إن السلام والإسلام شيئان متلازمان فالإسلام بقدر ما دعا إلى الجهاد ومقاتلة الأعداء وبذل الأموال والأنفس رخيصةً من أجل هذا الدين بقدر ما كان حريصاً على سلامة وحقن وأحترم حقوق الإنسان بصفته أكرم وأفضل المخلوقات في هذه الأرض فقد مد الإسلام ذراعيه للبشرية جمعا ليكونوا من أتباعه المخلصين، ومد يد الصفح والعفو لهم حتى أعداء هذا الدين الذين ضلوا يحاربونه السنين والأيام وضلوا يكيدون له ويتآمرون عليه ويحاولون بكل الوسائل والطرق لإطفاء نور الإسلام والقضاء عليه وحاربوا المسلمين أينما كانوا واذاقوهم ويلات التنكيل والعذاب واستخدموا ضدهم أبشع الجرائم الإنسانية وأشنعها ومع هذا كله عندما تمكن المسلمون منهم وأصبحوا تحت قبضتهم ورحمتهم لم يقابلهم بمثل ما قابلوه من التنكيل والتعذيب وسفك الدماء وانتهاك الحرمات ونهب الأموال بل حفظوا لهم كرامتهم الإنسانية وحببوا لهم الدين ليكونوا من أبنائه وجنوده المخلصين ولم يثأر المسلمون من أعدائهم بل كانوا أرفع من ذلك وأعلا ليعلنوا للإنسانية اجمعها إن هذا الدين دين الرحمة والسلام وليس كما يزعم الأعداء إن الإسلام انتشر بحد السيف وانه أذل الشعوب والأمم وانه دين التشدد والإرهاب.
بالعكس بل كان هذا الدين حريصاً على أن يدخل الناس في دين الله أفواجاً تسودهم الرحمة والسلام والأمن والآمان والاستقرار والتاريخ شاهد على هذه الحقائق والوقائع فهؤلاء مجموعة من المشركين في فتح مكة عندما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة يمشون في مكة فالتف المشركون عليهم وأغاروا عليهم وأرادوا القضاء عليهم ولكن الله حفظ رسوله والمؤمنين ووقع المشركون في قبضتهم فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن عفا عنهم وقابل الإساءة بالصفح والعفو والغفران قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ) [الفتح آية: (24)]، والسلام كلمة مشتقة من الإسلام والله تعالى من أسمائه السلام والجنة دار السلام والإسلام عندما حمل السيف واستخدم القوة لا ليقهر الأمم ويذل الشعوب إنما حمل السيف ليدافع به عن المستضعفين في هذه الأرض الذين ضلوا ردحاً من الزمن تحت وطأة الطغاة يذلونهم ويسفكون دمائهم ويستحلون حرماتهم ويشردوهم عن أوطانهم لم يرحموا دمعات الأطفال الأبرياء وصرخات النساء والثكالى لم يرحموا شيخاً عجوز وطفلا رضيع حتى لم تسلم منهم الدواب والأنعام والزروع والأشجار فعاثوا في الأرض الفساد والطغيان حتى استفحل شرهم وعظم خطرهم ولم تنفعهم موعظة ولا نداء ولا ضمير من هنا حمل الإسلام السيف ودافع عن هؤلاء المظلومين في مشارق الأرض ومغاربها واستخدم مع الطغاة والأعداء القوة المادية والروحية فانتصروا عليهم بفضل الله تعالى (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِياًّ وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً) [النساء آية: (75)]، كذلك حمل الإسلام السيف للدفاع عن الدعوة الإسلامية وتبليغها للعالمين فأعداء الإسلام وقفوا حجر عثرة أمام الدعوة إلى الله فكان واجب المسلمين التصدي لهم قال تعالى ( وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفال آية: (39)] ، وقبل أن يحارب الإسلام الأعداء يدعوهم إلى الإسلام أو دفع الجزية أو القتال فهذه سياسة المسلمين في الحروب والمعارك فكان الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يبعث السرايا والجيوش يأمرهم بدعوة الأعداء إلى الثلاث الأمور المذكورة ويقول لهم أغزوا بسم الله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا وليداً ولا شيخ عجوز ولا امرأة ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا صومعة فهذه هي رحمة الإسلام الشاملة لأفراد البشرية جمعا وقبل الإسلام الصلح والهدنة والسلام مع الأعداء بشرط الغلبة والهيمنة للمسلمين وان يطلب الأعداء السلام قبل المسلمين وألاَّ يسمى استسلام فالله تعالى قد ذكر أنهم إذا جنحوا للسلم فاجنح لها بقوله سبحانه وتعالى (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ) [الأنفال آية: (61) إذاً فالإسلام حريص على حقن الدماء وقد استجاب الكثير من الأعداء (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [التوبة آية: (11)
إن الإسلام قد أثر على الأعداء وسرى في نفوسهم فهؤلاء التتار قد اجتاحوا بلاد المسلمين وجاءوا بحقدهم وحديدهم فأكثروا فيها الفساد ومكثوا فيها الأعوام والسنين ولما احتكوا بالمسلمين ورأوا أخلاق المسلمين ومعاملتهم الحسنة تأثروا بهذا الدين ودخلوا فيه طائعين وراغبين بل عامل الإسلام الأسرى معاملة حسنة فكفل لهم الإسلام الحماية وداواهم من جراحاتهم ودعاهم إلى هذا الدين قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنفال آية: (70)، إن الإسلام قد أعطى كل ذي حق حقه وحفظ لهذا الإنسان حقوقه وكرامته والإسلام حريص على سلامة النفوس وجمع القلوب وتوحيد الصفوف وجاء هذا الدين ليخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة والرسول صلى الله عليه وسلم كان الرحمة المهداة والسراج المنير والهادي البشير فكان ليناً في كلامه حتى أسر القلوب والنفوس فهذا جبير بن مطعم كان في قومه ذا سمعة وشهرة وأبوه من أجود العرب وأكرمهم فجبير كان من ألد أعداء الإسلام والمسلمين طيلة حياة الدعوة الإسلامية ولكن المشيئة والأقدار جعلت من ذلك الرجل يقترب من هذا الدين فعندما كان جبير بن مطعم يحاول أن يخلص مجموعة من الأسرى واقترب من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وسمع الرسول يقرأ القرآن ويرتله من قوله تعالى (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ المَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ المَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ المَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) الطور) فوقف لحظة من الزمن متأمل في تلك الآيات القرآنية ورجع إلى قومه وهو يصارع في نفسه بين نور الإسلام وظلام الكفر رغم أن جبير بن مطعم كان من أشد الناس عداوة للرسول وأصحابه ومع ذلك قابله الرسول بطلاقة الوجه ولين الكلام وعرض له الإسلام ولم يأخذه بجرمه وذنبه .
إن رحمة الإسلام وسماحته شاملة لأفراد البشرية جمعا، بل شملت المخلوقات الأخرى وخاصة الحيوانات فالإسلام نادى بالرفق بالحيوان وعدم إيذائه وتعذيبه واتخاذه غرض وهدف للرمي واللهو، فالرسول عليه الصلاة والسلام رأى مجموعة من الناس قد نصبوا حيوان هدف للتعليم فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال [ لعن الله من اتخذ هذا غرضاً] كذلك وجد طير تبحث عن أبنائها فقال [ من فجع هذه بولدها] حتى جذع النخلة يأنّ ويبكي بكاء الصبي فضمه النبي حتى هدأ حتى استطاع الرسول اسر النفوس ، قال تعالى ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) [التوبة آية: (128)] ، وروي عنه عليه الصلاة والسلام في غزوة ذات الرقاع عندما كان الرسول تحت شجرة وسيفه معلق فيها فهجم عليه رجل مشرك وسيفه مصلت وقال للنبي من يمنعك مني يا محمد فقال الله فسقط سيف المشرك فقام الرسول وأخذ السيف وقال للمشرك من يمنعك مني فقال كن خير آخذ فقال الرسول تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فقال لا ثم قال أعاهدك ألاَّ أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فرجع إلى قومه فقال لهم جئتكم من عند خير الناس ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم عندما كان يقسم الغنائم جاء إليه أحد الأعراب واخذ بتلابيبه حتى أثر حول عنقه وقال له يا محمد أعطني من مال الله لا من مال أبيك وأمك والصحابة حوله فهموا أن يقتلوه ، فأشار لهم الرسول أن يهدؤوا من روعه ثم ابتسم الرسول صلى الله عليه وسلم في وجه ذلك الإعرابي وقال لأصحابه أعطوه فأكثروا له العطاء فتأثر ذلك الإعرابي ودخل في دين الله وقال إن محمد يعطي عطاء من لا يخشى الفقر فصدق الله القائل (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران آية: (159)].. نتابع القراءة بإذن الله تعالى من كتاب في رحاب الحبيب المصطفى
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: الرسول صلى الله علیه وسلم الله تعالى قال تعالى عندما کان هذا الدین
إقرأ أيضاً:
نهاية عام 1446
في نهاية عام ألف وأربع مئة وستة وأربعون للهجرة النبوية الشريفة نقف وقفة تأمل ،تلك الوقفة التي تتكرر في نهاية كل عام وبداية العام الذي يليه .
كم من السنوات ودعناها ولازالت بعض ذكرياتها عالقة في أذهاننا تزورنا بين حين وأخر أو نقوم بالبحث عنها في زوايا ذاكرتنا كلما دعانا الحنين.
ومن سنن الله في الكون تعاقب الأشهر والأعوام لتمضي بنا سفينة الأيام مسرعة فما إن نفرح بدخول عام جديد إلا ونجد أنفسنا في نهايته ،انطوت صفحة هذا العام وانطوت معه صفحة من أعمارنا والعاقل منا من أخذ العظة والعبرة من مرور الليالي والأيام ، يمضي قطار الأيام كلمح البصر ليكبر الصغير ويشيب الكبير ويفنى ولابد للعاقل أن يتذكر دائماً أن الحياة مهما طالت به فهو سيصل إلى النهاية لامحالة فالدنيا دار ممر وليست دار مقر .
والعاقل منا أيضاً من سعى وحرص على أن تكون حياته عامرة بطاعة الله خالية من الذنوب والمعاصي ،يسعى لعمارة أخرته ( فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ،والعاجز من أتبع نفسه هواها ) أي أعطاها ماتتمنى وما تطلب دون تفريقاً بين حلال وحرام
مضت هذه السنة وقد مرت بنا أحداث أبكتنا بعضها وأوجعت قلوبنا وأحداث أسعدنا مرورها وأدخل الفرحة علينا وحالنا في كلاهما حمد وشكر لله إيماناً منا بالقضاء والقدر خيره وشره .
وبما أننا نقف على مشارف الوداع لعام 1446 للهجرة النبوية الشريفة أحببت أن أذكر نفسي وإياكم بحمد الله عز وجل أن مد في أعمارنا ولندعوه تعالى أن يمنحنا فرصة للحياة أعواما عديدة وأزمنة مديدة عامرة بذكره وشكره وحسن عبادته .
ولندعوه سبحانه أن يجعلنا صالحين مصلحين بارين بأبائنا نافعين لديننا ولوطننا الغالي الذي لايوجد له مثيل فقد امتن الله تعالى علينا بأن جعل قيادة هذا الوطن في أيدٍ أمينة تبذل قصارى جهدها لخدمة الدين والوطن وأبنائه والمقيمين على أرضه جهود جبارة تبذل لعمارة هذه الدولة العظيمة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه والذي تغنينا جميعاً واستبشرنا خيزاً برؤيته المباركة والتي سيعم نفعها الجميع بإذن الله تعالى .
شكراً ثم شكراً لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين واللذان يحرصان كل الحرص على راحة كل من تطأ قدمه أرضنا المباركة
من زوار ومقيمين ومعتمرين وحجاج لبيت الله الحرام وبمناسبة نجاح موسم الحج هذا العام والذي سُخرت له جميع الإمكانيات لتقديم الخدمات المتكاملة لضيوف الرحمن برعاية وعناية كريمة من لدن مولاي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين محمد بن سلمان فإننا نعتز ونفتخر بهذا النجاح كسعوديون فشكراً ثم شكراً لهم وشكراً لكل القطاعات التي ساهم موظفيها وموظفاتها في هذه الخدمة الجليلة لحجاج بيت الله الحرام
الحمدلله الحمدلله دائماً وأبداً أننا نعيش في مملكتنا الحبيبة وتحت ظل قيادتنا الرشيدة بفضل من الله تعالى في رخاء واستقرار وتقدم وازدهار ومن الواجب علينا جميعاً مواطنين ومقيمين استشعار هذه النعم العظيمة التي ننعم بها على أرض هذه البلاد الطيبة ومداومة الحمد والشكر لله سبحانه وتعالى .
وفي نهاية هذا العام لنقف جميعا ونرفع أكف الضراعة لله سبحانه وتعالى وندعوه بأن يحفظ بلادنا وقادتنا وجنودنا وأن يحفظ شبابنا ويوفقهم ويبعدهم عن الفتن ماظهر منها ومابطن فالشباب هم أمل المستقبل ولندعوه تعالى بأن بديم علينا نعمة السلام والأمن والأمان في وطننا الحبيب وأن يعم السلام والاستقرار أرجاء العالم إنه ولي ذلك والقادر عليه