صحافيو السودان يلجأون لمهن هامشية وسط الحرب
تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT
إعلام وحريات
العربي الجديد/الخرطوم/عبد الحميد عوض
منذ اشتعال المعارك في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف إبريل/ نيسان الماضي، فقد آلاف الصحافيين في البلاد وظائفهم، وتعرضت منازل الكثير منهم إما للقصف المدفعي أو للنهب، ما اضطرهم إلى العمل في وظائف هامشية في المدن التي نزحوا إليها، وتوقفت معظم الصحف الورقية عن الصدور والإذاعات والقنوات عن البث، ولم تتمكن إدارات المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة من الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها.
سقطت قذيفة على منزل مدير تحرير صحيفة أخبار اليوم التي تصدر منذ عام 1994، عبود عبد الرحيم، في اليوم الأول لبدء المعارك، في الخرطوم بحري، فتوجه وأسرته إلى مدينة أم درمان حيث استقر لأكثر من شهرين، لكن اشتداد المعارك دفعه إلى شمال البلاد، قبل أن يستقر نهائياً في مدينة عطبرة.
طوال تلك الأشهر لم يحصل عبد الرحيم على أي من رواتبه، وفقد وظيفته. وفي المدينة التي تعد واحدة من مدن الشمال الكبيرة، اختار وبدعم من أحد أصدقائه أن يبدأ بكسب رزقه عبر بيع السلع الاستهلاكية اليومية من على طاولة صغيرة نصبها قرب أحد المتاجر، وهي مهنة لم يتوقع ممارستها بعد الصحافة التي قضى فيها أكثر من عشرين عاماً، وفق ما يقول لـ"العربي الجديد". ويفيد عبد الرحيم بأن في عطبرة وحدها أكثر من 60 صحافيا نازحا من العاصمة الخرطوم، اضطر بعضهم إلى العمل في مهن مماثلة. ويضيف أنه تلقى أكثر من مرة أمراً بإخلاء طاولته وترك الشارع العام، لكنه لم ينفذه ولو أنه مدرك لمخالفته القانون، لعدم قدرته المالية على الحصول على رخصة محلية.
أما الصحافي عبد الرحمن حنين فقد تحول إلى حمّال في سوق ستة في منطقة الحاج يوسف، شرق الخرطوم. ويقول حنين، لـ"العربي الجديد": "كثير من الصحافيين لجأوا إلى سبل بديلة من أجل توفير لقمة العيش الكريمة، ولم أكن أنا استثناء. اضطررت إلى دخول السوق، ولقلة حيلتي وانعدام السيولة المالية، لجأت إلى العمل حمّالاً". ويضيف: "لا حلّ إلا بوقف الحرب، فهي لن تؤدي إلا إلى المزيد من الدمار والتشظي. لا بدّ من العودة إلى طاولة التفاوض وإيقاف نزيف الدم وإعادة المواطنين آمنين إلى منازلهم".
سكرتير تحرير صحيفة اليوم التالي، خضر مسعود، ترك الخرطوم بعد اندلاع القتال فيها، وتوجه إلى مدينة كوستي جنوب البلاد، حيث قرر العمل بائعاً للملابس. يقول مسعود، لـ"العربي الجديد"، إنه خرج من الخرطوم مع أسرته في ظروف بالغة التعقيد عبر الطريق الغربي، وفي كوستي بحث عن سبل لكسب العيش، خاصة أنه لم يحصل على راتبه منذ إبريل، مشيراً إلى أن بعض الأقارب هناك نصحوه بالاتجاه للسوق الحر حيث منحت السلطات المحلية فرصة للنازحين لممارسة التجارة في واحد من الميادين، فاستغل مكاناً صغيراً ليبيع الملابس الرياضية ويتحصل منه على احتياجات أسرته اليومية، ما جنبه شر السؤال والحاجة.
وأشار مسعود إلى أن عدداً من زملائه الصحافيين واجهوا في هذه الحرب ظروفاً معقدة، فمنهم من لجأ إلى العمل في مجال تحويل رصيد الاتصالات الهاتفية متجولاً في الشوارع والأسواق، ومنهم من عمل في بيع الخضروات والفواكه أو توزيع اللحوم والبيض، وهناك من لم يجدوا عملاً وفشلوا حتى في تأجير منازل لهم. وتمنى مسعود نهاية سريعة للمعارك حتى يعود الكلّ إلى ديارهم في الخرطوم التي تعرضت للنهب والقذف، ولأعمالهم المعلقة، لأنهم فقدوا كل شيء، وفق ما يقول.
مع هذه الأوضاع الصعبة تحاول أكثر من جهة جاهدة توفير مساعدات للصحافيين. يحاول صحافيون في الخارج إعانة زملائهم في الداخل، وتتابع نقابة الصحافيين السودانيين أوضاع من يمارسون هذه المهنة. وفي السياق، يفيد السكرتير الاجتماعي في نقابة الصحافيين السودانيين، وليد النور، بأن آلاف الصحافيين فقدوا وظائفهم منذ بدء القتال، وبأن 17 صحيفة محلية توقفت عن الصدور، و12 من إذاعات إف إم و4 قنوات محلية توقفت عن البث، فضلاً عن توقف أجهزة الإعلام المملوكة للدولة. وأشار نور، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إلى أن أوضاع الصحافيين هي الأسوأ منذ الأربعينيات. وأوضح أن نقابة الصحافيين السودانيين سعت لتوفير دعم لأعضائها، بدأت بحصر أصحاب الأمراض المزمنة، وعددهم 45، وتحصلت على منحة لتوفير علاج لستة منهم، ولا تزال تبحث عن جهات لتوفير علاج للباقين، ولها تواصل مع منظمة مراسلون بلا حدود وعدد من المنظمات العالمية المعنية بحرية الصحافة لتوفير دعم للصحافيين وفرص عمل.
وكانت "مراسلون بلا حدود" كشفت أنها ساعدت نحو 40 صحافياً حتى يوليو/ تموز، وذلك من خلال تيسير وصولهم إلى مصر حفاظاً على سلامتهم، علماً أن البعض وجدوا أنفسهم عالقين في المناطق الحدودية، مثل عضو المجلس التنفيذي لنقابة الصحافيين مواهب إبراهيم الذي رُفضت طلباته للحصول على تأشيرة دخول إلى كل من السعودية ومصر، من دون أي مبرر يُذكر.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العربی الجدید إلى العمل أکثر من
إقرأ أيضاً:
دمج وزارة الري في وزارات أخرى: قرار غير موفق!!
دمج وزارة الري في وزارات أخرى: قرار غير موفق!!
بروفيسور ياسر عباس*
يمر السودان بمرحلة حرجة نتيجة للحرب الجارية حاليًا، ما يستدعي تضافر جهود الجميع للمساهمة في ترسيخ دعائم السلام وإعادة الإعمار، لاسيما للمرافق الحيوية. وتُعد وزارة الري والموارد المائية من أهم ركائز هذه العملية، كونها تمثل العمود الفقري لحياة المواطنين في السودان.
وفي هذا السياق أرى أن قرار السيد رئيس الوزراء د. كامل إدريس بضم وزارة الري والموارد المائية إلى وزارتي الزراعة (الري)، والبيئة والاستدامة (الموارد المائية) لم يكن صائبًا، وذلك لأسباب إجرائية وفنية.
أولًا – من الناحية الإجرائية:في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد نتيجة الحرب، يجب أن يكون الهدف الأول هو استعادة مؤسسات الدولة إلى ما كانت عليه قبل الحرب، لا إدخال تغييرات هيكلية كبيرة تزيد من تعقيد الوضع و تقود الى الفشل فى تقديم الخدمات المطلوبة.
وزارة الري ليست وزارة صغيرة، بل مؤسسة ضخمة تضم آلاف العاملين موزعين من دلتا طوكر شرقًا إلى ولايات دارفور غربًا، ومن محطة الديم جنوبًا إلى دنقلا شمالًا. وتشمل مهامها إدارة ستة خزانات كبرى، وأربعة مشاريع ري استراتيجية (الجزيرة، الرهد، حلفا الجديدة، السوكي)، إلى جانب عشرات الإدارات والهيئات الفنية المتخصصة، فضلًا عن الملفات الحيوية المرتبطة بمياه النيل، ومفاوضات سد النهضة، والسد العالي. إعادة توزيع هذه المهام والكوادر بين وزارات مختلفة هو عبء تنظيمي كبير لا يمكن احتماله في ظل الحرب، ويتطلب دراسات مستفيضة وظروفًا طبيعية يمكن فيها تنفيذ مثل هذا التغيير بهدوء وتخطيط.
ثانيًا – من الناحية الفنية:عملية توفير مياه الري مترابطة ومعقدة، تبدأ من قياس المياه عند محطة الديم على الحدود الإثيوبية – وهي مرحلة تسبقها مفاوضات حساسة مع دول الحوض – ثم تخزين المياه في خزان الروصيرص، وتمرير هذه المياه عبر التوربينات لتوليد الكهرباء، قبل أن تُوزَّع من خزان سنار عبر شبكة الري إلى مشروع الجزيرة. فصل هذه المراحل بين وزارات متعددة قد يؤدي إلى خلل في التنسيق ونتائج كارثية، كما أثبتت التجارب السابقة، مثل تجربة الوزير وديع حبشي في عهد النميري، وتجربة الوزير عبد الحليم المتعافي في عهد الإنقاذ , و اخيرا تجربة تحويل الخزانات لوزارة الكهرباء فى نهايات عهد الانقاذ.
كما أن التجارب الإقليمية والدولية توضح أهمية الحفاظ على وحدة وزارة مستقلة للري والموارد المائية. فمصر، إثيوبيا، وبقية دول حوض النيل تحتفظ بهذه الوزارة ككيان واحد، لما يتطلبه من انسجام بين الجوانب الفنية والتنظيمية.
ويُحسب لوزارة الري السودانية خلال سنتي الحرب أنها استطاعت الحفاظ على سلامة منظومة الخزانات الخمسة، رغم تعقيدات الوضع الميداني، وتشغيل سد النهضة. وشهدنا كيف أن عبث المليشيا بخزان جبل أولياء تسبب في فيضان قرى النيل الأبيض في أواخر عام 2024. و لا ابالغ ان وصفت الخزانات الستة كاهم منشات فى دولة السودان حاليا – لما لها من دورمحورى فى توفير مياه الرى لما يزيد عن 4 مليون فدان و توليد نحو 60% من الكهرباء، فضلًا عن إمداد محطات الشرب النيلية بالمياه.
لذلك، وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية، أرى أن الإبقاء على وزارة الري والموارد المائية كوزارة مستقلة هو الخيار الصائب.
والله ولي التوفيق،
* وزير الرى و الموارد المائية السابق
20 يونيو 2025
#السودان
الوسومالجزيرة الرهد السودان السوكي حلفا الجديدة دلتا طوكر دنقلا رئيس الوزراء كامل إدريس محطة الديم وزارة البيئة والاستدامة وزارة الري والموارد المائية وزارة الزراعة ياسر عباس