لجريدة عمان:
2025-05-20@12:19:45 GMT

الدماغ باعتباره حاسوبا معقدا!

تاريخ النشر: 4th, October 2023 GMT

يصعب علينا اليوم التفكير ووصف ما يعنيه الدماغ دون استخدام استعارات قادمة من علوم الحاسوب. نقول مثلا: إن الشيء محفوظ في الذاكرة، ونقول أن علينا أن نعالج المعلومات، أو نستعيد المعارف.

هذه الاستعارة لها -بالطبع- جذور تاريخية تعود لاختراع الكمبيوتر، وتزداد شعبيتها بازدياد شعبية مجال الذكاء الاصطناعي. علماء الوعي، الأعصاب، النفس، وكل من لهم علاقة بالسلوك البشري يستخدمون هذه اللغة للتعبير عن الدماغ، بل ويؤمنون بعمل الدماغ مثل حاسوب.

في كتابه (In Our Own Image - 2015) الذي يُمكن أن يترجم إلى «صورتنا الخاصة» يتتبع جورج زركاداكيس (George Zarkadakis) ست استعارات تاريخية حول العقل أو الدماغ مرتبطة بالتقنيات والأفكار السائدة في العصر الذي تنتمي له. الأولى تعود للنصوص الدينية وتُشير إلى خلق الإنسان من طين أو تراب، قبل نفخ الروح فيه. وحسب هذه الرؤية فالذكاء قادم من الروح. لاحقا، أدى شيوع الهندسة الهيدروليكية (وهو فرع الهندسة المدنية المعني بنقل السوائل مثل مياه السقي والشرب والصرف الصحي بالاستفادة من الجاذبية الأرضية)، إلى اعتماد توصيف هيدروليكي للوظائف البدنية والذهنية. هذا قبل أن يتم استبدالها باستعارة الآلات: الجسم مجرد آلة. وبالتالي فالأفكار تنبع من حركة آلية معقدة في الدماغ. ومع شيوع أدوات التواصل الحديثة شُبه الدماغ بأنه تلجرام. قبل أن تسود فكرة الدماغ الحاسوب في وقتنا الحالي، وتبدأ استعارة الذكاء البشري باعتباره معالجة للمعلومات. وأيا كان محل النقاش -سواء الشارع، أو المؤتمرات العلمية- لا يخلو مكان من هذه الاستعارة. وقليلا (حتى وقت قريب) ما تم التشكيك بمصداقيتها.

واليوم -مع تقدم تكنولوجيا الحاسوب وأبحاث الدماغ- يتم تمويل مئات الأبحاث التي تنطلق من فكرة أن الدماغ البشري -مثله مثل الحاسوب- معالج للمعلومات.

يُنظر إلى الدماغ -وفق هذا المنظور- باعتباره العتاد (hardware) الذي يقوم بعمليات في مقدمتها معالجة البيانات. وتؤكد على أننا إذا ما ملكنا القوة الحاسوبية للتعامل مع المدخلات التي تأتي من تفاعل الكائن مع بيئته، فإننا سنكون قادرين على محاكاة الدماغ البشري. موقف أقل حدة من هذا، يعترف بأن خلق دماغ من السيليكون أمر غير وارد على الأغلب. مع هذا فإن العمل وفق هذا الإطار يُساهم في فهمنا لأدمغتنا، وإن على نحو محدود. ولكن آخرين يرون أن هذا لا يسهم على نحو جاد في زيادة معرفتنا بالسلوك البشري أو بآليات عمل الدماغ، بل وأنه نشاط غير قائم على أساس علمي متين (كما نرى بنهاية المقال).

في مقال بعنوان «الدماغ الفارغ (The empty brain)» منشور على مجلة (aeon) يُدرج لنا روبرت ابستين (Robert Epstein) مثالا للتدليل على الطريقة التي يختلف بها عمل أدمغتنا مقارنة بالحواسيب.

يطلب ابستين من طلبته أن يرسموا دولارا على لوحة الصف. ورغم أنهم شاهدوا دولارات عديدة في حياتهم، إلا أن الرسومات تأتي مفرغة من التفاصيل على نحو مدهش. يقوم بعدها ابستين بإلصاق ورقة نقدية حقيقية ويطلب منهم رسمها ثانية، تأتي الرسمة الثانية بطبيعة الحال أكثر تفصيلا. ما يدعو ابستين للتساؤل: «ما المشكلة؟ أليس لدينا «تمثيل» لورقة الدولار «مخزن» في «سجل الذاكرة» داخل أدمغتنا؟ ألا يمكننا «استرجاعها» ببساطة، من أجل أن نعيد رسمها؟» ويُعلق بأن علماء الأعصاب لن يتمكنوا أبدا من وضع أصابعهم على تمثيل ورقة الدولار داخل أدمغتنا؛ لأن هذا لا وجود له. يقول: «نحن لا نخزن الكلمات أو القواعد التي تخبرنا كيف نستخدمها. نحن لا ننشئ تمثيلات للمحفزات البصرية، ونحن لا نخزنها مؤقتا في الذاكرة قصيرة المدى، ثم ننقلها إلى الذاكرة طويل المدى. لا نقوم باسترجاع المعلومات أو الصور أو الكلمات من سجلات الذاكرة. أجهزة الحاسوب تفعل كل هذه الأشياء، ولكن الكائنات الحية لا تفعل ذلك».

يدعو ابستين إلى صياغة نظرية حول الدماغ متحررة من استعارات الكمبيوتر. فالذكاء باعتباره معالجة للمعلومات ما هي إلا قصة نحاول عبرها أن نُقرب إلى فهمنا شيئا عصيا على الفهم (حتى الآن على الأقل). الإسراف في التركيز على هذه الاستعارة يشتت انتباهنا عن الجوانب الأخرى التي لا تنجح الاستعارة في اكتنافها.

وبالحديث عما تُقدمه وما تعجز عن تقديمه هذه المقاربة، وفي ظل التمويل المتواصل لأبحاث قائمة عليها، والاهتمام الإعلامي والعلمي بها، وقّع الشهر الفائت 124 شخصا -منخرطا في أبحاث الوعي- عريضة وصفت فيها «نظرية المعلومات المتكاملة (integrated information theory)» بالعلم الزائف. ونظرية المعلومات المتكاملة تقترح وجود نموذج رياضي للأنظمة الواعية، وتسعى للتحقيق في الكيفية التي تحوز بها بعض الأنظمة (البشر مثلا) وعيا، وإيجاد طريقة لمعرفة ما إذا كان نظام ما واعٍ أو لا.

ورغم أن وصف النظرية بالعلم الزائف قد لا يكون دقيقا (أعني أن النظرية قائمة على فكرة أن للوعي أساسا ماديا، ويمكن قياسه رياضيا، وحتى إعادة إنتاجه، وهي ادعاءات يُمكن تأكيدها أو نفيها تجريبيا)، لكنها (أي العريضة) تبقى دلالة على زيادة الوعي بعجز هذه المقاربة عن تقريبنا مما يعنيه الوعي، العقل، وكيف يعمل الدماغ.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

خريجون: مبادرة تطوير رأس المال البشري أضافت لنا الكثير في منظومة العمل الإعلامي

أعرب عدد من خريجي مبادرة "تطوير رأس المال البشري" في الصحافة والإعلام، التي نفذها معهد اليوم للتدريب بالشراكة مع هيئة الصحفيين السعوديين وبدعم من مؤسسة الوليد بن حمد المبارك الأهلية "أهم"، عن تقديرهم العميق للقيمة العلمية والعملية التي اكتسبوها.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1600588014572-0'); }); وأكدوا أهمية هذه المبادرات في صقل مهاراتهم وتأهيلهم لمواكبة التطورات المتسارعة في المشهد الإعلامي، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي.بيئة العمل الإعلاميوفي هذا السياق، أوضحت الخريجة أشجان المسلمي عن سعادتها الغامرة لكونها إحدى خريجات هذه المبادرة النوعية، مشيرة إلى أنها اكتسبت معارف قيمة حول كيفية التعامل مع الذكاء الاصطناعي وتوظيف هذه التقنيات الحديثة بفعالية في بيئة العمل الإعلامي.
أخبار متعلقة أمير الشرقية: مبادرات فاعلة لدار "اليوم" في "تأهيل وتمكين" الكوادر الوطنيةأمير الشرقية يصل مقر دار "اليوم" لرعاية حفل تخريج 100 صحفي وإعلاميوأكدت المسلمي على أن مثل هذه المبادرات التي تقودها دار اليوم وهيئة الصحفيين السعوديين ومؤسسة الوليد بن حمد آل مبارك الأهلية تمثل إضافة نوعية لمنظومة العمل الإعلامي وتسهم في تطوير قدرات الكوادر الوطنية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } أشجان المسلميدعم مسيرة التطور الإعلاميوشددت الخريجة روان السبيعي على الأهمية البالغة لمثل هذه البرامج التدريبية في دعم مسيرة التطور الإعلامي في المملكة.
وأعربت عن عزمها على تطبيق المعارف والمهارات التي اكتسبتها خلال البرنامج، مؤكدة أن هذه الشهادة ستسهم في تعزيز موقعها في الساحة الإعلامية السعودية وستدفعها نحو مزيد من العطاء والتطور لخدمة الوطن والمجتمع.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } روان السبيعي
بدوره، وصف الخريج نايف الحربي البرنامج بأنه كان مثريًا للغاية، منوهًا بالتواصل المستمر والفعال طوال فترة انعقاده.
وأعرب الحربي عن تطلعه للارتقاء بمساهماته الإعلامية على كافة الأصعدة، وإثراء هذا المجال الحيوي بما يعزز مهاراته الإبداعية ويحفزه على الاستزادة من طلب العلم والمعرفة في هذا التخصص.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } نايف الحربيجهود مثمرةوفي سياق متصل، قدم الخريج أحمد الجهني شكره العميق لصاحب السمو أمير المنطقة الشرقية على رعايته الكريمة لحفل التخرج، كما وجه شكره وتقديره لدار اليوم وهيئة الصحفيين السعوديين وجمعية المبارك الأهلية على جهودهم المثمرة.
وأشار الجهني إلى أن هذه المبادرة دعمت حضورهم الإعلامي وعرفتهم بالعديد من الجوانب الإعلامية الحديثة، خاصة فيما يتعلق بتطبيقات الذكاء الاصطناعي والثورة المعلوماتية التي يشهدها العالم.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } أحمد الجهنيالإشادة بالمحتوى المتميزواختتم الخريج عبدالله العثمان بالإشادة بالمحتوى المتميز للبرنامج والعلاقة التشاركية التي أثمرت عن تحقيق النجاح والأثر الملموس.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } عبدالله العثمان
وأكد العثمان أن المبادرة واكبت التطلعات الطموحة لرؤية المملكة ٢٠٣٠، معربًا عن تطلعه إلى رؤية المزيد من الخريجين المؤهلين الذين يقدمون إسهامات قيمة للمملكة العربية السعودية.

مقالات مشابهة

  • لأول مرة.. افتتاح عيادة لأمراض الذاكرة في الدمام
  • كيف يضيء الدماغ أفكارك.. دراسة تظهر تأثير لحظات الإدراك على الذاكرة
  • تُنسى وتَنسى: عن الذاكرة في المعتقل
  • أستاذ قانون جنائي: إعادة نشر فيديو قديم باعتباره جديدًا جريمة
  • خريجون: مبادرة تطوير رأس المال البشري أضافت لنا الكثير في منظومة العمل الإعلامي
  • ثورة تكنولوجية.. ابتكار جهاز عصبي يحاكي عمل الدماغ البشري
  • وقفة في ساحة كلية الطب البشري بجامعة حلب إحياءً لذكرى المظاهرة الكبرى التي شهدتها الجامعة ضد ممارسات النظام البائد وتقديراً لتضحيات الشهداء.
  • شح الأراضي الزراعية حول العالم بفعل النشاط البشري
  • الحولي يدشن برنامج تدريبي في الرخصة الدولية لقيادة الحاسوب لموظفي وزارة الخدمة المدنية
  • تسجيل تحقيق المدعي العام مع بايدن يكشف صعوبات الذاكرة ويثير جدلاً واسعاً