مذبحة مروعة في مدينة الجنينة في دارفور

تفيد العشرات من روايات الشهود بأن المذبحة التي وقعت في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، نتجت عن أكثر من 50 يوما من الهجمات على قبيلة المساليت، المنحدرة من عرق إفريقي والتي تشكل أغلبية سكان الجنينة.

مختارات الأمم المتحدة تطالب بتحقيق العدالة في مقتل خميس أبكر والي غرب دارفور مطالب أممية بفتح تحقيق في عمليات القتل "المروعة" في غرب دارفور عشرات القتلى في قصف استهدف جنوب العاصمة الخرطوم نقص الأدوية والرعاية الطبية يفاقم أوجاع اللاجئين السودانيين في تشاد حميدتي يطالب بتغيير قيادة الجيش السوداني لإنهاء القتال

وطبقا لروايتهم، التي أدلوا بها لوكالة رويترز، فقد شُنت تلك الهجمات من قبل قوات الدعم السريع السودانية، وهي قوة شبه عسكرية منبثقة بشكل كبير من الجماعات العربية والميليشيات العربية المتحالفة معها المعروفة باسم الجنجويد.

في 15 أبريل/ نيسان 2023 وقعت اشتباكات بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهانوقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، تركّزت في الخرطوم بداية لكنها سرعان ما امتدَّت إلى مدن أخرى وخصوصا الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور.

بداية جريمة الدعم السريع بحق المساليت

بعد أسبوع من بداية القتال بين قوات الجيش وميلشيا الدعم السريع، وفي حوالي الساعة السابعة من صباح يوم 24 أبريل/ نيسان، كان بدر الدين عبد الرحمن يستعد لمغادرة منزله عندما سمع دوي طلقات نارية. وبدر عبد الرحمن هو موظف في منظمة إنسانية دولية في الجنينة وكان يعيش على بعد 400 متر من مقر قوات الدعم السريع. وقال هو وسكان آخرون إن مناوشات اندلعت بين قوات الدعم السريع ووحدة من الجيش السوداني تتمركز في شمال الجنينة.

صورة رمزية لإحدى وحدات قوات الدعم السريع (أرشيف)

وروى عبد الرحمن وعشرات الشهود الآخرين، وجميعهم فروا لاحقا إلى تشاد، ما حدث بعد ذلك، فقالوا إن جنود الجيش السوداني انسحبوا بسرعة إلى قاعدتهم في أقصى الطرف الشمالي الشرقي من الجنينة. ومع انسحابهم، وجهت قوات الدعم السريع والميليشيات العربية نيران أسلحتها إلى سكان المناطق التي تقطنها أغلبية من المساليت في جنوب المدينة. ووصل بعض رجال الميليشيات العربية، كانت وجوههم محجوبة، على ظهور الخيل أو على دراجات نارية أو على متن سيارات لاند كروزر مغطاة بالطين.

المساليت يهرعون للسلاح دفاعا عن أنفسهم

وثار قلق سكان المساليت من تكرار الأعمال العدائية التي استهدفتهم في الماضي. وذكر ستة أشخاص كانوا حاضرين أنه في حوالي الساعة الثانية بعد الظهر، هرع المئات من السكان المساليت إلى مستودعات الأسلحة الخاصة بالشرطة. وفتح رجال الشرطة، وبعضهم من المساليت، الأبواب وسمحوا للحشد بالاستيلاء على الآلاف من بنادق الكلاشنيكوف. وقال خمسة شهود لرويترز إن كبار السن من الرجال ونساء ومراهقين، غير مدربين على استخدام الأسلحة، شوهدوا في الشوارع مسلحين بالبنادق.

الغابة تتحول إلى مقبرة جماعية كبيرة

وقال ناشط "دخلت مدينه الجنينة في حالة من التجييش والعسكرة الإجبارية لمواجهة بطش المليشيات التي تحاصر المدينة".

وفي تلك الليلة (24 أبريل/ نيسان)، تم دفن أولى الجثث في مقبرة الغابة، وكان تدفق الجثث مستمرا ويقول المدرس عبد الماجد عبد الله إنه ساعد في تلك الليلة في نقل 52 جثة ملفوفة بأغطية، 27 رجلا و16 امرأة وتسعة أطفال، حيث أرقدوهم في صف في حفر حديثة.

ويقول الجرّاح كمال آدم إنه في 27 أبريل/ نيسان، رافق جثمان والده الذي قتل بالرصاص داخل منزله، ووضعه في واحدة من ثلاث حفر كبيرة ومعه 107 جثث أخرى.

وفي 29 أبريل/ نيسان، دفنوا 56 آخرين. وفي السابع من مايو/ أيار، حضر المحامي خالد إسماعيل دفن 85 شخصا بينهم زميله الذي يقول إنه أُحرق حيا بعد أن حبسه المهاجمون في بيته وأشعلوا فيه النار.

واستمر الدفن في مقبرة الغابة لأكثر من سبعة أسابيع، من أواخر أبريل/ نيسان حتى منتصف يونيو/ حزيران، وتحولت قطعة الأرض المستطيلة إلى مقبرة جماعية مترامية الأطراف لما لا يقل عن 1000 من سكان مدينة الجنينة.

وصل سعار القتل إلى ذروته على مدى عدة أيام منتصف يونيو/ حزيران، وتحولت الجنينة إلى "مستنقعات من الدم" بحسب وصف أحد الناجين. ووصف آخر إراقة الدماء بأنها "يوم القيامة".

وكان الخطر مستمرا بلا هوادة لدرجة أن العديد من الناجين قالوا لرويترز إنهم لم يتمكنوا من دفن موتاهم على الفور كما يقتضي العرف الإسلامي والمحلي.

القتل والاغتصاب وجرائم أخرى تقشعر لها الأبدان

وقال تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش نُشر في 17 أغسطس/ آب إن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها اغتصبت عشرات النساء والفتيات. وذكر التقرير "يبدو أن المهاجمين استهدفوا الناس لأنهم من عرقية المساليت، وفي بعض الحالات، لأنهم كانوا نشطاء معروفين".

معسكر أدري في تشاد، هنا وجد اللاجئون من دارفور ملاذا من القتل والاغتصاب لكنهم يعانون من نقص الرعاية الصحية والطعام والأمراض وكوابيس ما بعد الصدمة.

وصفت فتاة تبلغ من العمر 15 عاما لرويترز كيف شاهدت قتل أبيها وأمها ثم تعرضها للاغتصاب الجماعي. وكانت تتحدث بجمل قصيرة، متجنبة التواصل البصري، وهي جالسة بجانب أختها الكبيرة في مخيم اللاجئين المترامي الأطراف الذي نشأ في أدري، وهي مدينة على الحدود التشادية السودانية.

وقالت الفتاة إنه في الساعات الأولى من صباح 27 أبريل/ نيسان، تعرض مخيم النازحين في الجنينة حيث كانت تعيش مع أسرتها للقصف. ثم وصل مقاتلو قوات الدعم السريع والجنجويد سيرا على الأقدام. وجروا والدها إلى الشارع وأطلقوا النار عليه في صدره وقالت "والدتي كانت تتوسل لهم يتوقفوا... ضربوها في رقبتها... طشوا (حرقوا) البيت بعد ما كبوا بترول".

وأضافت الفتاة أنها ركضت مذعورة ومعها حوالي 15 شخصا إلى مبنى على الجانب الآخر من الشارع واحتموا به، ليقعوا في أيدي مقاتلي قوات الدعم السريع الذين يحتلون المبنى.

لاحظت خمسة مقاتلين من المجموعة التي قتلت والديها. حبسوها هي وصديقتها في غرفة. وقالت إن الرجال كانوا يرتدون الزي العسكري والقبعات الحمراء الخاصة بقوات الدعم السريع. ولمدة خمس ساعات، تناوبوا على اغتصابها هي وصديقتها، وسمعت صديقتها تصرخ "اقتلني". ثم كان هناك طلق ناري. وقالت الفتاة "لقد دقوها (أطلقوا عليها الرصاص) لأنها كانت ترد. أنا فضلت ساكتة".

يذكر أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان كان قد أعلن يوم الخميس 27 يوليو/ تموز فتح تحقيق جديد في جرائم حرب في إقليم دارفور السوداني، داعيا إلى عدم السماح لـ"التاريخ بأن يُعيد نفسه". قاصدا بذلك الحرب الأهلية التي وقعت في إقليم دارفور في مطلع الألفية الجديدة وأودت بحياة نحو 300 ألف شخص.

ص.ش/ف.ي (رويترز)

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: مدينة الجنينة إقليم دارفور قبيلة المساليت الجيش السوداني قوات الدعم السريع عبدالفتاح البرهان محمد حمدان دقلو حميدتي اغتصاب وقتل دويتشه فيله مدينة الجنينة إقليم دارفور قبيلة المساليت الجيش السوداني قوات الدعم السريع عبدالفتاح البرهان محمد حمدان دقلو حميدتي اغتصاب وقتل دويتشه فيله قوات الدعم السریع غرب دارفور

إقرأ أيضاً:

الحكومة السودانية تدعو المجتمع الدولي إلى تصنيف "الدعم السريع" ميليشيا إرهابية

الخرطوم- جددت الحكومة السودانية دعوتها للمجتمع الدولي إلى تصنيف "قوات الدعم السريع" السودانية "منظمة إرهابية" على خلفية ما وصفته بـ"جرائم وانتهاكات جسيمة تم ارتكابها ضد المدنيين منذ اندلاع الحرب".

جاء ذلك في إحاطة للنائب العام السوداني محمد عيسى طيفور، رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في الجرائم، خلال إحاطته أمام الدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السودانية "سونا"، التي أشارت إلى تأكيده أن اللجنة جمعت أدلة تثبت تورط الدعم السريع في "الإبادة الجماعية" والقتل خارج نطاق القانون في ولايات ومناطق سودانية مختلفة، وفق وكالة سبوتنيك الروسية.

ولفت طيفور إلى أن حصيلة القتلى تجاوزت 28 ألف شخص إضافة إلى ما يقرب من 44 ألف جريح، كما كشف عن وجود أكثر من 14 ألف حالة إخفاء واحتجاز قسري، و965 مقبرة جماعية، وتجنيد 9 آلاف طفل للقتال.

وأشار النائب العام إلى استهداف الدعم السريع للبنية التحتية المدنية بشكل ممنهج باستخدام الطائرات المسيّرة، بما في ذلك المستشفيات ومحطات الكهرباء والمطارات والموانئ والسجون.

واندلعت الحرب في السودان، في 15 أبريل/ نيسان 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مناطق متفرقة من السودان، مما أثر على الخدمات الصحية والأوضاع المعيشية للسودانيين خاصة في تفاقم أزمة النزوح داخليا وخارجيا.

وتوسطت أطراف عربية وأفريقية ودولية لوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الوساطات لم تنجح في التوصل لوقف دائم للقتال.

مقالات مشابهة

  • السودان يطالب بتصنيف «الدعم السريع» كمنظمة إرهابية ويعلن إفشال هجوم كبير في كردفان
  • الحكومة السودانية تدعو المجتمع الدولي إلى تصنيف "الدعم السريع" ميليشيا إرهابية
  • خفايا الدعم الأمريكي للإخوان.. شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري «الحلقة 42»
  • وصول دفعة جديدة تضم 678 من الفارين من قوات الدعم السريع بمنطقة المثلث
  • الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم
  • قتلى وجرحى في غارة بمسيّرة للدعم السريع على الفاشر
  • الحكومة الكينية تنفي تورطها في تسليح الدعم السريع
  • نازحو الفاشر تحت النار.. قصف الدعم السريع يحصد أرواح المدنيين
  • مستشار مليشيا الدعم السريع فرحان يصفق لشيراز الكشحت المريسة
  • في نيالا خرج مصابي مليشيا الدعم السريع في تظاهرة احتجاجية طلباً للعلاج