توازن الضعف السوري وفرصة التغيير
تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT
"توازن الضعف" السوري وفرصة التغيير
وضع النظام يتخلخل وبدأت أصوات معارضة تعلو داخل معسكره قبل انفجار احتجاجات السويداء ليدخل النظام في دوّامة أزمات عصية على الحل.
مؤسّسات المعارضة، وبمقدمتها الائتلاف، تعاني، هي الأخرى، من أزمات متعدّدة، أبرزها الشعور بالتهميش المطلق، وفقدان صفة التمثيل، والقدرة على التأثير.
المعارضة عاجزة عن اغتنام فرصة تخلخل معسكر النظام وظهور ما بدا إجماع وطني سوري على التغيير، مما أدّى لنشوء "توازن ضعف" بين النظام والمعارضة.
الشارع السوري يتجاوز الطرفين وانقساماته السياسية والمذهبية وهو تطوّر مهم ينبغي الرهان عليه للخروج من الانسداد، وقد يكتسب زخمًا كبيرًا نحو التغيير.
الوضع السوري اليوم غامضً وهش ومفتوح على كل الاحتمالات وكلما ازداد غموضًا تعذّرت القدرة على فهمه وتقييمه واستندت تحليلات لمقولات تبسيطية وأحيانًا رغبوية أو غيبية.
* * *
منذ انفجار الثورة في مارس/آذار 2011، لم يبد الوضع السوري غامضًا، هشًّا، ومفتوحًا على كل الاحتمالات كما اليوم، وكلما ازداد الوضع غموضًا تعذّرت القدرة على فهمه وتقييمه، واستندت التحليلات الرائجة بشأنه إلى مقولات تبسيطية، أحيانًا رغبوية، وأحيانًا غيبية.
كل السوريين في هذا الوضع سواء، موالاة ومعارضة وما بينهما، لا أحد يملك فعلًا ما يساعد في فهم تطورات الأزمة واتجاهاتها المستقبلية، لا محليًا ولا إقليميًا، وبالتأكيد ليس دوليًا.
هذا يتحدّث عن حشود أميركية في الشرق لإغلاق الحدود مع العراق، وذاك يقول بإنشاء منطقة حظر طيران في الجنوب، وثالث ينادي بوجود خطّة أردنية لإنشاء منطقة آمنة في درعا، ورابع يبني سيناريوهات على اتصال مُشرّع أميركي بأحد شيوخ العقل في السويداء.
على الطرف الآخر، يجري الحديث عن انتفاضة العشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) باعتبارها نقطة البداية لإخراج الأميركيين من شرق الفرات، وآخر يتحدّث بثقة عن انفراجة كبيرة قادمة في العلاقات مع الدول العربية، كتأثير جانبي "للمصالحة" السعودية الإيرانية، وثالث تتنامى لديه الأوهام المرتبطة بصعود قوة الصين ومحورها، بالتزامن مع زيارة رئيس كوريا الشمالية روسيا، إلى غيره من كلام.
رغم ذلك، يبقى الوضع على الأرض قائمًا والجمود مستمرًّا من دون تغيير منذ عام 2018، عندما ارتسمت خطوط التماسّ ومناطق النفوذ على الأرض بشكلها الراهن. لكن الأمل ظلّ يحدو الجميع بحصول شيءٍ ما، أو ظهور فرصة، تفتح ثغرة في جدار الأزمة الأصم.
حصلت، في فبراير/ شباط الماضي، كارثة طبيعية جاءت على شكل زلزال ضرب مناطق الشمال الغربي (إدلب وحلب)، وبدا وكأنها يمكن أن تحرّك مياه الأزمة الساكنة، وتشكّل فرصة حقيقية للتحرّك نحو حلّ، مع علوّ حالة الحسّ الإنساني في التعاطف مع ضحايا الزلزال، تمكّنت لأول مرة من عبور خطوط الانقسام السياسي.
حاول العرب استغلال كارثة الزلزال لطيّ صفحة غيابهم الطويل عن المشهد السوري، فتقاطر بعض مسؤوليهم إلى دمشق للتعبير عن التعاطف و"لجسّ النبض" حول إمكانية تجاوب النظام مع أفكار تسمح بالتقدم نحو حلّ، في ظروف انهيار اقتصادي شامل، زادته سوءًا أزمة المصارف اللبنانية عام 2019، وإعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران في العام نفسه، ثم انتشار وباء كورونا (2020-2021)، ودخول روسيا في مستنقع أوكرانيا (2022).
طرح العرب، بناء عليه، مبادرة عرفت باسم "خطوة مقابل خطوة"، لتشجيع النظام على القبول بحلّ سياسي، بدأ على أثره "هجوم دبلوماسي" عربي اتجاهه، وأسفر عن عودته لشغل مقعد سورية في جامعة الدول العربية في قمّتها في جدة في مايو/ أيار الماضي. لكن هذا كان أقصى ما توصّلت اليه المحاولة العربية، إذ فسّر النظام كعادته التقارب العربي ضعفًا واستسلامًا لإرادته.
ومع فشل الرهان على سقوط أردوغان في الانتخابات التركية التي حصلت في الشهر نفسه، وتزايد الضغط الإيراني لاستيفاء الديون البالغة 50 مليار دولار، وإشاحة الروس بوجههم بعيدًا، وخيبة الأمل بوصول مساعدات عربية مجانية، أخذ وضع النظام يتخلخل، وبدأت الأصوات المعارضة تعلو من داخل معسكره، قبل أن تنفجر احتجاجات السويداء، ليدخل النظام على الأثر في دوّامة من الأزمات العصية على الحل.
مؤسّسات المعارضة، وفي مقدمتها الائتلاف، كانت تعاني، هي الأخرى، من أزمات متعدّدة، أبرزها الشعور بالتهميش المطلق، وفقدان صفة التمثيل، والقدرة على التأثير، وترسّخ الانطباع عنها بأنها صارت، مثل "فصائل الجيش الوطني"، ملحقة كليًا بالسياسة التركية.
خاصة عندما فشلت في اتخاذ موقف واضح بخصوص أزمة ترحيل اللاجئين السوريين في تركيا، وأخيرًا انشغال أعضائها بالتناوب على المناصب والصراع على امتيازات فارغة.
جعلها هذا كله غير قادرة على اغتنام فرصة تخلخل معسكر النظام، وظهور ما بدا وكأنه إجماع وطني سوري على التغيير. أدّى هذا الوضع إلى نشوء "توازن ضعف" بين النظام والمعارضة، فيما بدأ الشارع السوري في الداخل يتجاوز الطرفين، ومعهما انقساماته السياسية والمذهبية.
وهذا هو التطوّر المهم الذي ينبغي الرهان عليه للخروج من حالة الانسداد القائم، والذي قد يكتسب زخمًا كبيرًا باتجاه التغيير، إذا وجد جسم سياسي قادر على الاستثمار فيه، بدلًا من استجداء خلاصٍ لن يأتي من الخارج.
*د. مروان قبلان كاتب وأكاديمي سوري
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: سورية التغيير معسكر النظام المعارضة السورية جامعة الدول العربية قوات سوريا الديمقراطية انتفاضة العشائر
إقرأ أيضاً:
ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير
في إطار سلسلة ندواتها الفكرية « مختلف عليه »، تنظم مؤسسة الفقيه التطواني ندوة علمية مساء الثلاثاء 24 يونيو، تحت عنوان: « النخبة المغربية في زمن التغيير: من صناعة القرار إلى أزمة التأثير »، وذلك بمقر المؤسسة الكائن بشارع فلسطين، بطانة، سلا، على الساعة السادسة مساءً.
ويُنتظر أن تطرح الندوة أسئلة عميقة حول مستقبل النخبة ودورها في قيادة الإصلاح، وتأطير التحولات، وبناء الجسور بين الدولة والمجتمع.
وسيشارك في تأطير اللقاء كل من:
جميلة السيوري، الحقوقية ورئيسة جمعية « عدالة من أجل الحق في محاكمة عادلة »،محمد شقير، الباحث المتخصص في العلوم السياسية، أحمد عصيد، كاتب وفاعل حقوقي، وسعيد بنكراد، الأستاذ بجامعة محمد الخامس
وعبد الرحيم العطري، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
وسيتولى إدارة الجلسة كل من بوبكر التطواني، رئيس المؤسسة، وعبد الحق بلشكر، مدير موقع « اليوم 24 ». كما سيتم بث الندوة مباشرة على صفحات المؤسسة الرسمية، وموقعي فبراير.كوم واليوم 24.
بين الانحسار الرمزي وصعود النخب التقنية
تأتي هذه الندوة في ظل تحوّلات جذرية طالت المشهد النخبوي المغربي، حيث لم يعد الحزب أو النقابة أو الجامعة يحتكر قنوات صناعة النخبة، بل أصبحت الفضاءات الرقمية، والمواقع التقنية، ومسارات التعيين الترابي، تفرز فاعلين جدداً، ما أدى إلى بروز ما يُعرف بـ »المؤثر الخبير »، الذي يُنتج خطابًا لحظيًا يخلو من الرؤية السياسية الشاملة، ويغيب عنه البعد الرمزي والتعبئة المجتمعية.
وفي هذا السياق، يرى المنظمون أن الأزمة التي تعرفها النخبة الحزبية، المتمثلة في عقم تنظيري وافتقاد لآليات التأطير، قابلها صعود النخبة التكنوقراطية التي وإن كانت تقدم حلولًا تقنية فعالة، إلا أنها تفتقر إلى الخيال السياسي المطلوب لإنتاج مشروع مجتمعي ملهم.
النخبة الثقافية في زمن السوق والمنصة
أما النخبة الثقافية، فتعيش بدورها حالة من التردد بين منطق الالتزام ومنطق البقاء، في ظل ضغوط السوق، وإكراهات التموضع داخل المؤسسات، وتغير طبيعة الخطاب الثقافي في عصر المنصات الرقمية، ما يطرح تساؤلات حول دور المثقف وقدرته على إحداث التأثير خارج منطق اللحظة الاستهلاكية.
مغاربة العالم: رأس مال معطل
كما تتطرق الندوة إلى موقع مغاربة العالم، الذين يمثلون رأسمالاً علميًا ورمزياً هامًا، تراكمت لديهم الخبرات في فضاءات ديمقراطية متعددة، لكن إمكانات دمجهم في مسارات القرار الداخلي لا تزال محدودة، مما يستدعي التفكير في صيغ مبتكرة لتوظيف خبراتهم في تجديد النخب الداخلية.
المحاور التفصيلية للمداخلات:
جميلة السيوري: النخبة المغربية وإشكالية التغيير في ظل الخطاب الحقوقي: بين التأطير الإصلاحي والارتباك البنيوي
محمد شقير: النخب الحزبية بالمغرب بين العقم التنظيري وافتقاد آليات التأطير الاستباقي
سعيد بنكراد: من الخبير إلى المؤثر: إعادة صياغة السلطة الرمزية في الزمن الرقمي
عبد الرحيم العطري: آليات ومسارات التنخيب ومآلات الممارسة
أحمد عصيد: النخبة الثقافية بين الالتزام والاستيعاب نحو مشروع نخبوي جديد
وتشكل هذه الندوة محطة تأمل جماعي في الحاجة إلى بلورة مشروع نخبوي جديد، يزاوج بين العمق المعرفي والفعالية التقنية، بين الانتماء الوطني والانفتاح العالمي، ويؤسس لشرعية جديدة تقوم على الكفاءة، والمصداقية، والرؤية المجتمعية، كشرط أساسي لاستعادة النخبة لدورها واستعادة المجتمع لديناميته.
وتندرج الندوة ضمن رؤية المؤسسة لتعزيز الحوار العمومي حول قضايا استراتيجية ترتبط بتحولات الدولة والمجتمع، في أفق صياغة أجوبة جماعية تستشرف المستقبل وتؤطره على نحو عقلاني وفعال.