في يوم الخميس الموافق 7 يوليو 2022، أطلقت الحكومة برنامج منصة مصر القطرية للترابط بين المياه والغذاء والطاقة، " Egypt's Country Platform for the Nexus of Water، Food and Energy " والمعروف اختصارا باسم "نوفي" NWFE، لجذب التمويلات والاستثمارات لقائمة من المشروعات الخضراء في قطاعات المياه والغذاء والطاقة، ضمن الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، وتعزيز لرؤية مصر 2030، في محاور التمويل والاستثمار في مشروعات المناخ والترويج لقائمة مشروعات التنمية الخضراء في قطاعات المياه والغذاء والطاقة وتعزيز التحول الأخضر والأمن الغذائي ودفع مجالات التنمية المستدامة المختلفة.

واليوم الخميس، وفي اجتماع عبر الفيديو كونفرانس، يعقد ممثلون رفيعو المستوى من ألمانيا ومصر، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، لبحث الوضع الراهن لمحور الطاقة في البرنامج المصري الخاص بالربط بين المياه والغذاء والطاقة والمعروف باسم "نوفي" والذي يمثل منصة وطنية للمشروعات القابلة للاستثمار من خلال التمويل الإنمائي الميسر، ويُعد بديلا لمنصات مجموعة الدول الصناعية السبع G7، التي تستهدف دعم التحول الأخضر في الدول المساهمة بشكل أكبر في الانبعاثات والأكثر تلويثا للبيئة..

ويشارك في الاجتماع، الاتحاد الأوروبي، وعدد من الشركاء الآخرين لبحث تخطيط وتصميم المزيد من الخطوات الملموسة على طريق مصر نحو مستقبل أخضر مستدام.

وتعد ألمانيا أحد أهم الشركاء في برنامج "نوفي"، حيث خصصت ما يزيد على 260 مليون دولار في مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP 27  في شرم الشيخ نوفمبر من العام الماضي لدعم تنفيذ المساهمات المصرية بشأن تحول الطاقة، بالإضافة إلى دعم منصة "نوفي"

كما أن بنك التنمية الألماني، بالإنابة عن الوزارة الألمانية للتنمية والتعاون الدولي، مع الوزارات المصرية للتعاون الدولي والكهرباء والطاقة المتجددة والبنك المركزي المصري، وقعوا في يونيو الماضي على اتفاقية مبادلة ديون بقيمة 54 مليون يورو، وبدلا من السداد سيتم الآن استخدام الأموال في مشاريع مختلفة بمجالات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والاتصال، مما يعود بالنفع على الاقتصاد والسكان في مصر.

والمنصة الوطنية المصرية لبرنامج نوفي، مقسمة إلى عدد من القطاعات، من ضمنها توليد الكهرباء من الرياح، النقل النظيف، تحلية المياه، وتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وكل استراتيجية ضمن المنصة مقسمة إلى مشروعات متعددة ويتضمن 9 مشروعات تمثل أولوية للدولة في مجالات المياه والغذاء والطاقة، باستثمارات تصل لـ 15 مليار دولار.

وشهد حجم التبادل التجاري بين مصر وألمانيا، ارتفاعا ملموسا خلال عام 2022 حيث بلغ نحو 5.5 مليار يورو مقارنة 5.1 مليار يورو في 2021.. ولأول مرة في تاريخها تكسر صادرات مصر لألمانيا حاجز المليار يورو، كما أن عدد الشركات الألمانية العاملة في مصر يصل لحوالي 1180 شركة، بإجمالي قيمة استثمارات 7.1 مليارات دولار في قطاعات الطاقة، والسكة الحديد، والصناعة، والسياحة، ما يكشف عمق العلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر وألمانيا، والتي تزيد عن 70 عاما من التعاون، والشراكة الاقتصادية.

وقبل أيام قال ويلي شتيشلي، مسئول العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني، إن دول أوروبا وألمانيا تدرك ثقل مصر في القارة الأفريقية، وأن هناك مجالات تتميز فيها مصر يمكنها الإسهام في علاج بعض مشكلات القارة الأفريقية خاصة فى مجالات التعليم والبنية الأساسية. واضاف "أننا فخورون بتواجدنا في مصر وهناك شراكات متميزة بين البلدين في مجالات مختلفة وتعتبر علاقتنا مع مصر نموذج متميز، فيما أكد سفير ألمانيا بالقاهرة، فرانك هارتمان، أن بلاده تعد شريكا أساسيا في تحديث مصر، من خلال استثماراتها الضخمة وتجارتها الكبيرة في مجالات الصناعة والتكنولوجيا والتعليم والبنية التحتية والطاقة.

وأعرب السفير الألماني بالقاهرة، عن ترحيبه بقوة تنفيذ الإصلاحات الطموحة لتنشيط الاقتصاد وإعطاء حيز أكبر وأمان قانوني لمستثمري القطاع الخاص قائلا إن برلين تقف إلى جانب أصدقائها المصريين لدعمهم في أوقات الأزمات للتغلب على الصعوبات القائمة، وإن التعاون التنموي الثنائي يبلغ 1.8 مليار يورو، وهو يعد بذلك واحدًا من أكبر المحافظ التنموية الألمانية عالميًا.

وشدد السفير علي أن حماية المناخ من خلال التحول في مجال انتاج الطاقة تعتبر ركيزة أساسية لتعاوننا، وأن المستقبل يكمن في الطاقة المتجددة من الرياح والطاقة الكهروضوئية، وربما في الهيدروجين الأخضر، ولتحقيق هذا الهدف فإن ألمانيا وحدها تساهم بأكثر من 250 مليون يورو لمحور الطاقة في برنامج "نُوَفي"، في مصر، حول محاور المياه والغذاء والطاقة.

وتابع أن العلاقات مع مصر ترتكز على أسس الفهم والتعاطف الثقافي العميق حيث يوجد ما يقارب نصف مليون متحدث باللغة الألمانية في مصر، وما يزال دور اللغة الألمانية في التعليم الثانوي والعالي في مصر في تنام مضطرد، مشيرا الي أن مصر استقبلت آلاف من اللاجئين من السودان، ومن ثم فإنها تستحق تقديرنا ودعمنا القوي.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: ملیار یورو فی مصر

إقرأ أيضاً:

كيف تقرأ سلطنة عمان المتغيرات المناخية وتستعد لصون ثرواتها البيئية؟

الجشمية: مشروع زراعة 100 مليون شجرة قرم هدفه امتصاص 14 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون

السديري: دور مركز الإنذار المبكر تحليل البيانات من المستشعرات الرقمية والأقمار الصناعية لتوقع التغيرات المناخية

الساعدي: لا يكفي التزامنا بالتحول للطاقة الخضراء إذا كانت بصمتنا الكربونية "ضئيلة".. وعلينا البدء بالحديث عن كفاءة الطاقة

السنيدي: سبب هجرة الأسماك ليس التغير المناخي وحده .. ونحتاج لسفينة بحثية لتقصي أسباب تأخر مواسم الصيد

تجاوز صدى ملف المناخ قاعات الساسة في باريس ودبي ومؤتمرات الطاقة، وغدا رقمًا إضافيًا في عداد الحرارة الذي نتفقده يوميًا خلال أيام الصيف لنتأكد من أننا لم نتجاوز أقصى درجات التحمل المعتادة. وتجلت قضية التغير المناخي في تغير مواسم صيد الأسماك ومصير أنظمتنا البيئية التي تضم أكثر من 4000 نوع من النباتات والحيوانات، إضافة إلى الأعاصير وارتفاع منسوب المياه التي باتت تشكل خطرا على بعض الولايات العمانية خاصة وأن نصف البنية الأساسية الحضرية تقع على بعد 200 متر من الساحل فقط. وهنا فتحت "عمان" مساحة للبحث والتقصي عن الآثار العميقة التي بدأت تزحف لحياتنا اليومية بسبب التغير المناخي الذي تسبب به الإنسان ومدى استعدادنا للتعايش معه والتخفيف منه.

وحملت القراءات التنبؤية التي بثتها وكالة الطاقة الدولية منتصف العام الماضي سيناريوهات أكثر قسوة للعالم بشكل عام ولسلطنة عمان بشكل خاص، ورجحت البيانات والتوقعات استمرار ارتفاع متوسط درجة الحرارة السنوية والذي بدا جليًا خلال العقد الماضي، مما سيتسبب في موجات حارة أكثر شدة من التي نقاسيها حاليًا. وأشارت الوكالة أن تغير أنماط هطول الأمطار في المنطقة بات يشكل تحديات جادة، إذ تعد سلطنة عُمان واحدة من أكثر البلدان التي تعاني من الإجهاد المائي في العالم، وقد تواجه أزمة حقيقية في توفير المياه العذبة مما يضطرها إلى نشر المزيد من محطات التحلية وبالتالي زيادة الطلب على الطاقة. وبالنظر إلى أن تحلية المياه تستهلك المزيد من الطاقة مقارنة بخيارات إمدادات المياه التقليدية، حيث تتطلب ما يصل إلى 100 كيلو وات في الساعة تقريبًا لكل متر مكعب من المياه، فإن الاعتماد الأكبر على المياه المحلاة يمكن أن يضيف ضغوطًا على قطاع الطاقة ما لم تكن هناك تحسينات فاعلة.

وقد وجّهت سلطنة عُمان جهودها بالفعل نحو معالجة تغير المناخ مع التركيز على التحولات في مجال الطاقة النظيفة، وحددت رؤية "عمان 2040" واستراتيجيتها الوطنية هدفًا يتمثل في توسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة وتحسين كفاءتها. كما تعمل مؤسساتها الاستقصائية والبحثية الأخرى جهدها لرصد أكبر للتغيرات المناخية وتأثيراتها على البيئة.

مستشعرات تنبؤية لتقليل الضرر

ويعد المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة بهيئة الطيران المدني في سلطنة عُمان جهة مهمة في مجال التنبؤ بالظواهر الجوية والتغيرات المناخية، حيث يقوم برصد الظواهر الجوية المختلفة كالأعاصير، والفيضانات، والعواصف الغبارية والأمطار الغزيرة وتوفير تنبؤات دقيقة لتلك الظواهر لتحذير المواطنين والجهات المعنية لاتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية حول كيفية التعامل مع الظروف الجوية القادمة والحد من تأثيرها.

وعن ذلك، يقول خليفة بن سالم السديري مدير البحوث والتطوير بالتكليف بهيئة الطيران المدني: التنبؤ بالتغير المناخي ليس بالأمر البسيط، ولا توجد أدوات محددة للتنبؤ به بشكل مباشر، وبدلا من ذلك، يتم الاعتماد على تحليل البيانات والدراسات البحثية لفهم وتقدير هذا التغير وتوقع تأثيراته على المناخ، وهناك تقنيات حديثة ومبادرات يمكن أن تعزز قدرة الأرصاد الجوية العمانية على التنبؤ بالتأثيرات المتعلقة بالطقس والتغيرات المناخية، من بينها شبكات الرصد، واستخدام نظم الاستشعار عن بعد من خلال تقنيات الأقمار الاصطناعية ورادارات الطقس. كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، عن طريق تطبيق تقنيات محددة تقوم بتحليل البيانات الجوية لتحسين دقة التنبؤات، ومن ضمن التقنيات المستخدمة تفعيل نظام بث الإنذارات عبر الهواتف المحمولة لسرعة إيصال المعلومة للمواطنين وإيجاد وقت كافٍ لاتخاذ كافة إجراءات السلامة للتعامل مع أي مستجدات لأي حالة جوية.

ولتحسين أدواته للتنبؤ بالآثار المناخية، أوضح مدير البحوث والتطوير بهيئة الطيران المدني أن المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة في سلطنة عُمان يتخذ عدة إجراءات منها، تطوير البنية الأساسية والتكنولوجيا، والتعاون مع الجهات المعنية الحكومية والعسكرية والمنظمات ذات الصلة لضمان استجابة فعالة للتوقعات الجوية ولتقلبات الطقس والمناخ، وتنسيق الجهود في مختلف القطاعات للحد من الكوارث والخسائر البشرية والممتلكات الناجمة عنها، كما يعمل المركز على توعية المجتمع ورفع الوعي للتعامل مع الأنواء الجوية المختلفة من خلال تنظيم حملات توعية وتثقيف للجمهور حول أهمية التغير المناخي وكيفية التكيف معه، وذلك من خلال دورات عمل وندوات ومواد توعوية تقدمها هيئة الطيران المدني بهدف تعزيز التعاون المؤسسي والمجتمعي.

وأشار السديري إلى مبادرات البحث والتطوير في مجال التغير المناخي، وذلك لبحث وقياس التغيرات المناخية لتطوير استراتيجيات فعالة للرصد والتنبؤ بالطقس مع التحديات المناخية المتزايدة.

وتمتلك منظومة الأرصاد العمانية 78 محطة رصد سطحي لرصد جميع عناصر الطقس التي تستخدم لاحقًا لقياس المعدلات والتغيرات المناخية بناء على الراصدات المتوفرة والمدة الزمنية للسنوات الماضية حيث كلما كانت الفترة الزمنية أطول كان قياس المعدلات المناخية أفضل وأدق علميًا، وتمتلك الأرصاد العمانية عدة محطات تم تشغيلها قبل 20 سنة والبعض منها منذ أكثر من 30 سنة، ويتم تحليل هذه البيانات باستخدام تقنيات متقدمة لفهم النماذج الجوية وتغيراتها على مدار فترات طويلة وقصيرة الأمد لإعطاء مؤشرات فورية في حالة وجود أي متغيرات مناخية على سلطنة عمان.

سيناريوهات أكثر قتامة لارتفاع درجات الحرارة

وبالرغم من التقدم الذي تمنحنا إياه التقنيات الحديثة لملاحقة التغييرات المناخية إلا أنها في زيادة، ولعل أبرز التأثيرات المناخية التي نشهدها اليوم تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة. ففي فترة ما بين 1980-2013 شهدت سلطنة عمان زيادة في متوسط درجة الحرارة بنحو 0.4 درجة مئوية لكل عقد، أما في العقد الأخير ما بين عامي ٢٠١٣ – ٢٠٢٣ ارتفع متوسط درجة الحرارة بنحو ١.٥ درجة مئوية، كما شهد العالم العام المنصرم أكثر الأعوام حرارة.

ويتراوح متوسط درجة الحرارة السنوية الحالية بين 12 درجة مئوية و18 درجة مئوية في المناطق الجبلية وحوالي 26 درجة مئوية في معظم أراضي سلطنة عمان، وتصل إلى 28 درجة مئوية على طول الساحل الشمالي الشرقي.

وعلى الرغم من تباطؤ معدل الزيادة في درجات الحرارة خلال الفترة 2011-2020 إلى حوالي 0.14 درجة مئوية لكل عقد (ويرجع ذلك جزئيا إلى صيف أكثر برودة نسبيا في عام 2013 وشتاء أكثر برودة في عام 2014)، إلا أن درجات الحرارة حافظت على اتجاهها التصاعدي ورفعت المتوسط إلى 27.8 درجة مئوية.

ومع ارتفاع متوسط درجات الحرارة، أصبحت موجات الحر أكثر شدة، ففي يونيو 2018، لم تنخفض درجة الحرارة الدنيا عن 41.9 درجة مئوية لمدة 24 ساعة في منطقة قريات، وفي يونيو 2021، استمرت موجة الحر لمدة شهر تقريبًا في بعض المواقع، حيث وصلت إلى أعلى درجات الحرارة المسجلة في البلاد أكثر من 50 درجة مئوية.

ولا ترسم التوقعات المناخية التنبؤية سيناريوهات أكثر تفاؤلا للمستقبل. ففي حال لم يتم اتخاذ تغييرات حقيقية في التوجه للطاقة الخضراء، من المتوقع أن نقاسي ارتفاعا أكبر خلال العقود المقبلة، مع موجات حارة أكثر تواترا. وفي هذا الصدد، قالت وكالة الطاقة الدولية في أحدث تقاريرها: سيرتفع متوسط درجة الحرارة السنوية بحوالي 5 درجات مئوية في المتوسط من عام 1990 إلى عام 2100 في ظل استمرار النشاط الأحفوري وثبات معدل الانبعاثات الكربونية الحالية في سلطنة عمان، أما في حال تطبيق مشروعات وسياسات الانبعاثات المنخفضة المقررة سيقتصر متوسط ارتفاع درجة الحرارة على حوالي 1.5 درجة مئوية.

مناخ أقسى وطلب أكبر على الطاقة

يمكن أن يؤدي المناخ الأكثر دفئًا إلى زيادة ملحوظة في الطلب على الكهرباء في أوقات الذروة، واستخدام مكثف لأجهزة تكييف الهواء خاصة في الفترة ما بين (مايو – يوليو) وانخفاض محتمل في كفاءة توليد محطات الطاقة التي تعمل بالغاز. وقد ارتفعت ذروة الطلب على الكهرباء من 6060 ميجاوات في عام 2015 إلى 7081 ميجاوات في عام 2021، أي بمعدل نمو سنوي متوسط بلغ حوالي 3%، ومن المتوقع أن يستمر في الارتفاع بنحو 4% سنويًا حتى عام 2027، إلا أن من شأن محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتحسينات في كفاءة استخدام الطاقة في مكيفات الهواء والمباني الحكومية أن تساعد على الاستجابة لذروة الطلب المتزايدة في الصيف محليًا.

وفي هذا الصدد، يقول عبدالهادي الساعدي، مهندس بترول وتخزين هيدروجين وخبير في الطاقة المتجددة: إن التغلب على التغير البيئي الناتج عن الانبعاثات الكربونية بالتوجه للطاقة الخضراء والمتجددة أمر ممكن، ولكن لا يكفي تطبيقه في سلطنة عمان فقط لرؤية الأثر المرجو، بل بجهود عالمية وهو ما نصت عليه اتفاقية باريس ٢٠١٥، وقبلها اتفاقيات عدة، للوصول إلى صفر انبعاثات كربون والذي تعد أهم أسباب ارتفاع الحرارة. فسلطنة عمان وحدها لا يمكن أن تخفض من الأثر كون انبعاثاتها تعد ضئيلة جدًا إذا ما قارناها بالدولة الصناعية الكبرى.

ويقول الساعدي: إنه لا يوجد محليًا تحدٍ كبير فيما يتعلق بالطلب المتزايد للكهرباء كوننا ننتجها محليًا بواسطة الغاز، بل ونبيعها للدول المجاورة، عدا أن تدعيم وإنتاج الكهرباء أو جزء منها بواسطة الطاقات لمتجددة سيسهم بلا شك في زيادة اعتمادية الشبكة واستمراريتها.

وعند الحديث عن تقليل البصمة الكربونية للإنسان في العالم، يرى الساعدي أن الأمر لا يقتصر على تقليل إنتاجنا للنفط والغاز والتوجه للطاقات المتجددة البديلة، ويقول إن المشهد أوسع من ذلك، ويتضمن قطاعات الصناعة والبناء وغيرها التي يجب أن تتعاون جميعًا لمستقبل أكثر ديمومة. وقبل الحديث عن تبني أنظمة منازل تعمل بالطاقة الشمسية وسيارات كهربائية، يجب علينا أن نتحدث بشكل أكثر توسع عن كفاءة الطاقة. فمن الممكن أن يستهلك أحد المنازل اليوم من خلال الأجهزة الكهربائية بداخله حوالي ٥٠ كيلو واط، ولكن باقتناء أجهزة بكفاءة أعلى ودون تغيير أي نشاط يمكن أن ينتج ٢٠ كيلو واط فقط، ويقلل من الهدر الذي تتسبب به بعض الأجهزة الرديئة أو الأقل سعرًا!.

بين قلة الأمطار والفيضانات!

إن انخفاض هطول الأمطار، إلى جانب محدودية موارد المياه العذبة الطبيعية، جعل سلطنة عمان واحدة من أكثر البلدان التي تعاني من الإجهاد المائي في العالم، كونها تمتلك أقل من 1000 متر مكعب من المياه العذبة للفرد سنويًا، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ حوالي 5500 متر مكعب. وفي العقود الأخيرة، انخفضت كمية الأمطار السنوية، مما زاد من الضغط على توافر المياه العذبة. ففي عام 2022، انخفض معدل هطول الأمطار إلى متوسط سنوي قدره 76.44 ملم فقط، أي واحد على ستة عشر من المتوسط العالمي لتصبح سلطنة عمان بذلك صاحبة عاشر أدنى متوسط هطول للأمطار في العالم في ذلك العام.

مناطق يهددها الزحف البحري

ويتمركز غالبية سكان سلطنة عمان في المناطق الساحلية وهي مناطق منخفضة باتت معرضة لارتفاع مستوى سطح البحر، مما ينذر إلى تسرب المياه المالحة وانخفاض توافر المياه العذبة في المناطق الساحلية، ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية فإنه بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، فإن 64% من الأراضي المزروعة في منطقة جنوب الباطنة ستكون غير صالحة للري بالمياه الجوفية، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على تحلية المياه، والتي تستهلك بشكل عام المزيد من الطاقة مقارنة بخيارات إمدادات المياه الأخرى.

وأصبحت سلطنة عمان أكثر عرضة للأعاصير المدارية والعواصف القادمة من شمال المحيط الهندي وبحر العرب من حيث تواترها وشدتها. تحدث هذه العواصف عادة خلال فترة ما قبل الرياح الموسمية في مايو ويونيو، وخلال فترة ما بعد الرياح الموسمية في أكتوبر ونوفمبر. وفي السنوات الأخيرة، زادت المناطق المعرضة للخطر عشرة أضعاف تقريبا في محافظة مسقط، كما أنه من المتوقع أن تكون الوسطى المحافظة الأكثر عرضة للأعاصير المدارية في المستقبل.

ظروف مناخية طاردة للأسماك

وحول أثر التغيرات المناخية على القطاع السمكي، يقول فيصل السنيدي، الرئيس التنفيذي لشركة خبراء المحيط أنه بدا جليًا للجميع خلال السنوات الماضية تأثير الأنواء غير المتوقعة على الكائنات البحرية خاصة من بعد إعصار جونو في ٢٠٠٧. حيث إن مثل هذه الحالات المدارية تؤثر على البيئات البحرية والأنماط الموسمية لحياة الأسماك بسبب تغير درجة الحرارة والتيارات وما يتبع ذلك من تغير للشعب البحرية التي توجد حول الأسماك وتكون بمثابة مساكن لها، وتدخل في سلاسل الغذاء لبعضها. كما لا ننسى تأثير هذه الأنواء على معدلات الأكسجين، فالمعروف أن المنطقة الشمالية من بحر العرب إلى بحر عمان هي منطقة شبه ميتة بسبب نقص الأكسجين وتم نشر مقال علمي حولها وكيف أن معدلات الأكسجين بها تعد معدومة، وحياة الأسماك بها صعبة لذلك تواجه الكثير من الكائنات البحرية من شمال جزيرة مصيرة إلى عمق بحر عمان صعوبة في الحياة والتكاثر لهذا السبب، وهذا النقص في الأكسجين سببه الرئيس وفقًا للأبحاث هو ارتفاع درجة حرارة سطح المياه.

وهناك دراسة أخرى وجدت أنه في أستراليا بدأت الشعب المرجانية تتحول للون الأبيض بسبب ارتفاع الحرارة والتغير المناخي مما جعلها غير قابلة للنمو أو القيام بدورها المتمثل بتغذية الكائنات البحرية الأخرى.

وأشار السنيدي إلى أنه لا يمكننا البت قطعًا بأن الأنماط الموسمية وهجرة الأسماك سببها الرئيس أو الوحيد هو التغير المناخي، لذا نأمل ونوصي بوجود سفينة بحثية في سلطنة عمان بشكل عاجل، لمسح الكتل الحيوية للأسماك في المياه المحلية وبحث أسباب تأخر المواسم والتكاثر والتغير في درجات الحرارة وتأثير ذلك على الشعب المرجانية.

وقال: لا ننسى أن بعض أنواع الأسماك تتأثر بشكل كبير بدرجة حرارة الماء، فأسماك الـ"ماهي ماهي" على سبيل المثال تتبع المياه ذات درجة الحرارة ٢٦ – ٢٧، أما في حال ارتفاع درجة حرارة المياه درجة واحدة فقط عن هذا المعدل تغير اتجاهها فورًا لمياه أكثر برودة. أسماك التونة أيضا كذلك، بل ومعظم الأسماك تتبع تيارات البحار ذات الحرارة الأنسب لها. كما لا يفوتنا الحديث عن أثر المدود البحرية كظاهرة المد الأحمر والأخضر للطحالب أيضًا والمعروف أن أحد أسبابها هو التغير المناخي، وتؤثر على الأحياء المائية بلا شك، حيث تقلل من التبادل الحراري وتبادل الأكسجين بين البيئة البحرية والغلاف الجوي.

ضوابط منظمة للمناخ

وتعمل هيئة البيئة بسلطنة عمان على صياغة وتحديث القوانين واللوائح لتعزيز الاستجابة للتغيرات المناخية، وتحديث الاستراتيجية الوطنية للتكيف والتخفيف من التغيرات المناخية المعتمدة في 2019م، حيث بنيت هذه الاستراتيجية الوطنية على بحث علمي لفهم ظروف التغيرات المناخية المستقبلية في سلطنة عمان والمخاطر المرتبطة بها، ثم تحديد فرص وإجراءات التكيف المناسبة مع تلك المخاطر.

وقالت سمية بنت خميس الجشمية، رئيسة قسم رصد ومراقبة التأثيرات والهشاشة: إن سلطنة عمان تمكنت بالفعل من خلال هذه الاستراتيجية الوطنية من تحقيق مجموعة من البرامج والمبادرات والمشروعات للتواؤم مع خطة الحياد الصفري بحلول عام 2050، وتنظم الهيئة حملات توعية للجمهور حول أهمية الحفاظ على البيئة والتصدي للتغيرات المناخية، وصادقت سـلطنة عمان علـى الاتفاقيات الدولية المعنية بالعمل المناخي كاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وبروتوكول كيوتو الملحق بها، واتفاق باريس بشأن تغير المناخ، واتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون، وبروتوكول مونتريال بشـأن المواد المستنفدة لطبقة الأوزون وتعديلاته المختلفة، وتعمل الهيئة على الوفاء بالالتزامات الدولية للاتفاقيات والبروتوكولات المعنية بالتغيرات المناخية من خلال تقديم التقارير و البلاغات الوطنية المعنية بالعمل المناخي كتقرير البلاغ الوطني وتقرير المساهمات المحددة وطنيا، كما تعمل الهيئة، أيضا، من خلال تعاونها مع المنظمات الدولية والإقليمية على تبادل الخبرات والمعرفة في مجال التغيرات المناخية، وتدعم الهيئة الأبحاث والدراسات البيئية لفهم أفضل للتغيرات المناخية وتأثيراتها على سلطنة عمان، وتُظهر هذه الجهود التزام عُمان بالتنمية المستدامة والحفاظ على البيئة وفقًا لرؤية "عُمان 2040".

وقد أعدت سلطنة عمان مجموعة من التشريعات واللوائح الخاصة بإدارة ومراقبة ظاهرة الاحتباس الحراري، وتغير المناخ، وحماية طبقة الأوزون، والتحكم في استهلاك الـمـواد المـستـنفـدة لـطبـقة الأوزون منها لائحة إدارة الـشؤون المـناخية، ولائحة تنظيم استصدار موافقات مشاريع التنمية النظيفة تحت مظلة بروتوكول كيوتو، ولائحة حماية طبقة الأوزون، وتتناول اللوائح الفنية المذكورة أعلاه الجوانب الفنية والقانونية المعنية بالحد من المخاطر المرتبطة بالتغيرات المناخية، وتم تنفيذ مشروع حماية واستزراع أشجار القرم من استزراع عدد 820 ألف شتلة من أشجار القرم خلال الفترة من عام 2001 إلى يوليو 2023م، واستزراع عدد 4.5 مليون بذرة من أشجار القرم خلال الفترة من عام 2021 إلى يوليو 2023م.

وأضافت رئيسة قسم رصد ومراقبة التأثيرات والهشاشة بهيئة البيئة: تم وضع سياسة تحول إلى الطاقة البديلة؛ لرفع معدل استخدامها إلى 39% بحلول عام 2040، كما أن الاستراتيجية الوطنية لخطة الوصول للحياد الصفري بحلول عام 2050 ذكرت ضمن المسار الانتقالي تعزيز استخدام الطاقة المتجددة في إنتاج الهيدروجين، وهناك جهود محددة لتشجيع المجتمع المحلي والقطاع الخاص على المشاركة في مبادرات للحفاظ على البيئة والحد من انبعاثات الكربون منها مشروع سلطنة عمان للكربون الأزرق، والذي يعتبر أحد الحلول القائمة على الطبيعة للتكيف مع مخاطر تغير المناخ وحماية كوكب الأرض، ويهدف إلى زراعة 100 مليون شجرة من أشجار القرم في سلطنة عمان بالتعاون مع إحدى الشركات على مساحة عشرين ألف هكتار، وامتصاص ما يقارب من 14 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون خلال فترة المشروع الممتدة إلى 27 سنة.

أما عن المشروعات القائمة فأوضحت الجشمية أن هيئة البيئة تعمل على مشروعات محددة للتكيف مع التغيرات المناخية منها مشروع إعداد الخطة الوطنية للتكيف مع تغير المناخ لبناء وتعزيز القدرات الوطنية والمؤسسية العاملة في القطاعات التنموية لإدماج قضايا التكيف مع مخاطر تغير المناخ في خطط وبرامج ومشروعات التخطيط التنموي في مجموعة من القطاعات الرئيسية وهي موارد المياه، الثروة السمكية والموارد البحرية، الثروة الزراعية، البنية الأساسية، التخطيط العمراني، السياحة، والصحة العامة، وتبني مبادرات وخطط ومشروعات للتكيف مع مخاطر تغير المناخ في هذه القطاعات التنموية، وإعداد خطة عمل وطنية للتكيف مع مخاطر تغير المناخ في هذه القطاعات التنموية متناسقة مع السياسات والاستراتيجيات والخطط الوطنية.

وأوضحت أن سلطنة عمان ممثلة بهيئة البيئة تنفذ مشروع لبناء بيئة مرنة للتكيف مع تغير المناخ وللحفاظ على موارد زراعية ومائية مستدامة في سلطنة عُمان بتمويل من صندوق المناخ الأخضر، وتنفيذ منظمة الأغدية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" بهدف إيجاد بيئة ممكّنة لهيئة البيئة والجهات الحكومية وأصحاب المصلحة المعنيين بقضايا التكيف والتخفيف من تغير المناخ في قطاعي الزراعة وموارد المياه وذلك من خلال تعزيز قدراتها لمواجهة التأثيرات السلبية لظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ على النظم البيئية والمناخية.

مقالات مشابهة

  • كيف تقرأ سلطنة عمان المتغيرات المناخية وتستعد لصون ثرواتها البيئية؟
  • إجلاء المئات جراء الفيضانات في ألمانيا
  • إجلاء 600 شخص جراء الفيضانات في ألمانيا
  • "أوكيو" توقع مذكرة تفاهم مع تحالف دولي لإنتاج الوقود المستدام للسيارات والطائرات
  • «دفاع النواب»: نثمن التعاون المصري الصييني في مجال الهيدروجين الأخضر
  • الجفاف في العراق.. تداعيات تُهدد الطاقة الكهربائية والأنهر بـ"خطر"
  • موجة غلاء.. الطقس القاسي ينذر بارتفاع أسعار الطاقة والغذاء
  • كيف يؤثر الجفاف على تحسن الطاقة في العراق؟
  • رئيس شركة هندسة الطاقة الصينية: مصر من أكبر الأسواق الواعدة في مجالات الطاقة والهيدروجين الأخضر
  • الرئيس السيسي: حريصون على زيادة الاستثمارات الصينية في مصر