الشاعر والمسرحي والمعلم عمر الطيب الدوش .. خمسه وعشرين عام علي .
يظل تاريخ 10/10/1998م يحمل في طياته حزناً دفيناً يحمل في جوفه رحيل أجمل مبدعي بلادنا المعطاءة في كافة المجالات وأجناس الإبداع ، ففي هذا التاريخ غادر الدنيا إلي دارالخلود الشاعر الفلسفي والمؤلف المسرحي ومربي الأجيال الأستاذ عمر الطيب الدوش ، غادر وقد كان يتوكأ علي عكازة بسبب الكسر الذي اصيب به في مفصل الفخذ ، غادر بعد أن أعطي الوطن الكثير ، حيث تم إعفائه للصالح العام من عمله إبان هوجة الفصل الكئيبة الظالمة من الخدمة لكل صاحب رأي متقدم وبلا وازع من دين أو أخلاق ، فكان قطع الأرزاق قد طال رقاب كثيرة بلا سبب جنوه ، مما أعطي ومنذ البداية نهجاً سيئا لحركة الإسلام السياسي الباطشة .

. نعم ، فصلوه من وظيفته الأكاديمية كأستاذ بكلية الموسيقي والدراما ( قسم المسرح ) والذي أبلي فيه بلاءً حسناً يشهد له فيه طلابه وزملاؤه حتي اللحظة. .
ونحن إذ نتذكره الآن في ذكري رحيله فإننا نظل نعيش أجمل مفردات قصائده الفلسفية التي ضمها ديوان شعره الوحيد ( ليل المغنين ) والذي صدر عقب وفاته بقليل . وقد سبق له حين كان معلماً بالمرحلة المتوسطة في حقبة ستينيات القرن الماضي أنه قد أشتهر بتلك الأغنية التي أداها الموسيقار الراحل وإمبراطور الغناء السوداني والأفريقي ( محمد وردي ) بذلك اللحن المتعدد النغمات ( الود ) حيث سبق أن طبعت بالقاهرة في أسطوانة وقد أشرف علي توزيع موسيقاها خبير الموسيقي الإيطالي بالقاهرة والذي كان يعمل بالمعهد العالي للموسيقي العربية ( كونسيرت فتوار) وإسمه ( اندريه رايدر ). وبعدها لم يغن له وردي قصيدة إلا بعد مرور عدة سنوات ، فجاءت ( بناديها ) تتبختر في خيلاء وترسل رسائل فلسفية عديدة في تلك الحقبة التي كان الضغط فيها عاليا من نظام مايو الحاكم علي رقاب مجمل القوي السياسية الوطنية .
ولما تغيب عن الميعاد
بفتش ليها في التاريخ
وأسأل عنها الأجداد
وأسأل عنها المستقبل
اللسه سنينو بعاد
بفتش ليها في اللوحات
محل الخاطر الماعاد
وفي الأعياد
وفي أحزان عيون الناس
وفي الضل الوقف
مازاد .... بناديها
****
وجدت تلك القصيدة رواجا كبيرا حين تغني بها الراحل وردي ، ثم لم تمض سنوات طويلة إلا وتأتي القصيدة الأخري لعمر الدوش ، ليغرد بها وردي ، حيث ظل وردي يعتبر أن هذا النوع من الغناء يعتبر ولوجاً إلي ما كان يسميه وردي شخصيا ( بالقصائد الفلسفية ) والتي لايعرف مضامينها إلا الشاعر نفسه أو إجتهاد المستمعين لفن وردي، والقصيدة هي ( الحزن القديم ) والتي سبق أن حكي موقف معين حولها الأخ الأستاذ الشاعر والمسرحي الكبير والصحفي ايضا ( يحيي فضل الله ) المقيم بكندا حيث ذكر في مقال قديم له أن عمر الدوش لايطيق سماع تلك الأغنية ، وقد حكي فيها يحيي أنه حين كان يعتلي مع الدوش تاكسي اجرة ذات مساء من ندوة بجامعة الخرطوم إلي أم درمان حيث يقيمان ، كيف أن الدوش قد أغلق مؤشر راديو العربة التاكسي حين كان يبث أغنية ( الحزن القديم ) فإحتك الدوش مع سائق التاكسي وأوقفه ونزل منه ، إلي أن قام يحيي بشرح الأمر لسائق التاكسي وأن هذا هو عمر الدوش شاعر الأغنية ، وتم التصافي وركب الدوش السيارة وأغلق سائقها الراديو.
ولكن ، للدوش قصيدة قوية جدا ومعبرة وذات مضامين فيها العديد من الحكاوي ، وقام بإعطائها للأستاذ حمد الريح حيث قام بتأليف لحنها المتعدد الألوان الموسيقية ذلك الملحن الأسطورة السوداني واليمني الأصل الراحل ( ناجي القدس ) وهي التي إخترناها لتكون عنوانا لهذا المقال ( الساقية لسه مدورة ) ... هذه القصيدة فسرها الجمهور بأنها ذات مضامين سياسية بحتة إبان سنوات الضغط المايوي في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي ، حتي أن وزير الإعلام والثقافة وقتها الأديب الأريب الراحل العميد عمر الحاج موسي قد أوقف بثها عبر الأجهزة بعد أن تغني بها حمد الريح في سهرة مشهورة علي الهواء من التلفزيون. ولكن كان للدوش رأيا آخر حيث ذكر للصحف وقتها أن القصيدة تحكي قصة حياته منذ كان طفلا في شندي يكابد مع أسرته مشاق الحياة وليس لها علاقة بالسياسة او بالنظام القائم وقتها ، غير أن الجماهير كانت تعتبرها متنفساً ضد النظام وأنها من أشعار المقاومة.
وهنا نود القول أن أستاذنا الكابلي ومن فرط إعجابه بقصائد عمر الدوش قد تغني له بأغنية ( سعاد ) والتي كانت تأخذ إيقاع السيرة (العرضة ) فتمددت ايضا وسط الناس.
وفي مجال الأعمال المسرحية ، فإن الراحل عمر الدوش قد قام بكتابة مسرحية مشهورة تم تقديمها علي خشبة المسرح القومي بام درمان وأخذت حظها من القبول في عدة عروض وقد كانت بعنوان ( ياعبدو.. روق ) .
ومن بعدها غادر الدوش الدنيا الفانية في بيته بامبدة بتاريخ العاشر من اكتوبر 1998م .
ولكن ....
الساقية لسه مدورة ،،،،،

bashco1950@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

عبد اللطيف البوني: حاطب ليل

بدات الدخول في عالم الصحافة بكتابة المقالات وأحيانا الاستراحات… جمع استراحة.. وهي عبارة عن مساحة في الصفحة الأخيرة تمنحها الصحيفة لكتابها الراتبين وبعض الشخصيات العامة لفيضفضوا فيها ويكتبوا خارج تخصصهم أو عن أحداث شخصية… ذي ما تقول مادة خفيفة التناول.. الاستراحة اختفت من الصحف نهائيا… أما لماذا؟ خليكم معانا…ثم دخلت عالم الكتابة الراتبة فأصبحت اكتب مقالا أسبوعيا في صحيفة السوداني لصاحبها الأستاذ محجوب عروة الذي فتحها للاقلام الشابة.. وكان يرأس تحريرها الأستاذ أحمد علي بقادي الذي كان في شبابه من مؤسسي صحافة الحزب الشيوعي السوداني ثم تحول إلى صحفي مهني يكتب في الصحافة العربية المهاجرة..

اقترح على الاستاذ بقادي كتابة عمود يومي فاستصعبت هذا الأمر ولكنه الح على إلحاحا شديدا فوافقت.. بقينا على الاسم وقال لي انك تحتاج إلى اسم متفرد وليس تقليدي لأن كتابتك فيها ابتكار فاقترحت عليه اسم (من منازلهم) وهذا يعرفه طلاب الشهادة السودانية التي أصبحت فيما بعد الشهادة الثانوية.. فقال نبدأ به لكن لازم تبحث عن اسم له دوي .. وفي ندوة أقامها الأستاذ الجليل الفقيه العالم الشيخ محمد حامد التكينة رحمه الله رحمة واسعة في قريتنا تداخل احد الحضور بكلام تنقل فيه بصورة غير مرتبة في عدة موضوعات يعني ذي ما تقول كلام جائط كده فبدأ شيخ محمد حامد رده عليه قائلا انت بنوع كلامك دا بنسميك حاطب ليل وذكر الحديث النبوي الذي وردت فيه حاطب ليل وهو الذي يدخل الغابة ويجمع من طرف… أغصان.. شجر.. سلاسل ذهبية.. ثعابين ويضعها في (بقجته) ويعود بها ليفرزها عندما تطلع الشمس.. بس الله يصبح الواطا حيث ذهبت للأستاذ بقادي فقلت له وجدت الاسم… حاطب ليل…. فقال لي هو دا الاسم المناسب لكنه استدرك قائلا انت عارف انه يأتي دوما في موضع الذم فقلت له نعم عارف لكن برضو عاجبني…. وبهذة المناسبة دخلت ذات مرة في مشادة صحفية مع استاذ صحفي كبير حول سياسات بنك السودان وفي أحد ردوده قال فيما معناه زول سمى نفسه حاطب ليل تاني نحن نبذه نقول ليهو شنو.. أما صديقنا الراحل المقيم عبد المنعم قطبي فقال إن هذا الاسم يقول ياجماعة زول يلومني مافي انا بدخل الغابة بالليل وبلخبط.. دا مع دا.. أكان جدعتكم بعقرب ولا تبشة ولا طوبة فلا تلوموني..

المهم تنقلت بحاطب ليل من صحيفة إلى صحيفة وبما انني لست من دار سي الصحافة.. دخلتها من الشباك فلم التزم القوالب المتعارف عليها في الصحافة فمارست فيه التجريب فقبله البعض وبالطبع رفضه البعض واذكر أن أحد رؤساء التحرير قال لي ياخي لو عاوز تكتب في الفن أو الرياضة أو الاقتصاد عندنا الصفحات المتخصصة لكن ما يمكن تحشر لي الحاجات دي كلها في عمود واحد… ولما لم انصاع لكلامه اوقفني من الكتابة.. استاذ الإعلام الراحل البروفسور الطيب حاج عطية ذهب بنفسه إلى ناشر الصحيفة وطلب منه أن يعيد العمود قائلا له دا العمود البنجيبه لطلابنا كنموزج للصحافة المتحررة من القيود حكي لي هذة الواقعة الناشر نفسه بعد عام من حدوثها… كتبت ذات مرة عن السياسةالتسويقية في مشروع الجزيرة فطلب مدير المشروع من موظف العلاقات العامة أن يرد على ما كتبت لما لم يفعل استجوبه فرد الموظف قائلا سعادتك دا يردوا عليه كيف؟ يكتب عن بورصة القطن العالمية في لندن وفي نفس العمود يجيب بيت دوبيت من ود الشلهمة يهجو فيها (كركعوب) قطن الجزيرة الخرش محبوبته.. زول ذي دا يمسكوه من وين . حكي لي هذة الواقعة المدير الأسبق نفسه رحمه الله رحمة واسعة

قامت مؤسسة أروقة لصحابها صديقنا اليسع حسن أحمد (الان بروفسير في الدراما) بجمع مقالات حاطب ليل التي نشرت قبل عام الفين في ثلاثة مجلدات بواقع خمسمائة صفحة في كل مجلد وطبعتها وتم توزيعها من خلال نافذة واحدة وهي الدار السودانية للكتب ونغدت كلها تقريبا.. استمر حاطب ليل في الصدور من عام ٢٠٠٠ إلى مارس ٢٠٢١ ثم توقف… فكرت في جمع الأعمدة التي صدرت في هذة الفترة وبحسبة بسيطة بتاعت زول قادي رياضيات وجدت انها تحتاج إلى ألف مجلد الأقل في كل مجلد خمسمائة صفحة متوسطة الحجم .. بس وين تاني نلقى لينا يسع يطبع لينا عشرة بس ؟ تطوعت إحدى الصديقات العزيزات المتابعات لحاطب ليل بجمع ٢٠٠٠ (الفين عمود) من الانترنيت كلها تقع في الفترة ما بين ٢٠١٠…. ٢٠٢١ أرسلتها لي في فلاش.. فضاع في هجمة الدعم السريع على المنزل فاخبرته بذلك وقامت مشكورة بجمعها مرة ثانية.. وصلتني كلها قبل يومين فلما تصفحتها وجدت أن فيها من المواضيع ما يمكن قراءته الان كالذي أنزلناه الأول من أمس عن الأستاذ الراحل عماد الدين إبراهيم والذي نزل بالأمس عن استاذنا الراحل فضل الله محمد.. وهناك الكثير القابل لإعادة النشر..

فرأيت افعل ذلك في هذة الصفحة دون احصرها على ذلك لأن متابعة الأحداث أمر لابد منه لذلك رأيت اعيد تسمية حاطب ليل لتشمل كل ما ينشر هنا من جديد وقديم وسيكون الفرق في التاريخ واضحا للقاري ويمكن أن نشير للتقديم بعبارة من الأرشيف. حتما سوف يلاحظ القراء أن الأعمدة القديمة مسبكة شوية وقليلة الأخطاء اللغوية لأنها مرت علي مصححين لغويين اما الأعمدة الجديدة ستكون ملئية بالأخطاء اللغوية وخالية من الانضباط المؤسسي يعني ذي ما تقول (ممشطة بقملها) الفيس بوك يساعد على التحلل . وهذا يعني أن اسم حاطب ليل سيعود هنا بعد أن كنت مصمما على إلا يعود أبدا لدرجة أنني قررت أن أقيم له ماتما ولكن بدون عويل.. التمس منكم جميعا قبول هذا البعاتي…

عبد اللطيف البوني

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حين يكتب الحزن بقلم الإنسان
  • “إلى والدي الراحل، في يوم ميلاده…”
  • حقيقة تعاون كاملة أبو ذكري ومي عمر فى رمضان 2026
  • وفد اقتصادي من جمهورية إفريقيا الوسطى يستكشف فرص الاستثمار بالعيون الساقية الحمراء
  • وفد رفيع من إفريقيا الوسطى يبحث فرص الشراكات بجهة العيون الساقية الحمراء
  • "انتعاش" في حركة الملاحة البحرية بالمياه العربية
  • وفاة الشاعر العراقي موفق محمد
  • وفاة الشاعر العراقي الكبير موفق محمد
  • عبد اللطيف البوني: حاطب ليل
  • ناهد السباعي: تدربت علي الغناء من أجل بنات الباشا .. وخوضت تجربة الإنتاج وهذا مصيرها l حوار