الإعلامي العربي زاهي وهبي يكتب لـ “أثير”: بين الكاتب والقارئ (٢): أكثر من معنى، أكثر من حياة!
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
أثير – الإعلامي العربي زاهي وهبي
القراءة ليست مجرد هواية. القراءة طقس مثل كل الطقوس التي نمارسها في حياتنا اليومية. لا يولد الإنسان قارئاً، لكنه إذا أراد يفعل. ممارسة القراءة تشبه ممارسة الرياضة، لا بد لها من مران يومي حتى تغدو عادة لا يمكن الاستغناء عنها. ولست أغالي إذ أقول إنها من أجمل العادات، ولكل امرىء من دهره ما تعود.
القراءة في الصغر كالنقش في الحجر. لأن ما نقرأه صغاراً ينحفر في وعينا وذاكرتنا ويرافقنا إلى آخر العمر. مَن يعتاد القراءة ينضج بشكل أسرع، ومع مرور الوقت يصبح قادراً على اختيار ما يناسب ذائقته ويوافق هواه. ونافل القول إن القراءة مدماك متين لكل مهنة. فكيف الحال إذا كان القارئ عاملاً في مجال تلزمه ثقافة عامة، وهي تلزم كل مجال.
القراءة ليست فعلاً عابراً، والقارىء ليس مجرد متلقٍ لنصٍّ يكتبه سواه، إنه شريكٌ فاعلٌ في هذا النص، يُضفي عليه من عنده ويمنحه معانٍ وأبعاداً قد لا تكون في ذهن صاحبه أصلاً. تتعدد المعاني والأبعاد بتعدد القرّاء، لا غرابة في ذلك ولا استهجان. القارىء ليس واحداً، كلُّ قارىءٍ يختلف عن سواه باختلاف شخصه ووعيه وثقافته ومعرفته وموقفه من الوجود والكائنات، وكلُّ قارىءٍ يقرأ النصَّ محمَّلاً بكلِّ ما ذكرناه، وأحياناً كثيرة يمارس نوعاً من الإسقاط الذاتي على ما بين يديه، أو بالأحرى ما بين السطور التي بين يديه.
الواقع أن ما مِن قارىءٍ صافٍ مئة في المئة، يقارب النصَّ الذي بين يديه متحرراً من المكونات التي تُشكِّل شخصيته ومنطلقاته، حتى لو شاء فإنه لن يستطيع. التجرُّد الكليُّ الخالص من الزوائد والشوائب والمؤثرات ليس من هذا العالم، لذا يغدو النصُّ، كلّ نصٍّ، نتاج طرفين: المُرسِل والمتلقي. ومن البديهي أن لكل رسالة مُرسِل ومُرسَل إليه.
أَيَعني ما تَقَدَّم أن يضعَ الكاتبُ في ذهنه شركاءَ له في كتابة النصِّ؟
سبق لي أن كتبت هنا أن ولادةُ النصِّ شيء ونشرُهُ على الملأ شيءٌ آخر مختلف تماماً. عملية الكتابة تشبه إلى حدٍّ بعيد حالة الحمل لدى الأنثى، يتشكَّل النصُّ بين يديّ صاحبه مثلما يتكوَّن الجنين في رحم أمه. إذاً هي حالة ذاتية جداً لا شريك فيها سوى الملقِّحات، أي العوامل والمؤثرات الروحية والفكرية والشعورية التي تضافرت ودفعت الكاتب إلى كتابةِ ما كَتَب. لحظةُ الكتابة نفسها تشبه الولادة الذاتية، الولادة من دون قابلة أو طبيب، يعيش الكاتب مخاض نصِّه بمفرده، وحيداً إلا من أوجاع المخاض، وهي هنا أوجاع نفسية وفكرية. أما لحظة خروج النصِّ إلى العلن فَلَهَا أن تشبه فرح الجميع بالمولود الجديد. من الآن فصاعداً ينطلق النصُّ إلى فضاء حريته، لا يعود مُلْكاً لصاحبه، بل أيضاً لشركاءَ آخرين لا يعرفهم ولا يعرفونه إلا اسماً على غلاف كتاب. شركاءٌ لا ينبغي لهم الحضور في ذهن الكاتب إلا بعد فراغه من الكتابة، لأن حضورهم أثناءها يجعلها شبيهة بما يطلبه المستمعون، و”الكاتب ليس خادماً عند القارئ” وِفق إبراهيم نصرالله، والمعنى هنا ليس تقليلاً من مكانة القارئ بل حرصاً على توازن العلاقة بين طرفيها.
حين يبدأ القارئ رحلته مع الكتاب مبحراً بين كلماته وسطوره فإنه لا يضع نفسه مكان الكاتب ولا يستحضر الظروف التي أحاطت بولادة النصِّ، هذه مهمة الباحث والناقد، أما القارئ فيدخل عالم الكتاب نفسه، يحيا بين دفتي غلافه طوال مدة القراءة، يتفاعل مع طروحاته وأحداثه، ويضفي عليه من عنده، من المعنى الذي فهمه أو استنبطه، ولا ضير إن كان مختلفاً عن المعنى الذي في قلب الكاتب!
يحدث أن يمنحَ قارئ ما النصَّ الذي بين يديه معانٍ لم تخطر في بال الكاتب بتاتاً، يمكنها أن تكون أكثر عمقاً وأبعد مدى، مثلما يمكنها أن تكون أقلّ، ليست المسألة مبارزة أو مفاضلة بين الكاتب وقارئه. كلُّ نصٍّ إبداعيٍّ حمَّالُ أوجه، وللقارئ اختيار الوجه الذي يناسب هواه ويتوافق مع مستواه المعرفي وذائقته الفنية. هذا مهم جداً، لكن الأهم هو القارئ نفسه، ضرورته من ضرورة الكاتب. كما أسلفنا لا معنى للمرسِل بلا متلقٍ. حتى الرسالة التي نكتبها ونضعها في قارورة ونرميها في بحر نتوقع ونتمنى أن يحظى بها أحدٌ ما على شاطىءٍ ما كي لا تظلّ تائهة على متن الأمواج كأنها لم تُكتَب ولم تُرسَل، ويصح فيها حينئذ قول السيدة فيروز غناءً: كتبنا وما كتبنا ويا خسارة ما كتبنا، كتبنا مية مكتوب وما حدا جاوبنا!
حين يُخرِجُ الكاتب نصَّاً من عتمته الجنينية ويطرحه على الملأ هذا يعني أنه يرسله لقارئ ما، “لأن الكتاب الُملقى على الرفِّ أشبه بالجسم الميت تدبُّ فيه الحياة إذا ما امتدت إليـه يـَدُ القارئ” بحسب جان بول سارتر. بهذا المعنى الذي يذهب إليه فيلسوف بمكانة سارتر يكاد القارىء يضاهي بأهميته الكاتب لأنه مانحُ الحياة لما يكتبه الكاتب.
نكتب عن مكانة القارئ وضرورته ونحن ندرك أن واقع القراءة عند العرب ليس في أحسن حال. لئن صدّقنا استطلاعات “اليونسكو” الأوروبي يقرأ خمسة وثلاثين كتاباً في السنة، فيما يقرأ الإسرائيلي نحو أربعين كتاباً خلال الفترة نفسها مقابل ربع صفحة للعربي، أما بحساب الدقائق فيقرأ كلٌّ من الأوروبي والأميركي مئتي دقيقة في السنة مقابل ست دقائق للعربي. صدقاً لا أود تصديق نتائج هذه الاستطلاعات، لأنها إذا صحّت فهي مخيفة ومرعبة.
إذا كانت القراءة لا تشكّل جزءاً من الحياة اليومية للإنسان العربي بفعل أسباب كثيرة ومعروفة مثل شيوع الأمية والفقر والحروب والأزمات الاقتصادية والاجتماعية. فإن مهمة التشجيع على القراءة تغدو أكثر من ضرورية. أن تصير قارئاً ليست مسألة تلقائية، يلزمك مناخ مشجع وبيئة حاضنة والتعوُّد على أن يكون الكتاب (ورقيّ أو إلكتروني) جزءً من حياتك ويومياتك، هذه مهمة ترقى إلى مصاف المهام الوطنية والقومية. إذ لو كانت أمة اقرأ تقرأ كنا تجنبنا كثيراً من الكوارث التي حلَّت بِنَا، ووضعنا سداً أمام الخراب العميم الذي أصاب حاضرنا مهدداً مستقبلنا. حين نترك الكتاب زينةً على الرفّ فإننا لا نغلق دفتيه على الحياة الدائرة على صفحاته، بل أيضاً على بعض من حيواتنا.
القراءة عادة، عادة حميدة ومفيدة. اكتساب هذه العادة يبدأ في البيت، المدرسة، الجامعة، البيئة المحيطة من أصدقاء وزملاء، فضلاً عن المسؤولية الجماعية الملقاة على عاتق السلطات والمؤسسات المعنية المقصّرة تقصيراً يرقى إلى مرتبة الخطيئة.
**
القراءة حياة، والقارىء الحقيقي يحظى بِعَيْش أكثر من حياة.
**
ويلٌ لأمّةٍ لا تقرأ كتابها.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: أکثر من
إقرأ أيضاً:
ضبط أكثر من 665 ألف كبسولة “صاروخ” داخل مزرعة في ورقلة
أمر قاضي التحقيق لدى محكمة القطب الجزائي المتخصص بمحكمة ورقلة بإيداع أربع متهمين.متهمين موقوفين رهن الحبس المؤقت ينشطون ضمن إجرامية منظمة مختصة في الإتجار غير المشوع في المخدرات والمؤثرات العقلية تضم 9 أشخاص تم توقيفهم تباعا.
وشملت أوامر ايداع 4 متهمين الامر بكل من المدعو ( محمد بلال عمر ) . ( محمد موسى بلال عمر ) . ( كلغلغ محمد عيسى). (بن قلية بلخير)
حيث استغل أفراد الشبكة مزرعة لاخفاء الممنوعات تمكن للمحققون بعد تفتيشها
من حجز كمية من المؤثرات العقلية نوع بريغا يالين تقدر بـ 665.550 كبسولة و 96 وحدة من الشماريخ، وسلاح رشاش من نوع كلاشينكوف به مخزن واحد يحتوي على 27 طلقة، بندقيتي صيد و 81 خرطوشة حية. وجهازي إرسال واستقبال ثلاث أجهزة اتصال .من نوع ثريا.
حيث وجّه القاضي المحقق تهما ثقيلة للمتهمين تتعلق بجناية حيازة وتخزين والشراء قصد البيع للمؤثرات العقلية في إطار جماعة إجرامية منظمة عبر الوطنية وباستعمال سلاح ناري جناية التهريب على درجة من الخطورة تهدد الأمن العمومي والصحة العمومية، جناية حيازة أسلحة وذخيرة من الصنف 1 و 5 بدون رخصة.
وكشف بيان صحفي لوزارة العدل عن تفاصيل جديدة في قضية الحال، حيث أن عملية ايقاف المتهمين وتقديمهم أمام الجهات القضائية جاء في إطار مكافحة الجريمة المنظمة، لاسيما المتعلقة بالمخدرات والمؤثرات العقلية، إذ تمكنت المصلحة الجهوية المكافحة الجريمة المنظمة بورقلة بتاريخ 2025/11/30 إثر تفتيش المزرعة المملوكة للمسمى “ز.س” الكائنة بالمنطقة المسماة قارة كريمة ورقلة من ضبط كمية من المؤثرات العقلية نوع بريغا يالين تقدر بـ 665.550 كبسولة و 96 وحدة من الشماريخ، وسلاح رشاش من نوع كلاشينكوف به مخزن واحد يحتوي على 27 طلقة، بندقيتي صيد و 81 خرطوشة حية. وجهازي إرسال واستقبال ثلاث أجهزة اتصال من نوع ثريا مزودين بشرائح ثريا منظارین میدان ومركبات مختلف الأنواع مخصصة للتهريب، وتم خلال ذلك توقيف كل من (م.ب).(ع) و (م م ب (ع) من جنسية أجنبية و ك م ع ) و (ب ق ب ).
كما أسفرت التحريات مع المشتبه فهم الموقوفين عن كشف شبكة إجرامية منظمة مكونة من 9 أشخاص.
بتاريخ 10 ديسمبر 2025 تم تقديم المشتبه فيهم مام نيابة الجمهورية بالقطب الجزائي التي فتحت تحقيقا قضائيا ضدهم ومتابعتهم قضائيا.
ياسمينة دهيمي