الإصلاح الذاتي والاضطراب الدموي والانهيار البطئ.. 3 سيناريوهات متوقعة في مصر
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في مصر، والتي تشير التقديرات إلى أنه سيتم هندستها لصالح رئيس البلاد الحالي عبدالفتاح السيسي، يبدو المشهد المصري معقدا ومليئا بالاحتمالات.
التحليل، الذي نشره موقع "ذا نيو آراب" للكاتب ماجد مندور، المحلل بعدة مؤسسات، وترجمه "الخليج الجديد"، يرسم ثلاثة طرق متوقعة لمستقبل المشهد في مصر، لا سيما مع استمرار أزمة البلاد الاقتصادية العميقة، والمتمثلة في ديون خطيرة للغاية يبدو المستقبل معها قاتما.
ويقول التحليل إنه على الرغم من أن الاحتمالات قصيرة الأجل للنظام تبدو آمنة، إلا أن آفاقه طويلة الأجل تخضع للمضاربة، مع أزمة اقتصادية عنيفة بشكل متزايد وخسارة سريعة في الدعم في بعض الأوساط تثير أسئلة حول قدرة النظام على البقاء على قيد الحياة.
اقرأ أيضاً
واشنطن بوست: الكونجرس بدأ مواجهة ديكتاتور مصر
وبمعنى أوسع، هناك 3 سيناريوهات محتملة للتغيير في مصر، يتوقعها الكاتب، وهي: الإصلاح الذاتي، أو الانفجار، أو الانهيار.
الإصلاح الذاتيالسيناريو الأول والأقل احتمالا، هو الإصلاح الذاتي..
وفي هذا السيناريو ستبدأ النخبة داخل النظام، على الأرجح ضمن الخدمات الأمنية، عملية إصلاح محدودة، حيث ستبقى الطبيعة الاستبدادية للنظام، مع مشاركة السلطة مع شريك مدني.
هذا من شأنه أن يدفع النظام إلى اتجاه أكثر تقنية في الحكم (تكنوقراطية)، مما يسمح للقادة المدنيين بالظهور في قطاعات معينة ذات قاعدة قوة مستقلة، مع السماح للجيش بالمواصلة للسيطرة على الدولة من خلال واجهة مدنية.
وفي ظل هذا الاتجاه، سيسمح للنظام للكفاءات المدنية بالتخفيف من الأزمة الحالية، مع الحد من قوة الجيش وإيقاف عملية العسكرة للدولة والاقتصاد، والتي هي في جذر الأزمة الاقتصادية الحالية.
ومع ذلك، هذا سيناريو غير مرجح للغاية، كما يقول الكاتب، بسبب قدرة الجيش على السيطرة تمامًا على الدولة والنظام السياسي مع القضاء على جميع مراكز السلطة المدنية، حتى أولئك الذين يدعمون النظام على نطاق واسع.
المثال الأبرز على هذه السياسة هو عدم وجود حزب مدني، والذي يمكن أن يعزز الرئاسة والتوازن بين الجيش.
يتجلى هذا في دور حزب "مستقبل وطن"، الحزب المؤيد للسيسي الذي يهيمن على البرلمان، لكنه لا يلعب دورًا مهمًا في صنع السياسات، ويشغل ممثله منصبًا وزاريًا واحدًا فقط في الحكومة الحالية.
ما يزيد الأمر عن الأمر هو ضعف المعارضة المعتدلة ، والتي يمكن أن تعمل كشريك للنظام في عملية الإصلاح الذاتي.
اقرأ أيضاً
أ ف ب: جمهورية السيسي منهكة اقتصاديا وقاعدته الشعبية لم تعد كما كانت
وتجلى هذا الضعف في المعارضة وعدم قدرتها على العمل كوزن موازٍ للخدمات الأمنية في الحوار الوطني الأخير، الذي فشل في تقديم انفتاح سياسي، ولو متواضع، أو الإفراج المنهجي عن السجناء السياسيين.
وفي الواقع، من خلال بعض المؤشرات، صعد النظام قمعه أثناء الحوار، كما يقول الكاتب.
اضطرابات اجتماعية وقمع عنيفالسيناريو الثاني، هو احتمال الاضطرابات الاجتماعية الجماهيرية تليها القمع الجماعي الذي يؤدي إلى دورة من العنف واللاعنف.
وبعبارة أخرى، سينفجر النظام في مجموعة من العنف في سيناريو يشبه سوريا أو ليبيا.
ويقول الكاتب إن هذا، للأسف، هو سيناريو أكثر احتمالا من الإصلاح الذاتي، وقد وضع النظام بالفعل الأساس لمواجهة مثل هذا.
العامل الأكثر بروزًا هو قدرة النظام على قيادة ولاء الضباط المبتدئين في الجيش، والذين سيكونون مسؤولين عن تنفيذ أوامر للقمع.
في عام 2011 خلال الثورة المصرية، عمل الرئيس السابق حسني مبارك على ضمان ولاء القيادات الكبيرة، لكن ولاء فئة الضباط المبتدئين كان موضع شك، خاصةً عندما يأمر بقمع انتفاضة جماعية بمشاركة اجتماعية واسعة.
اقرأ أيضاً
مع قرب الانتخابات.. مورجان ستانلي يتبنى موقفا أكثر تشاؤما حيال ديون مصر
ومع ذلك، فإن الوضع مختلف اليوم، ليس فقط بسبب الزيادات المتتالية في رواتب الضباط المبتدئين ولكن أيضًا بسبب سنوات من التلقين الأيديولوجي من النظام لهم بنظريات القومية الشوفينية، ونظريات المؤامرة، التي تؤطر أي معارضة كتهديد وجودي للأمة والدولة.
ومع ذلك، فإن ولاء الضباط المبتدئين لا يزال غير متوقع.
وعلى الرغم من أن النظام قد حاول التماس دعمه، فلا توجد ضمانات بأن هذا الولاء سيتم الاحتفاظ به، خاصة إذا كانت الانتفاضة لها دعم شعبي عميق.
البنية التحتية للقمع (العاصمة الإدارية)ويقول مندور إن النظام المصري استثمر أيضًا بكثافة في البنية التحتية المادية للقمع، استعدادًا لمواجهة محتملة، حيث تم تصميم رأس المال الإداري الجديد لحماية النظام من انتفاضة جماعية محتملة في القاهرة المتمردة.
وتقع العاصمة الإدارية الجديدة على بعد 65 كيلومتراً شرق القاهرة، وتراقبها 6 آلاف كاميرا، وهي بعيدة بما يكفي لحماية النظام من حشود فقراء المناطق الحضرية، ومكلفة بما يكفي لإبقاء الفقراء وأغلب الطبقة المتوسطة خارج البلاد.
اقرأ أيضاً
مصر.. تلال الديون من يسددها ومتى؟
بمعنى آخر، يقوم النظام بتنظيم وضع تقع فيه مراكز الحكومة بعيدًا عن جماهير المصريين، ومحاطة بالنخب وقاعدة دعم النظام، مما يتيح للنظام استخدام القمع الشامل ضد المراكز الحضرية المتمردة إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
ويمضي الكاتب بالقول: لقد قضى النظام أيضًا على أي معارضة معتدلة داخل البلاد، والتي من المحتمل أن تعمل على امتصاص الغضب الشعبي وتحويله نحو أهداف إصلاحية، بينما تعمل كشريك مفاوض مع النظام من أجل احتمال نقل السلطة.
وعلى الرغم من هذه العوامل، هناك أيضًا تساؤلات حول مدى استعداد الشعب المصري للمشاركة في احتجاجات حاشدة في الشوارع، مع العلم جيدًا أن القمع الجماعي سيأتي بعد ذلك.
ومع مرور السنين الماضية، تراكم الإرهاق من الدعوات التي أطلقت على مر السنين لاحتجاجات مماثلة للتأثير على التغيير، وعدم فعالية هذه الدعوات.
الانهيار البطئالسيناريو الأخير، والأكثر ترجيحا، كما يقول الكاتب، هو الانهيار البطيء..
فبدلاً من الانفجار في موجة من العنف وإراقة الدماء، فإن تفاقم الأزمة الاقتصادية والاستنزاف البطيء للدعم الشعبي من شأنه أن يؤدي إلى انهيار النظام، ولكن ليس بعنف.
لكن لكي يحدث هذا السيناريو، هناك عاملان لم يتحققا بعد.
اقرأ أيضاً
كيف يكون عام 2024 الأكثر كلفة على مصر؟
الأول هو تطور معارضة تتمتع بدعم شعبي عميق، وقادرة ليس فقط على تقديم بديل للنظام، بل أيضاً على تحدي قبضته على السلطة وتحقيق انتصارات تكتيكية صغيرة ضدها.
ستكون هذه عملية تراكمية قد يستغرق تحقيقها سنوات، وستتطلب تضحيات كبيرة بينما يقاوم النظام فقدان قبضته على السلطة، كما يقول مندور.
العامل الثاني، هو تصاعد الأزمة الاقتصادية، والتي ستبدأ في تقويض السرد الذي يضفي الشرعية على النظام بطريقة قد تتسرب إلى أجهزته القمعية.
والأهم من ذلك، أن هذا الخطاب سينتشر بين صغار الضباط، مما يقوض قدرة النظام على قمع المعارضة.
وهذا من شأنه أن يفتح الباب أمام إمكانية انهيار النظام تحت ثقل الأوضاع والضغط الشعبي الذي طال أمده.
ومن الصعب للغاية التنبؤ بالشكل الذي سيتخذه هذا الأمر، ومن الصعب للغاية أيضاً تصور النظام السياسي الذي سينشأ عنه، بحسب الكاتب.
ويؤكد مندور أن السيناريو الأخير هو الطريق الأطول على الإطلاق، وسيتطلب تضحيات كبيرة، لأنه يحاول هز القبضة العسكرية الخانقة على الدولة والنظام السياسي.
اقرأ أيضاً
السيسي يحذر من الفوضى: أستطيع أن أدمر مصر بالترامادول وملياري جنيه
الثلاثة في وقت واحدلكن في النهاية، يسوق الكاتب توقعا شاملا مفاده أن السيناريوهات الثلاثة السابقة قد تحدث أيضا في وقت واحد.
على سبيل المثال، يمكن لمحاولات الإصلاح أن تفتح الباب على مصراعيه أمام مطالب التغيير الجذري الذي يؤدي إلى انهيار النظام، أو يمكن أن تؤدي محاولات القمع إلى تمرد يؤدي إلى انهيار سريع.
المصدر | ماجد مندور / ذا نيو آراب - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسية المصرية الأزمة المصرية الاقتصاد المصري القمع في مصر السيسي الإصلاح النظام على اقرأ أیضا کما یقول یؤدی إلى فی مصر
إقرأ أيضاً:
اقرأ لي رواية
أنطونيو مونيوث مولينا
ترجمة: حسني مليطات
طلب مني عمّي، الذي كوّن ثروة مهمة في حياته أنّ أنصحه بكتب لتقرأها بناته، اللاتي أوشكن على الخروج من سنّ الطفولة، والبدء بمرحلة عُمرية جديدة، فقال لي: «أريد كتبًا مُؤَسِّسة، ليست بروايات، ولا شيء من هذا القبيل». تجدر الإشارة إلى أنّ عمي وصل إلى مكانته الاجتماعية المرموقة دون الحاجة إلى قراءة ولو كتاب واحد، ومع ذلك، له قناعته الصارمة حول ما لا ينبغي على بناته ألا يقرأنه، ولا يعزو سبب ذلك إلى الظّن المتعارف عليه عن الانحلال الأخلاقي في بعض الروايات، لا سيما عند النساء، بل بسبب توجسّه من «الخيال». ما الفائدة من قراءة حكايات مختلقة عن أناس لا وجود لهم؟ أتذكر الآن عمي المسكين؛ لأنني أقرأ هنا وهناك تقارير وتحاليل عن اللامبالاة المتزايدة، بل وحتى الرفض الصريح من الرجال للكثير من الروايات، وخاصة عند الشباب، أو أولئك الذين هم في مرحلة المراهقة الأولى. إنّ ما يرصده الخبراء اليوم، وبهذه الحدّة، يعرفه أيّ كاتب يهدي كتبه إلى عدد من القُرّاء، أو يلقي محاضرةً، أو يقبل دعوة من نادٍ للقراءة. إحصائيًّا، القارئ «قارئة»، تمامًا كما أنّ الممرض «ممرضة». وكما يوجد قُرّاء ذكور ممتازون، يوجد أيضًا ممرضون رائعون في عملهم، لكن منذ منتصف القرن الثامن عشر، وتحديدًا حين شاع فنّ الرواية، لوحظ بأنّ جمهورها الأكبر كان من النساء، وهو ما جعل البعض يُعدّ ذلك دليلًا على ضعف الاتساق الفكري لهذا الشكل الأدبي. وقد استطاعت بعضُ النساء، وخاصة في بريطانيا وفرنسا، أن يصنعن لأنفسهنّ «مهنة أدبية»، وقد نجحن في ذلك؛ لأنها، كما ترى فرجينيا وولف، من أرخص المهن. فامرأة مثل جاين أوستين تحمّلت كلفة المواد القليلة التي نحتاج مثلها في عصرنا الحالي؛ لتحقيق فعل الكتابة، مثل: الحبر، والورق، والريشة، وشيء من الكسل.
ويوجد عنصرٌ آخر أساسي، رغم مجّانيته، وهو: فضول التعرّف على حياة الآخرين، والقدرة على التخيّل، الذي يُتيح مراقبة الحياة نفسها من الداخل والخارج، وبسرد تجارب الآخرين، كما لو أن المرء عاشها أو ما زال يعيشها إلى الآن. إنّ تلك القدرة التي يمتلكها الروائي يقابلها، بشكل دقيق، قدرة القارئ على العيش المتخيّل لحياة الأشخاص المُتخيلين في الرواية، ولا يكون ذلك خبط عشواء، ولا بتقريب تلك الشخصيات بآخرين من الواقع، وإنما من خلال تلك الآلية المعقدة، التي سمّاها الشاعر كوليردج التعليق المؤقت أو المشروط للشك وعدم التصديق. أنا أعرف بأنّ الأمير أندريه بولكونسكي وفريدريك مورو ليسا شخصيتين حقيقيتين، موجودتين في الواقع، لكن عندما ينظر بولكونسكي، المصاب بجروح خطيرة في معركة أوسترليتز، إلى السماء الزرقاء الصافية، ويتملّكه شعور الحزن بدنوّ الأجل في سن مبكر، أو عندما يودّع فريدريك مورو حبيبته، مدام أرنو، وينظر إليها وهي تبتعد ببطء بشعرها الأبيض، في هاذين المشهدين من روايات «الحرب والسلم»، و«التربية العاطفية»، يخنقني الحزنُ، لدرجة أنني لا أستطيع أن أتمالك نفسي، فتبلّ الدموع عينيّ. ولذلك، يقول مارسيل بروست: إنّ الأدب، والموسيقى، والفن، السبيل الوحيد لمعرفة نفوس الآخرين، الموسومة بـ«علامات» من الكلمات والإيماءات، التي تظلّ موضع شكّ دائمًا».
يعيش كلّ واحد منّا مُقيّدًا داخل حياته الخاصة، في بيئة محدودة من الأشخاص والأماكن، وفي زمن مُنح قصيرًا لهذا العالم. لا أعتقد بأنّ الروايات تواسينا عن تفاهة الواقع، ولا تتيح لنا الاستمتاع بمشاعر أقوى وأصدق من تلك التي تُقدّمها لنا الحياة؛ فبالطبع هناك روايات سيئة، وروايات بغيضة، وروايات قد يكون لها، في بعض الأحيان، تأثير مُدمّر، في لحظات أو في فترات الهشاشة المُطلقة. ومع ذلك، فأنا مقتنع بأنّ امتلاك «عادة» قراءتها، وتثقيف الذات نقديًّا، ومع توليد الحماس أثناء ممارسة فعل القراءة نفسه، يمكن أن يُنير لنا الطريق للتعريف بذواتنا والآخرين، دون أن ننسى أهمية تلك الروايات في التسلية السليمة والزهيدة؛ ففي الأدب، كما يقول إسحاق باشيفيس سينجر «الحقيقة المملة ليستْ حقيقة». إنّ عالم اليوم، الذي يبدو أنّه يمنحنا منظورات غير محدودة لكل شيء، يحصرنا في قوقعة التشابه والانتماء القبلي: هويتك الجنسية، ومبادئك الأيديولوجية، والجيل الذي تنتمي له. إنّ الرواية الجيدة تُعلّمك تذّوق الفروق اللامتناهية للخاص وغير القابل للاختزال، وتُعرّفك على الأخوّة العميقة التي قد تربطك بمن يبدو غرباء عنك: أشخاص من زمن آخر، ومن جنس آخر، ومن طبقة مختلفة، ويتحدثون بلغة أخرى غير لغتك، للتعرف، فجأة، على ذاتك بهوية، نادرًا ما تجدها عند معاصريك، لا سيما بين المجموعة التي تنتمي لها، برغبتك، وتكيّفك، وبكامل قوّتك.
يتحدث بعضُ المؤرخين عن زمنٍ، بدأ تقريبًا في عصر التنوير، حدث فيه ما أطلق عليه «توسعة الدائرة الأخلاقية». الزمن الذي يتزامن أيضًا مع بداية العصر الذهبي لفنّ الرواية. بدأ الأشخاص أو الجماعات الذين حرموا من إنسانيتهم، أو وصفوا بمستويات دنيا، بالحصول على حق الاعتراف بهم، وبحقوقهم، وبمساواتهم مع الآخرين. وبينما كان المستكشفون والتُجّار يُخضعون الشعوب الأصلية باسم تفوّق الإنسان الأبيض، كان هناك مفكرون مثل ديدرو وغيره الكثير، بينهم نساء، يدينون الاستغلال والعنف الاستعماري، وينددون بالعبودية، مُتخيّلين أنّ أولئك الأشخاص من ذوي البشرة المختلفة، وأنماط العيش المغايرة، يستحقوّن أن يُدرجوا ضمن دائرة أخلاقية، عرفت بأنها كانت، في ذلك الوقت، حكرًا على «الذكور البيض»، من ذوي السلطة الاقتصادية. دافع الروائي والفيلسوف جان جاك روسو عن مبدأ المساواة بين البشر، غير أنّ ماري وولستونكرافت ذكّرت أتباعه -أتباع روسو- في الثورة الفرنسية بأنّ الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان والمواطنة لن يكون فاعلًا إلا إذا شمل حقوق المرأة. وعُرفت ابنتها ماري شيلي بشجاعتها الموروثة من أمها، فقد رسمت من ملامح «فرانكشتاين» الشخصية الإنسانية التراجيدية لأشد الكائنات إقصاء عن الدائرة الأخلاقية، «فرانكشتاين» ذلك المخلوق المسخ الذي تبرأ منه خالقه نفسه؛ مذعورًا من هيئته. وسلط الاهتمام الأكبر بمسألة المعركة السياسية ضد العبودية، حين انضمّت إلى الحُجج النظرية شهادات صادقة من عبيد فارّين، رووا بأنفسهم قصص استعبادهم، وتمرّدهم، وشجاعتهم، ليجبروا خيال القُرّاء، من خلال ذلك السرد، على أن يتقمّصوا شخصيات المُضطهدين، وأن يتعرفوا، كما لو أنّهم ينظرون إلى مرآة مقلقة، على وجوه مَنْ صنّفوهم يومًا ما على أنهم أدنى منزلةً. تجدر الإشارة إلى أنّ العلم لم يتحرر كليًّا من أوهام العنصرية إلا بعد العقاب القاسي الذي فرضه النّازيون: فأفضل الأدب، هو الذي فتح عيون القُرّاء للتعرف على أدلة المساواة بين البشر، وعلى تفرّد كل واحد منهم.
لقد شهدنا بأعيننا اتّساع الدائرة الأخلاقية، سواء في القوانين، أو في الحياة اليومية، أو داخل العائلة نفسها، حيث بات ما كان، حتى وقت قريب، لا يُتخيّلُ أمرًا معتادًا: خيارات النّاس الحيوية والجنسية، والتابوهات القديمة التي تلاشت إلى حدّ لم يعد أحد يتذكرها. إنّ تخيّل ما لا يمكن تخيّله هي مهمة الروائي والمصلح الاجتماعي. لكن لأننا ما زلنا نتذكر البشاعة الجمالية والأخلاقية لماضٍ غارق في الأحكام المسبقة، فإننا نرتعب أكثر عندما نرى كيف أن الدائرة الأخلاقية عادت تضيق مرة أخرى: حيث الحدود القاطعة بين «نحن» و«الآخرين»، والحدود الذهنية التي تساعد الروايات على زوالها، والحدود الجغرافية التي عادت من جديد بكل ما في هذا العالم من تشدد سياسي وتوحش تكنولوجي. ففي غزة، وأوكرانيا، والسلفادور، ومناجم الجحيم في الكونغو، وأفغانستان، وفي الزنازين المحاطة بالتماسيح في فلوريدا، يُعذّب النّاس ويُبادون بكل سهولة، وكأنّ الآخرين لا يعرفون عنهم شيئًا، أو أنهم لا يريدون أن يتصوروا بأنّ أولئك الذين يعيشون في ذلك الجحيم هم بشر مثلنا.
حسني مليطات مترجم وأكاديمي في جامعة صحار
المقال عن صحيفة ألباييس الإسبانية، منشور بتاريخ 5/7/ 2025.