بينما كانت الدول المتقدمة صناعيا (الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا)، تستغل ثروات النفط في دول الخليج أسوأ استغلال من خلال التحكم في تسعيره وشرائه بالأسعار التي يحددونها.. كانت الدول المنتجة للنفط تطالب دوما بزيادة سعر البرميل خاصة وأنه خلال الفترة من عام 1950 وحتى 1973 زاد الاعتماد على النفط العربي، حيث زاد تدفق النفط العربي إلى الغرب من مليون برميل يوميا إلى 20 مليون برميل يوميا في 1973.

خفض سعر البرميل إلى 1.8 دولار فقط

وكانت الدول الصناعية المتقدمة تتحكم في تسعير النفط الذي تشتريه من الخليج حيث قررت تخفيض سعر البرميل إلى 1.8 دولار فقط وثبات سعره لمدة 10 سنوات حتى عام 1970 في المقابل رفعت هذه الدول الصناعية أسعار تصدير مشتقات النفط إلى نفس الدول المصدرة للخام بنسب 9% سنويا لتنخفض قيمة البرميل الخام إلى 70 سنتا فعليا.

وعندما تعالت أصوات دول النفط المنتجة بضرورة رفع سعر البرميل بعد موافقة الدول المتقدمة ببعض الزيادات الاسمية التي لم تكن تضاهي التضخم في أسعار الاستيراد من هذه الدول خلال اتفاق جنيف الأول والثاني، هددت الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك الدول المنتجة بأن أي دولة خليجية مصدرة للنفط يعلو صوتها بزيادة سعر البرميل مرة أخرى سيكون مصير حكامها هو نفس مصير الدكتور محمد مصدق رئيس وزراء إيران الذي قام بتأميم النفط الإيراني.

المخابرات الأمريكية تتدخل لعزل الدكتور محمد مصدق

محمد مصدق هو رئيس وزراء إيران السابق، انتخب مرتين سنة 1951 و1953، إلا أن المخابرات الأمريكية السي آي ايه والبريطانية MI6 خلعتاه في عملية مشتركة سميت بعملية أجاكس، حيث تسببت قراراته في تأميم شركات النفط في إزاحته في انقلاب عليه يوم 19 أغسطس 1953 بعد إجراء استفتاء مزور لحل البرلمان، فقد طلبت المخابرات البريطانية مساعدة السي آي إيه في تنفيذ الانقلاب واختيار الجنرال فضل الله زاهدي ليخلف مصدق. فأسقطت حكومته وسجن مصدق ثلاث سنوات ثم أطلق سراحه، إلا أنه استمر رهن الإقامة الجبرية حتى وفاته سنة 1967.

لوحت الولايات المتحدة وبريطانيا بمصير رئيس وزراء إيران المعزول نحو حكام دول الخليج المنتجة للنفط حال طلب أحدهم زيادة سعر البرميل مرة أخرى، وحددت الدول المتقدمة يوم 8 أكتوبر 1973 للتفاوض مع الدول المنتجة كل على حدة في تسعير النفط ووضع سعر مناسب للبرميل دون علم مسبق باعتزام مصر شن الحرب على إسرائيل لاسترداد الأرض المحتلة (سيناء).

حرب أكتوبر تعزز موقف دول الخليج أمام الولايات المتحدة

كانت حرب السادس من أكتوبر 1973 قد بدأت وهاجمت القوات المسلحة المصرية إسرائيل بضراوة حيث أفقدت الجيش الإسرائيلي اتزانه وتقهقر مقابل عبور القوات المسلحة المصرية القناة وتبديد أوهام إسرائيل بأن لديها جيشا لا يقهر وأن خط بارليف الساتر الترابي يحتاج إلى قنبلة نووية.

انعقد اجتماع تحديد سعر النفط في موعده 8 أكتوبر 1973 مع الدول الخليجية المنتجة بعد يومين من حرب الكرامة أكتوبر 73 وكان تفوق القوات المسلحة المصرية ملحوظا للقاصي والداني مما عزز من موقف العرب وخريطة المفاوضات وأصبح للحرب كلمة مسموعة فرفضوا عروض الدول المتقدمة بزيادة سعر النفط 8% بدلا من 2.5% فعادت الدول المتقدمة تعرض زيادة نسبتها 15% ورفضت دول الخليج العرض الثالث بدعم من انتصارات مصر العسكرية على إسرائيل وطالبت بزيادة 100%.

وتوقفت المفاوضات يومي 10 و11 أكتوبر أمام مطالب الدول المنتجة بزيادة سعر النفط 100% وهو ما لم تتوقعه أبدا الدول الصناعية المتقدمة التي كانت تطرح أمامهم زيادة 2.5% في بداية المفاوضات وصلت للحد الأقصى 15%، إلا أن تقدم مصر العسكري عزز من روح العرب المعنوية وقادت مصر يوم 16 أكتوبر 1973، دول الخليج السعودية والكويت والإمارات وقطر وإيران حيث كانت تلك الدول تمثل الثقل الرئيسي في الإنتاج النفطي والمستقبل المنظور له بما كانت تحويه آبارهم من احتياطات نفطية عملاقة لاتخاذ قرارهم الأول في تاريخ الاقتصاد العالمي بزيادة سعر النفط 70% بشكل أحادي ودون التشاور مع الدول المستهلكة.

انتقال السيادة إلى الدول العربية بدعم من تفوق مصر عسكريا

وانتقلت السيادة في صناعة النفط آنذاك لأول مرة إلى الدول المنتجة، ولم يكن ليتحقق مثل ذلك التغيير في العلاقة بين الدول المنتجة للنفط والدول المتقدمة لولا استغلال انتصارات مصر وسوريا العسكرية آنذاك على إسرائيل وقد احسن صانعو القرار استغلال الانتصارات العسكرية ليحققوا انتصارا اقتصاديا كبيرا أيضا.

وجاء القرار العربي الثاني آنذاك في شكل قرار تضامن عربي نفطي في إطار سياسي لدعم انتصار مصر العسكري الذي بدأ يهتز نتيجة تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بكل ثقلها لصالح إسرائيل حيث كادت الولايات المتحدة الامريكية أن تعلن التأهب النووي لردع مصر عن هزيمة إسرائيل.. فقررت الدول المنتجة للنفط خفض الإنتاج شهريا بنسبة 5% ومع توقف القتال وتعنت الولايات المتحدة وإسرائيل في المفاوضات قررت دول الخليج خفض الإنتاج 25% بشكل فوي يوم 4 نوفمبر 1973 مع استمرار خفض الإنتاج 5% شهريا.

ولم تكتف الدول العربية في الضغط على السياسة العالمية من خلال خفض الإنتاج وبدأت مشاورات في معاقبة الدول التي تؤيد إسرائيل وتأميم صناعة النفط وطرد شركات هذه الدول من الأراضي العربية منها الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا إلان أن المملكة العربية السعودية اكتفت بإدانة موقف الولايات المتحدة الامريكية في الحرب ودعم إسرائيل.

الولايات المتحدة تعلن إعادة تسليح الجيش الإسرائيلي بقيمة 2.2 مليار دولار

واصلت الولايات المتحدة الأمريكية التعنت والاستهانة بقرارات الدول المنتجة وأعلنت عن حزمة مساعدات عسكرية لصالح إسرائيل وإعادة تسليح الجيش الإسرائيلي بقيمة 2.2 مليار دولار وهو ما دفع الدول العربية للتصعيد والإعلان عن حظر تصدير النفط غلى الولايات المتحدة وهولندا والبرتغال حظر كلي مع انضمام المملكة العربية السعودية إلى دول المقاطعة.

ودفعت قرارات الدول المنتجة خفض إنتاج النفط وحظر تصديره إلى إعادة تشكيل خريطة القوة العالمية والنظر بشكل اخر نحو العرب والدول المنتجة من جانب أوروبا وإنجلترا الذين ضغطوا على الولايات المتحدة الامريكية للتخلي عن دعمها موقف إسرائيل ليستغل العرب الدول المنتجة للنفط الموقف مرة أخرى بعد الضغط العالمي على الولايات المتحدة لترفع سعر البرميل 130% بقرار أحادي مرة أخرى.


أدت تداعيات حرب أكتوبر 1973 في قطاع النفط إلى إعادة هيكلة صناعة النفط فارتفعت إيرادات صادرات الدول العربية المصدرة للنفط من 14 مليار دولار عام 1972 إلى 75 مليار دولار عام 1974 ثم تزايدت عام 1977 إلى 91 مليار دولار وقفزت إلى 146 مليار دولار عام 1979 ثم إلى 213 مليار دولار عام 1980. أي أنه بعد 7 سنوات فقط من الحرب تضاعفت إيرادات دول الخليج من النفط أكثر من 15 ضعفا.

المصدر : كتاب مقاتل من الصحراء وبعض الأبحاث على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة ملیار دولار عام الدول المتقدمة الدول العربیة خفض الإنتاج بزیادة سعر دول الخلیج أکتوبر 1973 سعر النفط مرة أخرى

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يؤكدان التزاماً مشتركاً بتعزيز الشراكة مع أفريقيا

فيما يتعلق بالسودان، جدد بولس دعم بلاده لخارطة الطريق التي طرحتها “الرباعية الدولية” لإنهاء النزاع المسلح، واصفاً إياها بأنها تمثل بارقة أمل حقيقية لإنهاء واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيداً..

التغيير: الخرطوم

أكد مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، مسعود بولس، أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ملتزمان بتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع القارة الأفريقية، مشيراً إلى توافق كامل في المواقف بشأن القضايا الإقليمية ذات الأولوية.

وأوضح بولس في تصريحات عقب لقائه رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، ببروكسل، أن اللقاء بحث ملفات ليبيا والسودان والمغرب ومنطقة البحيرات العظمى، إلى جانب التعاون في مجالات الأمن الإقليمي والتنمية الاقتصادية.

وأكد أن واشنطن وبروكسل اتفقتا على أهمية استمرار التنسيق المشترك لمعالجة الأوضاع السياسية والإنسانية في هذه الدول، بما في ذلك ملف الصحراء الغربية الذي لا يزال يشكل نقطة حساسة في العلاقات الإقليمية، مضيفاً أن الجانبين يسعيان إلى حلول سلمية ومستدامة تعزز الاستقرار في شمال وشرق أفريقيا.

وفيما يتعلق بالسودان، جدد بولس دعم بلاده لخارطة الطريق التي طرحتها “الرباعية الدولية” لإنهاء النزاع المسلح، واصفاً إياها بأنها تمثل بارقة أمل حقيقية لإنهاء واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية تعقيداً.

وأكد أن قرار وقف الحرب واستعادة السلام يجب أن ينبع من إرادة السودانيين أنفسهم، بينما يقتصر دور المجتمع الدولي على الدعم السياسي واللوجستي.

وتناول اللقاء أيضاً تطورات الوضع في ليبيا، حيث تم التأكيد على أهمية الحفاظ على وحدة البلاد ودعم جهود المصالحة الوطنية، إلى جانب مناقشة اتفاقية السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا.

وأشار بولس إلى أن المباحثات شددت على ضرورة تحييد “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” والجماعات المسلحة المرتبطة بها، لما تمثله من تهديد مباشر للاستقرار الإقليمي، والدفع نحو فك الارتباط العسكري ورفع الإجراءات الدفاعية التي فرضتها رواندا لتعزيز الأمن في المنطقة الحدودية.

وأضاف أن تصريحاته تأتي في إطار جولة دبلوماسية مكثفة تهدف إلى ترسيخ الحضور الأمريكي في القارة الأفريقية وتنسيق المواقف مع الحلفاء الأوروبيين، في ظل التحولات السياسية والأمنية المتسارعة التي تشهدها القارة.

دعم مستقبل القارة

وفي السياق ذاته، أعلن بولس أن واشنطن وبروكسل تقفان صفاً واحداً في دعم مستقبل القارة الأفريقية من خلال الاستثمار في مشاريع استراتيجية تشمل قطاعات الطاقة والبنية التحتية وسلاسل توريد المعادن، مؤكداً أن استقرار أفريقيا ونموها الاقتصادي يشكلان عنصراً أساسياً في الأمن العالمي والتنمية المستدامة.

وتشهد القارة الأفريقية، ومن بينها السودان، أزمات سياسية وأمنية متفاقمة، حيث تتواصل الحرب في السودان منذ منتصف أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين، فيما تتزايد التحديات الإقليمية في ليبيا ومنطقة البحيرات العظمى، وسط جهود دولية متصاعدة لإيجاد حلول سلمية تعيد الاستقرار للقارة.

الوسومإفريقيا السودان حرب الجيش والدعم السريع مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة: اقترحنا اتصالا مع الصين بعد القيود التجارية الجديدة
  • 16 قتيلا بانفجار مصنع في الولايات المتحدة
  • صور| المبنى تلاشى.. 16 قتيلًا بانفجار مصنع مفرقعات في الولايات المتحدة
  • 16 قتيلا بانفجار المصنع في الولايات المتحدة
  • مقتل 4 أشخاص بإطلاق نار في الولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يؤكدان التزاماً مشتركاً بتعزيز الشراكة مع أفريقيا
  • انطلاق أولى حفلات جورج وسوف في الولايات المتحدة.. الليلة
  • لماذا تدعم دول جزر المحيط الهادي إسرائيل؟
  • الولايات المتحدة تعلن نشر 200 عسكري لدعم استقرار القطاع
  • مسؤولان: الولايات المتحدة ستنشر 200 عسكري ضمن قوة مهام لغزة