفة بنسبة 30%.
يبدو هذا مبالغًا فيه وغير واقعي، كما يقول الكاتب، نظرًا لتكاليف التحميل والتفريغ المتضمنة والوقت في كل ميناء على طول الطريق، بالإضافة إلى رسوم ورسوم العبور المستقبلية.
ويشكل عدم كفاية البنية التحتية عقبة أخرى. في حين أن بعض أجزاء شبكة السكك الحديدية التي تربط الخليج لا تزال غير مكتملة، فإن نظام السكك الحديدية القديم بأكمله في الأردن يحتاج إلى تجديد.
التمويل هو أيضا قضية شائكة.
وقد يجد مستثمرو القطاع الخاص أن تكلفة المشروع ومدة استمراره باهظة.
وعلى طول الطريق، يجب أيضًا مواءمة اللوائح والضرائب والإجراءات الجمركية.
اقرأ أيضاً
بايدن: اتفاقية الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا تاريخية
وقبل كل شيء، يعتمد نجاح المشروع على النمو الاقتصادي والطلب في الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي يعتمد بدوره على التعافي الاقتصادي العالمي.
وقد يستغرق إنشاء الممر الجديد عقودًا من الزمن، هذا إن حدث. وفي غضون ذلك، ستواصل الولايات المتحدة جهودها للإطاحة بالصين من مكانتها كأكبر شريك اقتصادي في الشرق الأوسط.
ويختتم عبوده مقاله بالقول: لا يحتاج السعوديون والإسرائيليون إلى ممر اقتصادي لمواصلة محادثات التطبيع، لذا سيفعلون ذلك.
وبالتالي فإن الآمال في أن يعمل "الممر الاقتصادي" على تعزيز التطبيع، قد يكون مجرد حلم بعيد المنال.
المصدر | أحمد عبوده / تشاتام هاوس - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الممر الاقتصادي تطبيع السعودية التطبيع السعودي الإسرائيلي الولایات المتحدة الممر الاقتصادی اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
شرط الحرية وجماهير مصر الثائرة.. والصامتة أيضا
وصل المناضل اللبناني جورج عبد الله إلى مطار رفيق الحريري في بيروت، يوم 25 تموز/ يوليو، وبينما كان يحدّث ويحمّس الجماهير حول استمرارية المقاومة ضد إسرائيل، ذكر مصر، فلم يتكلم عن النظام المصري، فهو ربما لا يعرف عنه الكثير بسبب سجنه، بل تكلم إلى من يرى نفسه جزءا منهم، عن الجماهير، الجماهير المصرية التي ربط شرط الحرية لنا جميعا بتحرّكها ونزولها إلى الشوارع.
الجماهير المصرية تحديدا لها تأثير بالغ وعميق في وجدان الشعوب العربية كافة، ولا سيما أهل غزة، إذ لا يمضي يوم إلا وأرى فيه منشورا كتبه ابن لمدينة غزة المُدمّرة، وهو يتحدث بأن خذلان العرب، بالنسبة له، كلّه في كفّة وخذلان المصريين وحده في أُخرى. إن أهل غزة والمصريين بينهم ترابط تاريخي، نسبَي وثقافي، ومهما حاولت سرديات ما بعد كامب ديفيد فصلها أو محوها لن تنجح كلية، ربما نجحت نسبيا، لكن سرعان ما يأتي حدث عنيف، مثل الإبادة، ليذكّرنا نحن المصريين بأن غزة وشعبها جزء منَّا، ونحن منه أيضا.
لكن، لماذا تخلّينا عن هذا الجزء؟ ليس صحيحا أن الشعب المصري تخلّى عن أهل غزة، كذلك ليس صحيحا أنه تحرك بشكل كاف من أجلها، إذ وقف في المنتصف، ثار ولم يثُر، حاول ولم يحاول بشكل كاف، لأن محاولاته كانت ضعيفة مقارنة بحجم الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وكذلك بحجم القمع الذي فرضه النظام المصري بقيادة السيسي.
ليس صحيحا أن الشعب المصري تخلّى عن أهل غزة، كذلك ليس صحيحا أنه تحرك بشكل كاف من أجلها، إذ وقف في المنتصف، ثار ولم يثُر، حاول ولم يحاول بشكل كاف، لأن محاولاته كانت ضعيفة مقارنة بحجم الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وكذلك بحجم القمع الذي فرضه النظام المصري بقيادة السيسي
هذه المحاولات كانت من خلال مظاهرات جماعية بالآلاف كما حدث يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي بعد أقل من أسبوعين من بدء الإبادة، فانتفض الآلاف من المصريين واقتحموا ميدان التحرير رغما عن القوى الأمنية، واستمر الهتاف لساعات. لكن سرعان ما تجمّعت قوات الأمن وفُضت المظاهرة بالقوة، واعتُقل العشرات. من بعد هذا اليوم، بدأت حملة مسعورة لاعتقال المئات من المصريين بسبب دعمهم لفلسطين بشكل حركي لا كلامي على منصات التواصل فحسب، وهم سجناء إلى الآن. اعتقل الطلاب من الجامعات، والرجال والنساء من البيوت بسبب جمعهم تبرعات لأهل غزة، وأيضا من الشوارع بسبب صرخاتهم فرادى من أجل غزة، وكذلك من قاموا بعمليات مسلحة ضد إسرائيليين في مصر طاردتهم قوات الأمن، كما اعتقلت كل من يشتبه بمعرفتهم.
كل هذه المحاولات لم تكن كافية للضغط على النظام -الذي يملك قوة أمنية كبيرة- لوقف تواطئه وتنسيقه مع إسرائيل والضغط عليها لوقف الإبادة وإدخال المساعدات، وأخذ مواقف سياسية ودبلوماسية أكثر صلابة. لكن من المهم معرفة ما هو التشخيص الموضوعي الذي جعل هذه المحاولات ضعيفة وغير كافية!
بإيجاز، توجد أسباب متباينة ومتداخلة للإجابة، أولها، أن الشعب المصري منذ عام 2011 حتى 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قد مورس عليه عنف لم يشهده من قبل في تاريخه الحديث. آلاف القتلى في الشوارع بدءا من ثورة يناير مرورا بأحداث ثورية عنيفة جدا مثل أحداث محمد محمود (تشرين الثاني/ نوفمبر 2011) واستاد بورسعيد (شباط/ فبراير 2012) وفض اعتصامي رابعة والنهضة (آب/ أغسطس 2013)، هذا بجانب التصفيات الجسدية والقتل تحت التعذيب في مقرات الاحتجاز والسجون، فالمصريون منذ كانون الثاني/ يناير 2011 وصولا إلى عام 2016، لم يتركوا الشوارع، وكانوا في ثورة وقمع دائمين.
نتج عن هذا العنف آلاف القتلى ومئات المختفين قسريا، فضلا عن مئات الآلاف من المعتقلين، إذ منذ تموز/ يوليو 2013، دخل وخرج مئات الآلاف من المواطنين السجون بتهم سياسية، واستقر منهم بشكل كبير قرابة 40 ألف سجين سياسي، وعشرات الآلاف من "المنفيين"، فمصر تحتل المراتب الأولى في مؤشرات القمع العالمي، هذا فضلا عن تمثلات أُخرى من القمع عبر المراقبة والمتابعة الدائمة لأجساد المواطنين.
هذا العنف، بجانب الإفقار المعيشي، تسبب في إنهاك المصريين بشكل كبير، جعلهم في حالة موات مشاعري تجاه أنفسهم، وتجاه أي حدث، فضلا عن غياب أي تنظيمات سياسية أو اجتماعية، ما تسببَّ في نفي أي تحرك جماعي كبير سواء من أجل مطالبات داخلية أو خارجية مثل وقف الحرب على غزة. ومع هذا، دائما ما وُجدت صرخات ثورية فردية، في دلالة على تغيير الحالة الثورية المصرية من الجماعية إلى الفردية، فتجد شابا أو امرأة تصرخ وحدها في الشارع من أجل فلسطين، والناس يرونها، لكنهم لا ينضمون إليها، مع حاجتهم الشديدة للصراخ مثلها، لكنهم لا يستطيعون بعد كل هذا الإنهاك أن يصرخوا، لمعرفتهم اليقينية بأن أجسادهم ستُقتل بشكل مباشر أو حتى ستقتل ببطء، حين تدخل في ظلامات السجون لسنوات طويلة، وسينساها الناس، ويدفع الإنسان وحده الثمن والذي لا يستطيع تحمل تكلفته.
أيضا، تغيرت كثير من المفاهيم والتمثلات لدى المجتمع المصري، لا سيما عند الأجيال الجديدة، فلم تعد الثورة هي حدث يشغل بال المصريين، بكل أجيالهِم، فلا تأتي الثورة كل يوم، الثورة تحتاج إلى عمل ورؤى وأفكار، تبنى لسنوات كثيرة، كما أن المفاهيم الحياتية الحالية، والناعمة، باتت أيديولوجيا عند فئات كثيرة من الشعب، من الفردانية والإنجاز والنجاة الفردية والاستهلاك بكل تمظهراتِه. هذه هي الممارسات اليومية للمصريين؛ لا ممارسات تخص الفكر السياسي والعمل للتغيير، وهذه حالة عمّت المنطقة كلها وليست حصرا في مصر.
الضغط على النظام بالاحتجاجات أمام مقرات السفارات المصرية يسبب له مزيدا من الضغط، وربما يدفعه للتمرّد على الصمت تجاه الإبادة في غزة، مع الالتزام بأولوية الضغط على من يقومون بالإبادة ذاتها، إسرائيل ومن ورائها الولايات المُتحدة
أيضا، يتملّك المصريون الخوف من الفوضى. نعم، وصل جزء كبير من الشعب المصري، بشكل لا واع، إلى تبني فكرة العيش المُذلّ تحت الاستبداد أفضل من العيش المذل تحت الفوضى. يرى المصريون كل البلاد من حولهم وقد تحولت إلى ساحات اقتتال داخلي، مثل سوريا وليبيا واليمن والسودان، أو خارجي متمثل في حروب الاحتلال على غزة ولبنان. لذا، يخاف المصريون من الفوضى، والنزوح، واللجوء، والحروب الأهلية، وتفشي جماعات التطرف. وقد لعب النظام المصري الحالي على أوتار هذه السردية منذ توليه الحكم، ففي كلماته الشهيرة والمُكررة، يقول السيسي دائما "مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق". وقد تأثر الشعب وخاف كثيرا من تلك السردية.
إن النظام المصري خذل غزة، واستطاعت أمريكا وإسرائيل توظيفه، بإرادته، كمنسق وشاهد صامت على حرب الإبادة، بل وقامع لأي تحرك يضغط لوقف الحرب وكسر الحصار. لذا، الضغط على النظام بالاحتجاجات أمام مقرات السفارات المصرية يسبب له مزيدا من الضغط، وربما يدفعه للتمرّد على الصمت تجاه الإبادة في غزة، مع الالتزام بأولوية الضغط على من يقومون بالإبادة ذاتها، إسرائيل ومن ورائها الولايات المُتحدة، فلا يُصبُّ كل الضغط والحشد تجاه النظام المصري الذي لا يملك قرار وقف الحرب، ولا يملك إدخال المساعدات من الجانب الإسرائيلي، لكنه يملك إدخالها أو على الأقل حشدها، مع مؤسسات دولية، أمام معبر رفح من الجهة المصرية، وهذا ما يفترض أن يفعله.
الشعب المصري -لا النظام- لا يرضى بحرب الإبادة وكل تمثلاتها المأساوية التي نراها يوميا بحق أهلنا، لكنه شعب أُنهك وخُوّفَ وأُفقرَ وقُمع، بطريقة لن يدركها سوى من اختبر تمثلات القمع نفسها، وبات لا يحمل أي أيديولوجيا أو تنظيم يتحرك من خلاله لمنع أحداث مأساوية. إن التقاط الأنفاس للشعوب بعد سنوات من التدمير شيء طبيعي، ويأخذ سنوات وسنوات، كما الوصول إلى الإصلاح والثورة يأخذ سنوات من العمل والتنظيم وتراكم الاحتجاج، وقد وقع من أجل قضايا الحرية والتحرر، ومنها قضية فلسطين، خلال السنوات الماضية، عشرات الآلاف من الشهداء؛ لا شخص واحد! فكانت فلسطين حاضرة في كل المنعطفات الثورية المصرية.
ختاما، هذا التشخيص ليس دعوة أو تبريرا للصمت على الاستبداد بحجة التقاط الأنفاس، أو التيه والخوف والاستسلام، بل -عن نفسي- أتمنى أن يُكسر هذا الصمت، اليوم قبل الغد، لكنه تشخيص نفهم من خلاله ما وصلنا إليه، وأسبابه، ونحاول معالجته. فهكذا المُجتمعات تصمت أو تثور، بنسب متبانية، بسبب دوافع وشروط، تحيا وتموت وتختفي عبر العقود.