الهوية الوطنية إشكالية المفهوم ومصائر السكان
تاريخ النشر: 19th, October 2023 GMT
تشكل موضوعة تشكيل هوية وطنية شاملة هدفا للمجتمع البشري، لما لذلك من تأثير كبير على نمط معيشة السكان وطبيعة تطور ونمو البلدان، اذ ان الحياة في مجتمع مفكك غير معني بالنسق الإنساني واحتواء التنوع، تعد مصدر خطر كبير، لا تفقد فيه الدول استقرارها فحسب، بل كثيرا ما تفقد أرواح أبناءها في نزاعات لا طائل منها.
تتناول إحدى الدراسات موضوعة الهوية الوطنية في العراق، عادة المدة من عام 1925 لغاية عام 2003 مجالا لدراستها؛ مستندة على مواد الدساتير العراقية من القانون الأساسي لسنة 1925 والدساتير المؤقتة للأعوام 1958، 1964، 1968، 1970.
وتوصلت الدراسة واقرت بذلك ايضا دراسات اخرى ومؤرخون، إلى نتيجة مفادها عدم تمتع العراق في ظل "الدولة" بالاستقرار السياسي والاجتماعي؛ لأنه وطوال عقود اتسمت اوضاعه بمخالفات في انتهاك حقوق الإنسان من قبل الحكومات المتعاقبة على العراق، وفي بعض الأحيان حتى من قبل الأفراد؛ مما أضر بروح المواطنة والهوية الوطنية الحقيقية للعراقيين، بحسب الدراسة.
وهنا، يمكننا القول، أن سكان العراق لم ينالوا حقوقهم في جميع الدساتير التي لم تطبق، وظل تفسيرها حكرا على الجهات المسيطرة والحكام، وتكرس ذلك أيضا منذ عام 2003 وبالتحديد منذ يوم الاستفتاء على الدستور الحالي في 15 تشرين الأول 2005، الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2006، اذ لم يجري حتى الآن التوصل إلى علاجات ضامنة لتكوين هوية وطنية يشعر معها السكان بالفخر المطلوب للانتساب إلى البلد، فكثيرا ما ينتهك الدستور وكثيرا ما يستهان بالاختلاف القومي والديني ويجري شتم قوميات ومذاهب واديان، من قبل سياسيين وبرلمانيين محسوبين عادة على الأحزاب الحاكمة.
وحتى في النظام الملكي وبرغم أن دستور عام 1925 أو ما سمي بالقانون الاساسي، يدرج في الباب الأول (حقوق الشعب) نصوصاً قانونية تتعلق بالجنسية العراقية، وتساوي العراقيين في الحقوق أمام القانون، وإن اختلفوا في القومية، والدين، واللغة، وأنّ الحرية الشخصية مصونة للجميع، على وفق النص الدستوري، فإنه كان يعمل بخلاف ذلك بتشريعات منافية لحقوق الإنسان منها ما أقره البرلمان العراقي بقانون رقم 1 لعام 1950، المعروف بقانون إسقاط الجنسية العراقية الصادر في 9 آذار 1950 وذيّله بفقرة توضيحية دفعت العراقيين من اليهود إلى تفضيل الهجرة من البلد، مع العلم أن عدد اليهود في العراق بحسب الاحصاءات كان كبيرا في ذلك الوقت اذ قدر بـ 150 ألفا من مجموع عدد السكان الذي كان بنحو 4.8 مليون نسمة، وهي نسبة كبيرة من السكان.
ومع هذا فإن ذلك القانون فرط بهم و لم ينصفهم وجرت صياغته لاعتبارات سياسية وليست إنسانية، اذ ألحق القرار بالتنويه متحدثا عن فئة كبيرة من الشعب العراقي بالقول أنه "بسبب وجود رعايا من هذا القبيل، مرغمين على البقاء في البلاد ومكرهين على الاحتفاظ بالجنسية العراقية، ما يؤدي إلى نتائج لها تأثير في الأمن العام، وإلى خلق مشاكل اجتماعية واقتصادية، فقد وُجد أن لا مندوحة من عدم الحيلولة دون رغبة هؤلاء في مغادرة العراق نهائيا، وإسقاط الجنسية العراقية عنهم، وقد سنت هذه اللائحة لتأمين هذه الغاية»، وذلك أمر مجحف استهان بنسبة كبيرة من السكان العراقيين ودفعهم حتما إلى التفكير بالهجرة وهو ما حدث، واكتملت حلقاته بالفعل في وقت لاحق، وذلك مناف لشرعة حقوق الإنسان وظلم طال فئة كبيرة من أفراد المجتمع العراقي.
لقد حددت دساتير الدول الديمقراطية وجرى ويجري تنفيذ ذلك بصورة ملموسة مستلزمات اساسية لتحقيق الانسجام في المجتمع وتأمين الوحدة برغم التنوع انطلاقا من أهمية توفير روح وطنية موحدة في مجتمع متعدد القوميات والثقافات، ومن ذلك تعزيز الاحترام المتبادل والتقدير للثقافات المتنوعة بما يسهم في تعزيز الروح الوطنية.
وعملت دساتير تلك الدول على تشجيع الحوار المفتوح بين الثقافات المختلفة بما يسهم في فهم الاختلافات وتحقيق الوحدة؛ كما أن تعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان المساواة والإنصاف لجميع الأفراد والمجموعات يقوي الشعور بالانتماء للوطن، بالتركيز على القيم المشتركة وتحديد القيم التي تجمع بين شتى الثقافات والقوميات والاديان والمذاهب، بما يساعد في تعزيز الوحدة.
والتجربة اثبتت ان توفير التعليم بشأن التاريخ والثقافات المتنوعة يسهم في تعزيز الوعي والاحترام المتبادل، وتشجيع السكان على المشاركة في العملية الديمقراطية بما يجعلهم يشعرون بأنهم جزء من الوطن.
وأثبتت التجارب أن ضمان أن تكون الفرص متاحة للجميع بغض النظر عن الخلفية الثقافية، أمر أساسي لتحقيق الوحدة، كما ان تشجيع وسائل الإعلام على تقديم صورة إيجابية ومتوازنة للمجتمع المتعدد الثقافات واحترامها جميعا يزيد من الوعي والتفاهم.
ويتوجب ايضا لإرساء اسس المجتمع السليم وتنمية الهوية الجامعة، مكافحة التمييز والعنصرية بكل أشكالها فذلك يعزز من الشعور بالمساواة والعدالة، وان الاستفادة من مزايا وفوائد التنوع الثقافي، مثل الإبداع والابتكار والآراء المختلفة، والعمل على توفير فرص اقتصادية واجتماعية للجميع، كل ذلك يعزز الشعور بالانتماء والولاء للوطن يرافق ذلك تعزيز الشعور بالملكية والمشاركة في صناعة القرار، اذ ان الإسهام في تحديد مستقبل الوطن يزيد من الشعور بالانتماء.
وفضلا عن ذلك، فإن تحقيق الروح الوطنية الموحدة يعتمد على التفاهم والتعاون المستمر بين جميع أفراد المجتمع، ويتطلب العمل المشترك لتحقيق أهداف موحدة.
وبصراحة فإن مواد الدستور الذي سن بعد إسقاط النظام المباد يجري التلاعب بها في أكثر من مناسبة، لاسيما فيما يتعلق بشؤون القوميات مثلا، مثلما يجري الأمر مع رواتب موظفي إقليم يضم ثلاث محافظات تشكل وفقا للدستور، في ظل عدم التوصل الى حلول نهائية بشأن ذلك، ما يزيد البون بين أبناء البلد الواحد، كما يجري منذ نحو عشرين عاما عرقلة اقرار مشاريع مهمة مثل قانون النفط والغاز حتى بعد مرور تلك السنوات الطوال منذ إسقاط النظام، برغم أن تطورات الأحداث والعرف الدستوري يحتم حسم هكذا مواضيع هامة لدورها في تعزيز الاقتصاد وتحقيق العدالة في توزيع الثروات بين مناطق العراق وتحقيق رفاهية السكان، التي تعد عاملا رئيسا في تنمية الهوية الوطنية.
الموضوع واسع ومتشعب ويحتمل دراسات مستفيضة الا اننا يمكننا القول ان تنمية هوية وطنية جامعة للبلد امر يرتبط بتنفيذ حقوق سكانه بشتى تنوعهم العرقي والاثني، وتلبية حاجاتهم الاقتصادية والاجتماعية وطموحهم لحياة حرة كريمة؛ ومن دون ذلك يكون من العبث الامل بتشكل هوية وطنية، عندئذ يظل سير الاحداث رهنا بصراعات الاحزاب ومصالحها الذاتية، دونما الالتفات الى مصالح الناس التي يشكل تلبيتها اساس تشكل الهوية الوطنية.
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي الهویة الوطنیة کبیرة من فی تعزیز
إقرأ أيضاً:
عاصم الجزار: الجبهة الوطنية يعكس الهوية المصرية ويدعو لتفعيل المشاركة السياسية الواعية
كتبت -داليا الظنيني :
قال الدكتور عاصم الجزار، رئيس حزب "الجبهة الوطنية"، إن مصفوفة القيم المصرية تمثل حجر الأساس في تشكيل وعي المواطن وإدراكه لأهمية الانخراط في العمل الحزبي والسياسي، مشيرًا إلى أن الحزب يسعى إلى تحفيز المواطنين على المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية من منطلق وطني شامل.
وأوضح "الجزار" خلال حواره مع الإعلامي نشأت الديهي ببرنامج "بالورقة والقلم" المذاع عبر فضائية "TeN"، مساء الثلاثاء، أن حزبه يُعد كيانًا سياسيًا معاصرًا يعتمد على برامج عملية وعلمية متطورة، تعكس الواقع المصري وتستهدف القضايا ذات الأولوية، مع التركيز على الهوية الوطنية وترسيخ القيم المشتركة.
وتابع: "لدينا مجموعة من الثوابت التي نعدّها عناصر ميزة نسبية لمصر، مثل السياحة والطاقة والتعليم، ونعمل على تطويرها وفق رؤية علمية وعلى مستويين: مركزي وجغرافي"، مشيرا إلى أن الحزب يتبنى قضية عربية مهمة وهي "التحضر"، إذ يرى أن تطوير المفهوم ومواءمته مع القيم الوطنية ضروري لبناء مجتمعات عربية معاصرة.
وشدد على أن الحزب يؤمن بأن التنوع الفكري يمثل عنصر ثراء في الحياة السياسية، مضيفًا: "التعدد والاختلاف يثري النقاش ويعزز من جودة القرارات".
وتابع رئيس حزب الجبهة الوطنية "ندعو المواطنين إلى المساهمة الفاعلة، لأن الوطن يحتاج إلى كل صوت وكل فكرة وكل جهد".
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
عاصم الجزار حزب الجبهة الوطنية نشأت الديهي برنامج بالورقة والقلمتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
أخبار
المزيدالثانوية العامة
المزيدإعلان
عاصم الجزار: "الجبهة الوطنية" يعكس الهوية المصرية ويدعو لتفعيل المشاركة السياسية الواعية
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
41 27 الرطوبة: 15% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك