لذة الشهادة في سبيل الله لا يحصرها قلم، ولا يصفها لسان، ولا يحيط بها بيان، وهي الصفقة الرابحة بين العبد وربه؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ }.
المشتري هو اللهإن تأملنا في هذه الآية لوجدنا أن المشتري هو الله، والمتفضل هو الله، والمنعم هو الله .
وكان الصحابة رضي الله عنهم يتمنون الشهادة في سبيل الله لما لها من مكانة العظيمة ، فهذا حنظلة تزوج حديثاً وقد جامع امرأته في الوقت الذي دعا فيه الداعي للجهاد فيخرج وهو مجنبٌ ليسقط شهيداً في سبيل الله، ليراه النبي بيد الملائكة تغسله ليسمى بغسيل الملائكة.( ابن حبان الحاكم وصححه.
وجاء عطاء الله للشهيد واضحا جليا في هذه الآية الكريمة ،قوال تعالى : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( آل عمران : ١٦٩ ، ١٧٠ )
فقوله- تعالى- وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ كلام مستأنف ساقه الله- تعالى- لبيان أن القتل في سبيل الله الذي يحذره المنافقون ويحذرون الناس منه ليس مما يحذر، بل هو أجل المطالب وأسناها، إثر بيان أن الحذر لا يدفع القدر، لأن من قدر الله له القتل لا يمكنه الاحتراز عنه. ومن لم يقدر له ذلك لا خوف عليه منه.
في هذه الآيات الكريمة رد على شماتة المنافقين إثر الردود السابقة، وتحريض للمؤمنين على القتال، وتقرير لحقيقة إسلامية ثابتة هي أن الاستشهاد في سبيل الله ليس فناء بل هو بقاء.
والخطاب في قوله «ولا تحسبن» للنبي صلّى الله عليه وسلّم أو لكل من يتأتى له الخطاب.
والحسبان: لظن، والنهى بلا هنا منصب على هذا الظن، أى أنهاكم عن أن تظنوا أنهم أموات، ونون التوكيد في قوله «ولا تحسبن» لتأكيد هذا النهى، وأى: لا تحسبن أيها الرسول الكريم، أو أيها المؤمن أن الذين قتلوا في سبيل الله، من أجل إعلان كلمته، لا تحسبنهم أمواتا لا يحسون شيئا ولا يلتذون ولا يتنعمون، بل هم أحياء عند ربهم، يرزقون رزق الأحياء، ويتنعمون بألوان النعم التي أسبغها الله عليهم، جزاء إخلاصهم وجهادهم وبذلهم أنفسهم في سبيل الله.
وقوله الَّذِينَ مفعول أول لقوله: تَحْسَبَنَّ وقوله أَمْواتاً مفعوله الثاني وقوله أَحْياءٌ خبر لمبتدأ محذوف أى بل هم أحياء.
وقوله عِنْدَ رَبِّهِمْ يصح أن يكون خبرا ثانيا للمبتدأ المقدر أو صفة لأحياء أو ظرفا له لأن المعنى: يحيون عند ربهم.
والمراد بالعندية هنا المجاز عن القرب والإكرام والتشريف، أى هم أحياء مقربون عنده، قد خصهم بالمنازل الرفيعة، والدرجات العالية، وليس المراد بها القرب المكاني لاستحالة ذلك في حق الله- تعالى-.
وقوله يُرْزَقُونَ صفة لقوله أَحْياءٌ وحال من الضمير فيه أى يحيون مرزوقين.
فرحين بما آتاهم اللهوقوله : ( فرحين بما آتاهم الله [ من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ] ) أي : الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند الله ، وهم فرحون مما هم فيه من النعمة والغبطة ، ومستبشرون بإخوانهم الذين يقتلون بعدهم في سبيل الله أنهم يقدمون عليهم ، وأنهم لا يخافون مما أمامهم ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم .
قال محمد بن إسحاق ( ويستبشرون ) أي : ويسرون بلحوق من خلفهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم ، ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم .
وخصهم النبي صلى اللخ عليه وسلم ببعض العطاءات فقال في الحديث الذي صح عنه :
( للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ : يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه ) ( رواه الترمذي .
أي: الَّذي يُقتَلُ في سبيلِ اللهِ تعالى، "عِندَ اللهِ سِتُّ خِصالٍ"، أي: يَخُصُّه اللهُ مِن الأجرِ ما لا يَخُصُّ به غيرَه بما يَجمَعُ له مِن تلك الخِصالِ: "يَغفِرُ له"، أي: ذُنوبَه، "في أوَّلِ دَفْعةٍ"، أي: في أوَّلِ ما يتَدفَّقُ الدَّمُ مِن جُرْحِه، "ويُرَى مَقْعَدَه مِن الجنَّةِ"، أي: يُرِيه اللهُ عزَّ وجلَّ مَجلِسَه ونَعيمَه مِن الجنَّةِ، "ويُجارُ"، أي: يُحفَظُ ويُؤمَّنُ "مِن عذابِ القَبرِ، ويَأمَنُ"، أي: ويَسْلَمُ، "مِن الفزَعِ الأكبَرِ"، وهذا إشارةٌ إلى قولِه تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103]، والفزَعُ الأكبَرُ؛ قيل: هو عذابُ النَّارِ، وقيل: العرضُ عليها، وقيل: هو وقتُ يُؤمَرُ أهلِ النَّارِ بدُخولِها، وقيل: ذَبحُ الموتِ فيَيْئسُ الكفَّارِ مِن التَّخلُّصِ مِن النَّارِ بالموتِ، وقيل: هو وقتُ إطباقِ النَّارِ على الكُفَّارِ، وقيل: النَّفخةُ الأخيرةُ في الصُّورِ، ففَزِع مَن في السَّمواتِ ومَن في الأرضِ إلَّا مَن شاء اللهُ.
"ويُوضَعُ على رأسِه تاجُ الوَقارِ"، أي: أي: يُلبِسُه اللهُ عزَّ وجلَّ تاجًا يُجعَلُ له مِن العزَّةِ والعظَمةِ، "الياقوتةُ منها"، أي: مِن التَّاجِ، وياقوتُ الدُّنيا: نَوعٌ مِن الأحجارِ الكريمةِ، لونُه شفَّافٌ، مُشرَبٌ حُمرَةً أو زُرْقةً أو صُفْرةً، وهو أكثَرُ المعادِنِ صَلابةً بعدَ الماسِ، يُستَعمَلُ للزِّينةِ، "خيرٌ مِن الدُّنيا وما فيها"، أي: مِن الحُصولِ على نَعيمِها كُلِّه.
.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سبيل الله الصفقة الرابحة الصحابة فی سبیل الله هو الله ه الله
إقرأ أيضاً:
تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بجانيين في منطقة المدينة المنورة
أصدرت وزارة الداخلية، اليوم، بيانًا بشأن تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بجانيين في منطقة المدينة المنورة، فيما يلي نصُّه:
قال الله تعالى: "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا"، وقال تعالى: "وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ"، وقال تعالى: "وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ"، وقال تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ".
أقدم كلٌ من / نعمت الله إسحاق زاي، و/ عبدالخالق نور زاهي -أفغانيي الجنسية- على تهريب مادة الشبو (الميثامفيتامين) إلى المملكة، وبفضلٍ من الله تمكّنت الجهات الأمنية من القبض على الجانيين المذكورين، وأسفر التحقيق معهما عن توجيه الاتهام إليهما بارتكابِ الجريمةِ، وبإحالتهما إلى المحكمة المُختصّة، صدر بحقهما حكمٌ يقضي بثبوت ما نُسِب إليهما وقتلهما تعزيرًا، وأصبح الحُكم نهائيًا بعد استئنافه ثم تأييده من المحكمة العليا، وصدر أمرٌ ملكيّ بإنفاذِ ما تقرّر شرعًا.
وتم تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بالجانيين / نعمت الله إسحاق زاي، وعبدالخالق نور زاهي – أفغانيي الجنسية - يوم الأربعاء 1446/11/23 هـ الموافق 2025/05/21 م بمنطقة المدينة المنورة.
ووزارة الداخلية إذ تعلن ذلك، لتؤكّد للجميع حرص حكومة المملكة العربية السعودية على حماية أمن المواطن والمقيم من آفة المخدرات، وإيقاع أشدّ العقوبات المقرّرة نظامًا بحقّ مهرّبيها ومروّجيها، لما تسبّبه من إزهاق للأرواح البريئة، وفسادٍ جسيمٍ في النشء والفرد والمجتمع، وانتهاك لحقوقهم، وهي تحذّر في الوقت نفسه كل من يُقدِمُ على ذلك بأن العقاب الشرعي سيكون مصيره.