أقامت الديمقراطيَّة الغربيَّة جزءًا كبيرًا من دعايتها أثناء وبعد الحرب الباردة مع الاتِّحاد السوفيتي على احترام حقوق الإنسان، واتَّخذت مواقف عديدة مُتشدِّدة ضدَّ الدوَل الَّتي تراها المجموعة الغربيَّة لا تتبنَّى رؤيتها في ملفِّ حقوق الإنسان، وكانت العقوبات الدوليَّة هي الحدَّ الأدنى من أسلحة الغرب ضدَّ مَن تتَّهمهم بعدم احترام حقوق الإنسان، وخصوصًا حقوق الأطراف الأشدِّ ضعفًا مِثل الأطفال والنِّساء، وكال الغرب في العقود الأخيرة الاتِّهامات لكُلِّ مَن يخالفهم في الرَّأيِ أو يختلف معهم على تلك الحقوق الإنسانيَّة، حتَّى وإن كانت مخالفةً للفطرة، بل ذهبوا لفرض معاهدات دوليَّة، يعاقبون مَن لا يُوقِّعُها ويرفض الالتزام ببنودها، وكانت العقوبات الاقتصاديَّة إحدى الوسائل المُهمَّة لضمِّ مَن يخالف رؤيتهم، أو يمَسُّ ما وصفوها بقِيَمهم الديمقراطيَّة.


ورغم تلك القسوة والإصرار على تطبيق تلك الرؤية الغربيَّة وتعميمها في العالَم أجمع، نجِدُ مَن يتشدَّقون بالحُرِّيَّة وحماية حقوق الإنسان يغضُّون الطرف، إذا كان الجاني أو المُجرِم صهيونيًّا ينتمي لكيان الاحتلال الصهيونيِّ، فكَمْ من جرائم متواصلة ارتكبها الكيان الصهيونيُّ المارقُ ضدَّ أطفال ونساء فلسطين، وتعمُّده حرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانيَّة، سواء في التعليم أو الصحَّة، بل يذهب الأمْرُ لِمَا هو أبعد من ذلك أثناء العدوان في حرمانهم في حقِّهم في الحياة، كما يحدُثُ الآن على أرض غزَّة، وشهدت به المنظَّمات الغربيَّة والدوليَّة بوضوح، حيث أعلنت المنظَّمات الإنسانيَّة أنَّ الأطفال في قِطاع غزَّة يموتون بوتيرة مقلقة، محرومين من حقِّهم في الحماية والغذاء والمياه والعناية الطبيَّة، لدرجة أنَّ أكثر من 70% من شهداء العدوان الصهيونيِّ من الأطفال والنِّساء والمُسنِّين.
ورغم إعلان الممثِّلة الخاصَّة لليونيسف لدى فلسطين لوتشيا إلمي أنَّ مليون طفل في قِطاع غزَّة بحاجة عاجلة للحماية، لَمْ يُحرِّك الغرب ساكنًا، ولَمْ نرَ مِنْهم دَولة تلوِّح بالعقوبات ضدَّ الكيان الصهيونيِّ على الجرائم الموَثَّقة الَّتي يشهد عَلَيْها القاصي والدَّاني، أو نجدُ مِن الغربيِّين مَن يتحرك بصرامة، بل نجدُها في مواقف أقلَّ بكثير ممَّا يُرتكب من جرائم في قِطاع غزَّة، ولا نجدُ مَن يُحرِّك دعوى قضائيَّة أو يطالب بلَجنةِ تحقيق مستقلَّة وإدانة مُجرِمي الحرب في كيان الاحتلال الصهيونيِّ، لِتؤكِّدَ الحضارة والديمقراطيَّة الغربيَّة أنَّها مجرَّد شعارات تسعى لتحقيق أكبر مصلحة ممكنة لمَن يتشدَّقون بها. فالحرب الَّتي تَدُور رحاها في غزَّة الفلسطينيَّة كشفَتْ سوءات العديد من الدوَل الَّتي طالما تحدَّثت عن نموذج ديمقراطي يُراعي حقوق الإنسان ويحميها. بل المؤسف حقًّا أنْ نجِدَ على العكس من ذلك، وهو تشجيع أتباع هذه الحضارة والديمقراطيَّة الغربيَّة العدوَّ الصهيونيَّ على إلحاق الأذى وارتكاب المجازر بحقِّ الشَّعب الفلسطيني، وتوفير الغطاء لهذه الجرائم وعرقلة أيِّ مسار أو مبادرة لوقفها.
إنَّ ازدواجيَّة المعايير الغربيَّة، الَّتي يتكرَّر ظهورها بوضوح في كُلِّ عدوان صهيونيٍّ على الفلسطينيِّين العُزَّل، هو إحدى وسائل المساعدة الَّتي يُقدِّمها الغرب لحليفه كيان الاحتلال، لدرجة أنَّ هذا التخاذل يجعل المسؤولين الصهاينة في حكومة الاحتلال الصهيونيِّ يتعمَّدون في تصريحاتهم ومواقفهم تجاهل الأهمِّية الاستراتيجيَّة لحلِّ القضيَّة الفلسطينيَّة، ويحاولون تغييبها بالكامل، ويتعمَّدون قطْعَ أيَّة صِلَة بَيْنَ هذا الانفجار والتصعيد غير المسبوق بسياقه السِّياسي المرتبط بقوَّة بوجود الاحتلال الَّذي طاله أمَدُه في أرض دَولة فلسطين، وذلك امتدادًا لِتنكُّر الحكومات الإسرائيليَّة المتعاقبة لحقوق الشَّعب الفلسطينيِّ كما جاءت في قرارات الشرعيَّة الدوليَّة، وامتدادًا أيضًا لمواقف كيان الاحتلال الَّتي أفشلت جميع أشكال المفاوضات مع الجانب الفلسطينيِّ، وترجمةً لسياسة المحتلِّ الصهيونيِّ المعادية للسَّلام منذ الإعلان عن قيام كيان الاحتلال.

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: کیان الاحتلال حقوق الإنسان الاحتلال ال ة الغربی

إقرأ أيضاً:

قيادي بمستقبل وطن: مصر ستظل الداعم الأول والحاضن للقضية الفلسطينية

قال محمد خلف الله، أمين مساعد أمانة حقوق الإنسان المركزية بحزب مستقبل وطن، إن الدعم المصري قيادة وشعبًا للأشقاء في فلسطين؛ ينبع من مسؤولية تاريخية وإنسانية تكفلتها الدولة المصرية من منطلق دورها الريادي ومبادئها الثابتة تجاه الأشقاء، مؤكدًا أن امتداد مسيرات الدعم المصري لغزة لم ولن تتوقف مهما تكلف الأمر.

برلماني: كلمة السيسي حول غزة "نداء إنساني" يستوجب تحركًا عالميًا عاجلًابرلماني: التشكيك في دور مصر النبيل تجاه غزة لا يصدر إلا من جهات مأجورةبرلماني: انخفاض الدولار واستقرار الأسعار مؤشرات إيجابيةالشباب والرياضة تواصل اجتماعات برلمان شباب مصر لمناقشة قضايا الأمن القومي

وأضاف «خلف الله»، أن مصر هي الطرف الأكثر انخراطًا في جهود وقف إطلاق النار، وهي من يقود مفاوضات معقدة ومتواصلة مع كل الأطراف، تحت ضغط هائل، ومن دون مزايدة؛ في سبيل الوصول إلى تهدئة حقيقية تحفظ الدم الفلسطيني وتفتح بابًا للحلول المستدامة.

وأكد محمد خلف الله، أن مصر هي الشقيقة الكبرى للدول العربية، وأن دعم الأشقاء واجب وطني يؤمن به كل المصريين، وهو قرار ثابت للقيادة السياسية، ممزوج بدعم شعبي لا يتوقف، مشيرًا إلى أن هذا الدعم ليس وليد اللحظة، بل هو مسؤولية تاريخية وإنسانية تتحملها الدولة المصرية حتى في ظروفها الاقتصادية الصعبة.

وأشار أمين مساعد أمانة حقوق الإنسان المركزية بحزب مستقبل وطن، إلى أن الوقوف بجانب الفلسطينيين واجب أخلاقي وإنساني لا يقبل المساومة أو المتاجرة به، موضحًا أن الأصوات التي تستنكر الدور المصري ما هي إلا أبواق تتحدث من الخارج ليس لها أي تأثير سواء على الجانب المصري أو الفلسطيني.

وأكد محمد خلف الله، أن مصر ستظل الداعم الأول والحاضن للقضية الفلسطينية، وأن القيادة المصرية وخلفها الشعب المصري لن تتراجع عن موقفها الثابت تجاه القضية والذي ينص على أنه لا بديل ولا حلول للقضية الفلسطينية إلا بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1968.

وطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته بوقف نزيف دم الأبرياء في فلسطين ووقف حرب الإبادة العرقية التي ينتهجها الاحتلال الغاشم في غزة.

طباعة شارك محمد خلف الله حقوق الإنسان المركزية فلسطين غزة

مقالات مشابهة

  • “الغرب المتحضر.. حين يتحول الذئب إلى واعظ عن حقوق الإنسان!”
  • البانيز: عقوبات واشنطن لها تأثيرات خطيرة على حياتي وعملي
  • صحة غزة: استشهاد 18.592 طفلا و9.782 امرأة منذ بدء عدوان الاحتلال
  • هدن مزيفة ومساعدات منهوبة.. خداع إسرائيلي يفاقم معاناة المجوّعين بغزة
  • أبعاد المرحلة الرابعة من الحصار البحري على كيان العدو الصهيوني
  • لأول مرة.. منظمتان في إسرائيل تتهمانها بارتكاب إبادة جماعية في غزة
  • قيادي بمستقبل وطن: مصر ستظل الداعم الأول والحاضن للقضية الفلسطينية
  • الحكومة السودانية تفاجئ الأمم المتحدة
  • وداعًا الفنان الإنسان زياد الرحباني
  • وزير خارجية فرنسا: نرفص استهداف الأطفال والنساء في غزة